البحوث القرآنية (13) 

شارك المقال على Google Twitter Facebook Whatsapp Whatsapp
البحوث القرآنية (13) 

اعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الغوي الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم

القول مني في جميع الاشياء قول آل محمد ( عليهم السلام )فيما اسروا وما اعلنوا وفيما بلغني عنهم ومالم يبلغني الحمد لله رب العالمين وافضل الصلاة وازكى السلام على المبعوث رحمة للخلائق اجمعين سيدنا محمد واهل بيته الطيبين الطاهرين ولعنة الله على قتلتهم واعدائهم اجمعين من الآن الى قيام يوم الدين .. آمين

في الحلقة السابقة ..

نمضي في ذكر امثله ونماذج من اعجاز القرآن الحكيم في التصوير البلاغي بما يهز الانسان من الاعماق ، وكنا قد تطريقنا الى قوله ( تبارك وتعالى ) :{ يوم نقول لجهنم هل امتلئت وتقول هل من مزيد } ، وقلنا بأن هذه الصورة البلاغيه العميقه هي صورة ساحره لايمكن لأية ريشه أن ترسمها بالالوان ولا يمكن لأي قلم أن يكتبها بالحروف والكلمات والالفاظ . وذكرنا قصة ذلك الاديب المصري مع ذلك المستشرق الامريكي في شأن هذه الآيه التي اعترف تاليا المستشرق الامريكي بأنها معجزه .

المثال الثاني للإعجاز القرآني في الجانب البلاغي ..

هنا نأتي الى ذكر آية  اخرى ايضا تبين لنا هذا الاعجاز البديع في القرآن الحكيم ، وأن احدا لم يتمكن من بلوغ هذا المنتهى قط مع ما قد برع فيه العرب من الادب والشعر والفصاحه والبلاغه .  نحن إذا اردنا أن نعبر عن هذا المعنى وهو معنى أنّ الآلهة المزيفه المزعومه التي يعتقد بها الكفار والمشركون انما هي عاجزه وغير قادره ، نريده أن نبين هذا العجز انه عجز واسع بحيث أنّ هذا العاجز ، اي هذا الصنم ، هذا الاله المزيف عاجز عن ابسط الامور فنريد أن نضخم معنى العجز هذا ، وفي الوقت نفسه نريد أن نستخدم اسلوب تحقيريا تسفيهيا لهذه الآيه المزعومه دون أن نجنح الى استخدام مفردات فيها شيء من السباب مثلا او كلمة قد لاتكون متوافقه مع فخامة اللفظ ، إذا اردنا هكذا ان نعبر فكيف نعبر ؟

إذا جعلنا هذا المعنى الآن نصب اعيننا واردنا أن ننظم عبارة او نكتب عباره للتعبير عن هذا المعنى فكيف نعبر ؟كما بينا في الحلقه الماضيه من محاضراتنا الماضيه أنّ احدا مها اجتهد في ذلك فلن يصل الى المستوى الذي عبّر به القرآن الحكيم او عبر فيه القرآن الحكيم عن تلك المعاني وتلك الامور التي ذكرناها .  والآن انتم حاولو وفيكم إن شاء الله الادباء والبلغاء لعله حاولو أن تنظمو عباره او تركبو عباره تشتمل على هذا المعنى ، ماذا يسعكم أن تقولو ؟ تقولون مثلا أنّ هذه الالهه التي تؤمنون بها هي اعجز مما تظنون ؟
"انها عاجزه عن أن تحمي نفسها"
وهكذا ..

مهما اجتهدنا في التعبير البليغ عن هذا العجز الذي نصاحبه بتعبير او بسياق كلام تسفيهي تحقيري للطرفين معا ، يعني لطرف هذا المعبود وهي الالهه المزيفه ، هذه الاصنام ، هذه الاوثان .  وكذلك نريد أن نسفه العابد اي اولئك المشركين الذي يعتقدون بهذه الاصنام ، فنريد أن نسفه الطرفين  معا مع بيان حقيقه العجز وانه عجز واسع عجز شامل حتى ابسط الامور لاتستطيع أن تصنعها هذه الالهه المزعومه ، فمهما اجتهدنا من اجل أن نعبر عن هذا المعنى فلن نصل الى المستوى الذي عبر به القرآن الحكيم وانتم انظرو في طول التاريخ وعرضه في التراث العربي كله منذ زمن الجاهليه الى زماننا هذا لا تجدون عباره في التعبير عن هذا المعنى بعمق بلاغة هذه العباره التي وردت في القرآن الحكيم .

وانما ناتي بها كنموذج فقط وكمثال فقط من امثلة شتى ولاحصر لها في اعجاز وفصاحة وبلاغه القرآن التي لايصل اليها احد ، ولم يصل اليها احد كيف عبر الله ( تبارك وتعالى ) عن هذا المعنى ؟ قال عز وجل { يا ايها الناس } وهذه اول كلمة او عبارة تقرع الاسماع لم يقل مثلا "ياناس" او "ايها الناس" ، لا ، ياء النداء مع ايها حتى يلفت الانتباه اكثر ، يطلب انتباه الناس ، أن انتبهو { يا ايها الناس ضرب مثل فاستمعو له } ، وهذه العباره ايضا زياده في التشويق وتهيئة السامع الذي تقرع سمعه ، هذه العباره تهيئته لإستقبال مايليها { يا أيها الناس ضرب مثل } واستخدم لفظ الماضي ، وهذا من ابلغ مايكون لم يقل "اني اضرب مثلا لكم" .

{ يا ايها الناس ضرب مثل فاستمعو له إنّ الذين تدعون من دون الله لن يخلقو ذبابا ولو اجتعو له وإن يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذونه منه } ، شوف هذا السبك العجيب لقد اخبرتك فيما مضى انه قد تبدو على كثير منا هذه الآيات الكريمه عاديه السبب انا بعيدون عن اللغه ، بعيدون عن اللغه العربيه ، فلا نتذوقها تمام التذوق لا نفقهها لا نقف على هذا السحر البياني ، هذه الجماليات وهذه البدائع . 

انما يتذوق كل ذلك من هو متضلع باللغه او عالم باللغه او نشئ بفطرته على هذه اللغه ، كالاعرابي الذي مر معنا في المحاضره السابقه ، هؤلاء حين يسمعون كلاما كهذا الاثر الذي يتركه على نفوسهم ، هو الاثر الذي ذكرناه في قصص اشياخ قريش وكبارها الذين انجذبوا انجذابا عجيبا لهذا القرآن ولهذا الكلام وشهدوا بأنه فوق مستوى كلام البشر .  لأنه يعرفون ماهي اللغه العربيه لذلك اني الآن اتلو هذه الآيه المباركه وقد بعضكم لايرى فيها شيء لكن تأملو جيدا واني احاول أن احلل هذه الآيه وابين بعضا من جوانب الفصاحه والبلاغه فيها ، والبداعه والابداع فيها حتى تحصل عندكم شيئا من  الملكه في تذوق هذه الآيات وتذوق اللغه وادب اللغه .

{ يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعو له إنّ الذين تدعون من دون الله لن يخلقو ذبابا ولو اجتمعو له }، لاحظ الوزن هنا اكو حاله للعلم من الوزن القرآني ليس موجودا في اي كتاب او اي كلام آخر ، لافي شعر ، لافي نثر ، لافي سجع ، لافي ارجوزه ، لافي مقال ، لافي خطبه ، لافي اي شيء .  لاتجد مثل هذا الوزن العجيب الذي لايتركب مثله ويحافظ على مثل هذا الوزن والنظم الذي تميز به القرآن ، لاتجده إلا في نفس القرآن .

تقليد القرآن بقصد المعارضة ..

وإذا اردت أن تقلده كما سيأتي ان شاء الله في المباحث القادمة انا سنعرض نماذج ممن حاولوا أن يعارضو القرآن وزعموا انهم يعارضونه وانهم حاولوا تقليده فقط ، وانفضحو بذلك عبر الزمان الى زماننا المعاصر ، سنأتي بهذه النماذج وترون الفارق هنا والفوارق لأنهم ماذا صنعوا ؟ انما حاولوا أن يبدلو كلمه بدل كلمه بظن منهم أن هكذا يمكن أن نعارض هذا القرآن ، ونحافظ على هذا الوزن والسبك القرآني ، ولم يحصل لهم ما أرادوا .

سبحان الله بمجرد أن تحذف كلمه من نفس القرآن وتبدلها بكلمه اخرى تجد المعنى يختلف ، تنقص كلمه ، تزيد كلمه احيانا تنقص حرف تزيد حرف الوزن هذا يختل ، السبك القرآني تسمعه تقول لاهذا مو قرآن ، مثل مامرّ معنا ذاك الاعرابي صحح للأصمعي على مانقلناه في المحاضره السابقه ، دققو { ضرب فاستمعو له } بعدين يقول : { لن يخلقو ذبابا ولو اجتمعو له } ، هذا الوزن كيف تعبر عنه؟لاتعرف حتى عظماء البلغاء لايعرفون { يا ايها الناس ضرب مثلا فاستمعو له إنّ الذين يدعون من دون الله لن يخلقو ذبابا ولو اجتمعو له وإن يسلبهم الذباب شيئا لايستنقذوه منه ضعف الطالب والمطلوب } ، الله اكبر عبارة حقيقه تهز النفوس ، { ضعف الطالب والمطلوب }، ثم يقول في الآيه التي تليها { ماقدروا الله حق قدره إن الله لقوي عزيز }

نتوقف عند اكثر من نقطه في محاوله تلمس اوجه الاعجاز والبداعه والبراعه والفصاحه والبلاغه في هذه الآيه الكريمه ، الامر الاول الذي نقف فيه هو انا نجد في هذه الآيه الكريمه استخدام اسلوب تحقيري وتسفيهي مع المحافظة على فخامة اللفظ .  نحن قلنا بأنا اردنا أن نعبر عن المعنى العجز ، عجز هذه الآلهه كيف نعبر بلفظ بهي ويصاحب ذلك أن يكون الاسلوب اسلوب تسفيه تحقير شنو هذه الآلهه ! شنو مستواها وانتم ايضا يامن تعبدون هذه الالهه اين عقولكم !
ياسفهاء !

انتم لاحظو هنا في هذه الايه الكريمه الله ( عز وجل ) سفههم دون أن يستخدم حتى لفظة السفيه ، حقرهم دون أن يستخدم اي اشتقاق من مشتقات كلمة الحقاره ، لم يقل الهتكم حقراء ، ماقال انتم حقراء ، فإذا استخدم اسلوبا تسفيهيا وتحقيريا ولكن في فخامة من اللفظ ، وهذه عادتا للعلم اشد على القلوب من اي اسلوب آخر ، فيه تسفيه وتحقير .

يعني تارة وافتكر ربما لاحظتم هذا الشيء لما مثلا يوجه نقد او هجوم لشخصيه ما مثلا مرموقه ، إذا حافظت في نقدك على فخامة الالفاظ فتجده ينفعل اكثر مما لو انت انفعلت واستخدمت مثلا سبتا او شتيمه او لفظا جارحا ، لا اقول انه ليس هنالك جرح في القرآن ، هنالك جرح ولكن لما تضمه لماقبله وما بعده تجده جرح فخم ، هكذا فيه اناقه في النظم بحيث لا يتوجه اشكال على هذا اللفظ او على هذا التركيب او على هذا الاسلوب القرآني بأنه قد تهابط في خطابه مثلا .  حتى مثلا لما يقول الله ( عز وجل ) : { مثل الذين حملو التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل اسفارا } ، هنا سب هنا جرح ولكن لما سبحان الله تضمه الى ماقبله وما بعده تجده فخما انه يشير الى حقيقه .  إنّ الذي يكتسب علوما ولا يعمل بها كمثل الحمار يحمل اسفارا الحمار ، الآن اجعل عليه كتب اسفار لايستفيد من الكتب لأنه لايعمل بها .


فحال اولئك اليهود الذين ورثوا التورات وورثوا الكتب المقدسه ولكن ماكانو يعملون بها بل كانوا يخالفونها ويحرفونها ويضربون بها عرض الجدار كحال الحمار يحمل اسفارا .  القضيه واضحه مايستفيد من الكتب .

فلما تتصور هذا المعنى وتلاحظ الاسلوب القرآني جيدا تقول هنا استشعر فخامة في التعبير والالفاظ ، كذلك هنا { يا أيها الناس ضرب مثلا فاستمعو اليه إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقو ذبابا ولو اجتمعو له وإن يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه ضعف الطالب والمطلوب } ، هنا الله ( تبارك وتعالى ) قد اسقط كل كرامة تبقت للعابد والمعبود ، العابد الوثني والمعبود الوثني اسقطهم { ضعف الطالب والمطلوب } ، استخدم اسلوبا تحقيريا وتسفيهيا كيف؟

الذباب من احقر مايرى خصوصا في ذلك المجتمع ، فالله ( تبارك وتعالى ) ذكر مثال الذباب ، يقول هذا الذباب الحقير مع انه من احقر الموجودات التي ترى والتي تطير في الهواء ، آلهتكم غير قادره على أن تخلق واحد من هذا الذباب ، ولو اجتمعوا له مو فقط الاه واحد ، مو هبل مو الات مو منات او العزى او غيرها ، لا .  وانما فالتجتمع كل هذه الالهه المزعومه لن تتمكن من أن تخلق ذبابه ، ثم يعرج الله ( عز وجل ) الى معنى آخر تماما زيادة في التحقير والتسفيه ، انه لنتناسى خلقهم للذباب الحقير هم هذا الذباب الحقير إذا يأتي يحط على هذا الاله المزعوم ، هذا الذي تدعون من دون الله ( تبارك وتعالى ) ، فيسلبه شيئا لايستطيع هذا الاله المزيف ، هذا الوثن هذا الصنم أن يستنقذ هذا الشيء الذي سلبه منه لايقدر !


ثم يقول { ضعف الطالب والمطلوب } ، الطالب لهذه الالهه وهو المشرك الوثني ، ضيعف ، حقير ، وضيع ، عاجز والمطلوب عاجز كذلك وهو الصنم والوثن والاله المزعوم .  تحداهم اولا بخلق ذبابه ، ثم تحداهم بما هو اسهل من خلق الذبابه وهو أن يقاومو الذبابه ، هذا التدرج فضلا عن كونه تدرجا استدلاليا حتى يوقض الاذهان والضمائر ، هذا يفكر حينما يتلقى هكذا هل رأيت بعيني قط الاها من هذه الآلهه التي هي محدقة حول الكعبه استطاعت أن تستنقذ شيئا سلبها منها الذباب شيء واحد ..كلا

الاسلوب الثاني في الآية المعجزة ..

فضلا عن أن تخلق ذبابا ، فضلا عن أن تجتمع حتى تخلق ذبابا ، { ضعف الطالب والمطلوب } ، فإذا استخدم هذا الاسلوب التحقيري والتسفيهي مع المحافظه على فخامة اللفظ ، مع تدرج استدلالي وتحدي واضح ، ثم وهذه هي النقطه الثانيه انه استخدم في هذه الآيه اسلوبا تشويقيا رائعا يلفت الانتباه وهو اسلوب الابهام الذي يعقبه ايضاح .

لاحظو في البدايه الله ( تبارك وتعالى ) ابهم فشد الانظار ، شد الاسماع ، الفت الانتباه ، { يا أيها الناس ضرب مثلا فاستمعو له } ،الانظار كلها تنتبه ماهذا الشيء المبهم ؟حاله من التشويق بعد ذلك جاء بالايضاح { إنّ الذين تدعون من دون الله لن يخلقو ذبابا ولو اجتمعوا له } ، فهذا اسلوب الايضاح بعد الابهام هذا اسلوب تشويقي بلاغي يلفت الانتباه جيدا

الوقفة الثالثة بحضرت الآية المعجزة ..

الوقفه الثالثه انا نجد طباقا في هذه الآيه الكريمه ماهو الطباق؟الطباق والجناس وما اشبه هذه امور ترجع الى مايسمى بعلم البديع ، هذه تسمى المحسنات البديعيه ، تحسن الكلام وهي من البلاغه . الطباق هو أن يكون هنالك في نفس العباره او في نفس الجمله ، تكون هنالك كلمتان متضادتان في المعنى هذا يسمى ماذا ؟طباق .

اين نجد هذا الطباق ؟ تأملوا في الآيه { يا ايها الناس ضرب مثلا فاستمعو له إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقو ذبابا ولو اجتمعوا له وإن يسلبهم الذباب شيئا لايستنقذه منه ضعف الطالب والمطلوب } اظنكم لاحظتم اين الطباق هنا ؟

الطباق في قوله : { يسلبهم ويستنقذوه } السلب والاستنقاذ ارجع هذا طباق ، وهو من البديع ، وهو من المحسنات البديعيه .

الوقفة الرابعة بحضرت الآية المعجزة ..

ثم نلاحظ شيء آخر أنّ عندنا مايسمى ايضا في علم البديع بالجناس ماهو الجناس ؟ أن يكون في نفس العبارة او في نفس الجمله تكون هنالك كلمتان تتشابهان في اللفظ ، ولكن تفترقان في المعنى ، او تختلفان في المعنى ، كلماتان متشابهتان لفظا وتتغايران في المعنى ، اين نجد الجناس في هذه الآيه ؟

الجناس نجدها في هتين الكلمتين { الطالب والمطلوب } ، كلتاهما متشابهتان في اللفظ ، نفس الماده طلب طالب مطلوب ولكن هنا جناس بين الكلمتين ، ولكن ماذا افتراق في المعنى معنى الطالب شيء معنى المطلوب شيء آخر .

فإذا في هذه الوقفه الثالثه والرابعة وقفنا على محسنين بديعيين في هذه الآيه الكريمه ، وهما الطباق والجناس ، وهذه كلها لها دخائل في امر البلاغه والفصاحه .

الوقفة الخامسة بحضرت الآية المعجزة ..

الوقفه الخامسة وهي على شكل تسائل انه لماذا لم يقل الله ( عز وجل ) مثلا وإن يختلس الذباب شيئا ، لماذا قال { وإن يسلبهم الذباب شيئا } ؟ماهو السبب؟

دققو وتأملوا حتى تعرفو أنّ القرآن دقيق دقيق دقيق دقيق في استخدام الالفاظ التي تدل على معاني دقيقه .  قد يقول قائل السلب والاختلاس شيئ واحد معناه ، فالآن نفرض أن شخصا يريد أن يعارض القرآن يقول " إنّ الذين تدعون من دون الله لن يخلقو ذبابا ولو اجتمعو له وإن يختلسهم الذباب شيئا لا يستنقذوه" ، عارضت القرآن مع انا بينا سابقا أنّ المعارضه لاتكون ابدال كلمه بأخرى ، هذه ليست معارضه وسيأتي تفصيل ذلك إن شاء الله في المستقبل ولكن نسلم جدلا بأنه هذه معارضه ، ونعرضها على الخبراء فماذا يقولون ؟

يقولون كلا الكلام الاول افصح وابلغ كيف ؟ مع أنّ أنا استخدمت مفرده هي مرادفه لتلك ، يقولون كلا .  للعلم المتردافات في اللغه العربيه تسمى مترادفات مثل قعد و جلس هاتان كلمات مترادفتان ، ولكن إن تأملت لكل من هتين الكلمتين هذا علم عميق انه كل كلمه لها ميزه تختلف عن الكلمه الاخرى ، لها مايميزها ، ولها معنى وإن كانت بالمعنى الاجمالي متماثلتان . يعني تؤديان الى معنى واحد ، ولكن إذا دققت جيدا فلايُقال لك هيئة الجلوس جلس وهو بنحو خاص قعد بنحو آخر خاص .

كذلك السلب والاختلاس ما الفرق بينهما ؟ صحيح انهما في المعنى الاجمالي واحد ولكن إذا دققت تجد أنّ هنا فرق السلب ، قد يكون من وراء ظهرك وامامك هذا سلب فلان سلب مال فلان كيف سلبه ، اما ذهب وهدده بالسلاح وسلبه امام مرأى عينيه ، او اخذه بلا تهديد المهم امام مراى عينيه ، يعني اجبره على ذلك ، يقهره على ماله ، وقد يكون ايضا انه قد سلبه من وراء ظهره ، يروح يتلاعب مثلا في الحسابات البنكيه يسلب الاموال يُقال لهذا سلب المال .

اما المختلس فلايكون إلا الذي يسرق مالك منك ، لايكون إلا الذين يسلب مالك من وراء ظهرك ، هذا يُقال اختلاس ، حينما يأتي شخص امامك سلّاب ياتي ويسرق منك قهرا لايقال لهذا في اللغه العربيه انه قد اختلس ، اللغه الفصيحه يعني الفصيح من العرب ذلك الاعرابي مثلا لايقول او الخليل ابن احمد الفراهيدي لايقول اختلس مني المال ، ذلك القاطع الطريق لايقول ذلك يقول سلب لماذا ؟

لأنه لم يختلس ، لم يأخذ مال من وراء ظهري من دون أن اعلم او دون أن اعلم لأن من دون هذه ايضا بعيده عن الفصاحه ونحن انما نخلط بين الكلام الفصيح والكلام الدارج لغرض الافهام .

فإذا الله ( عز وجل ) هنا استخدم هذا التعبير { وإن يسلبهم الذباب } ، اي زياده في التحقير واثبات العجز .  انه هذا الإلاه الموجود الذباب يأتيه يسلبه شيئا امام عينه قهرا .  هذا الاله المزيف لاانه يُختلس من وراء ظهره او من وراء عينه حتى يُقال لأنه لايعلم الآن ، اعتقاد المشركين بالدقه انما هي تقريبات انه قد مثلا يثبتون لآلهتهم وهذا مطلب ثابت في الآثار انهم مثلا لايحيطون بكل شيء علما بحيث انه إذا ماسرق منه شيء مثلا دون أن يكون امامهم فإنهم لايشعرون ، ولهذا مثلا ورد في بعض تلك الآثار لما كان المرء منهم يريد أن يرتكب فاحشه او امرا غير ملائم فكان يأخذ مثلا رداء ويغطي به الصنم حتى لايرى .

فكان هذا تصورهم فإذا هذا الذباب يأتي من وراء هذا الاله ويسلبه شيئا او يختلس بالاحرى شيئا منه فقد يقولون ماكان يرى ، ولذلك يعني يقاوم هذه العمليه ، ويقاوم هذا النظام . ولذلك الله ( عز وجل ) اكد على أنّ السلب يكون قهرا وامام ذلك الوثن امام ذلك الاله . { وإن يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه } ، فاستخدم كلمة هي اوقع في التحقير والتسفيه واثبات العجز ولايتوجه اليها اشكال كما لو استخدم كلمة الاختلاس .  فقال مثلا "وإن يختلسه الذباب شيئا"، هنا اراد الغايه في التحقير واثبات العجز فاستخدم السلب .  انه قهرا فكيف يكون الاه هذا الذي لايستطيع أن يدفع عن نفس الذباب  أن يسلبه شيئا ؟! فكيف يكون الاها ؟! كيف تحاولون أن تقوو انفسكم بهذا الاله حتى يقويكم حتى يحميكم { ضعف الطالب والمطلوب } !


هذا وجه في استخدام كلمة السلب ، وهنالك وجه آخر هنا هذا الوجه الاول ، كان وجه البلاغه كما لاحظتو لأنا قلنا أنّ البلاغه هي عمق المعنى ، الوجه الآخرى في استخدام كلمة السلب وانها افضل من كلمة الاختلاس هو وجه الفصاحه .  ماذا بيّنا في الفصاحه في المحاضرات السابقه ؟! قلنا معنى الفصاحه انه سلامة الكلام من التعقيد والتنافر مع ملاحظة الاختصار ماقرب طرفاه كما يقول الخليل ابن احمد .

اخصر الكلام فهنا ايهما اخصر من الاخرى يسلبهم ام يختلسهم ؟
يسلبهم اخصر فلذا الله ( عز وجل ) استخلف هذه الكلمه لأنها افصح كما انها اكثر توافقا مع هذا الوزن القرآني الذي ذكرناه .  الآن انت لاحظ ايهما اقرب الى الوزن القرآني الذي لايدرك ، لايمكن وصفه ، لايدرك في وصفه ، لايتمكن احد من الادباء والبلغاء وزنا محددا للقرآن كما حددوا للشعر اوزان الشعر . مايقدرون يقولون القرآن عجيب ، وزن عجيب خاص ، لا عهد لنا به ، ولم يعهد مثله ، ولن يعهد مثله ، ولكن يمكن ماذا أنّ الانسان يتذوق الوزن دون أن يستطيع أن يحدده او يصفه .

الآن انتو لاحظو إذا انا ابدل  كلمة يسلبهم اخليها شنو يختلسهم ، شوفو يستقيم الوزن القرآني ؟ هذا المعتاد اقرأ الآيه منذ البدايه مع هذا التركيب { يا ايها الناس ضرب مثلا فاستمعو له إنّ الذين تدعون من دون الله لن يخلقو ذبابا ولو اجتمعو له وإن يختلسهم الذباب شيئا لايستقذوه منه ضعف الطالب والمطلوب } ، تشعر هنا بأن هنالك شيء هجين ، اكو كلمة داخلة بالغلط مامستقيمه مع هذا الوزن القرآني ، العحيب لا وإن يسلبهم الذباب هو يختلسه في القرآن الكريم .

الوقفة السادسة في حضرت الآية المعجزة ..

هذه وقفه وقفه اخرى ايضا في بلاغة هذه الآيه وايضا على صيغت سؤال انه لماذا لم يقل "إنّ الذين تعبدون من دون الله" مثلا وانما قال : { إنّ الذين تدعون من دون الله } ؟

قد يقول قائل انما كانوا يعبدون هذه الآلهه وهذه الاصنام فكان يسعه أن يقول "إنّ الذين تعبدون" لماذا قال { إنّ الذين تدعون } دققو هنا . لماذا ؟  لأن سياق هذه الآيه إذا لاحظتم هو سياق الطلب والدعاء .

الطلب والدعاء والاستقواء ولذلك ينبغي أن يكون التعبير عن تلك الآلهه بأنها تلك التي تدعى من اين تلاحظ السياق ؟ تلاحظه من الاول والاخير .  تشوف مثلا الاخير { ضعف الطالب والمطلوب } ،فيه استقواء فيه طلب ، طلب ، مطلوب ، طالب فهذا الطلب والدعاء شنو اساسه ؟ الدعاء هو الطلب معنى الدعاء ماذا ؟الدعاء طلب من الادنى الى الاعلى .

الادنى حينما يطلب من الاعلى يسمى دعاء ، الاعلى حينما يطلب من الادنى على حسب مفاهيم اللغه يسمى امر لادعاء .  زين المتماثلين إذا طلبا من بعضهما بعض يعني واحد بنفس مقام الآخر وزير مع وزير طلب مثلا فماذا يسمى هذا الطلب؟يسمى التماس لايسمى دعاء ولايسمى امر يسمى التماس .  هنا سياق الآيه هو في هذا الطلب ، وحيث أنّ المشرك يرى نفسه الادنى والاهه الصنم هو الاعلى فإن طلبه من ذلك الاعلى يكون دعاءا ولذا قال الله ( عز وجل ) : { إنّ الذين تدعون من دون الله } .

هو الله ( عز وجل )  انما اراد أن يبين انكم انتم الاعلى وتلك الاصنام هي الادنى لأنها لاتستطيع حتى أن تقاوم الذباب ، في حين انت يامن تعتبر نفسك ادنى وكرمك الله بأن تكون حيا لاحجر . انت فعلا تستطيع أن تدفع الذباب عنك ، وإذا سلبك الذباب شيئا فتتمكن من أن تستبدله منه .  صحيح انك لاتستطيع أن تخلق ذبابا ولو اجتمعت مع غيرك من بني الانس عليه ، هذا صحيح ولكن اقلا هذا الامر الثاني تتمكن منه ، أن تقاوم الذباب ، فكيف تعتبر أن هذا الذي لايتمكن وهو عاجز عن مقاومة الذباب كيف تعتبره اعلى وتدعوه ؟

{ ضعف الطالب والمطلوب }

فأنت استضعفت عقلك واستحقرت نفسك وهبطت بوعيك إذ قبلت بأن تكون طالبا بمطلوب عاجز ضعيف لايتمكن حتى أن يستنقذ شيئا مما سلبه الذباب منه .  فلاحظتم هنا عظمة البلاغه في القرآن ؟  لو عرضت هذه الآيه على البليغ ، البليغ مع تبديل كلمة تدعون الى كلمة تعبدون "إن الذين تعبدون من دون الله".

البليغ يكتشف الخطأ حتى وإن لم يكن عارف بالآيةالقرآنيه يقول هذه الكلمة غير متناسبه مع السياق مع المعنى . المعنى الذي تدور فيه هذه الآيه فورا يكتشف مثل ذلك الاعرابي وقصته مع الاصمعي التي ذكرناها في الحلقه الماضيه ، وإنّا إن شاء الله في البحوث المقبله سنعرض شهادات لبلغاء ليسوا من المسلمين ، يعني بلغاء نصارى او ملحدين شهدوا بإعجاز القرآن . كانوا منصفين وشهدوا بإعجاز القرآن ، وكذلك إن شاء الله نعرض شهادات لعدد من للمستشرقين الغربيين ايضا الذين يعبرون عن انبهارهم بالقرآن وفصاحته وبلاغته ودقة معانيه وبداعة نظمه وتركيبه واسلوبه وسبك عباراته والفاظه . طيب ..

هنا ايضا سؤال آخر ...

انه انتم قلتم بأنّ الفصاحه تكون في الاختصار ، طيب بالإمكان معارضة هذه الآيه بإختصار هذا المعنى الذي ذكره الله ( عز و جل ) في هذه الآية { إنّ الذين تدعون من دون الله لن يخلقو ذبابا ولو اجتمعو له } ، يقولون هذا ولو اجتمعو له كان يمكن اختصارها لـ كلمة جميعا ونقدمها شيئا قليلا فتكون العباره على هذا النحو "إنّ الذين تدعون من دون الله جميعا لن يخلق ذبابا وإن يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه } . فيقول إذا نحن عارضنا القرآن بما هو افصح ، شلنا عبارة { ولو اجتمعو له } ، ثلاث كلمات او حرفان وكلمه واستبدلناها بكلمه واحده فنحن افصح . ؟!

الجواب لماذا لا يكون ذلك افصح ؟

ايضا إذا دققتم انا هنا انما احاول أن اقرب معنى البلاغه والفصاحه اليكم لايكون ذلك افصح لماذا ؟لأن الآيه كما بينا انما هي في سياق التحقير والتعجيز ، يعني اثبات العجز ونفي القدره وحيث أنّا نقول لابد من مراعات البلاغه والبلاغه العميق مابعد منتهاه "باطنه عميق" كما يقول النبي الاعظم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، لا فقط أن نلاحظ الفصاحه .  قلت سابقا انه قد يكون هنالك كلام فصيح لكن لايكون بليغا لكن كل كلام بليغ فصيح بالضروره لماذا ؟

لأنه لايحدث انفكاك ، إذا افترضنا وجود كلام بليغ لافصاحه فيه ، فليس هو بكلام بليغ عند العرب ، فهنا قد تتصور هكذا انه إذا استبدلت { ولو اجتمعوا له } بكلمة جميعا فأنت قد فصحت او افصحت وصرت اكثر فصاحه او جئت بأمر افصح والامر ليس هكذا لأنك اخللت بركن البلاغه كيف؟

السياق هو كما بينا لبيان العجز .  طيب افراد الاجتماع افراده بهذه العبارة لاحقا على المطلب ، على مابيّن هذه ابلغ في اثبات العجز .  في البدايه الله ( عز وجل ) قال : { إنّ الذين تدعون من دون الله لن يخلقو ذبابا ولو اجتمعوا له } ، فإذا اثبت الامر المطلب المعنى هنا واراد أن يبالغ في اثبات ذلك العجز فماذا صنع ؟افرد الاجتماع لاحقا ، جعله منفكا عن هذه العبارة الاولى واكدها قائلا ولو بهذه الشرطيه { ولو اجتمعوا له } هذا ابلغ مما لو كان قد قال "إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا جميعا ذبابا وإن يسلبه الذباب شيئا".

هنا ابلغ اكّد على العجز ، اثبته بإفراده في محل متأخر مع استخدام اداة الشرط حتى يبلغ في المعنى اكثر فأكثر .  ولذلك انت اعرض العبارتين على نفسك تجد الاخرى ابلغ وينطبع معنى العجز عجز هذه الالهه على ذهنك اكثر مما ينطبع من العبارة الثانيه .  العبارة الثانيه هي هذه عبارة القرآن الحكيم { إنّ الذين تدعون من دون الله لن يخلقو ذبابا ولو اجتمعو له } ، اما العبارة الاولى " إنّ الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا جميعا ذبابا " لاحظ الفرق بين العبارتين ..

تبقت نقطتان في شأن هذه الآية او اكثر في شأن بلاغه وفصاحة هذه الآية ولكن حيث ادركنا الوقت فإنا نحيلها الى المحاضره المقبله وصلى الله على سيدنا محمد وأهل بيته الطيبين الطاهرين ولعنة الله على قتلتهم واعدائهم ومخالفينهم ومنكري فضائلهم ومناقبهم اجمعين الى قيام يوم الدين .. آمين

شارك المقال على Google Twitter Facebook Whatsapp Whatsapp