تفريغ ورقة البحث: دين الخرافات والثغرات الإباحية - الحمل المستكن مثالا - الجزء الأول

شارك المقال على Google Twitter Facebook Whatsapp Whatsapp
تفريغ ورقة البحث: دين الخرافات والثغرات الإباحية - الحمل المستكن مثالا - الجزء الأول

8 صفر الأحزان 1438

ورقة بحثية قيمة جدا بعنوان "دين الخرافات والثغرات الإباحية - الحمل المستكن مثالا" ألقاها سماحة العلامة الشيخ ياسر الحبيب "نصره لله" في جزأين مساء يوم الجمعة بتاريخ 18 و25 شوال المكرّم 1435 هجري:

- الجزء الأول للورقة البحثية:
ألحق سماحته بما طرحه منذ زمن في هذا الشأن، خرافة من خرافات البكرية في التصورات التي تبتني عليها الأحكام الفقهية، حيث بدأ بمقدمة ذكر فيها أن "ديانة أهل الخلاف التي تسمى زورا بديانة الإسلام ومذهب أهل السنة والجماعة غارقة في الخرافات التي لا يمكن التصور أنها من الإسلام في شيء، حيث تجد لديها خرافات في العقيدة وفي الاحكام والسلوكيات وفي التصورات، عموما أن الملاحظ أن هذه الديانة تمتلئ بالخرافات المتعددة".
وقد ضرب سماحته فيما مضى خلال أوراقه البحثية العديدة والمتناثرة، أمثلة عديدة لهذه الخرافات خاصة في حيز العقيدة ونظرة المخالفين مثلا إلى الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم.

ثم ذكر سماحته نصا طويلا يتعلق بالورقة البحثية، نقله القرطبي صاحب التفسير المشهور لدى المخالفين، في تفسير قوله تعالى في سورة الرعد:" الله يعلم ما تحمل كل أنثى وما تغيض الأرحام وما تزداد وكل شيء عنده بمقدار عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال"، فقد فرع القرطبي على هذه الآية الكريمة عدة مسائل وما يهمنا منها هي المسألة الخامسة، قال: "واختلف العلماء في أكثر الحمل، فروى ابن جريج عن جميلة بنت سعد عن عائشة قالت: يكون الحمل أكثر من سنتين قدر ما يتحول ظل المغزل، ذكره الدار قطني. وقالت جميلة بنت سعد -أخت عبيد بن سعد، وعن الليث بن سعد -إن أكثره ثلاث سنين. وعن الشافعي أربع سنين، وروي عن مالك في إحدى روايتيه، والمشهور عنه خمس سنين، وروي عنه لا حد له، ولو زاد على العشرة الأعوام، وهي الرواية الثالثة عنه. وعن الزهري ست وسبع. قال أبو عمر: ومن الصحابة من يجعله إلى سبع، والشافعي: مدة الغاية منها أربع سنين. والكوفيون يقولون: سنتان لا غير. ومحمد بن عبد الحكم يقول: سنة لا أكثر. وداود يقول: تسعة أشهر، لا يكون عنده حمل أكثر منها. قال أبو عمر: وهذه مسألة لا أصل لها إلا الاجتهاد، والرد إلى ما عرف من أمر النساء وبالله التوفيق. روى الدار قطني عن الوليد بن مسلم قال: قلت لمالك بن أنس إني حدثت عن عائشة أنها قالت: لا تزيد المرأة في حملها على سنتين قدر ظل المغزل، فقال: سبحان الله! من يقول هذا؟! هذه جارتنا امرأة محمد بن عجلان، تحمل وتضع في أربع سنين، امرأة صدق، وزوجها رجل صدق ; حملت ثلاثة أبطن في اثنتي عشرة سنة، تحمل كل بطن أربع سنين. وذكره عن المبارك بن مجاهد قال: مشهور عندنا كانت امرأة محمد بن عجلان تحمل وتضع في أربع سنين، وكانت تسمى حاملة الفيل! (1)

وروى أيضا قال: بينما مالك بن دينار يوما جالس إذ جاءه رجل فقال: "يا أبا يحيى! ادع لامرأة حبلى منذ أربع سنين قد أصبحت في كرب شديد ; فغضب مالك وأطبق المصحف ثم قال: ما يرى هؤلاء القوم إلا أنا أنبياء! ثم قرأ، ثم دعا، ثم قال: اللهم هذه المرأة إن كان في بطنها ريح فأخرجه عنها الساعة، وإن كان في بطنها جارية فأبدلها بها غلاما، فإنك تمحو ما تشاء وتثبت، وعندك أم الكتاب، ورفع مالك يده، ورفع الناس أيديهم، وجاء الرسول إلى الرجل فقال: أدرك امرأتك، فذهب الرجل، فما حط مالك يده حتى طلع الرجل من باب المسجد على رقبته غلام جعد قطط، ابن أربع سنين، قد استوت أسنانه، ما قطعت سراره" (2)

وروي أيضا أن رجلا جاء إلى عمر بن الخطاب فقال: يا أمير المؤمنين! إني غبت عن امرأتي سنتين فجئت وهي حبلى، فشاور عمر الناس في رجمها، فقال معاذ بن جبل: يا أمير المؤمنين! إن كان لك عليها سبيل فليس لك على ما في بطنها سبيل، فاتركها حتى تضع، فتركها، فوضعت غلاما قد خرجت ثنيتاه، فعرف الرجل الشبه فقال: ابني ورب الكعبة! فقال: عمر: عجزت النساء أن يلدن مثل معاذ ; لولا معاذ لهلك عمر. وقال الضحاك: وضعتني أمي وقد حملت بي في بطنها سنتين، فولدتني وقد خرجت سني. ويذكر عن مالك أنه حمل به في بطن أمه سنتين، وقيل: ثلاث سنين. ويقال: إن محمد بن عجلان مكث في بطن أمه ثلاث سنين، فماتت به وهو يضطرب اضطرابا شديدا، فشق بطنها وأخرج وقد نبتت أسنانه. وقال حماد بن سلمة: إنما سمي هرم بن حيان هرما لأنه بقي في بطن أمه أربع سنين. وذكر الغزنوي أن الضحاك ولد لسنتين، وقد طلعت سنه فسمي ضحاكا. وقال عباد بن العوام: ولدت جارة لنا لأربع سنين غلاما شعره إلى منكبيه، فمر به طير فقال: كش".

*وعلق سماحته على ما ذكره القرطبي في المسألة السابعة حول تلك الآية الكريمة، قال ما مضمونه:

إن عبارة ظل المغزل، هذه كناية عند العرب عن القلة. باعتبار أن المغزل حين يدور تقع عليه الشمس فيقع الظل، والظل هذا دائما يزداد وينقص بسبب حركة المغزل هذه. فالمروي هنا عن عائشة انها تقول كأن الحمل مدته قليلة ولكن العجيب ان هذه القلة عندها هي نفي الزيادة عن السنتين! أي انها تعتقد أن أكثر الحمل سنتان، وهذا أمر عجيب!

إذن عائشة تقول إن اقصى مدة للحمل سنتان! وأولئك الذين ذكرهم القرطبي وهم (جميلة بنت سعد -أخت عبيد بن سعد، وعن الليث بن سعد) يقولون إن مدة الحمل تطول إلى ثلاث سنين! وما كفاهم هذا فينقل القرطبي أن الشافعي يقول إن مدة الحمل تطول إلى أربع سنين! ومالك ابن انس يرى أيضا في إحدى روايته إن مدة الحمل تطول إلى أربع سنين! وهناك رواية أخرى وهي مشهورة عنه أن مدة الحمل تطول إلى خمس سنين! ورواية ثالثة يقول فيها أنه لا حد لمدة الحمل! بمعنى أنه تطول المدة إلى عشرة سنين! أو خمسة عشر! وربما عشرين! وثم تضعه وعمره عشرين سنة! وكل هذا الذي يفتون به بسبب بعدهم عن أهل البيت "صلوات الله وسلامه عليهم"، فهم غارقون في الخيالات الفاسدة وفي الخرافات.

ثم يعرض القرطبي مجموعة من الروايات التي يسمونها اجتهادا لتحديد أقصى مدة الحمل، أولها رواية الوليد ابن مسلم الذي نقل لمالك ابن انس حديث عائشة الذي ذكر آنفا، أنها ترى أقصى مدة الحمل هي سنتان، فلم يعجب مالك ابن انس رأي عائشة! مع أن مالك كما ذكرنا في محاضرات سابقة كان شديد الإخلاص لعائشة ويغلب أقوالها عادة، ويحتكم اليها، لماذا في هذه لم يغلب قولها ولم يحتكم اليها؟!

لأن مالك إذا اقر بقول عائشة هذا ان اقصى مدة الحمل سنتين، سيكلفه ذلك أن يطعن في نسبه هو! لأنه لديه مشكلة وعقدة، انه بقي في بطن أمه ثلاث سنين! سيتبين لاحقا تفصيلا أكثر حول هذه القضية (فضائح تتبعها نوائح).

فكان رد مالك على قول الوليد ابن مسلم، قال: "سبحان الله من يقول هذا؟ هذه جارتنا امرأة محمد ابن عجلان تحمل وتضع في أربع سنين" كأنه يريد أن يحفظ نسبه من الطعن فذكر تلك القصة، فهو يريد أن يبعد التهمة عنه ووضعه متوقف على إثبات الثلاثة فأوصلها إلى أربع سنين حتى يكون مطمئن! فتلك المرأة استثنائية كل حمل تضعه بأربع سنين وليس تسعة أشهر! وهذه الرواية التي ذكرها القرطبي والتي نقلها عن الدار قطني، تخريجها تجدونها في سنن الدار القطني المطبوع اليوم بإسناد صحيح ومعتمد وثابت عن مالك ابن انس! فلا يأتي أحدا بعد ذلك ويقول هذا غير صحيح ومكذوب على مالك.

أيضا يقول القرطبي: "وذكره عن المبارك ابن مجاهد (وهو من رموزهم وعلمائهم) قال: مشهور عندنا كانت امرأة محمد ابن عجلان تحمل وتضع في أربع سنين وكانت تسمى حاملة الفيل" لأن بطنها يصبح كبيرا جدا فيقولون عنها حاملة الفيل! كذلك ممن نقل عنه هذه الأسطورة المضحكة (أسطورة حاملة الفيل) هو "مالك ابن دينار" وهذا أحد رموزهم ومن طبقة التابعين ومن المعدودين عندهم من الصلحاء، حيث جاء له رجل يطلب منه الدعاء لامرأة كانت حبلى منذ أربع سنين، وكان مالك ابن دينار يقرأ القرآن باعتبار أنه عالم صالح! فأطبقه وقال "ما يرى هذا القوم الا انا انبياء" ثم تردد في أمر تلك المرأة، هل هي بالفعل كانت حبلى أم هو مجرد ريح فيدعو لها في الحالتين! أيضا في دعائه لم يكن يحب أن تكون المرأة حبلى بجارية! ثم رجع الرجل الذي طلب الدعاء للزوج وقال له "أدرك امرأتك" وكأن الدعاء قد استجاب! فما حط مالك ابن دينار يده حتى طلع الزوج من باب المسجد على رقبته غلام جعد قطط ابن أربع سنين قد استوت اسنانه ما قطعت سراره!

أنظر إلى هذه الكرامة العظيمة! ما نزل يده من الدعاء الا المرأة ولدت بسرعة قصوى! ولا نعلم انه تم غسله أم لا، واتي بالولد جالس على رقبة أبيه! وعمره أربع سنين! وتسريحة شعره جميلة فيها تكسر متعرج (وهذه بالمناسبة على صفة إلههم الشاب الامرد ذو شعر جعد قطط، أي أكثر تجعدا)! وله أيضا أسنان! ولم يقطع الحبل السري! وهذه الخرافة الأسطورية يعتقد بها أهل الخلاف ويفتون بموجبها، أي أن القضية ليست للتندر فهي لديهم مسألة جدية، نعم نحن نعتبرها أسطورة مضحكة لأن الرافضة أهل دين وعقل وشرع، أم أهل الخلاف فيمضون على هذه الخرافات!

أيضا لابد في هذه الخرافات يذكر أحدا من كبار المنافقين حتى ترجع اليه كأبي بكر أو عائشة أو عمر أو عثمان وغيرهم من الزمرة المنافقة، فقد ذكر القرطبي أن رجلا جاء إلى عمر ابن الخطاب "لعنه الله" يشكو أليه أمره، غاب عن زوجته سنتين ثم رجع وهي حبلى، وهذا معناه أنها قد ارتكبت الفاحشة! فشاور عمر الناس في رجمها فقال له معاذ ابن جبل يا امير المؤمنين ان كان لك عليها سبيل فليس على ما في بطنها سبيل فاتركها حتى تضع، فتركها فوضعت غلاما قد خرجت مقدمة أسنانه! (بالطبع هذا الحكم الذي ذكره معاذ ابن جبل صحيح، أن المرأة الحامل لا ترجم حتى تضع إن ثبت عليها الزنا). ثم عرف الرجل شبه الولد به فقال "ابني ورب الكعبة" فقال عمر عجزت النساء ان تلد مثل معاذ، لو لا معاذ لهلك عمر (نسخة مزيفة من الحديث المعروف الذي يقول لو لا علي لهلك عمر)!

أيضا ذكر القرطبي رواية عن الضحاك وهو معروف أيضا من أعلامهم، فقال إن أمه حملت به في بطنها لمدة سنتين فولدت به وقد خرجت أسنانه، ويذكر عن مالك ابن أنس انه حمل به في بطن امه سنتين وقيل ثلاث سنين، ويقال إن محمد ابن عجلان مكث في بطن امه ثلاث سنين فماتت به وهو يضطرب اضطراب شديد فشق بطنها وأخرج وقد نبتت اسنانه.

كذلك قال حماد ابن سلمة انما سمي هرم ابن حيان (أحد رجالهم اسمه هرم) لأنه بقي في بطن امه أربع سنين وذكر الغزنوي ان الضحاك ولد لسنتين وقد طلعت سنه فسمي ضحاك (باعتبار أنه ولد بعد سنتين ولديه أسنان ويبتسم فسموه الضحاك)!وقال عباد ابن العوام: ولدت جارة لنا لأربع سنين غلاما شعره إلى منكبيه فمر به طيرا فقال كش (سبحان الله ولد عالم بالمنطق وفي بداية مولده رأى طير وقال له "كش")! هذا تمام ما ذكره القرطبي في تفسيره بالمسألة الخامسة حول تفسير الآية الكريمة المذكورة في سورة الرعد.

*ثم نقل سماحته قول الشوكاني بخصوص هذه الخرافة البكرية، لزيادة الفهم ومعرفة سبب نشئ هذا الاعتقاد أو هذا التصور عند علماء وفقهاء أهل الخلاف أمثال مالك ابن انس والشافعي وغيرهم من الذي ذكرت أسمائهم:

يقول الشوكاني: "لم يرد في حديث صحيح ولا حسن ولا ضعيف مرفوع إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم ان أكثر مدة الحمل أربع سنين ولكنه قد اتفق ذلك ووقع كما تحكيه كتب التاريخ غير ان هذا الاتفاق لا يدل على ان الحمل لا يكون أكثر من هذه المدة كما ان اكثرية التسعة الاشهر في مدة الحمل لا تدل على أنه لا يكون في النادر أكثر منها فإن ذلك خلاف ما هو الواقع"(3)

*تعليق سماحته على كلام الشوكاني، قال ما مضمونه:

إن مسألة أن أكثر مدة الحمل أربع سنين منزه عنها رسول الله الأعظم صلى الله عليه وآله، اذن من اين جئتم بهذا يا أهل الخلاف؟ والشوكاني يعترف بهذا ويقول إن مسألة أكثر مدة الحمل أربع سنين هو اتفاق تأريخي وذلك لا يدل على أن الحمل لا يكون أكثر من هذه المدة، وبين الشوكاني أن الواقع يقول إن المدة أكثر من تسعة أشهر، ليس بأيام قليلة ولا بأسابيع بل ولا حتى بأشهر، إنما سنوات تطول على الأقل أربع سنين!
ثم قال سماحته: إذن هذا الأمر الذي ذكر ليس مجرد تصورات ولو كانت فالخطب فيها سهل، بحيث ان طائفة من الطوائف ذات الأديان الأرضية المبتدعة تعتقد بأشياء خارقة للعادة حسب اعتقادها، ولكن المشكلة لما يتأسس فقه بناء على هذا، يعني القضية تخرج عن التصورات إلى دائرة الفقه والاحكام التي لها تأثير على انساب المسلمين وعلى مواريثهم وعلى احكامهم، وفقهاء المذاهب الأربعة بنوا على مثل هذه التصورات المباني وأفتوا بموجبها!

- ذهبت الحنفية تبعا لأمامهم إلى أن أكثر مدة الحمل سنتان (4)، هذا اعتمادا على رواية عائشة "لعنها الله"
- ذهبت المالكية الى ان أكثر مدة الحمل أربع سنين تبعا لأمامهم (5).
- ذهبت الشافعية الى ان أكثر مدة الحمل ايضا أربع سنين (6).
- وكذلك أيضا ذهب جمهور الحنابلة الى ان اقصى مدة الحمل أربع سنين (7).
- وثمة قول لبعض المالكية مشهورا عن مالك ابن أنس ان أكثر مدة الحمل خمس سنين (كما بين القرطبي) وهذه الفتوى ذهب اليها ابن القاسم والليث ابن سعد وعباد ابن العوام (8).
- وثمة قولا أيضا منسوب لمالك ابن أنس والذي ذكره القرطبي في تفسيره انه لا حد لأكثر الحمل ولو بلغ عشر سنين.
وهذا القول الأخير هو ما اعتمده بعض أهم أعلام الوهابية المعاصرين، فقد ذهب الوهابيان "ابن باز" و"ابن عثيمين" الهالكان "لعنهما الله" أن الحمل ليس له مدة ويطول عشر سنوات وأكثر وأفتوا بذلك!
يقول ابن باز: "وإن ولدته لأكثر من أربع سنين من حين موت المورث فهو غير متحقق الوجود مطلقاً؛ لأن أكثر مدة الحمل على المذهب أربع سنين، وذهب بعض أهل العلم إلى أن مدة الحمل لا حد لأكثرها، وهو الأرجح دليلاً" (9).

*تعليق سماحته على هذا القول:

يقول ابن باز: إذا لدينا رجل مات عن زوجته وجاءت بعد أربع سنين بولد وقالت هذا ولدي من الميت فورثوه واعطوه نصبيه، فلا يقبل كلامها لأنه على مذهب الحنابلة أقصى مدة الحمل أربع، سنين ولكن ابن باز يستدرك بقوله "وذهب بعض أهل العلم إلى أن مدة الحمل لا حد لأكثرها، وهو الأرجح دليلاً" أي أن الولد التي جاءت به الزوجة يلحق بزوجها ويعطى من الميراث!

أما ابن عثيمين فيقول جوابا على سؤال مدون في كتاب حرر فيه الأسئلة التي وجهت لأبن عثيمين في مجالس الدرس واجوبته عنها(10):
السؤال: فضيلة الشيخ! أعمل بعيداً عن أهلي، وذهبت إليهم في إجازة، وبعد عودتي إلى عملي بفترة جاءني خبر أن زوجتي حاملة، فتأخر الحمل في بطنها عن موعده المحدد، حيث إني حسبت له من آخر فترة كنت عندها ولم ينزل الجنين إلا بعد أحد عشر شهراً، فارتابت نفسي من هذا الوضع وطلقت زوجتي، فما هو مصير هذا الابن علماً أنني أتحرج كثيراً من إضافته إلى اسمي ولو ألحق بي شرعاً لكي أدفع عن نفسي كلام الناس، فماذا أفعل؟
الجواب: يحسن هنا أن نتمثل بقول الشاعر: ما يبلغ الأعداء من جاهل ... ما يبلغ الجاهل من نفسه
هذا الرجل لا شك أنه جاهل، لماذا يطلق زوجته لما بقي الحمل في بطنها أحد عشر شهراً؟ الحمل يبقى في بطن أمه عشرين شهراً، ويبقى ثلاثين شهراً، ويبقى إلى أربع سنين، ويبقى إلى سبع سنين في بطن أمه، حتى ذكر أن بعض الأجنة خرج وقد نبتت أسنانه!

*تعليق سماحته على هذا الجواب:
أولا وصف السائل بالجاهل الذي بلغ جهله على نفسه أكثر ما يبلغ العدو من جاهل، لأنه تسرع وطلق زوجته لمجرد أنه بقي الحمل في بطنها أحد عشر شهراً، الآن نقول ان بعض الحمل قد يتأخر أحيانا الى 11 شهر أو إلى 12 شهرا فقط وهو آخر الحدود واقصى شيء، لكن المشكلة هي ان ابن عثيمين زاد المدة إلى ثلاثون شهر وأربع سنين وسبع سنين ولا حد الى أكثر الحمل! فكلاهما (ابن باز وابن عثيمين) ذهبا انه لا حد لأكثر الحمل!

ثم قال سماحته: قد يقول قائل ان هذه كلمة الوهابية وهي فرقة حمقاء خرقاء، مشايخهم لا يتعمد قولهم ولا يمثل عموم اهل الملة البكرية، كأن يقال ارجعوا الى علماء الأزهر فهم مستنيرين وعقلاء.
نقول: أنتم إذا رجعتم إلى الأزهر تجدون نفس المشكلة، نعم أنا لم أجد لديهم قول (لا أقصى لمدة الحمل أو لا حد إلى أكثر الحمل) لكنهم بالنتيجة رجعوا الى رأي ائمتهم مثلا كالشافعي الذي قال إن أقصى مدة الحمل أربع سنين فاعتمدوه.
ومثال على ذلك هو الدكتور علي جمعة وحي يرزق قد أفتى بذلك (11).
أقرأ لكم نص الخبر:
أعاد نشطاء تداول فيديو على موقع التواصل الاجتماعي فيس بوك للدكتور علي جمعة المفتي السابق لجمهورية مصر يقول فيه إن «المرأة إذا ولدت بعد أن غاب عنها الزوج أو فاقها بأربع سنوات لا تعتبر زانية ويجب علي الزوج تصديق زوجته في نسب الولد إليه لأن الشرع أمر بذلك». وأشار جمعة إلي أن البشرية واسعة الأحوال ومترامية الأطراف قد رصدت أربع سنوات.
وأضاف: «إذا اتهمها زوجها بالزنى يطبق عليه حد الحرابة وهو الجلد ثمانين جلدة»، مستشهداً في فتواه برأي الإمام مالك والإمام الشافعي وعدت شواهد أخري مثل المرأة التي ولدت بعد أن ماتت ودفنت في القبر، وامرأة ابن عجلان التي وردت في كتاب سير أعلام النبلاء للإمام الذهبي. وقال إن «الإمام الشافعي رصد أربع سنوات أمامه عينه، وأضاف أن هذه الحالة تعتبر من النوادر التي تحدث بنسبة واحد في المليار».

*ثم علق سماحته على هذا الخبر، قال ما مضمونه:

إذن علماء الازهر أيضا مضطرون ان يعتدون أقوال مالك والشافعي وغيرهم وليس لهم ان يعدوا لهذه الفتوى الخرقاء، امرأة يطلقها زوجها ويغيب عنها بعد أربع سنين، ثم تأتي بولد وتقول له هذا ابنك ويرث منك!

كمثال على جواب الأزهر، امرأة شابة مثلا في مصر يتزوجها رجلا كبير السن من الأثرياء زواجا "عرفي" لكي يقضي معها ليلة أو ثلاث ليال، وهو ثري بطبيعة الحال ويعطيها من المال الكثير ثم بعد ذلك يمرض ويموت، وبعد سنتان أو ثلاثة تأتي المرأة بولد من الزنا من شخص آخر، ورغم أن زوجها الميت بحكم كبر سنه لا يستطيع الإنجاب، لكن بحسب فقه المخالفين تطالب المرأة بإلحاق الولد به لكي يرث منه وتصبح من الأغنياء من ذلك الولد المبارك الذي جاء لحل المشاكل! وهذا حصل في الحقيقة وحكمت به المحاكم واختلطت الأنساب ولعبوا بالأعراض بسبب فتاوى خرافية!

ثم ضرب سماحته مثالين حول ذلك في ما يسمى بالعربية السعودية:
- المثال لأول حديث ومعاصر "صادقت محكمة التمييز على قرار المحكمة العامة بمكة المكرمة بإدراج طفل في ميراث أبيه كانت والدته «سعودية» قد أنجبته بعد وفاة زوجها بما يقارب الـعامين. ووفقا لحيثيات القضية التي أوردتها وزارة العدل في مدونة الأحكام القضائية في إصدارها الثالث فإن الزوج توفي في 22/2/1427 بينما أنجبت زوجته ولدها في 8/1/1429هـ، أي بعد نحو عام و11 شهرا"(12).

*تعليق سماحته:

أن أعلى سلطة قضائية فيما يسمى بالعربية السعودية بمكة المكرمة، قامت بإدراج طفل في ميراث أبيه ولدته أمه بعد عامين من وفاة زوجها! أين ذهب الطب والأطباء؟! عطلوا عقولهم واضطروا أيضا للرجوع لأقوال أئمتهم أمثال مالك ابن انس والشافعي وابن حنبل وعمر وعائشة، قول هؤلاء عندهم هو الطب والشرع! منذ متى كان الدين البكري دين عقل!

- هناك مثلا آخر لحكم زمنه بعيد بعض الشي، يقول الدكتور: "ألحق القاضي مصطفى عبد القادر العلوي القاضي بالمحكمة الشرعية بمكة المكرمة نسب طفل ولدته أمه بعد موت زوجها بخمس سنين، وحكم لأختها خديجة بلحوق طفلها بزوجها الذي طلقها قبل أربع سنين"(13).

*تعليق سماحته:

هناك أختان الأولى ما ذكر اسمها والثانية اسمها خديجة، الأولى أنجبت ولد بعد خمس سنين من وفاة زوجها وقالت للقاضي أن الولد ابني من زوجي المتوفى فحكم لها بذلك والحقها به! واختها خديجة طلقها زوجها قبل أربع سنين ثم بعد ذلك أنجبت ولد! وربما لو كان لديهم أخت ثالثة لأنجبت أيضا بعد ستة أو سبع سنين من وفاة زوجها! بكريات توقع منهن أي شيء!

ثم قال سماحته ما مضمونه: أمام كل هذا الذي ذكرناه لا نحتاج أن نفصل أكثر في رده ونبين أنه عبارة عن خرافة في خرافة. الآن نريد معرفة جواب المخالفين وتبريرهم اتجاه هذا الامر، عندما يلزمون مثلا أو يواجهون بما نقل عن أئمتهم وعلمائهم ومشايخهم انهم أفتوا بهذه الفتاوى المضحكة، بماذا يجيبون؟

لا شك أنهم سيحاولون أن يجدوا تبريرا أو عذرا يرجعونه إلى الجهل وعدم التطور الطبي في تلك الأزمنة، فيقولون في ذاك الزمان لا يميزون الحمل الحقيقي، وهذا الذي تصورا أنه حمل يدوم إلى سنوات عديدة هو من قبيل الحمل الكاذب، باعتبار أن أعراض الحمل الكاذب كأعراض الحمل الحقيقي كانتفاخ في البطن وقيء والاعراض المصاحبة الأخرى كتضخم في الثديين وحتى أدرار في الحليب، ثم تلد المرأة في آخر التسع أشهر فتتصور أن هذا الحمل دام معها سنوات منذ كانت تستشعر تلك الاعراض، بمعنى أنه مزيج بين حمل كاذب وحمل صادق فتجعل الحمل الحقيقي في آخر التسع أشهر.

نقول هذا كلام منتقض بأي شيء:

- أولا: النساء يعرفن جيدا مسائل الحمل حتى بغير التصوير بالموجات ما فوق الصوتية (السونار) لدرجة أنهن يميزن الولد من البنت دون الحاجة لذلك وهذا الأمر خبرة عند النساء في الحاضر والماضي.
- ثانيا: لنفرض أنه حمل كاذب، فالأعراض قد تدوم أيام أو أشهر هذا ممكن لكن يطول ذلك إلى سنوات فهذا مستحيل! أقلا يأتيها طمث لا يمكن أنه ينقطع نهائيا! فهذا الحيض علامة لعدم وجود حملا مستمر، لابد بعد شهرين أو ثلاثة او أربعة أو خمسة يأتيها مرة واحدة، فأن قلت إنها لا تحيض، إذن كانت ممن لا تلد فكيف جاءت بولد! استعاره مثلا!
ثم الروايات التي لديهم وفيها الصحيح والمعتبر، الذي ولد من هذا الحمل كان عمره أربع سنين وله شعر جعد قطط وله أسنان وقال "كش"! كيف يصبح مزيج بين حمل كاذب وصادق؟!

فنقول هذا توجيه بارد لتلك الروايات، قد يكون التوجيه مقبول لو كانت الروايات تقول ان المولود حاله حال تسع أشهر وليس كحاملة الفيل التي تولد بعد أربع سنين في كل بطن! إذن هذا توجيه بارد لا يقبل لأنه مخالف لنصوص هذه الروايات.

ثم هنالك قاصمة الظهر في رد هذا التوجيه، يمكن قبوله إن تجوزنا وغضضنا الطرف فيما لو كانت الزوجة مع زوجها لا توفي عنها زوجها او طلقها! فالذي يقول إن توجيه هذه الأمور من قبيل الحمل الكاذب وأن هذه المرأة كان معها زوجها ويباشرها وهي ظنت حدوث الحمل بسبب أعراض معينة وبالأخير تكتشف الحمل فعلا، هذا لابد أن يكون قد جاءها زوجها في آخر التسعة أشهر، أما التي مات عنها زوجها وجاءت في آخر السنوات بولد فهذا غير معقول، فالنطفة تبقى لثلاث أيام أما أن تلقح البويضة وأما أن تموت فلا تبقى سنوات ثم تلقح! وكذلك المرأة التي طلقها زوجها ولم يأتيها بعد ذلك! فهذا توجيه منقوض وساقط.
إذن لماذا قالوا بهذه الخرافة؟

المعنى فيما تقدم الى أن هنالك علة أن القوم محرجون بما عرف عن أئمة المذاهب والأعلام عندهم، فأمهاتهن جئنا بهؤلاء الأولاد بعد سنوات من وفاة أزواجهن أو غياب أزواجهن، فلابد لإثبات أن هؤلاء الاعلام طاهروا المولد، لابد من القول بأن الحمل يطول كل هذه السنين.

هذا البحث موجود والأقوال في شأن هؤلاء وما ذكر عنهم أيضا موجودة ولكننا سنرجئها إن شاء الله تعالى إلى الأسبوع المقبل الجزء الثاني وكذلك نفند بهذه التصورات الباطلة الشيطانية ونأتي بكلام أئمتنا الأطهار عليهم السلام القاطع في هذه المسألة وأقوال علمائنا.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) سنن الدار القطني، رقم الحديث 3922.
(2) سنن الدار قطني، المجلد 3 / صفحة 322، وفي السنن الكبرى للبيهقي، الجزء 4 /صفحة 443.
(3) السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار للشوكاني، المجلد 1 / صفحة 399.
(4) البداية شرح النهاية لبدر الدين الحنفي، المجلد 5/ صفحة 640.
(5) بداية المجتهد لأبن رشد، المجلد 3 -ص 112.
(6) الحاوي الكبير في فقه الشافعي للماوردي، المجلد 7-ص 35.
(7) المغني لأبن قدامة، المجلد 6-ص 384.
(8) المحلى لأبن حزم، المجلد 10-ص 232.
(9) الفوائد الجلية في المباحث الفرضية، فصل في حكم الحمل-ص 75.
(10) لقاءات الباب المفتوح لأبن عثيمين، الجزء 3-ص 375، السؤال رقم (1430).
(11) موقع الخبر بتاريخ 27 مارس 2014 http://www.alkhabarnow.net/news/113295/2014/03/27/
(12) جريدة اليوم السعودية، تاريخ 9 فبراير 2009 تحت عنوان "الحكم لمواطنة انجبت بعد وفاة زوجها
23 شهرا" http://www.alyaum.com/article/2651434
(13) وفيات الأعيان لأبن خلكان، المجلد 4-ص139.

شارك المقال على Google Twitter Facebook Whatsapp Whatsapp