التنبيه الثالث: حديث الإمام هو حديث النبي هو حديث الله

شارك المقال على Google Twitter Facebook Whatsapp Whatsapp
التنبيه الثالث: حديث الإمام هو حديث النبي هو حديث الله

1 نوفمبر 2016

بعد الفراغ من كونهم عليهم السلام معصومين ناطقين عن السماء فإن نطق أحدهم لا يمكن أن يكون عن الرأي أو الإجتهاد، وإنما هو نابع من منبع الوحي واليقين. وإذ ذاك يكون منطوق أحدهم منطوق الآخر لاتحاد النسبة (1)، وقد دلت على ذلك أحاديث معتبرة، منها:

- ما رواه الكليني بسنده عن قتيبة قال: سأل رجل أبا عبد الله عليه السلام عن مسأله فأجابه فيها، فقال الرجل: أرأيت إن كان كذا وكذا ما يكون القول فيها؟ فقال له: مه! ما أجبتك فيه من شيء فهو عن رسول الله صلى الله عليه وآله لسنا من أرأيت في شيء (2)(3).

- وما رواه الصفار بسنده عن الفُضيل بن يسار وأبي يزيد الأحول جميعاً عن أبي عبد الله عليه السلام قا: إنّا لو كنا نفتي الناس برأينا وهوانا لكنّا من الهالكين، ولكنها آثار رسول الله صلى الله عليه وآله وأصول علم نتوارثها كابر عن كابر نكتنزها كما يكنز الناس ذهبهم وفضتهم (4). وروى الصفار نحوه بسنده عن جابر الجعفي عن الإمام الباقر عليه السلام (5)(6).

- وما رواه الكليني بسنده عن هشام بن سالم وحماد بن عثمان وغيره قالوا: سمعنا أبا عبد الله عليه السلام يقول: حديثي حديث أبي، وحديث أبي حديث جدي، وحديث جدي حديث الحسين، وحديث الحسين حديث الحسن، وحديث الحسن حديث أمير المؤمنين عليهم السلام، وحديث أمير المؤمنين حديث رسول الله صلى الله عليه وآله، وحديث رسول الله قول الله عز وجل (7)(8).

- وما رواه الكليني بسنده عن أبي بصير قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: الحديث أسمعه منك أرويه عن أبيك؟ أو أسمعه من أبيك أرويه عنك؟ قال عليه السلام: سواء، إلا أنك ترويه عن أبي أحب إلي. وقال أبو عبد الله عليه السلام لجميل: ما سمعت مني فاروه عن أبي (9). وعلى هذا يجوز حُكماً أن ينسب حديث معصوم الى معصوم آخر بل أن ينسب الى الله جل وعلا بهذا اللحاظ (10).

مفهوم السُنّة يشمل ما جاء عن الأئمة عليهم السلام من قول أو فعل أو تقرير، ولا تقتصر دائرة السنة على ما جاء عن النبي صلى الله عليه وآله. كيف لا وهو نفسه الذي وسّعها لتشمل ما جاء عن عترته حين أوجب على أمته اتباعهم بقوله البالغ حد التواتر: إني مخلّف فيكم الثقلين ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا: كتاب الله وعترتي أهل بيتي، فانظروا كيف تخلفوني فيهما، فإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض (11)؟

إن قيل: كيف تقولون بأن حديث الواحد منهم هو حديث الآخر مع وقوع التعارض، لا بين أحاديث بعضهم بعضاً فحسب، بل بين أحاديث المعصوم الواحد؟ قيل: ليس وقوع التعارض بمجرده مسقطاً لوحدة النطق والمنطوق، وإلّا لكان تعارض ما روي عن الأنبياء عليهم السلام بل عن نبينا صلى الله عليه وآله نفسه مسقطاً لوحدة النطق والمنطوق عن الله تعالى (12). إنما يعود التعارض إمّا الى الوضع (13)، أو اختلاف الموضوع المحتاج إلى تنقيح (14)، أو تبدّل الواقع المستلزم للنَسْخ (15)، أو التصرف بإنشاء الحُكم أو تعليقه ولاية (16) لمصلحة آنية أو قضية خارجية (17)، أو لداعي التقية (18)، وسيأتي تفصيل ذلك وبيان كيفية علاج التعارض إن شاء الله تعالى. فعلى كل حال ليس وجود حديث متعارض مع غيره من معصوم يمنع نسبته إلى معصوم آخر بعد استبعاد الوضع (19)، فإن الحديث حديثهم جميعاً، غير أن التعارض أمر طارئ يُعالَج بالعلاجات التي ذكروها عليهم السلام (21).

إن قيل: كيف تقولون بقول مطلق أن حديثهم هو حديث الله تبارك وتعالى مع قولكم بأن بعضه صادر بداعي التقية؟ فإنّ لازم ذلك أن الله تعالى كان يتقي من خلقه، وهذا واضح القبح والفساد، فلابد إذن من التخلي عن هذا الإطلاق. قيل: هذه الملازمة مغلوطة، فإنّ نسبة الحديث الصادر بداعي التقية إلى الله تبارك وتعالى لا يلزم منها أن تكون الغاية من ورائه وقاية الله تعالى نفسه من خلقه، فنسبة القول شيء والغاية من ورائه شيء آخر. إنما الحديث الصادر بداعي التقية هو حديث الله تبارك وتعالى، إلّا أن الغاية من ورائه وقاية وليّه، لذا يجريه على لسانه ليقيه الضرر. وذلك كقوله سبحانه (إيّاك نعبد وإيّاك نستعين) فإنه مع ثبوت نسبته إليه جل وعلا، إلّا أنه لا يعني أنه يصرّح بعبادته لغيره واستعانته به. إنما الغاية من وراء قوله هذا أن يجريه عباده على ألسنتهم حين يعبدونه. إذن فالحديث الصادر بداعي التقية هو حديث الله الذي أجراه على ألسنة أولائه ليقيهم شرار خلقه، فالإطلاق على محله (22).

----------------------------------------

(1) إن أي حديث من أحد المعصومين هو حديث لغيره منهم، وهو حديث للنبي صلى الله عليه وآله، وهو حديث لله تعالى. فتكون بهذا اللحاظ جميع أحاديث المعصومين أحاديث قدسية، لأنها منسوبة الى الله عز وجل. نحن لسنا الآن في معرض إثبات أن أهل البيت معصومون وناطقون عن السماء، إذ قد فرغنا من ذلك في الدروس الكلامية، فهنا نحن نبني على ما تثبتنا عليه. ثم إنه يجدر بنا أن نلفت إلى مسألة، وهي: نحن لماذا نرفض الإصطلاح المغلوط الشائع (مذهب أهل البيت)؟ ليس إشكالنا على الأصل اللغوي لكلمة (مذهب) الذي معناه ما يذهب إليه الشخص، وهو أعم مطلقا مما (يذهب إليه يقينياً) أو (يذهب إليه ظنياً حسب الاجتهاد). الإشكال في الإصطلاح الشائع الذي معناه في الإسلام (ما يذهب إليه المرء من اجتهادات) أي مجموع آراء وما توصل إليه المرء من اجتهاد. إنا اذا قلنا (مذهب أهل البيت) نكون بذلك قد أحطنا من منزلهم كونهم ناطقون عن الله تعالى، ونكون قد جعلناهم في نفس منزلة غيرهم من الفقهاء والمجتهدين - والعياذ بالله - وهذا خطأ شنيع. ثم إن قول (مذهب الإمام الصادق) مثلاً هو نفس قول (مذهب رسول الله)، فهل تقبل بهذا القول؟ أم تقول: ويحك هل لرسول الله صلى الله عليه وآله مذهب؟! إنه صاحب الشريعة، هذا دين رسول الله صلى الله عليه وآله وشريعته، لا مذهباً له! فلنكفّ عن مثل هذه الاصطلاحات الخاطئة التي تنزل من مقاماتهم عليهم السلام. ما نريد أن ننتهي إليه هو أن كل ما صدر عن أحدهم يكون صادراً عن الآخر، لاتحاد النسبة بينهم إلى الله تعالى في التبليغ، لأنه لو كانت النسبة تختلف لكانوا يختلفون في التبليغ.

(2) الكافي للشيخ محمد بن يعقوب الكليني ج١ ب١٩ ص٣٥ ح٢١، طبعة بيروت، ٢٠٠٧م

(3) يبدو أن هذا السائل لم يكن يعرف أن المسؤول هو إمام معصوم ناطق عن الله عز وجل، لأنه قال (أرأيت) أي يقصد: ما رأيك وما ترى لو كان كذا وكذا؟ فالإمام أجابه على تلك العبارة (أرأيت) فقال أن المعصمومين عليهم السلام ليس لديهم (رأي) لأن ما يصدر عنهم ليس رأيهم بل هو نقلاً لكلام رسول الله صلى الله عليه وآله وكلام الله تعالى. إذن ليس لديهم مذهب فلا نعبر عنهم بأن لهم: مذهب، أو فكر - إذ الفكر ينبني على التفكير والظنيات والاجتهادات - أو رأي) بل نقول: إن لهم منهج، أو شريعة، أو دين، أو مدرسة، أو تعاليم. المهم ألّا تستعمل لفظاً أو اصطلاحاً يوحي ولو بقدر ضعيف بأن ما صدر عنهم كان كما صدر عن غيرهم. وإنما يمكننا أن نقول (مذهب الشيعة) أي مذهب ما توصل إليه علماء وفقهاء الشيعة، سواء كان ما ذهبوا إليه هو جامع مشترك بينهمكالإمامة، فنقول (هذا ما ذهب إليه الشيعة) أو نقول (مذهب الشيخ، أو مذهب العلامة، أو مذهب الشيخ الأعظم) ونقصد بذلك ما ذهب إليه أحد هؤلاء الأعلام من آراء واجتهادات في أمور يحق لهم الإجتهاد فيها.

(4) بصائر الدرجات للشيخ محمد بن الحسن الصفار ج٦ ب١٤ ص٣٤٠ ح٣، طبعة بيروت، ١٤٣١هـ

(5) نفس المصدر، ص٣٤٠ ح١ وفي ص٣٤١ ح٤

(6) كلامهم نقل عن آثار رسول الله صلى الله عليه وآله، وأصول - وهي أمور تتفرع عنها مسائل كثيرة - يتوارثونها ويكتنزوها، أي إنها كنوز لهم، يحتفظون بها كابر عن كابر بحَيطة كاحتفاظ الناس بالذهب والفضة. فإذن كل إجاباتهم هي إجابات رسول الله صلى الله عليه وآله.

(7) الكافي للكليني، ج١ ب١٧ ص٣١ ح١٤

(8) الإمام عمّم ههنا بأنه استعمل لفظة نكرة في قوله (حديثي) أي (كل حديث مني) والنكرة تفيد العموم، فيكون كل حديث منه عليه السلام حديث للمعصوم الآخر عليه السلام، وهو حديث رسول الله صلى الله عليه وآله، وهو حديث الله عز وجل.

(9) الكافي للكليني، ج١ ب١٧ ص٣٠ ح٤

(10) بهذا اللحاظ يجوز شرعاً اذا وجدنا رواية عن الصادق عليه السلام مثلاً، أن ننسبه إلى غيره من الأئمة، فنقول مثلاً: قال الباقر. هناك أحاديث أخرى تحدّث لنا أنه اذا أراد الله عز وجل أن ينزل قول من السماء إلى أحد المعصومين عليهم السلام فإنه يمرره أولاً برسول الله صلى الله عليه وآله، وهو يمرره بأمير المؤمنين عليه السلام، إلى أن يصل الى الإمام المعصوم المقصود. إذن هناك آلة غيبية للوصول وللإخبارات من السماء التي تهبط على أهل البيت عليهم السلام، وقد قالوا صلوات الله عليهم ما مضمونه أن ذلك يكون لكي لا يكون بعضهم أعلم من بعض. فأن تروي الحديث عن المعصوم المعين عن أبيه أحب إلى المعصوم المعين لأنه أخذه عن أبيه. ملاحظة: ينبغي ذكر من قال الحديث شفهياً حينما يستدل بالحديث حتى لا تشتبه الناس، وينبغي ملاحظة الظروف الزمانية والمكانية حتى نوصل المفهوم، وإلا فلا شك أن مضمون أحاديث أحدهم أحاديث الآخر وأن الحديث الواحد الصادر عن أحدهم بحكم صدوره عن الآخر، بل بحكم صدوره عن الله عز وجل، والمعنى واحد. فبذلك تكون كل أحاديث أهل البيت عليهم السلام أحاديث قدسية.

(11) من المعلوم أن مفهوم السنة عندنا تختلف عن مفهوم السنة عند العدو، فعندهم تقتصر السنة على ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وآله من فعل أو قول أو تقرير - بحسب الادعاء - وإلّا فالسنة الواقعية التي يمضون عليها هي سنة أبي بكر وعمر وأضرابهم عليهم اللعنة. أما عندنا فإن السنة تشمل ما جاء عن النبي وعترته عليهم الصلاة والسلام، فكما أن أفعال وأقوال وتقريرات النبي صلى الله عليه وآله حجة علينا فكذلك أفعال وأقوال وتقريرات العترة عليهم السلام. ويمكننا أن نحتج على العدو لإثبات ذلك بالحديث الذي المذكور يعترف به - ولا يسع لنا أن نذكر مصادره ورواته لأنه بلغ حد التواتر والصحة والاعتبار عندهم. وفي هذا الحديث وسّع رسول الله صلى الله عليه وآله مفهوم السنة إلى أن تشمل عترته عليهم السلام حيث أوجب علينا التمسك بعترته والاقتداء بهم كما نتمسك ونقتدي بالقرآن الكريم حتى نُعصَم من الضلال. ومعنى التمسك لا شك أنه يشمل القول والفعل والتقرير، وهذا معنى أنه علينا أن نطبق أقوالهم وأفعالهم وتقريراتهم، فيكون تطبيق ما جاء عنهم عليهم السلام تطبيقاً لأمر رسول الله صلى الله عليه وآله. فإذن بناءً على هذا تكون هذه سنة، هذا ناهينا عن سائر الأحاديث المعترف بها عند العدو التي تؤكد أن ما جاء عن العترة مشمول بدائرة السنة.

(12) يريد المخالف بهذا الإشكال إنكار كون أهل البيت عليهم السلام معصومون ومبلغون عن الله تعالى وأن حديثهم حديث واحد بدعوى أن هناك اختلاف وتعارض فيما بين أحاديثهم. نجب عليه بجواباً نقضياً نلزمه به، فنسأله أولاً: ماذا تقول في الأنبياء عليهم السلام، هل كانت كلمتهم واحدة؟ أي هل كانوا جميعاً على حد سواء في التبليغ عن الله تعالى؟ ليس بإمكانه إلّا الإذعان بأنهم على حد سواء في التبليغ عن الله تعالى لأنهم رسله وأنبيائه. ثم نسأله ثانياً: ماذا تفعل إذن بما وردنا عنهم من اختلاف في الأحكام والتعاليم والأخبار والأحاديث، بل في الوحي الذي جائهم عن الله تعالى؟ هل يعني هذا أنهم ليسوا جميعاً حد سواء في التبليغ عن الله عز وجل؟ أي أنه ليس هنا وحدة بين النطق والمنطوق؟ ليس بإمكانه إلا أن يقر بأنهم على حد سواء، ولكن الاختلاف والتعارض الذي وصل إلينا منهم له مناشئ، تارة في أن طوائف كذبت عليهم، تارة في أنه كانت هناك نَسْخ في الشرائع. فحينما يبرر المخالف التعارض بين الأنبياء عليهم السلام بمثل هذا ويجيب به أيضاً عمّا جاء عن النبي صلى الله عليه وآله نفسه من التعارض في الأحاديث، نقول له: جوابك هو عين جوابنا بالنسبة للعترة عليهم السلام، فأئمتنا صلوات الله عليهم أيضاً كُذب عليهم من قِبَل طوائف، وكان هنالك نسخ في بعض الأحكام، ونحو ذلك.

(13) أي: الكذب على العترة عليهم السلام.

(14) أي: لا يقال لروايتين أنهما متعارضان لمجرد أنه يظهر فيهما التعارض، إلا اذا كان التعارض في موضوع واحد. نعني بذلك أنه اذا نقحنا الموضوع ووجدنا موضوعين مختلفين فلا يكون هنا تعارضاً.

(15) أي: معناه أن العترة عليهم السلام يعلمون الناسخ من المنسوخ، وهي كلها أحكام رسول الله صلى الله عليه وآله، ولكن بسبب تبدل الواقع الزمني والمكاني تتغير المتطلبات بالنسبة للأحكام. فمثلاً: ورد في الروايات أن التقية تمتد الى زمن الظهور المبارك، ولكن هذا الامتداد ليس للموضوع وإنما للحكم، أي الرخصة، فاذا جاء زمن الظهور تبدّل الواقع بسبب نشر القسط والعدل ومحق الجور والظلم، فيرتفع حكم التقية حينئذ وتحرم التقية مطلقاً. هذا مثال لتبادل الواقع يقتضي نَسْخ الحكم.

(16) أي: حيث ثبت أن المعصوم عليه السلام لديه ولاية التشريع فإن له أن ينشئ حكماً أو يعلقه أو يبطله، وقد ورد عندنا مثلاً أن الزهراء عليها السلام لها أن تحرّم وتحلل وتتصرف بالشريعة كما تشاء، ولكنها لن تشاء إلا أن يشاء الله. وقد ورد أيضاً ن الإمام الجواد عليه السلام في سنة ما أنشأ حكماً خاصاً في الزكاة. إنّ تصرُّف المعصوم ليس من تلقاء نفسه - وإن بدا ذلك ظاهراً - وإنما هو وحي يوحى من الله عز وجل.

(17) أي: تصرُّف المعصوم عليه السلام بالشريعة لمصلحة آنية أي زمنية معينة أو قضية خارجية معينة. وفي ذلك مثال في قضية علي بن يقطين عليه الرضوان الذي أوجب عليه الإمام الكاظم عليه السلام أن يتوضأ ويصلي طبقاً لفقه المخالفين لمصلحة معينة.

(18) أي: إنّ بعض الأحاديث والأحكام صادرة على وجه التقية حيث اضطر المعصوم عليه السلام أن يفتي حسب فتوى المخالفين.

(19) أي: وجود تعارض بين حديث لمعصوم مع حديث لمعصوم آخر لا يمنع أن ننسب الحديث الأول الى المعصوم الآخر، طالما أنه يستبعد أنه موضوع ومكذوب.

(20) أي: إنّ التعارض فيما بين الروايات هو أمر طارئ، وإنّ القاعدة هي أن حديثهم هو حديث واحد وأن الحديث الواحد هو حديث الجميع. ويمكن معالجة التعارض من خلال العلاجات التي جائتنا عن المعصومين عليهم السلام أنفسهم، كالعرض على كتاب الله والرجوع إليه.

(21) إنا قلنا بأن حديث المعصوم الواحد هو حديث الآخر، وهو حديث النبي صلى الله عليه وآله، وهو حديث الله تعالى. وفي نفس الوقت حينما بيّنّا مناشئ التعارض قلنا (لداعي التقية) وذلك يعني أن الحديث الواحد من المعصومين قد يكون صادراً على وجه التقية. واذا قلنا أن حديث المعصوم هو حديث الله، فهل يعني ذلك أن الله اتقى من عباده؟ ولم هذا الإطلاق؟ لم لا نخصص فنقول أن كل أحاديثهم أحاديث الله سوى أحاديث التقية؟ فهل ننسب أحاديث التقية الى الله؟ الجواب: هذه الملازمة مغلوطة علمياً، إذ لا ملازمة بين أن يكون الحديث على لسان محدِّث وغايته تتعلق بنفس هذا المحدِّث. هناك فرق بين نسبة الحديث وبين الغاية من ورائه وجهة صدوره. فمثلاً قد ينسب قول إلى شخص، ولكن هذا ليس يعني بالضرورة أن الغاية من ذلك القول هو نفس ذلك الشخص وأنه متعلق بذاته. فإنّ الحديث الصادر على وجه تقية هو من الله تعالى وتصح نسبته إليه، ولكن لا يلزم ذلك أن الغاية من ورائه أن الله عز وجل يريد أن يقي نفسه من خلقه. إنما غايته وقاية وليّه عليه السلام، فيوحي الله إلى وليّه ويأمره أن يجب بجواب تقية لكي يحميه من شرار خلقه. مثال لتقريب المعنى: إنّ عبارة (إياك نعبد وإياك نستعين) هي كلام الله تعالى وهو منسوب إليه، ولكن غايته ليس متعلقاً بالله عز وجل نفسه فلا يلزم ذلك وجود إلهاً آخر يُعبد من قبل إلهنا - والعياذ بالله - بل غايته تتعلق بنا وهو أن الله تعالى يعلمنا كيف نعبده.

شارك المقال على Google Twitter Facebook Whatsapp Whatsapp