الشيخ يدعو إلى تفعيل المنهج الكاظمي في معاملة الأقارب والوكلاء والشخصيات المنحرفة

شارك المقال على Google Twitter Facebook Whatsapp Whatsapp
الشيخ يدعو إلى تفعيل المنهج الكاظمي في معاملة الأقارب والوكلاء والشخصيات المنحرفة

27 رجب الأصب 1438

بسم الله الرحمن الرحيم

دعا الشيخ الحبيب إلى تفعيل المنهج الكاظمي في معاملة الأقارب والوكلاء والشخصيات المنحرفة في المحاضرة التي ألقاها يوم السبت الرابع والعشرين من شهر رجب الأصب 1438 بمناسبة ذكرى استشهاد الإمام الكاظم عليه السلام. ولأهمية هذا الطرح قمنا بتفريغها بشكلٍ نصي لتعم الفائدة.

هذا الإمام العظيم الذي كان بتضحيته كالطود أمام الباطل وأمام كل محاولة لخلط الحق بالباطل. إمامنا الكاظم عليه السلام الذي قضى عمره متنقلاً ما بين السجون لم ينكسر ولم يضعف وظلت جهوده تستمر في إزهاق الباطل وإقامة الحق، حتى كان مثالاً يندر وجوده.

كان من تعاليم الإمام عليه السلام ما نلاحظه في سيرته مع أصحابه وثقاته، كان عليه السلام يحرص كثيراً على أن يمتنع أصحابه وثقاته عن كل ما يمكن أن يفسّر في العرف العام على أنه قبولٌ بالباطل أو المبطلين أو الضلال والمضلين. كان الإمام حريصاً على أن يعلّم أصحابه وثقاته كيف يتجنبون التواصل مع أهل البدع وأهل الزيغ والضلال والانحراف، وأهل المعاصي.

نلاحظ هاهنا رواية في هذا السياق وهي الرواية التي أخرجها ثقة الإسلام الكليني عليه الرحمة في الكافي الشريف، وأخرجها الشيخ المفيد عليه الرحمة في أماليه. والرواية مرويةٌ عن أحد ثقاة الإمام الكاظم وهو سليمان بن جعفر الجعفري.

لماذا سمي بالجعفري؟

لأنه ينتسبُ إلى جده جعفر الطيار عليه السلام، وجدته السيدة زينب الحوراء صلوات الله عليها.

نسبه:

هو سليمان بن جعفر بن إبراهيم بن محمد بن علي بن عبد الله بن جعفر الطيار. وكان من أصحاب الإمام الكاظم عليه السلام وثقاته.

عن سليمان بن جعفر قال: سمعت أبا الحسن عليه السلام يقول: "مالي رأيتك عند عبد الرحمن بن يعقوب؟ فقال: إنه خالي، فقال: إنه يقول في الله قولا عظيما، يصف الله ولا يوصف، فإما جلست معه وتركتنا وإما جلست معنا وتركته؟ فقلت: هو يقول ما شاء أي شئ علي منه إذا لم أقل ما يقول؟ فقال أبو الحسن عليه السلام: أما تخاف أن تنزل به نقمة فتصيبكم جميعا. أما علمت بالذي كان من أصحاب موسى عليه السلام وكان أبوه من أصحاب فرعون فلما لحقت خيل فرعون موسى تخلف عنه ليعظ أباه فيلحقه بموسى فمضى أبوه وهو يراغمه حتى بلغا طرفا من البحر فغرقا جميعا فأتى موسى عليه السلام الخبر، فقال: هو في رحمة الله ولكن النقمة إذا نزلت لم يكن لها عمن قارب المذنب دفاع".

هنا الإمام عليه السلام يلوم سليمان بن جعفر لأنه رؤي لدى رجلٍ ومجالسٍ له يقال له عبد الرحمن بن يعقوب وهو خاله. تخيلوا! إمامٌ معصومٌ عظيمٌ كموسى بن جعفر عليهما السلام يأمر رجلاً بألا يجالس خاله ويقطع الرحم!

إن أئمتنا عليهم السلام من أكثر ما أكدوا عليه صلة الأرحام والتواصل فيما بين الأخوة والتزاور بأحاديث مستفيضة وبسيرة عملية كذلك. فما بال الإمام أبي إبراهيم الكاظم عليه السلام هنا؟ وكأنه يهدد سليمان بن جعفر ويقول له إما أن تجالس خالك فتتركنا، وإما أن تجالسنا وتتركه! صحيح أنه خالك ولكن لديه انحراف عقدي خطير! وخللٌ في التوحيد. وكأن الإمام عليه السلام يقول: أنا لا أقبل أن تظهر في عين العرف والمجتمع إلى جانب خالك كما تظهر إلى جانبي! فلعل المجتمع يضطرب ويظن أن خالكَ مقبولٌ، لأن الإمام عليه السلام له ثقةٌ يتزاور معه ويجالسه.

إن المجتمع يقرأ مثل هذه الزيارات، ويمكن أن تشتبه عليه مثل هذه الأمور. وقد تضفي الشرعية على شخصيةٍ ما بزيارتك أو بتواصلٍ ما. والمجتمع حينها لا يفهم أن هذه الشخصية مرفوضة، بل سيظن أنها مقبولة.

ومن تلك الشخصيات المرفوضة لانحرافها هي شخصية عبد الرحمن بن يعقوب. صحيح أنه خالك -يا سليمان بن جعفر- لكن لك محلٌ منا أهل البيت، وأنت من ثقاتنا ومن أقربائنا كذلك. فإن نتركك تذهب إلى خالك وتتزاور معه وتجالسه فإن هذا قد يؤدي إلى اختلاط الحق بالباطل، وإلى قبول خالك هذا ومنهجه وإلى التعاطي معه أولاً، ومن ثمَّ يُفتحُ الباب لهذه الشخصية المنحرفة بسبب هذا التعاطي والتواصل فتسمّم الأفكار والعقائد، وهذا غير مقبول، ولا يمكن السماح به. فإما أن تجالسنا وتتركه وإما أن تجالسه وتتركنا.

كان سليمان بن جعفر يقول: "هو يقول ما شاء أي شئ علي منه إذا لم أقل ما يقول؟".. وبعبارة أخرى: هو منحرف ويقول ما شاء في عقيدته ويصف الله بما لا يوصف، فأي شيء يدخل عليَّ وما الذي أتحمله إذا لم أقل بقوله وجالسته وزرته؟ فكان جواب الإمام عليه السلام له ما حدث لأحد أصحاب النبي موسى عليه السلام، كما تقدم.

إذن لم يرد الإمام الكاظم عليه السلام لثقته سليمان بن جعفر أن يُعمَّ بالعذاب والنقمة مع خاله، فلذلك أمره بالقطيعة والتدابر. وهكذا كان الإمام عليه السلام يربّي أصحابه وشيعته على أن يكونوا مبدأيين في مواقفهم المبدأية بحيث لا يختلط الحق بالباطل أبداً، ولا تصدر منهم كلمة أو موقف يمكن أن يؤدي إلى اختلاط الحق بالباطل عند الناس.

إن سليمان بن جعفر الجعفري له موقفُ آخر مع الإمام الكاظم عليه السلام يرويه الكشي عليه الرحمة عنه: عن سليمان بن جعفر الجعفري قال: "قال العبد الصالح عليه السلام لسليمان بن جعفر: يا سليمان ولدك رسول الله صلى الله عليه وآله؟ قال: نعم، قال وولدك علي عليه السلام مرتين؟ قال: نعم، قال: وأنت ابن جعفر رحمه الله تعالى؟ قال: نعم، قال: ولو لا الذي أنت عليه ما انتفعت بهذا".

ما معنى "ولو لا الذي أنت عليه"؟ معناه سلامة العقيدة والإيمان، ولولا هذا لما انتفعت بنسبك المشرق الأصيل هذا! فليس كل سيّدٍ سيّدٌ علينا. فالسيد الذي نسوّده -أي نجعله يتسيّد علينا ونحترمه- هو الذي يكون ملتزماً بخط السادة الأئمة الأطهار عليهم الصلاة والسلام [هذا هو السيّد حقاً]، وإلا فإن هنالك من هؤلاء السادة الأشراف المنتسبين لأهل البيت عليهم السلام في أنسابهم من كانوا منحرفين وضالين مضلين وأعداء نواصب للأئمة الأطهار وشاركوا في دمائهم وقتلهم!

قبل سنوات نقلت لكم في إحدى المحاضرات أن الإمام الكاظم عليه السلام تآمر عليه بعض أقربائه وسعوا به إلى هارون العباسي لعنه الله وحرّضوه وألبوه على الإمام.

إن الروايات تذكر هنا خسيساً من أحفاد الإمام الصادق عليه السلام وهو محمد بن إسماعيل بن جعفر، والإمام الكاظم عليه السلام يكون عمه. ورغم إحسانه له إلا أنه ذهب وباع الإمام! وكذا روايات أخرى تذكر المعنى ذاته عن شخصيةٍ أخرى لا تقل خسةً عن هذه الشخصية -وهذه الشخصية مع شديد الأسف شخصية الأخ الشقيق للإمام- وهو محمد بن جعفر الصادق الملقّب بالديباج [وقد تناولنا شأنه في الليالي الحسينية لسنة 1437].

هذا الرجل -الديباج- طمع بالإمرة فثار وكوّن دويلةً إلى أن قبض عليه المأمون العباسي لعنه الله وعفا عنه. وكان مشهوراً بالسخاء والحلم وبغيرها من خصالٍ يحسبها الناس حميدةً، لكنه كان سياسياً ومفتوناً بعالم السياسة والمناصب. ورأى نفسه أهلاً لأن يكون خليفةً! ونصب نفسه خليفةً دون الخلفاء الشرعيين. وتذكر رواياتنا عن هذا الرجل أنه أيضاً خان أخاه الإمام الكاظم عليه السلام وذهب إلى هارون اللعين يحرّض على الإمام!

روى الشيخ الصدوق عليه الرحمة في عيون الأخبار عن علي بن جعفر -ابن الإمام الصادق وأخو الإمام الكاظم الصالح- قال: "جاءني محمد بن إسماعيل بن جعفر بن محمد، وذكر لي أن محمد بن جعفر دخل على هارون، فسلم عليه بالخلافة، ثم قال له: ما ظننت أن في الأرض خليفتين، حتى رأيت أخي موسى بن جعفر يسلم عليه بالخلافة".

أي خسةٍ وأي حقارةٍ وأي نذالةٍ هذه! يذهب إلى هارون العباسي ويحرّضه ويقول له -أنت خليفة وهنالك خليفة آخر-! عندها استشاط هارون غضباً فسجن الإمام الكاظم، وقال له إن أخيك وابن أخيك يشهدان عليك!.. هذه هي الخيانة.

إن إمامنا الكاظم عليه السلام ابتلي ببعض أقاربه كما ابتلي بعض الأنبياء ببعض أقاربهم. وكما ابتلي الإمام ببعض أقاربه، ابتلي كذلك ببعض وكلائه! أحدهم رجلٌ كان من عُمَدِ وكلاء الكاظم عليه السلام، والوكيل الأقدم، وهو شخصية مرموقة. وكان الإمام عليه السلام قد وكّله وفوّض إليه كثيراً من أموره إلى الحد الذي تجده تجرى بتنفيذه بعض كرامات الإمام عليه السلام كما الرواية التالية.

روى الراوندي عليه الرحمة في الخرائج والجرائح رواية تتحدث رجل يقال له بكّار القمي، عندما انصرف من الحج سلّمه الإمام كتاباً إلى وكيله علي بن أبي حمزة البطائني، ولما وصل إلى الكوفة قال: "أتيت منزلي فأخبرت أن اللصوص دخلوا حانوتي قبل قدومي بأيام. فلما أن أصبحت صليت الفجر فبينما أنا جالس متفكر فيما ذهب لي من حانوتي إذا أنا بقارع يقرع الباب فخرجت فإذا علي بن أبي حمزة فعانقته وسلم علي ثم قال لي: يا بكار هات كتاب سيدي، قلت: نعم كنت على عزم المجئ إليك الساعة، فقال: هات قد علمت أنك قدمت عشيا، فأخرجت الكتاب وسلمته إليه فأخذه وقبله ووضعه على عينيه وبكى، فقلت: ما يبكيك؟ قال: شوقا إلى سيدي ففضه فقرأه ثم رفع رأسه وقال: يا بكار دخل عليك اللصوص؟ قلت: نعم فأخذوا ما في حانوتك؟ قلت: نعم. قال: إن الله قد أخلف عليك قد أمرني مولاك ومولاي أن أخلف عليك ما ذهب منك وأعطاني أربعين دينارا، قال: فقومت ما ذهب فإذا قيمته أربعون دينارا ففتح علي الكتاب وقال فيه: ادفع إلى بكار قيمة ما ذهب من حانوته أربعين دينارا".

أنظر إلى حال هذا الوكيل في ذلك الزمان! من شدة شوقه إلى سيده الإمام كان الكتاب الذي يصل منه إليه يقبله ويضعه على عينيه ويبكي شوقاً. فلعل الساذج من الناس لما يرى هذه الصورة والموقف يقول إن هذا الرجل قد عُجن بحب أهل البيت وإنه عاشقٌ لإمام زمانه.. كيف يمكن أن نتصور كونه ملعوناً؟!
والناس بسرعةٍ ينخدعون بسبب هذه المظاهر، ولستُ أقول هنا أنه كان يتظاهر، لعله بالفعل لم يكن يتظاهر هنا بل كان محباً لإمامه.. [هذا ممكن] ولكن ألم نبلغكم ما قاله آل محمد عليهم السلام من أن هنالك محبين لهم سيدخلون النار!

هكذا قال الأئمة.. مجرّد حب لا يستتبع الطاعة والاستقامة والالتزام الديني ليس بحبٍ حقاً، بل قد يوردك النار! هنالك مشركون وكفّار أحبوا آل محمد عليهم السلام وكتبوا مؤلفات وأشعاراً فيهم وامتدحوهم، فهل ترى هؤلاء يدخلونت الجنة وهم يكفرون بالله جهرةً؟ كلا! من أحب آل محمد لابد أن يكون على عقيدتهم وخطهم، وعلى التزام منهجهم عليهم السلام، وإلا لا ينفعه ذلك.

لا تنخدعوا بالمظاهر إذن. فليس كل من ترونه يبكي لمصائب أهل البيت لابد أن يٌحترَم أو يُقرَّ بإيمانه واستقامته، بل لابد أن يٌنظَرَ إلى مجموع شخصيته من كل الجوانب، فإن وجدنا له زللاً عقدياً في جانبٍ ما؛ أسقطناه ونفيناه. فليكن هذا معلوماً.

فالوكيل علي بن أبي حمزة -كما في الرواية أعلاه- أخذ الكتاب وقبّله ووضعه على عينيه وبكى، ولما سأله بكّار لما تبكي قال شوقاً إلى سيدي، ففضه وقرأه وقال لبكّار: قال: إن الله قد أخلف عليك قد أمرني مولاك ومولاي أن أخلف عليك ما ذهب منك وأعطاني أربعين دينارا، قال: فقومت ما ذهب فإذا قيمته أربعون دينارا...".

إن الإمام يعلم أن هذا الرجل -بكّار القمي- سيبتلى بهذه البلية وسيفقد ويخسر هذا المبلغ فإذا به -أي الإمام- يكتبٌ هذا الكتاب قبلاً ويسلّمه إليه لكي يٌعوَّضَ من قبل وكيله الذي جرت نعمتهٌ على يديه وهو -علي بن أبي حمزة البطائني-. فماذا تقول في هذا الوكيل؟ أتراه صالحاً ومحترماً؟ هل تعرف ما قيمة هذا الوكيل عند الإمام الكاظم عليه السلام وهو موكّله؟ قيمته تساوي قيمة حمار!

إن هذا الوكيل -البطائني- نفسه له رواية يرويها الكشي عليه الرحمة عن علي بن أبي حمزة قال: "قال لي أبو الحسن موسى عليه السلام: إنما أنت يا علي وأصحابك أشباه الحمير".

هذه كلمة حادة من الإمام عليه السلام وسبٌ خطير.. ولكن هذا الواقع! أتعلم ما صنع هذا الوكيل وأصحابه الوكلاء؟! أتعلم ما الذي أدخلوه على الإمام عليه السلام وعلى الدين؟ وكيف حرّفوا عقائد المؤمنين؟! [لا إله إلا الله]

لما استشهد الإمام الكاظم عليه السلام -بعد أن قضى عمره في السجون- تراكمت لدى الوكلاء أموالٌ عظيمةٌ مكدسةٌ من الحقوق الشرعية؛ بسبب غياب الإمام في السجون بطبيعة الحال. وكانت وظيفة الوكلاء تسليم هذه الأموال للإمام والذي بدوره ينفقها على الناس ويجبر بها خواطرهم، كما جبر خاطر بكّار القمي -كما تقدم- وعوّضه عن فقده. فاحتفظ الوكلاء بهذه الأموال -لغياب الإمام بالسجن-، وبلغهم أخيراً أن الإمام عليه السلام قد استشهد، فلعبت الدنيا بعقولهم!

فالآن عليهم تسليم ما بحوزتهم من أموال للإمام الجديد الذي سيتولى الإمامة! فلا يمكن ذلك! هناك من الوكلاء من عبث بهذه الأموال واتجر بها واشترى بها دوراً وجواري، ورتّب أوضاعه الاقتصادية، فكيف له أن يتخلى عن كل هذا النعيم وهذا الترف الذي أكله حراماً، ويذهب ليسلمه في لحظة واحدة إلى الإمام الشرعي من بعد الإمام الكاظم وهو الإمام الرضا عليهما السلام.

وهكذا استحوذ عليهم الشيطان، فأوحى إليهم بأن يبتدعوا فرقةً جديدةً في العالم الشيعي! وهي فرقة الواقفة. وقالوا نحن لم يثبت عندنا موت موسى بن جعفر! بل هو حيٌ غائبٌ وهو المهدي! ووضعوا أخباراً -موجودة في مصادرنا- تقول أن الإمام السابع هو الإمام المهدي! واسمه كاسم موسى بن عمران! أفلا يكونوا أشباه الحمير؟! أولا يستحقون هذه الكلمة من الإمام الكاظم عليه السلام أم لا؟!

هكذا عانى الإمام الكاظم عليه السلام من هؤلاء الذين أضلوا الناس! وكلاء .. لكنهم حمير! وكلاء .. لكنهم خبثاء! وكلاء .. لكنهم أماتوا الناس على ميتةٍ جاهلية! وأضاعوا دين الناس.

فعلينا أن نميّز بين الوكلاء الصالحين وبين أشباه الحمير! فليس كل وكيلٍ للأئمة عليهم السلام كان صالحاً.. فكيف بوكلاء المراجع؟ ليس كل وكيلٍ من وكلاء المراجع صالح بالضرورة، هنالك أشباه الحمير أيضاً، وهنالك من تغلب عليهم الغفلة.

وهنالك من لا يعرفون من يجالسون ومن يزورون، ومع من يتواصلون، ويحسبون أن هذا الطيش في التواصل مع الكل وزيارتهم والتعاطي معهم هو أمرٌ حسنٌ يصبُ في صالح المرجعية والدين! هذا خطأ أيها الأخوة.. ونقولها من باب النصح والنصيحة والمودة، لا من باب العداء.

إن عليك أن تتعلم من تجالس، وعليك أن تتعلم لمن تنحني! لا تذهب إلى شخصيةٍ نطقت بكلمةٍ انحرافية غير مسبوقةٍ في التاريخ الانحرافي الشيعي على الإطلاق. تلك الكلمة التي قال فيها (كل من يكره أبا بكر وعمر بيطله ابن حرام)!!

مثلُ هذا لا يستحق أن تنحني له .. مثل هذا يزلزل الوضع ويجعل طائفة من المؤمنين ترتد عن المرجعية وتكفر بها! هذه كارثة أُدخلت على المرجعية.. لا نريد من المؤمنين إلا أن يزدادوا تمسكاً بالمرجعية. لكن بسبب هذه التصرفات الطائشة غير محسوبة العواقب؛ بعض المؤمنين يكفرون بالمرجعية -وليس لهم العذر بذلك أيضاَ-.. كفى!

إن كان خالك فلا تجالسه، فكيف إذا كان قبلان [عبد الأمير قبلان صاحب الكلمة المشؤومة] أو غيره؟! وما قيمة هؤلاء؟! كل موقفٍ وقولٍ وفعلٍ يمكن أن يحدث التباساً في العرف العام ما بين الحق والباطل، ومن يتشخّصَ به الحق أو يتشخّصّ به الباطل، عليك أن تتجنبه! حتى لو كانت المصلحة الإدارية تظنها فيه، فالمصلحة الدينية مقدمة. وأنت لستَ مضطراً ولا مجبوراً لذلك.

تعلّم من إمامك الكاظم عليه السلام كيف تكون سيفاً في الحق في مثل هذه الموارد والمواضع ولا تتنازل وتضحي! وإنْ اقتضى الأمر التضحية بالنفس فأرخص نفسك!

إمامنا الكاظم عليه السلام بعدما قضى في السجن أعواماً عٌرِضَ عليه عرض من قبل هارون لعنه الله! عَرْضٌ قد يبدو عند كثيرٍ من الناس معقولاً ومقبولاً! إنما هي كلمة تقولها يا موسى بن جعفر فيٌطلقُ سراحك! والكلمة ليست بالخطيرة أيضاً. [لا نريد منك أن تترضى عن أبي بكر وعمر، ولا أن تقول كل من يكره أبا بكر وعمر يطلع ابن حرام، ولا أن تقول إن حكمهما كان على الإسلام والعدل، ولا أن تقول عائشة سيدتنا رضي الله عنها] .. نريد منك الالتماس فقط! وتلتمس منا الإفراج عنك ..هذا هو العرض الذي قدّمه هارون العباسي للإمام الكاظم عليه السلام.

روى الطوسي في الغيبة وابن شهراشوب عن محمد بن عباد المهلبي، قال: "لما حبس هارون [الرشيد] موسى بن جعفر عليه السلام وأظهر الدلائل والمعجزات وهو في الحبس دعا الرشيد يحيى بن خالد البرمكي وسأله تدبيرا في شأن موسى عليه السلام. فقال: الذي أراه لك أن تمن عليه وتصل رحمه. فقال الرشيد: انطلق إليه، وأطلق عنه الحديد، وأبلغه عني السلام وقل له: يقول لك ابن عمك: إنه قد سبق مني فيك يمين أن لا أخليك حتى تقر لي بالإساءة، وتسألني العفو عما سلف منك، وليس عليك في إقرارك عار، ولا في مسألتك إياي منقصة، وهذا يحيى هو ثقتي ووزيري فاسأله بقدر ما أخرج من يميني وانصرف راشدا. فقال عليه السلام: (..) يا أبا علي، أبلغه عني: يقول موسى بن جعفر: رسولي يأتيك يوم الجمعة ويخبرك بما يرى، وستعلم غدا إذا جاثيتك بين يدي الله من الظالم والمعتدي على صاحبه".

كان هارون يريد التماساً فقط! كما يفعل السجناء الآن من تقديمهم للالتماس للرئيس أو الحكومة، بأنهم نادمين ويرجون العفو. كما عُرِضَ عليَّ هذا الأمر في فترة الاعتقال الأولى، والحمد لله أن الله عز وجل أعطانا شيئاً من الرشد وقوة القلب بحيث رفضنا هذا العرض!

على أي حال؛ عٌرِضَ هذا العرض على الإمام الكاظم، وهو الإقرار بالإساءة للحاكم -هارون العباسي لعنه الله- وبشهادة بعض أقرباء الإمام الكاظم وأصحابه الخونة، والالتماس من الحاكم العفو .. وهي مجرّد كلمة تقولها دون التوقيع أو الختم على شيء. كلمة تقولها لثقتي يحيى بن خالد البرمكي وينتهي كل شيء وتنصرف راشدا.

لكن أنظر كيف أجاب الإمام الكاظم عليه السلام على هذا العرض، بعدما أفصح ليحيى بن خالد أنه سيستشهد خلال أيام، وحذّرَ يحيى بن خالد أن هارون سينقلب عليه وعلى البرامكة في الفتنة المعروفة، ثم قال له: "يا أبا علي، أبلغه عني: يقول موسى بن جعفر: رسولي يأتيك يوم الجمعة ويخبرك بما يرى، وستعلم غدا إذا جاثيتك بين يدي الله من الظالم والمعتدي على صاحبه". إذن العرض مرفوض! وأعلم أنك خلال أيام ستقتلني وموعدنا بين يدي الله عز وجل .. وهنالك تعرف من هو الظالم ومن هو المظلوم!

هذه هي المواقف المبدأية المشرقة التي ينبغي أن يتعلمها الشيعة من إمامهم الكاظم وسائر أئمتهم عليهم السلام.

لماذا رفض الإمام الكاظم هذا العرض ولو تقيةً؟ لأن هذه الكلمة فيها شيءٌ من الذل والانكسار، والأئمة لا يقبلون الذل [هيهات منا الذلة]. وكل ما يمكن أن يفهم على أنه تذللٌ للطواغيت أو المنحرفين مرفوض عند الأئمة الأطهار. كما أن هذه الكلمة كان سيستغلها هارون العباسي ويسيء للإمام بها ويسقّطه اجتماعياً عند الأمة, وسيقول للمعتقدين به إن إمامكم قد اعترف بإسائته، وطلب العفو منا، فأنعمنا عليه بالعفو. وهذا ما لا يقبله الإمام الكاظم ولا يقبله الأئمة الأطهار صلوات الله عليهم.

يا ترى هل سيرتنا اليوم هي هذه السيرة أم سيرتنا -خاصة المعممين والوكلاء- إعطاء الآخر ما يريد قولاً وفعلاً بكل سهولة! ولو كان هذا القول أو الفعل جارحاً لقلب الصدّيقة الكبرى فاطمة الزهراء عليها السلام! نحن نستسهل الأمور ولا نحسب العواقب ولا نهتم!

هل تتصور أن كلمة (أن كل من يكره أبا بكر وعمر وعثمان بيطلع ابن حرام) لم تجرح قلب اللصدّيقة الكبرى فاطمة الزهراء عليها السلام؟ وهل تظن أنها كلمة هيّنة؟! أو حين يأتي محمد باقر الصدر فيقول (إن حكم أبي بكر وعمر قام على الإسلام والعدل) أتراها كلمة هيّنة؟ معنى هذه الكلمة أن الزهراء هي الظالمة لأبي بكر وعمر -والعياذ بالله- لأنهما حكما بالإسلام والعدل!

كم هو سهلٌ عندنا أن نطلق الكلام جزافاً، تذللاً لهذا وتملّقاً لذاك، وكله كذبٌ وتملقٌ وخداع! آفات امتلئت في جسدنا الشيعي، الذي بات يئن منها! إن الجسد الشيعي يحتاج إلى تطهير ومعالجة، فلا تجبرونا على أن نقوم بمعالجته جراحياً.. كفى!

على كل واحدٍ أن يلزم حده .. وتعلّموا من أئمتطك كيف تكونوا ثابتين على المبادئ والمواقف، ولا تذلوا أنفسكم ولا تتنازلوا ولا تقولوا إنما هي كلمة! هذه الكلمة لها مضاعفات تترتب عليها نتائج، فالأمر ليس هيّناً.

إمامنا الكاظم عليه السلام من أجل كلمة لم يقبل أن يعطيها لهارون؛ تحمّل السجن وتحمّل ثلاثين رطلاً من الحديد الذي قٌيّدَ به حتى رضَّ ساقه صلوات الله عليه.

السلام على المعذّب في قعر السجون، وظلم المطامير، ذي الساق المرضوض بحلق القيود، والجنازة المنادى عليها بذل الاستخفاف.

لمشاهدة المحاضرة والاستماع إليها:

شارك المقال على Google Twitter Facebook Whatsapp Whatsapp