هل تعرّض الشيطان للمعصومين (عليهم السلام) في المنام يقدح في عصمتهم؟ وما هو ردكم على من يقول بأن صدام قد تاب وتوبته قد قُبلت؟

شارك الإجابة على Google Twitter Facebook Whatsapp Whatsapp

السلام عليكم

كنت أريد أن اسألكم حول عدة مسائل

أولا: كيف نعرف الرؤيا الحق من تلك الباطل التي يصطنعها الشيطان؟ يعني ما هو المقياس للتفرقة بين هذه وتلك؟ وهل صحيح أن السيدة الزهراء عليها السلام قد تعرضت لمنام من صنع إبليس (تفسير الأحلام للإمام الصادق عليه السلام باب حقيقة الرؤيا وأقسامها ص13 تفسير قوله تعالى إنما النجوى من الشيطان ليحزن الذين ءامنوا نقلا عن بحار الأنوار ج61 ص 188 مؤسسة الوفاء)، فلو صح ذلك لكان للشيطان قدرة على صنع منامات فيها أهل البيت الكرام ولا كان حتى المؤمن في عصمة من تلاعب إبليس بمناماته، فكيف تفسرون هذا الأمر؟

ثانيا: يدعي بعض البكريين أن لمثل صدام وحسني مبارك وغيرهم من أئمة الكفر والنفاق والظلم أن لهم توبة حتى الغرغرة وأن الله يتقبل توبتهم إن تابوا! فهل ذلك صحيح هل لأناس قمة في الظلم والنصب داوموا عليه سنين طويلة ارتكبوا فيها أبشع الجرائم ضد المؤمنين والأبرياء عموما هل لمثلهم توبة؟ وهل يمكن أن يتوبوا فعلا وهل يتقبلها منهم الله كمثل تلك التي ظهرت من صدام بعد انهيار ملكه مثلا؟

ولو كان تقبل الله لتوبة أناس داوموا على النصب والظلم والإفساد في الأرض سنين طويلة أمثال الذين ذكرت -إن تابوا- أمر مستحيل، فما هي أدلة ذلك من الكتاب والسنة ومن مصادر المؤمنين ومن مصادر البكريين رجاءا؟
لأنه وفقا لمنهجهم هذا ممكن، تبصق على أهل البيت وعلى الدين ككل أغلب حياتك وترتكب المجازر ضد المؤمنين ثم تتوب قبل وفاتك بعام مثلا وتدخل الجنة فهل هذا إلا الظلم بعينه؟!

بارك الله فيكم أخي أبوحيدر
وحفظكم من كل سوء

العلوي الفاطمي


بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين
ولعنة الله على أعدائهم أجمعين

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أفاد الشيخ بالآتي:

ج1: لا حجية في ما يراه النائم سواءً كان رحمانياً أم شيطانياً، وإنما يُستأنس به إذا كان رحمانياً من الله تعالى، ومن علامات ذلك أن تكون فيه البشارة والخير ويجري مجرى الأصول الشرعية وأن يكون له انطباق على الواقع.

أما تعرّض الشيطان للمعصومين (عليهم السلام) في المنام فهو كتعرّض الأشرار والظالمين من الإنس لهم في غيره، وهو لا يقدح في عصمتهم، ولا يضرّهم شيئا كما قال الله تعالى: ”إِنَّمَا النَّجْوَىٰ مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ“. (المجادلة: 11) وقد قال تعالى أيضا: ”وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ“ (ص: 42) وقال تعالى: ”وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّىٰ أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ“ (الحج: 53).

وما جرى للزهراء (صلوات الله وسلامه عليها) هو من هذا القبيل الذي جرى للأنبياء (عليهم الصلاة والسلام) ولا يعني هذا أن للشيطان قدرةً عليهم بما يقدح في عصمتهم، فإنهم لا ينقادون إلى ما يريهم إياه في المنام، إذ لو انقادوا ورتّبوا الأثر عليه لانتفت عصمتهم، وإنما غاية ما يفعله لهم هو التحزين والإيذاء، فإن الشيطان يهتم بإيذاء أولياء الله تعالى، ويحضّ أتباعه من الإنس على إيذائهم في الحياة الدنيا، وما على المعصومين (عليهم السلام) إلا الصبر واحتساب الأجر، والله يعصمهم من أن يضرّهم الشيطان بشيء مصداقاً لقوله سبحانه: ”وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا“.

ثم إن الرواية المزبورة حول ما رأته الزهراء (صلوات الله عليها) في منامها إنما حقيقة موضوعها تعليم الغير كيف يتصرّفون ويعملون حين يرون ما يحزنهم ويرعبهم في المنام، فالمقام هو مقام التعليم والإرشاد، ولذا سُمح للشيطان بأن يفعل ما فعل في منام الزهراء (عليها السلام) حتى يكون ذلك علة لهذا البيان الذي جاء عن النبي صلى الله عليه وآله.

وتمام الرواية هو: ”عن أبي عبدالله عليه السلام قال: كان سبب نزول هذه الاية أن فاطمة عليها السلام رأت في منامها أن رسول الله صلى الله عليه واله همَّ أن يخرج هو وفاطمة وعلي والحسن والحسين عليهم السلام من المدينة فخرجوا حتى جاوزوا من حيطان المدينة، فتعرض لهم طريقان، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وآله ذات اليمين حتى انتهى بهم إلى موضع فيه نخل وماء، فاشترى رسول الله صلى الله عليه وآله شاة كبراء - وهي التي في إحدى اذنيها نقط بيض - فأمر بذبحها فلما أكلوا ماتوا في مكانهم، فانتبهت فاطمة باكية ذعرة فلم تخبر رسول الله صلى الله عليه وآله بذلك. فلما أصبحت جاء رسول الله صلى الله عليه وآله بحمار فأركب عليه فاطمة عليها السلام وأمر أن يخرج أمير المؤمنين والحسن والحسين عليهم السلام من المدينة كما رأت فاطمة في نومها فلما خرجوا من حيطان المدينة عرض له طريقان فأخذ رسول الله صلى الله عليه واله ذات اليمين كما رأت فاطمة حتى انتهوا إلى موضع فيه نخل وماء، فاشترى رسول الله صلى الله عليه واله شاة كما رأت فاطمة عليها السلام فأمر بذبحها، فذبحت وشويت. فلما أرادوا أكلها قامت فاطمة وتنحت ناحية منهم تبكي مخافة أن يموتوا فطلبها رسول الله صلى الله عليه وآله حتى وقع عليها وهي تبكي فقال: ما شأنك يا بنية؟ قالت: يا رسول الله إني رأيت البارحة كذا وكذا في نومي وقد فعلت أنت كما رأيته فتنحيت عنكم فلا أراكم تموتون. فقام رسول الله صلى الله عليه وآله فصلى ركعتين ثم ناجى ربه، فنزل عليه جبرائيل فقال: يا محمد هذا شيطان يقال له: الدهار وهو الذي أرى فاطمة هذه الرؤيا ويؤذي المؤمنين في نومهم ما يغتمون به، فأمر جبرائيل فجاء به إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقال له: أنت أريت فاطمة هذه الرؤيا؟ فقال: نعم يا محمد فبزق عليه ثلاث بزقات فشجه في ثلاث مواضع. ثم قال جبرائيل لمحمد: قل يا محمد إذا رأيت في منامك شيئا تكرهه أو رأى أحد من المؤمنين فليقل: أعوذ بما عاذت به ملائكة الله المقربون وأنبياؤه المرسلون وعباده الصالحون من شر ما رأيت ومن رؤياي ويقرأ الحمد والمعوذتين وقل هو الله أحد ويتفل عن يساره ثلاث تفلات، فإنه لايضره ما رأى“.

ج2: في الفرض المذكور لا تكون هذه توبة ولا يقبلها الله تعالى، لأن من شرائط التوبة أن لا تكون مبيَّتةً اجتراءً على الظلم والمعاصي، كما أن من شرائطها بالنسبة إلى مَن ظَلَم أن يستبرئ ذمّته ممن ظُلِم، وليس طغاة العرب والعجم ممن يعملون بذلك، فتوبتهم لا تُقبل والحال هذه.

مكتب الشيخ الحبيب في لندن

ليلة 10 شوال 1430


شارك الإجابة على Google Twitter Facebook Whatsapp Whatsapp