أسئلة متعددة حول الفلسفة

شارك الإجابة على Google Twitter Facebook Whatsapp Whatsapp

بسمه تعالى
سماحة الشيخ الفاضل / ياسر الحبيب
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


1- ماهي المشكلة مع قانون العلية الفلسفي وهو قانون يسري في جميع الموجودات؟

2- السنخية بين العلة والمعلول قانون يسري في جميع الموجودات أيضا ولكن هل هناك أحد من الفلاسفة قال أنها تطبق على المبدأ الأول العلة الأولى؟ هل هناك تصريحات فلسفية بهذا الموضوع؟ هل بإمكانكم إرشادنا إلى هذه التصريحات الفلسفية؟ وماذا تكون نتيجة هذه القاعدة فلسفياً؟

3- هل هناك مشكلة عند الفلاسفة مع المعجزة؟ وكيف يفسرونها؟ وكيف فسر الفلاسفة القدامى المعجزة؟

4- نظرية العقول العشرة في أي شيء تخالف الإسلام؟ هل يقصدون من الفيض والصدور هو التوالد؟ وهل هناك أحد من الفلاسفة الشيعة من يقول بها؟

5- إن معطي الشيء لا يفقده هل هناك مشكلة مع هذه النظرية؟ وهل يطبقها الفلاسفة على المبدأ الأول؟ وهل يصح ذلك؟

6- ما هي قاعدة اللطف؟

7- إذا قلنا أن إرادة الله هي نفس ذاته، هل هناك نتيجة تعارض الإسلام؟

8- هل هناك مآخذ أخرى على الفلسفة؟

9- إذا نقحنا الفلسفة وأزلنا منها ما يخالف الإسلام فهل هناك إشكال للأخذ بها؟

وشكرا جزيلا


بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين
ولعنة الله على أعدائهم أجمعين

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

جواب الشيخ:

باسمه تعالى شأنه. وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

ج1: لا إشكال فيه بما هو هو من حيث أن لكل معلول علة، وإنما الإشكال هو في قولهم أن ذات الله تبارك وتعالى هي علة العلل على نحو التطوّر والترشّح والفيضان، وأن قانون العلية يفيد أن العالم حادث ذاتاً وقديم زماناً، بمعنى أنه حادث افتقاراً إلى العلة - وهي علم الله تبارك وتعالى أي ذاته لأن علمه عين ذاته - إلا أنه قديم لاستحالة انفكاك المعلول عن العلة.

وهو باطل لأن النسبة إنما هي بين الخالق والمخلوق، أي بين الذي أبدع الأشياء وأوجدها لا من شيء وبين مخلوقاته، وليست النسبة بين العلة والمعلول، أي بين ذات العلة وبين ما ترشّح وفاض منها، وقانون العلية إنما يجري على الثاني دون الأول.

والالتزام بهذه المقالة الفاسدة يوجب الشرك بالله تعالى بإثبات العالم قديماً أزلياً معه، وهو يخالف أقوال الأئمة الأطهار صلوات الله عليهم، فقد قال السلطان الرضا صلوات الله عليه: ”إن الله المبدئ الواحد الكائن الأول لم يزل واحداً لا شيء معه، فرداً لا ثاني معه، لا معلوماً ولا مجهولاً، ولا محكماً ولا متشابها، ولا مذكوراً ولا منسياً، ولا شيئاً يقع عليه اسم شيء من الأشياء غيره، ولا من وقتٍ كان، ولا إلى وقت يكون، ولا بشيء قام، ولا إلى شيء يقوم، ولا إلى شيء استند، وفي شيء استكن، وذلك كله قبل الخلق إذ لا شيء غيره“. (عيون أخبار الرضا عليه السلام ج1 ص169).

والحاصل أن أهل الإلحاد من الفلاسفة والعرفاء يقولون بأن العلة هي ذات الله تعالى، والعالم المعلول صادر عن هذه الذات بالترشح والفيضان والتولّد، أما نحن المتشرّعة فنقول بأن العلة هي إيجاده - جلّ وعلا - للأشياء، والعالم المعلول صادر عن هذا الإيجاد والإبداع، وقد كان بعد أن لم يكن، أي أنه حادث ذاتاً وزماناً.

ج2: نعم قد قالوا ذلك صراحةً، فقد قال محمد حسين الطباطبائي: ”قد تحقق في مباحث العلة والمعلول أن الواحد لا يصدر منه إلا الواحد، ولمّا كان الواجب تعالى واحداً بسيطاً من كل وجه، لا يتسرب إليه جهة كثرة لا عقلية ولا خارجية، واجداً لكل كمال وجودي وجدانا تفصيليا في عين الإجمال، لا يفيض إلا وجوداً واحداً بسيطا به كل كمال وجودي لمكان المسانخة بين العلة والمعلول“. (نهاية الحكمة ص315).

وهذا القول الذي يثبت السنخية والشباهة بين الله جل وعلا وبين خلقه هو عين الشرك، فقد قال مولانا زين العابدين صلوات الله عليه: ”أنت الذي أنشأت الأشياء من غير سنخ“ (الصحيفة السجادية - دعاؤه عليه السلام يوم عرفة)، وقال مولانا الصادق صلوات الله عليه: ”من شبّه الله بخلقه فهو مشرك، إن الله تبارك وتعالى لا يشبه شيئاً ولا يشبهه شيء، وكلُّ ما وقع في الوهم فهو بخلافه“. (التوحيد ص80).

وقد حذّرنا إمامنا سيد الشهداء (صلوات الله عليه) من هؤلاء المارقة حين قال: ”أيها الناس! اتقوا هؤلاء المارقة الذين يشبّهون الله بأنفسهم، يضاهئون قول الذين كفروا من أهل الكتاب، بل هو الله ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير (...) ولا سميٌّ له يشابهه ولا مثلٌ له يشاكله (...) لا يوصف بشي‏ء من صفات المخلوقين وهو الواحد الصمد، ما تُصُوِّرَ في الأوهام فهو خلافه“. (تحف العقول ص244).

على أن السنخية التي يوجبونها بين العلة والمعلول باطلة أصلاً، نعم إنها ثابتة في العلة الإعدادية أو الطبيعية حيث يتطوّر الشيء إلى أطوار مختلفة، فيقع بين السابق واللاحق نوع سنخية ومجانسة في الأغلب، مع أنه يمكن تطوّر الحامض إلى حلو وبالعكس، أما العلة الإيجادية أو الفاعلية فلا تسانخ ولا تشابه معلولها، والله تبارك وتعالى هو علة إيجادية فاعلية لهذا الخلق، فلا سنخية بينه وبين خلقه. وهؤلاء الحمقى قد خلطوا بين العلّتين فأثبتوا السنخية.

ج3: البحث عندهم هو أن هذه المعاجز هل وقعت على قانون العلية الطبيعي أم كانت خارجة عنه؟ وإذا كانت خارجة عنه فهل علّتها هي العلة الأولى التي هي ذات الله تعالى أم هي معلولة لسلسلة أخرى من العلل يعرفها صاحب المعجزة؟ والبحث في ذلك مضيعة للعمر وليس بشيء.

ج4: إنها تخالف الإسلام من جهة أنها تجعل الله تعالى مؤثّراً موجباً لا مختاراً تتعدّد أفعاله وآثاره، فلم يكن ما صدر عنه إلا نشوء العقل الأول! كما أنها تخالف الإسلام من جهة أنها تجعل هذا الصادر الأول صادراً عن ذات الله تعالى لأن الواحد لا يصدر منه إلا الواحد، أي أنها قد انبثقت من صميم ذاته وكيانه ووجوده! وقد علمت أن المخلوقات كلها غير صادرة عن الذات بل عن الإيجاد والإبداع بلا مادة ولا مثال. ثم إن نظرية العقول العشرة مما يبعث على السخرية اليوم بعد ثبوت بطلانها بالحقائق العلمية، فإنهم ربطوا بين العقول العشرة وجعلوا لكل عقل فلكاً، كالشمس وعطارد والزهرة والمريخ والمشتري وزحل، أما العقل العاشر المسمى عندهم بالعقل الفعال فهو عقل فلك القمر! وهو الروح القدس الذي هو همزة الوصل بين العالم العلوي والسفلي! وتلك كما هو معلوم اليوم ليست إلا تخرّصات وسفاهات.

أما الفيض والصدور والرشح والفيضان والتولّد فكلها اصطلاحات عندهم لمعنى واحد مؤدّاه أن الفاعل فعل بلا إرادة الإيجاد ومشية الإبداع، بل مجرّد علمه بالشيء يوجده بالخارج ترشّحاً منه.

ج5: لعلك تقصد ”فاقد الشيء لا يعطيه“ وهذا مما لا خلاف فيه، غير أنه لا ينطبق على الله تبارك وتعالى لأنه موجد الشيء وخالقه لا من شيء، وليس يفقد شيئاً. أما نحن فنحصِّل ونملك ذلك الشيء ثم نعطيه، أي أنّا لا نخلقه ونوجده.

ج6: معناها أن الله تبارك وتعالى أوجب على نفسه أن يلطف بعباده فلا يتركهم سدىً يضلون ويتوهون في العمى، ولذا يرسل إليهم سفراءه (عليهم السلام) ليستقذوهم، وينصب لهم في كل زمان حجة وعلماً يرجعون إليه ويستضيئون بنوره ويأتمّون به. والقاعدة دليل على ثبوت الإمامة وعدم انقطاع السفارة بين الأرض والسماء مطلقاً.

ج7: نعم إن هذا القول معارض للإسلام، فإرادة الله تعالى صفة فعلية له لا ذاتية، أي أنها منفكة عن ذاته، ولو كانت ذاتية لوجب أن يكون خلقه قديماً معه منذ الأزل، وقد تبين لك بطلانه وأنه ضرب من الكفر والشرك.

ج8: نعم، فارجع إلى دروسنا في علم الكلام فقد عدّدنا فيها بعضها. والحاصل أن الفلسفة ليست إلا تخرّصات تقود الإنسان إلى التيه والضلال وتبعده عن الحق أكثر فأكثر وتوقعه في فخاخ الشيطان والعياذ بالله.

ج9: لا إشكال حينئذ، لأنها لا تكون فلسفة! وذلك نظير ما لو قال القائل: ”إذا نقّحنا النصرانية وأزلنا منها ما يخالف الإسلام فهل هناك إشكال في الأخذ بها“؟ فإنه يُقال له: ”لا، لأنها لا تكون حينئذ نصرانية بل هي إسلام“.

أبقانا والله وإياكم على الإسلام الحق، والسلام. ليلة 18 شوال 1430 من الهجرة النبوية الشريفة.


شارك الإجابة على Google Twitter Facebook Whatsapp Whatsapp