غرقت بكل أنواع المعاصي فانقذني الكاظم، وبيئتي فاسدة أخشى تأثيرها علي، فما الحل؟

شارك الإجابة على Google Twitter Facebook Whatsapp Whatsapp

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أنا شيعي خليجي من الاثني عشرية، كنت غارق في المعاصي والفساد سنوات وسنوات، كل شيء توفّر لي جمال ومال ومنصب وعائلة سمعتها كبيرة جدا، نشأت في الترف منذ نعومة أظافري أي معصية تخطر في بالك قد أرتكبتها بسبب أني من عائلة غنية ثرية جدا، وبعدما مارست كل المعاصي وجميع أنواع الفساد تعرضت لعدة أمراض نفسية، بل كل مرض نفسي قد تعرضت له وشعرت بكل شيء بكل شيء ومريت بكل المراحل النفسية والمعاناة النفسية التي يمر بها الإنسان حتى مللت من كل المعاصي ودفعتني تلك الأمراض النفسية أن أقع في المخدرات حبوب الهلوسة وسجائرالحشيش وبقيت متعاطي خمس سنوات وفي ليلة من الليالي نمت وأنا كلي حزن وهم وغم والدموع على خدي والشعور بالرغبة بالانتحار ما كان يفارقني لحظة في تلك الليلة كنت أريد أن أفكر كيف أنهي حياتي، وأن اكتب وصيتي وأن أقوم بالانتحار في تلك الليلة، وأنا مستلقي على السرير حينها لكن النوم قد غلبني قبل أن أقوم بكل هذا فشاهدت حلم شاهدت الامام موسى بن جعفر الكاظم في مكان وذهبت إليه وكان وجه الشريف كله هيبة ووقار وكان ينظر إلي نظرة حزينة وأخذت يده الشريفة وقبلتها ثم أستيقظت من النوم، والله لا أنسى نظرات الامام الكاظم كانت كلها أسى وحزن وكأنه كان يعاتبني أو شيء من هذا القبيل.

استيقظت من النوم وأنا أجهش بالبكاء صارخا موسى الكاظم موسى الكاظم، استيقظ الأهل على صراخي وبقيت صارخا حتى أغمي علي حملوني إلى مستشفى خاص ونوموني هناك وخلال التنويم شاهدت في المنام أني أنظر إلى غرفة ومر رجل يرتدي البياض وسمعت هاتف يقول لي هذا هو الإمام، ثم استيقظت من النوم ووجدت نفسي منوم على سرير في المستشفى وبقيت منوم شهر تقريبا، ثم خرجت من المستشفى اغتسلت حين وصولي الى البيت غسل التوبة وأصبحت محافظ على الصلاة وقراءة القران والأدعية والزيارات وتركت كل المعاصي وعشت حياة هنية كريمة كلها سكينة وطمئنينة لم أكن أشعر بها من قبل بل سعادة لم أكن أذوقها من قبل، وعندي الآن مشكلة وهي: أنا ملتزم الآن بالدين والحمد لله وأحس بالألم لغربتي لعدم وجودي بين الشيعة، لأني في بيئة خليجية لا يوجد بها شيعة و كثر فيها الفساد والبعد عن تعاليم الدين بسبب الحكومة الجائرة التي مسخت الشعب عن الإسلام.

شيخنا الحبيب لقد قرأت في موقعك ما ساعدني على تجاوز مراحل عديدة من الشعور بألم الجمر الذي أقبضه بيدي (الالتزام) منها التوسل بالأئمة عليهم السلام
ومنها مراسلة صاحب الزمان، وكل يوم أتوسل بالائمة عليهم السلام كل يوم، ولقد راسلت صاحب الزمان، والحمد لله وجدت الثمرات سريعة جدا، لكن لدي ثلاث مشاكل اجتماعية، أقسم عليك بظلع الزهراء يا شيخ ياسر أن تعطيني حل لها، وأن ترد أنت بنفسك رد كاملا أقسم عليك بظلع الزهراء، وهي ثلاث مشاكل وهي التالي:

1- بيئتي في المنزل بيئة غير دينية بل بيئة غير مؤهلة للثبات الديني، أحس أنها بيئة أنشأها إبليس لمحاربتي، وأن كل من حولي هم أداة بيد إبليس يحاربني بها نعم وأبي وأمي بسبب الثراء الفاحش الذي يغير الإنسان وكلهم يريدوني أن أحلق لحيتي بحجة أنه حرام أن يذهب هذا الجمال وأني ما زلت في ريعان الشباب حتى أمي دائما تقول لي أحلق لحيتك أنت قمر حرام تشوه نفسك.

2- كثرت قراءتي لشخصية الإمام موسى بن جعفر الذي أصبحت أحبه حب شديد زرع فيني الزهد فرميت كل البلاطين والقمصان وأصبحت مكتفي بثلاث ثياب قدوة بالإمام عليه السلام إلا أني أجد محاربة ممن حولي وكلمات وقعها مؤلم على قلبي مثل: شوف أخوك ما شاء الله عليه كشخه أنت يا فلان كنت كشخه ليش الحين ما غير لابس ثوب كأنك بواب، يا ولد ألبس مثل الأوادم أنت ما عليك قاصر وغيرها من هالكلمات، أو أبوي مثلا يقول وين فلان الارهابي مالنا ما نشوفه
وأنا أكون مثلا في غرفتي واسمعه وغيره كثير من هالتحطيم والمحاربة النفسية، وأنا مالي إلا شهرين ملتزم وتعبان تعبان تعبان من هالمحاربة والله.

3- الوحدة رغم أني شيعي إلا أننا بحكم المكانة الاجتماعية نسكن في حي راقي ولا يسكنه إلا الاثرياء وفي منطقة لا يوجد بها شيعة، وأغلب وقتي بين العمل والمنزل، أخاف أرجع مثل قبل والسبب الذي حولي، يا شيخ ياسر شنو أسوي؟ أبي حل تطبيقي ما عندي ثقة بنفسي وبإلتزامي، ولاعندي الشعور بالفخر الديني، شلون أزرع اعتزازي بالإلتزام في نفسي؟ وهل ينطبق علي قوله تعالى: "إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالْوَاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءتْ مَصِيرًا"، وهل الأئمة يعلمون بحال شيعتهم الموجودين في عام 2009؟

ظهور الكاظم لي في المنام وأنا في أسوأ حالاتي جعلني أفكر بهذه المسألة، ولماذا ظهر لي الكاظم بالذات لماذا الكاظم؟ أبي يكون في الحل شيء من الآيات والروايات والقصص وتوجيهات المعصومين، وأكيد الشيخ لديه علم انتفع به في حالتي هذه.

وفق الله الشيخ وزاده علم ونور

أخوكم المهتدي بالكاظم


بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين
ولعنة الله على أعدائهم أجمعين

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

عظم الله أجورنا وأجوركم بذكرى استشهاد سيد الشهداء ومولى الأحرار الإمام أبي عبد الله الحسين (عليه السلام).

جواب الشيخ:

بسم الله الرحمن الرحيم. وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته. عظم الله أجورنا وأجوركم بمصابنا بأبي عبد الله الحسين وأهل بيته وأصحابه (عليهم السلام) وجعلنا الله وإياكم من الطالبين بثأرهم مع إمامنا المهدي المفدى صلوات الله عليه وعجل الله فرجه الشريف.

حمداً لله تعالى على الهداية والتوبة اللتين منّ بهما عليك، وشكراً لمولانا باب الحوائج الكاظم (صلوات الله عليه) على شفاعته فيك، وأسأل الله تعالى أن يُلقي في قلبك روْحاً منه فلا تخاف المعصية أبداً ولا تقع فيها.

إن من جملة ابتلاءات الله تعالى للعبد المؤمن؛ هذا الذي أنت فيه من أجواء تساعد على المعصية وتدفع إلى الذنب والإثم. ولست وحدك تعيش هذه الحالة، فإن كثيراً من المؤمنين يعيشونها، وحال الواحد منهم كحال شيء طاهر يقع في محيط نجس! فإما أن ينجّس ذلك المحيط هذا الشيء؛ وإما أن يطهّر هذا الشيء ذلك المحيط، فيكون كالماء المعتصم.

إنك الآن بين خياريْن: إما أن تؤثر البيئة فيك، وإما أن تؤثر فيها. إما أن يجرّك الآخرون إلى العصيان، وإما أن أن تجرّهم إلى الإيمان. وعلى هذا فإن أول ما ننصحك به هو أن تتعاطى بروح التحدي مع أجوائك وبيئتك الاجتماعية، فبدلاً من أن تنزوي عن عائلتك وأصدقائك خوفاً من تأثيرهم عليك؛ تعامل معهم بإيجابية وحاول التأثير فيهم وقل لنفسك ملقّناً: ”أنا سيل يتجّه إليهم لتطهير قلوبهم! لا أخاف إغواءً من أحد فإني معتصم بالكاظم عليه السلام! لا أتراجع عن نصحهم ولو لم ينتصحوا! لا أنفك عن استمالة قلوبهم وإن لم تمل! أنا الأقوى! أنا الأكبر! أن الأشد بصيرة في ديني! أنا الذي أعلو بالإيمان على مَن حولي“.

هكذا لقّن نفسك، وهكذا درّب نفسك، وهكذا فاعمل، فإن خير حصانة من التلوث بأجواء الفساد هو مقاومتها على نحو: ”خير وسيلة للدفاع الهجوم“. فاجعل هذه سجيّتك الأولى.

ثم اجعل سجّيتك الثانية توطين النفس على مخالفة السائد في المجتمع، وكأنك تعاند الأجواء من حولك، وتلك في واقع الأمر وصيّة إمامنا الصادق (صلوات الله عليه) إذ أوصى أنه إذا: ”رأيت الناس همّهم بطونهم وفروجهم، لا يبالون بما أكلوا وما نكحوا، ورأيت الدنيا مقبلة عليهم، ورأيت أعلام الحق قد درست، فكن على حذر، واطلب إلى الله عز وجل النجاة، واعلم أن الناس في سخط الله عز وجل وإنما يمهلهم لأمر يُراد بهم، فكن مترقبا، واجتهد ليراك الله عز وجل في خلاف ما هم عليه، فإن نزل بهم العذاب وكنت فيهم عُجِّلْتَ إلى رحمة الله، وإن أُخِّرْتَ ابتلوا، وكنتَ قد خرجتَ مما هم فيه من الجرأة على الله عز وجل، واعلم أن الله لا يضيع أجر المحسنين، وأن رحمة الله قريب من المحسنين“. (الكافي الشريف للكليني ج8 ص42)

ثم اجعل سجيتك الثالثة الانشغال بعمل ديني تخدم به رسالة آل محمد صلوات الله عليهم، وهذا يتطلب منك أن تكثّف يومياً من اطلاعك على علومهم وتراثهم لتثقّف نفسك ومن ثمّ تثقف الناس من حولك، بأية وسيلة ترتئيها وهي متاحة لك، إما عبر نشر الكتب والكتيبات، أو الأقراص السمعية والبصرية، أو عبر وسائل الإنترنيت، أو أن تنطلق إلى مستوى أعلى بتشكيل فريق أو تأسيس هيئة أو منظمة تبليغية تعمل فيها مع أقرانك، فإن ذلك كفيل بأن يجعلك تعيش في عالم الدعوة والجهاد، عالم أهل بيت النبوة صلوات الله عليهم، ولن تجد نفسك بعد ذلك تلتفت إلى شيء آخر، كما لن تجد وقتاً ولا متسعاً لأن تعمل شيئاً آخر، سوى إيصال رسالة آل محمد (عليهم السلام) إلى البشرية.

ثم عليك مع كل هذا التوكل على الله سبحانه وتعالى، وإدامة التوسل بأهل بيت النبوة صلوات الله عليهم، وتقسيم ساعات يومك إلى أربع ساعات: ساعة للذكر والدعاء والمناجاة، وساعة للتفكر، وساعة لمحاسبة النفس، وساعة تروّح فيها عن نفسك بالحلال.

أما عن الزهد، فقد قيل: ”ليس الزهد أن لا تملك شيئاً، إنما الزهد أن لا يملكك الشيء“، فلئن كان لباسك يؤدي إلى الإزدراء بك؛ فالبس كما يلبس الناس، بلا إفراط ولا تفريط، وليس هذا مما يخالف الزهد. وقد مرّ سفيان الثوري (لعنه الله) في المسجد الحرام فرأى إمامنا الصادق (عليه السلام) وعليه ثياب كثيرة القيمة حِسانٌ، فقال: والله لآتينّه ولأوبّخنّه، فدنا منه فقال: يابن رسول الله! ما لبس رسول الله مثل هذا اللباس ولا علي ولا أحد من آبائك! فقال له أبو عبد الله الصادق عليه السلام: ”كان رسول الله صلى الله عليه وآله في زمان قتر مقتّر وكان يأخذ لقتره واقتداره، وإن الدنيا بعد ذلك أرخت عزاليها، فأحق أهلها بها أبرارها. ثم تلا: قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ. ونحن أحق من أخذ منها ما أعطاه الله، غير أني يا ثوري ما ترى عليَّ من ثوب إنما ألبسه للناس. ثم اجتذب يد سفيان فجرّها إليه ثم رفع الثوب الأعلى وأخرج ثوباً تحت ذلك على جلده غليظاً، فقال: هذا ألبسه لنفسي، وما رأيتَه للناس. ثم جذب ثوباً على سفيان أعلاه غليظ خشن وداخل ذلك ثوب ليّن! فقال: لبستَ هذا الأعلى للناس ولبستَ هذا لنفسك تُسرّها“! (الكافي الشريف ج6 ص442).

أما عن الهجرة، فأرى أنك إنْ لم تستطع المقاومة على النحو الذي مرّ، فاخلق لنفسك أجواءً جديدة. تزوّج زوجة صالحة وانتقل معها للعيش في بيت مستقل، ولا بأس بالهجرة أيضاً إذا كانت مما لا بد منه علاجاً وحفظاً للنفس، على أن تكون الهجرة في سبيل الله تعالى، أي أن تعقد العزم على العمل التبليغي الديني.

أما عن علم الأئمة (عليهم السلام) فإن علمهم محيط بالأزمنة والأمكنة بإذن الله تعالى، فلا يعزب عنهم شيء، وهم يعلمون بما كان وما يكون وما هو كائن إلى يوم القيامة، فلا تتعجب من اطلاعهم على حالك في زمانك هذا. وأما أن يكون شفيعك ومنقذك الكاظم (عليه السلام) بالذات فذلك أمر غيبي، ولعله كان لعهدٍ سابق بينك وبينه، وإنْ في عالم الذر الذي سبق عالمنا هذا. وعلى أية حال فإنه يحق لك أن تسعد وتفخر بأنه (أرواحنا فداه) قد شملك بعطفه وحنانه.

وفقك الله ورزقك وإيانا الكرامة عنده، والسلام. الثلاثون من محرّم لسنة 1430 من الهجرة النبوية الشريفة.


شارك الإجابة على Google Twitter Facebook Whatsapp Whatsapp