إذا ثبتت لي إمامة الأئمة بآية محكمة واحدة، فإني سأتشيع فورا والله!

شارك الإجابة على Google Twitter Facebook Whatsapp Whatsapp

السلام عليكم والصلاة والسلام على محمد وآل محمد وصحبه إلى يوم الدين

أنا من أهل السنة والجماعة اتبع سنة المصطفى لقول الله (قل إن كنتم تحبون الله فأتبعوني يحببكم الله) والله عهد علي أني سوف أترك هذا المذهب وأتشيع فورا والله قسما، لكن يجب أن يكون الدليل دليل محكم من كتاب الله لا من المتشابه لأن من تتبع المتشابه ضاع وزاع وضل وأضل

لأن الإمامة عند الشيعة أصل من أصول الدين أي أنها فرض عيني على كل مسلم يعاقب تاركها ويثاب فاعلها وهي إذا تأخذ مأخذ الحكم التكليفي وتقتضي الطلب طلبا جازما بأتباع ولاية آل البيت لا الولاية عند الشيعة هيا وصية

والأصول لا تتبت بالعقول بل تتبت بالنقول لأن العقل يختلف من إنسان إلى إنسان وكتاب الله لم يترك أصل لم يذكره من إقامة الصلاة وايتاء الزكاة وحج البيت والصيام وغيرها

فأرجوا التوضيح فضيلة الشيخ هدانا الله وإياك إلى الصراط المستقيم

محمد بن عبد الله بن أبو القاسم


بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين
ولعنة الله على أعدائهم أجمعين

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

عظم الله أجورنا وأجوركم بذكرى استشهاد سيد الشهداء ومولى الأحرار الإمام أبي عبد الله الحسين (صلوات الله عليه).

جواب الشيخ:

بسم الله الرحمن الرحيم. وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

إن لدينا على كلامكم ملاحظات نرجو أن تلاحظوها بعين البصيرة:

الملاحظة الأولى: لم يكن ينبغي لك - وأنت إن شاء الله ممن يحرص على الالتزام بالشريعة أحكاماً وآداباً كما يظهر من فحوى كلامك - أن تبدأ رسالتك بما هو خلاف المأمور به شرعاً، حيث إنك قد أشركت أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله) في الصلاة عليه وعلى آله الطاهرين (صلوات الله عليهم) حين قلتَ: ”والصلاة والسلام على محمد وال محمد وصحبه الى يوم الدين“. وهذا أمر مبتدع مخترع، إذ لم يرد في حديث نبوي قط الأمر بإشراك الأصحاب في الصلاة على النبي وآله (عليهم الصلاة والسلام) وإنما الذي ورد هو الاقتصار في الصلاة على النبي وآله (عليهم السلام) كما في قوله صلى الله عليه وآله: ”قولوا: اللهم صل على ‏محمد ‏وعلى آل ‏محمد ‏كما صليت على آل ‏إبراهيم ‏إنك حميد مجيد. اللهم بارك على ‏محمد ‏وعلى آل ‏محمد ‏كما باركت على آل ‏إبراهيم ‏إنك حميد مجيد“. (صحيح البخاري ج6 ص27)
فعلى أي مستند ودليل يُلحَق أصحابه بالصلاة عليه وعلى أهل بيته الطاهرين عليهم جميعاً أفضل الصلاة والسلام؟ مع أن مثل ذلك لم يؤثر عنه (صلى الله عليه وآله) ولا عن أحد من أصحابه أنفسهم، وإنما هو أمر ابتُدع واستُحدِث من أولئك المهووسين بمن يسمّونهم (صحابة) والذين أرادوا مواجهة مدرسة أهل بيت النبوة عليهم الصلاة والسلام.
ولئن سألتَ عن الذي يضيرنا من إشراك الأصحاب بالصلاة في مثل هذه الصيغة؛ أجبناك بأنها أولاً خلاف المأمور به شرعاً، فلا ينبغي للمسلم المتشرّع أن يأتي به، لأنه إن لم يكن بدعة فلا أقل من كونه خلاف ما أدّب نبيّنا (صلى الله عليه وآله) به أمّته. وثانياً إن في إشراكهم على الإطلاق كما فعلتَ محذوراً شرعياً، إذ إن من المعلوم ضرورةً أن في أصحابه منافقون ومرتدّون قد حلّت عليهم اللعنة، فكيف تقول: ”وصحبه“ على هذا الإطلاق فتصلّي على من كان في جملة أصحابه من المنافقين والمرتدّين الملعونين؟! وهو (صلى الله عليه وآله) القائل: ”في أصحابي إثنا عشر منافقاً“! (صحيح مسلم ج8 ص122) والقائل: ”يَرِدُ عليَّ يوم القيامة رهط من أصحابي فيُجلون عن الحوض فأقول: يا رب أصحابي! فيقول: إنك لا علم لك بما أحدثوا بعدك! انهم ارتدوا على أدبارهم القهقرى“! (صحيح البخاري ج7 ص206)
فاللازم عليك إذن أن تلتزم في صيغة الصلاة بما أمر الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) فلا تعدو الصلاة عليه وعلى أهل بيته الطاهرين (صلوات الله عليهم) ولا تشرك بهم في ذلك أحداً.

الملاحظة الثانية: إن دعواك بأنك من ”أهل السنة والجماعة“ لا يمكن التسليم بها مع عدم ائتمامك بآل محمد عليهم الصلاة والسلام، إذ إنه لم يرد قط في أي حديث نبوي لفظ (السنة والجماعة) إلا في حديث ينص على أن أهل هذه الخصلة إنما هم المحبّون المتبعون لآل محمد عليهم السلام، وذلك قوله صلى الله عليه وآله: ”ألا ومن مات على حب آل محمد مات على السنة والجماعة“. (تفسير الكشاف للزمخشري ج3 ص82 والحوادث الجامعة لابن الفوطي ص153 وفرائد السبطين للحموي ص49 وينابيع المودة للقندوزي الحنفي ص27)
ولئن رجعنا - طبقا لأصولكم - إلى أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله) وفتّشنا عمّن يشخّص لنا (أهل السنة والجماعة) مَن يكونون؟ لوجدنا الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليهما الصلاة والسلام) ينصّ على أنهم شيعته وأتباعه الذين تمسكوا بسنة الله ورسوله (صلى الله عليه وآله) ولم يعملوا بأهوائهم، فقد روى المتقي الهندي عن يحيى بن عبد الله بن الحسن عن أبيه قال: ”كان علي يخطب، فقام إليه رجل فقال: يا أمير المؤمنين؛ أخبرني مَن أهل الجماعة؟ ومن أهل الفرقة؟ ومن أهل السنة؟ ومن أهل البدعة؟ فقال: ويحك! أما إذا سألتني فافهم عني، ولا عليك أن لا تسأل عنها أحداً بعدي. فاما أهل الجماعة فأنا ومن اتبعني وإن قلّوا! وذلك الحق عن أمر الله وأمر رسوله صلى الله عليه وآله. فأما أهل الفرقة فالمخالفون لي ومن اتبعني وإن كثروا! وأما أهل السنة المتمسكون بما سنّه الله لهم ورسوله وإن قلوا! وإن قلوا! وأما أهل البدعة فالمخالفون لأمر الله ولكتابه ورسوله، العاملون برأيهم وأهوائهم وإن كثروا! وقد مضى منه الفوج الأول وبقيت أفواج، وعلى الله قصمها واستئصالها عن جدبة الأرض“! (كنز العمال للمتقي الهندي ج16 ص184)
ثم إن من الغريب حقاً أن تتوهّم أنك من أهل السنة والحال أنك تأتمّ بالطاغية عمر بن الخطاب الذي رفض السنة وشنّ الحرب عليها زاعماً كفاية كتاب الله تعالى ومشككا في القوى العقلية لرسول الله صلى الله عليه وآله! فقد روى البخاري عن ابن عباس: ”لمّا حضر رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي البيت رجال فيهم عمر بن الخطاب؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم: هلمّ أكتب لكم كتاباً لا تضلوا بعده. فقال عمر: إن النبي قد غلب عليه الوجع! وعندكم القرآن! حسبنا كتاب الله! فاختلف أهل البيت فاختصموا! منهم من يقول: قرّبوا يكتب لكم النبي كتاباً لن تضلوا بعده، ومنهم من يقول ما قال عمر! فلمّا أكثروا اللغو والاختلاف عند النبي صلى الله عليه وسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قوموا! قال عبيد الله: وكان ابن عباس يقول: إن الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب من اختلافهم ولغطهم“! (صحيح البخاري ج7 ص9)
فههنا قد رفض عمر بن الخطاب السنة وزعم كفاية القرآن، ومعلومٌ أنه قد أحرق السنة أيضاً في عهده حين جمع الأحاديث وأحرقها كما رواه ابن سعد في الطبقات الكبرى (ج5 ص188) وأنت - غفر الله لك - تأتمّ بهذا الرجل ثم تقول: أنا من أهل السنة! إن هذه لهي المغالطة الواضحة.
هذا ناهيك عن أنه في مذهبك ما هو خلاف سنة الله ورسوله (صلى الله عليه وآله) قطعاً، كالطلاق ثلاثاً في مجلس واحد إذ تسمّونه ”الطلاق البدعي“ وتقولون بصحة وقوعه وترتّبون عليه البينونة والتحريم الأبدي! فكيف تكون البدعة سنة والسنة بدعة؟! ”إِنَّ هَٰذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ“.
فاللازم عليك أن لا تجازف بوصف نفسك من (أهل السنة والجماعة) ما دامت على هذا المعتقد، أما إذا استنرت بنور النبي وأهل بيته الأطهار (عليهم الصلاة والسلام) وائتممت بهم واتبعتهم وشايعتهم؛ فلك الفخر بأنك من (أهل السنة والجماعة) حقاً، وإن قلّوا، كما قال أمير المؤمنين علي صلوات الله وسلامه عليه.

الملاحظة الثالثة: ثمة مغالطة في كلامك، فإنك قلت: ”وكتاب الله لم يترك أصل لم يذكره من إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وحج البيت والصيام وغيرها“ وهذه ليست من أصول الدين، بمعنى ما يجب الإيمان والاعتقاد به، وإنما هي من فروع الدين، بمعنى ما يجب العمل به، فالصلاة والزكاة والحج والصوم إنما هي وظائف عملية أساسية للمسلم، أما التوحيد والعدل والنبوة والإمامة والمعاد فهي أصول وأركان اعتقاده.
هذا عندنا، وأما عند مخالفينا، فالخلط عندهم شائع بين الأمرين؛ بين الأصول الاعتقادية والفروع العملية، فأركان الإسلام عندهم هي الشهادتان والصلاة والزكاة والصوم والحج، وهذا خلط بين ما يجب الاعتقاد به كالشهادتيْن، وبين ما يجب العمل به كالباقي. ثم إن عندهم ما يسمّونها أركان الإيمان، وهي الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقضاء والقدر.
وهذا التقسيم واهن، لأنه إن كان المراد التفريق بين الإسلام والإيمان على نحو المنزلة والرتبة أو القوة والضعف؛ فنتيجته أن الذي يؤمن ويعمل بأركان الإسلام دون أركان الإيمان كان مسلماً ولم يكن مؤمناً، وهذا فاسد لا يقول به أحد، لأنه يقتضي الحكم على من لم يؤمن بالمعاد مثلاً بأنه مسلم، إذ ليس المعاد أي اليوم الآخر مذكوراً في أركان الإسلام! وأما إن لم يكن المراد التفريق بين الإسلام والإيمان؛ فهذا التقسيم لا وجه له وهو تخبط!
ولا يشفع لهذا التقسيم الاستناد إلى آيات أو روايات، أما الآيات فليس شيء منها حصر هذه المذكورات وجمعها في آية، حتى قوله تعالى: ”آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ ۚ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ ۚ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ۖ غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ“ تجده خلواً من ذكر اليوم الآخر والقضاء والقدر. وكذا قوله تعالى: ”يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ ۚ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا“ تجده خلواً من ذكر القضاء والقدر خيره وشره.
فإن قيل: قد أخذنا الإيمان بالقضاء والقدر من آيات أخرى وجمعنا المستفاد منها مع هذه الآية وغيرها وجعلنا الجميع تحت عنوان أركان الإيمان. قلنا: وكذلك نحن قد أخذنا الإيمان بالإمامة من آيات أخرى وجمعنا المستفاد منها مع هذه الآية وغيرها وجعلنا الجميع تحت عنوان أصول الدين، فما فعلتموه قد فعلناه، غير أن فعلنا صواب وفعلكم خطأ، لأنّا لم نجمع الوظائف العملية مع العقائد الإيمانية بل قسّمنا بينهما تحت عنوانين هما أصول الدين وفروع الدين. فتقسيمكم إذن لا وجه له.
وإن قيل: قد اعتمدنا على الروايات أي الأحاديث في هذا التقسيم. قلنا: مع قطع النظر عن أنها ليست بحجة علينا ما دامت من طرقكم فإنه يمكن المناقشة في إفادتها هذا التقسيم، إذ قد يقال بأن شأنها شأن الآيات في عدم الحصر، فتنضمّ إذن إلى غيرها من الأحاديث حتى يُستفاد من الجميع تقسيم آخر يكون أدق وأضبط.
على أنّا حين قسّمنا الأصول والفروع رجعنا أيضاً إلى الأحاديث من طرقنا، وهي حجة علينا، فإن طالبتمونا بطرحها والاستدلال بالآيات وحدها على الأصول، ألزمناكم بمثل ذلك فوجب عليكم طرح أحاديثكم.

الملاحظة الربعة: لعلّك توهّمتَ أن الاستدلال على أصول الاعتقاد ينبني على القرآن الحكيم وحده، وأن شيعة آل محمد (عليهم السلام) تكتفي بالعقل في إثبات الأصول. ألا فاعلم أن أحداً من الطوائف لم يدّع أن الاستدلال يكون بالقرآن وحده، بما في ذلك مخالفونا، فإنهم يحتجون بالسنة أيضاً وبالإجماع، ومنهم من يستدل بالعقل أيضاً كالمعتزلة، ولم يخالف في الاستدلال بالعقل إلا الأشاعرة. وهي مخالفة لا يسندها شيء مع وضوح الحثّ في كتاب الله تعالى على التدبّر والتعقّل والتبصّر لأولي الألباب، ومع وضوح مفهوم قوله تعالى: ”قُلْ هَٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ ۚ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ۖ وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ“ فإذا كان صاحب الشريعة (صلى الله عليه وآله) مأموراً بأن يدعو إلى سبيل الله تعالى على قاعدة (البصيرة) أي العقل والتعقّل فكيف يُقال أنه لا دور للعقل ههنا؟! وهو الذي يحتج به الله تعالى على المكلّفين دون الأطفال والمجانين لأن لا عقل لهم فلا حرج عليهم.
وأما أن العقول تختلف فلا يحتج بها على العقائد؛ فتلك أيضاً مغالطة أخرى، لأن المراد من العقل في هذا المقام هو ما اجتمع وتطابق عليه العقلاء، كإثبات الصانع للمصنوع، إذ بذلك يثبت وجود الله تعالى وتوحيده ويحتج به على الملحدين الذين لا يمكن الاحتجاج عليهم بكتاب أو نقل، فإن قلتَ بأن الأصول لا تثبت بالعقل فلا يمكن إثبات أصل التوحيد!
إن الحجة هي في القطع، فإذا جاء هذا القطع بسبب العقل أُخذ بمؤدّاه، وإذا جاء بسبب النقل أُخذ بمؤداه أيضاً. وبذا ترى أن الملحد يقطع أولاً بوجود الباري جل وعلا بناءً على حجة عقلية هي ضرورة وجود الصانع للمصنوع، ثم تراه يقطع ثانياً بنبوة نبينا (صلى الله عليه وآله) بناءً على حجة نقلية هي إظهاره معجزة الكلام المتمثلة بالقرآن الحكيم، فإنه يُنقل له نقلاً متواتراً أن هذا القرآن الذي بين أيدينا هو ما جاء به محمد (صلى الله عليه وآله) عن الله تعالى، وقد عجز إلى اليوم بشرٌ عن الإتيان بمثله، فتثبت نبوّته على ذلك.
ومهما يكن؛ فإن شيعة آل محمد (عليهم السلام) لا تكتفي بالعقل في إثبات أصول الاعتقاد، بل ترجع في إثباتها إلى الكتاب والسنة والإجماع أيضاً، ومن بين ذلك إثبات أصل الإمامة، فلا تغفل.

الملاحظة الخامسة: إن دعوى عدم وجود آيات محكمات في بيان أصل الولاية لآل محمد (صلوات الله عليهم) هي دعوى ساقطة عند أهل العلم والإنصاف والقلب السليم، ولعل هذه الدعوى ناشئة من الجهل بمعنى المحكم والمتشابه، إذ قد يظن بعضٌ أن المحكم هو ما لا يحتمل معنىً آخر مطلقاً، وأن المتشابه هو ما يحتمل معاني عدّة. وهذا في الحقيقة وهم فاسد لو أُخِذ به لما أمكن إثبات شيء من الأحكام، فحتى قوله تعالى: ”وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ“ يمكن لمن أراد التعسّف في المعاني والتأويلات أن يجعله من المتشابه بدعوى أن له معنىً آخر غير المتبادر، فالصلاة لغةً هي الدعاء، فيكون الأمر أمراً بالدعاء وحده لا أداء الصلاة بالهيئة والكيفية المخصوصة المشتملة على ركوع وسجود.
إذن فليس الفارق بين المحكم والمتشابه هو احتمال المعاني الأُخَر وعدمه، إنما الفارق هو في الوضوح وعدمه، فالمحكم هو ما فيه وضوح في الدلالة والمعنى المتبادر، والمتشابه هو ما لا وضوح فيه فيُرَدّ إلى المحكم.
إذا أدركتَ هذه الضابطة فسيتجلّى لك أن جميع ما يُستدلّ به لإثبات أصل إمامة وولاية آل محمد (عليهم السلام) من القرآن الحكيم هو من المحكم لا المتشابه، ومن ذلك قوله عزّ من قائل: ”إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ“، وهو واضح الدلالة متبادر المعنى في أن مَن له الولاية هو الله ورسوله (صلى الله عليه وآله) والذي حمل صفة إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة حال ركوعه، والولاية ههنا بمعنى الأولى بالتصرّف الذي تجب طاعته.
فإن قلتَ: ليست الآية من المحكم لأن للولي معاني منها الناصر والمحب وغيرهما.
قلنا: هذا من التعسّف في التأويل وهو لا يجعل الآية من المتشابه كما سبق وأشرنا، لأن كل من تذوّق العربية يفهم أن المراد من لفظ (الولي) إذا كان مقروناً بالله ورسوله هو الولاية والهيمنة والأولوية بالتصرف، وهذا هو المعنى المتبادر الذي لا محيص عنه إلا بقرينة، وهي مفقودة.
على أنّا لو سلّمنا جدلاً بأن الآية من المتشابه؛ لوجب ردّها إلى المحكم، وإذ ذاك يثبت هذا المعنى نفسه، حيث يقول الله تعالى في آية محكمة: ”النَّبِيُّ أَوْلَىٰ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ“ ويقول في آية محكمة أخرى: ”يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ“، فثبت من الأولى أولوية التصرف، ومن الثانية وجوب الطاعة لكون الولاية لله ولرسوله ولأولي الأمر واحدة لا تفكيك فيها، ولا تكون إلا هذه هي الدلالة التي يحملها قوله تعالى: ”إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ.. الآية“ لذكر الرسول (صلى الله عليه وآله) فيها وهو الأولى بالتصرّف فيكون تاليه أولى بالتصرّف أيضاً لاتحاد الولاية، أي يكون إماماً وقائداً تجب طاعته كطاعة الله ورسوله وأولي الأمر كما نصّت عليه آية الطاعة، ولا سبيل إلا القول بأن معنى ”أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ“ الذين تجب طاعتهم هو المراد ممن تأخر في الولاية عن الله ورسوله في قوله تعالى: ”وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ“، إذن هم الأولياء المأمور بطاعتهم شرعاً، أي الأئمة، لا المحبّون أو المناصرون أو غير ذلك من معاني الولاية البعيدة التي يطرحها المتعسّفون المبطلون. ولو كان الأمر على ما يقولون لوقع التهافت في القرآن الحكيم! ذلك لأن الله تعالى يقول في آية أخرى: ”وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ“ وفيها تعميم الولاية على المؤمنين والمؤمنات فكلٌّ منهم ولي الآخر، بينما قد حصر سبحانه الولاية في قوله: ”إنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا..“ ولم يعمّمها لمكان (إنما) التي تفيد الحصر، فلا محالة يكون معنى الولاية في هذه الآية مغايراً لمعناها في تلك، والأمر بيّن، فإن الولاية التي لجميع المؤمنين والمؤمنات هي بمعنى أنهم يناصرون بعضهم بعضاً كما الحال عند الكفار، فقد قال سبحانه: ”إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَٰئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّىٰ يُهَاجِرُوا ۚ وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَىٰ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ ۗ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ، وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ“. أما الولاية التي هي حصراً لله ولرسوله وللذين آمنوا الذين أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة حال ركوعهم؛ فهي بمعنى الهيمنة والأولوية بالتصرف وحق الطاعة.
فالآن بعدما اتضح للمسلم بجلاء أن الآية تفيد هذا المعنى وهو بيان من له الولاية والقيادة الشرعية؛ فإنه يجب عليه أن يفحص عمّن عُنِيَ بها، وهذا ما يتكفّل به النقل المتواتر مثلاً الذي يفيد القطع واليقين، تماما كحال المسلم حين يقرأ قوله تعالى: ”وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ“، فإنه إذ يفهم منها معنى الوجوب؛ يفحص تالياً عن المراد بالصلاة وعمّا عُنِيَ بها، أي كيفيتها المخصوصة، فذلك لم يرد في القرآن الحكيم، أي لم يرد فيه بيان كيفية أداء الفرائض وكم ركعة في كلٍّ منها، فينتقل حينذاك إلى النقل المتواتر، فيعلم أن صلاة الفجر ركعتان، والظهر أربع، والعصر كذلك، والمغرب ثلاث، والعشاء أربع، وهكذا يجمع بين الآية والنقل المتواتر فيستخلص وجوب إقامة الصلاة خمس مرات في اليوم على الكيفيات المخصوصة المذكورة.
وإذا ما انتقل المسلم بعد فراغه من قراءة قوله تعالى: ”إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ“ إلى الفحص عن المعني بهذه الآية؛ لوجد أن النقل المتواتر الذي يفيد القطع واليقين يقول بأن المعني هو أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب عليهما الصلاة والسلام، وذلك باتفاق المفسرين وإجماعهم كما أقر به أكابر علماء المخالفين، ومنهم التفتازاني في شرح المقاصد إذ قال: ”نزلت باتفاق المفسرين في علي بن أبي طالب رضي الله عنه حين أعطى السائل خاتمه وهو راكع في صلاته“ (شرح المقاصد للتفتازاني ج5 ص170) والجرجاني في شرح المواقف إذ قال: ”قد أجمع أئمة التفسير على أن المراد بـ (الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ) إلى قوله تعالى: (وَهُمْ رَاكِعُونَ) علي، فإنه كان في الصلاة راكعاً فسأله سائل فأعطاه خاتمه فنزلت الآية“ (شرح المواقف للجرجاني ج8 ص360) والقوشجي في شرح التجريد إذ قال: ”إنها نزلت باتفاق المفسرين في حق علي بن أبي طالب حين أعطى السائل خاتمه وهو راكع في صلاته“. (شرح التجريد للقوشجي ص368) وغيرهم ممن صرّح بالحقيقة في وجه المنكرين المتأخرين من أهل الخلاف الذين لا يخافون الله تعالى في إنكارهم نزولها في حق مولى الموحدين أمير المؤمنين صلوات الله عليه، كيف وقد بلغ خبر نزولها فيه (عليه السلام) أعلى درجات التواتر، فقد روى المخالفون ذلك عن أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) وتابعيهم حتى بلغوا نحو ثمانية عشر نفساً هم:
1- أمير المؤمنين عليه السلام.
2- المقداد بن الأسود الكندي.
3- عمار بن ياسر.
4- عبد الله بن العباس.
5- أبو ذر الغفاري.
6- جابر بن عبد الله الأنصاري.
7- أبو رافع.
8- أنس بن مالك.
9- عبد الله بن سلام.
10- حسان بن ثابت.
11- محمد بن الحنفية.
12- ابن جريج المكي.
13- سعيد بن جبير.
14- عطاء.
15- مجاهد.
16- السدي.
17- مقاتل.
18- الضحاك.

وأخرجه من أئمتهم الحفاظ ومحدّثيهم الأثبات وأعلامهم المشاهير أكثر من ستين رجلاً منهم:
1- سليمان بن مهران الأعمش.
2- معمر بن راشد الأزدي.
3- سفيان بن سعيد الثوري.
4- محمد بن عمر الواقدي.
5- أبو بكر الصنعاني.
6- أبو نعيم الفضل بن دكين.
7- عبد بن حميد.
8- أحمد بن يحيى البلاذري.
9- محمد بن عبد الله الحضرمي.
10- أبو عبد الرحمن النسائي.
11- محمد بن جرير الطبري.
12- ابن أبي حاتم الرازي.
13- أبو القاسم الطبراني.
14- أبو الشيخ عبد الله بن محمد بن جعفر الأصبهاني.
15- أبو بكر الجصاص الرازي.
16- عمر بن أحمد بن شاهين البغدادي الواعظ.
17- أبو عبد الله الحاكم النيسابوري.
18- أبو بكر ابن مردويه.
19- أبو إسحاق الثعلبي.
20- أبو نعيم الأصفهاني.
21- أبو ا لحسن الماوردي الشافعي.
22- أبو بكر الخطيب البغدادي.
23- أبو الحسن علي بن أحمد الواحدي.
24- ابن المغازلي الفقيه الشافعي.
25- أبو المظفر منصور بن محمد بن عبد الجبار السمعاني.
26- أبو القاسم الحاكم الحسكاني.
27- أبو الحسن علي بن محمد الكيا الطبري.
28- أبو محمد الفراء البغوي.
29- أبو الحسن رزين العبدري الأندلسي.
30- أبو القاسم جار الله الزمخشري.
31- الموفق بن أحمد الخطيب الخوارزمي.
32- أبو القاسم ابن عساكر الدمشقي.
33- أبو الفرج ابن الجوزي الحنبلي.
34- أبو عبد الله الفخر الرازي.
35- أبو السعادات ابن الأثير.
36- محمد بن محمود ابن النجار.
37- أبو المظفر سبط ابن الجوزي الحنفي.
38- أبو عبد الله الكنجي الشافعي.
39- عز الدين عبد العزيز بن عبد السلام السلمي الدمشقي.
40- أبو سالم محمد بن طلحة الشافعي.
41- ناصر الدين البيضاوي الشافعي.
42- أبو العباس محب الدين الطبري الشافعي.
43- حافظ الدين النسفي.
44- شيخ الإسلام الحموئي الجويني.
45- علاء الدين الخازن البغدادي.
46- شمس الدين الأصبهاني.
47- جمالد الدين الزرندي.
48- أبو حيان الأندلسي.
49- عضد الدين الإيجي.
50- محمد بن أحمد بن جزي الكلبي.
51- نظام الدين القمي النيسابوري.
52- سعد الدين التفتازاني.
53- الشريف الجرجاني.
54- شهاب الدين ابن حجر العسقلاني.
55- نور الدين ابن الصباغ المالكي.
56- علاء الدين القوشجي السمرقندي.
57- جلال الدين السيوطي.
58- أبو السعود محمد بن محمد العمادي.
59- شهاب الدين ابن حجر الهيتمي المكي.
60- قاضي القضاة الشوكاني.
61- شهاب الدين الآلوسي.
62- سليمان القندوزي الحنفي.
63- محمد مؤمن الشبلنجي.

وإليك كنموذج من رواية بعض هؤلاء؛ رواية الطبراني في المعجم حيث أخرج عن عمار بن ياسر (رضوان الله تعالى عليهما) قال: ”وقف على علي بن أبي طالب سائل وهو راكع في تطوّع، فنزع خاتمه فأعطاه السائل، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعلمه ذلك، فنزلت على النبي صلى الله عليه وسلم هذه الآية: (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ) فقرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: مَن كنتُ مولاه فعليٌّ مولاه، اللهم والِ مَن والاه وعادِ مَن عاداه“. (المعجم الأوسط للطبراني ج7 ص129).

ورواية النسائي كما أخرجها ابن الأثير عن عبد الله بن سلام قال: ”أتيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم ورهط من قومي فقلنا: إن قومنا حادّونا لمّا صدّقنا الله ورسوله وأقسموا أن لا يكلّمونا، فأنزل الله تعالى: (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا) ثم أذن بلال لصلاة الظهر، فقام الناس يصلّون، فمن بين ساجد وراكع، إذا سائل يسأل، فأعطاه علي خاتمه وهو راكع، فأخبر السائل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقرأ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ، وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ“. (جامع الأصول لابن الأثير عن النسائي ج9 ص478)

فإن قلتَ: كيف جاءت الآية بصيغة الجمع والمعني واحد؟
قلنا: ذلك غير عزيز في كتاب الله تعالى، فقد جاء قوله تعالى: ”فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَىٰ أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ ۚ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ“ والمعني بها واحد، هو المنافق عبد الله بن أبي بن سلول. وعليه فأي عجب أن تأتي صيغة الجمع تعظيماً لأمير المؤمنين عليه السلام؟ فإنه إذا كان القرآن قد استعمل هذه الصيغة في منافق من المنافقين؛ أَهَلْ يكون من العجب استعمالها في رجل هو أمير المؤمنين وإمام المتقين صلوات الله وسلامه عليه؟!

وإن قلتَ: كيف يصحّ أن يزكّي علي (عليه السلام) أثناء الصلاة وذلك ناقض لخشوعه بل منافٍ للصلاة؟
قلنا: بعد الفراغ من أن الآية جاءت في مقام المدح، وعاضدتها الأحاديث المعتبرة، فلا وجه لهذا الإشكال، ثم إنه قد ثبت أن الصلاة كانت من التطوّع وفيها يصحّ مثل هذا الفعل، بل لو كانت من الواجب لصحّ أيضاً ولما كان منافياً لأنه من الفعل القليل اليسير، فإنه (عليه السلام) قد أشار للسائل بإصبعه فنزع منه الخاتم لا أكثر، فهي إذن طاعة في طاعة، وقد تحرّك رسول الله (صلى الله عليه وآله) - كما في حديث ابن طاب - من مكانه أثناء الصلاة وحكّ نخامة رآها في المسجد ثم رجع القهقرى وبنى على صلاته كما هي، بل كان يصلي وهو يحمل أمامة بنت العاص بن الربيع على عاتقه كما رواه البخاري في صحيحه، وقتل ذات مرة عقرباً أثناء الصلاة كما رواه ابن ماجة في سننه، أفهل يقول جاهل بأن نبي الله (صلى الله عليه وآله) لم يكن خاشعاً في صلاته أو أتى بمنافٍ لها؟!

فالمتحصّل إذن مما تقدّم، أن آية الولاية من المحكم، وهي نصّ على ولاية أمير المؤمنين (عليه السلام) ووجوب طاعته، وهذا هو معنى الإمامة، وهي أصل من أصول الدين، لأنه بعد الفراغ من كون الولاية واحدة، فإن رفض ولاية الإمام يكون رفضاً لولاية الرسول ويكون تالياً لرفضاً لولاية الله تبارك وتعالى، ثم إن آية إكمال الدين تفيد ذلك أيضاً، إلى غيرها من الآيات والروايات.

وحتى لو تنزّلنا عن كون الإمامة من أصول الدين بدواً، فإن المسلم بعدما يمتثل إلى الأوامر الإلهية والنبوية في القرآن والسنة بالرجوع إلى أهل البيت (عليهم السلام) وأخذ الدين منهم؛ سيجدهم قد نصّوا في أحاديثهم وتعاليمهم على أن الإمامة أصل من أصول الدين، فيلزمه إثر ذلك التسليم حتى ولو كان بناؤه أولاً على أن الإمامة فرع لا أصل، فالمهم هو النتيجة.

فما عليك أيها النبيه إلا أن ترجع إلى الأئمة الأطهار من عترة نبيك المختار (صلوات الله عليهم أجمعين) لتأتمّ بهم وتأخذ الدين منهم، وحينذاك يحق لك أن تفخر بأنك مسلم حقاً لأنك لم ترفض ولم تعصِ أمر الله ورسوله صلى الله عليه وآله. فلا تتردّد وامضِ راشداً نحو الهداية والنور، فالحق لا يكون إلا مع آل محمد عليهم السلام. وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله: ”علي مع الحقّ والحقّ مع علي، ولن يفترقا حتّى يردا عليَّ الحوض يوم القيامة“. (تاريخ بغداد للخطيب ج14 ص320 ومستدرك الحاكم ج3 ص134 ومجمع الزوائد للهيثمي ج7 ص135 وغيره كثير بألفاظ متنوعة).

وفقك الله وإيانا للإيمان بدينه الحق، والسلام. ليلة السادس عشر من صفر الأحزان لسنة 1430 من الهجرة النبوية الشريفة.

مكتب الشيخ الحبيب في لندن

ليلة 17 صفر المظفر 1430


شارك الإجابة على Google Twitter Facebook Whatsapp Whatsapp