هل عدم العمل بالتقية انحراف؟

شارك الإجابة على Google Twitter Facebook Whatsapp Whatsapp

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قد خطأ من لقّب سماحة الشيخ ياسر الحبيب بـ \"أسد الشيعة\" والله، بل الحقيقة أنه ليس أسدا بل نمراً، يعيش في - ويتحمل أصعب الظروف والبلاء ولكن رغم ذلك يصبر ويتحمل وبقى على درب الحق ولن يتوقف عن نشره وتبليغه.

أنا منتقل من الذهب البكري، الى المذهب البتري المنحرف على سبيل محمد حسين فضل الشيطان لعنه الله، وأخيراً الى عقيدة أهل البيت عليهم السلام.
أريد أن أوجه هذه الرسالة الى سماحة الشيخ نمر الشيعة ياسر الحبيب حفظه الله.

شيخنا الكريم، اُمي بكرية ولها موقف حادّ ضد الشيعة الحقيقيين وأبي منحرف من التشيع ومنهجه كمثل فضل الشيطان لعنه الله.
أنا اسكن في اوسلو، عاصمة النرويج، في منطقة ما تمسى بإصطلاح الـ \"گيتّو\"، أي أنها منطقة أكثريتها ناس غير غربيين (أو أجانب، حسب فهم الغربيين). معظم هذه المنتقة بكريين، بل حتى وهابيون، وأواجه الصعوبة حين أبلّغ رسالة أهل البيت. وقد هُدّدت بعض المرات بالقتل والتعرّض للعنف من سبب مناظرات \"شيعة سنة\" على الصفحات الانترنتية كالـ \"فيسبوك\" وما أشبه.

ومشكلتنا يا سماحة الشيخ، أنه أكثر من يدّعي باسم التشيّع هنا في أوسلو أما يكونوا من جماعة فضل الشيطان أو الخامنئي وأمثالهم ويركّزون على إزالة الفروق بيننا وبين المخالفين، أو يكونوا ممن يتمسك جداً بالتقية، حتى أنهم يقدسون أعداء اهل البيت أمام المخالفين.
هناك قليل من يستعد للتضحية من أجل أهل البيت، وليس لدينا مؤسسات شيعية إسلامية تريد أن تبلغ رسالة أهل البيت، إلّا واحدة وهي ما يسميها العراقيين بـ \"تعبانة كلّش\". ومشكلتهم أنهم يواجهون كل من يريد أن يبلّغ رسالة الإسلام من دون استخدام التقية! ويقولون أن من لا يعمل بالتقية هو منحرف، وحتى ذكروكم في هذه الأمثال.
هناك بالطبع حسينيات شيعية، ولكن لا أرى أنها تقوم بنشر رسالة أهل البيت الى المجتمع والاعلان، فقط أنها قد حصرت الإسلام داخل الحسينيات وقفلت عليه الباب!

أنا شاب لا يتجاوز عمري ال 18 وأدرس الاعلام والتواصل البشري في الثانوية، ولدي بعض الأصدئاق المستعدين للتضحية من أجل أهل البيت، فهل لديك أي نصائح لي في تبليغ ونشر رسالة الحق؟

الله يحفظكم ويطول عمركم ويكثر من أمثالكم الشريفة
مشكورين جداً.

باسل كاظم


بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم أجمعين

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

عظم الله أجورنا وأجوركم.

وصلت رسالتكم للشيخ شاكرا ومقدرا وداعيا لكم بكل خير.

إن التقية رخصة يلجأ إليها المسلم في حالات اضطرارية ومواضع معينة بشرط أن لا يؤدي العمل بها إلى الفساد في الدين أو خفاء الحق، وإلا فإنه لا يجوز للمسلم حينئذ أن يعمل بالتقية بل عليه أن يضحي بنفسه في سبيل الله.

قال الإمام الصادق عليه السلام: ”للتقية مواضع، من أزالها عن مواضعها لم تستقم له، وتفسير ما يُتّقى مثل أن يكون قوم سوء ظاهر حكمهم وفعلهم على غير حكم الحق وفعله، فكل شيء يعمل المؤمن بينهم لمكان التقية مما لا يؤدي إلى الفساد في الدين فإنه جائز“. (الكافي ج2 ص168).

ويقول سيد فقهاء عصرنا سماحة آية الله العظمى السيد صادق الشيرازي في خطابه الأخير بمناسبة عيد الغدير الأغر: ”يكون العمل بالتقية حراماً إذا أوجب إخفاء الحق، فأبو ذر كان يعلم أن العمل بالتقية يوجب إخفاء الحق ومساندة الباطل، ولذلك رفض“.

ويقول المحقق أبو القاسم الخوئي: ”إذا كانت المفسدة المترتبة على فعل التقيه أشد وأعظم من المفسدة المرتبة على تركها، أو كانت المصلحة في ترك التقية أعظم من المصلحة المترتبة على فعلها، كما إذا علم بأنه إن عمل بالتقية ترتب عليه اضمحلال الحق، واندراس الدين الحنيف، وظهور الباطل، وترويج الجبت والطاغوت، وإذا ترك التقية ترتب عليه قتله فقط، أو قتله مع جماعة آخرين، ولا اشكال حينئذ في أن الواجب ترك العمل بالتقية، وتوطين النفس للقتل، لان المفسدة الناشئة عن التقية أعظم وأشد من مفسدة قتله.. ولعله من هنا أقدم الحسين عليه السلام وأصحابه رضوان الله عليهم على قتال يزيد بن معاوية عليهما اللعنة وعرضوا أنفسهم للشهادة، وتركوا التقية عن يزيد لعنه الله وكذا بعض أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام بل بعض علمائنا الابرار قدس الله أرواحهم وجزاهم عن الاسلام خيرا كالشهيدين وغيرهما“. (بحث الطهارة لآية الله الخوئي ج4 ص257).

ونحن الآن نعيش ذكرى شهادة سيد الشهداء الإمام الحسين (عليه الصلاة والسلام) فإذا قلنا بأن التقية واجبة دائماً وفي كل الحالات فمعنى ذلك أننا ننسب إلى الإمام الحسين - والعياذ بالله - تجاوز الأحكام الشرعية لأنه لم يعمل بالتقية وآثر أن يسفك دمه في سبيل الحق.

وهناك المئات من أصحاب المعصومين الأبرار والعلماء الأخيار الذين لم يعملوا بالتقية وانطلقوا يدعون إلى الحق رغم علمهم بأن ذلك سيؤدي إلى سفك دمائهم، ولم نجد أحداً من المعصومين (عليهم الصلاة والسلام) ذمهم بل كانوا دائما ممدوحين، كياسر وسمية وميثم التمار وحجر بن عدي وكميل بن زياد وقنبر وحكيم بن جبلة ورشيد الهجري ويحيى بن أم الطويل وغيرهم رضوان الله تعالى عليهم.

وقد حذر إمامنا الصادق (عليه الصلاة والسلام) من أن يتخذ بعض مدعي التشيع رخصة التقية حجة لقعودهم عن نصرة أهل البيت (عليهم الصلاة والسلام) وتنبأ بأن هؤلاء سيستفحل عندهم هذا المرض إلى حد أنه عندما يظهر الإمام المهدي (عجل الله فرجه الشريف) فإنهم سيخذلونه وسيتحججون بالتقية! قال عليه السلام: ”إنما جُعِلَت التقية ليُحقَن بها الدم، فإذا بلغت التقيةُ الدمَ فلا تقية! وأيَّمُ الله لو دُعيتم لتنصرونا لقلتم: لا نفعل! إنما نتَّقي! ولكانت التقية أحبَّ إليكم من آبائكم وأمهاتكم! ولو قد قام القائم ما احتاج إلى مساءلتكم عن ذلك ولأقام في كثيرٍ منكم من أهل النفاق حدّ الله“! (التهذيب ج6 ص172 عن أبي حمزة الثمالي رضوان الله عليه).

ولا يصح أن يتم تعميم التقية على كل العصور والأزمان، ففي بعض العصور القديمة كانت هناك حاجة للتقية أما الآن فالظروف تغيرت، ولذلك نجد مثلاً أن الإمام الجواد (عليه الصلاة والسلام) أمر الشيعة بأن يحدثوا بالأحاديث التي كُتمت سابقاً بسبب التقية في عصر الإمامين الباقر والصادق (عليهما الصلاة والسلام)، وذلك إما لأن الظروف في عصره قد تغيرت (وهذا لا يقر به الشيخ الحبيب) وإما لأن الحق كان مهددا بأن يضمحل (وهذا ما يرجحه الشيخ الحبيب). فعن محمد بن الحسن بن أبي خالد شينولة قال: ”قلت لأبي جعفر الثاني عليه السلام: جُعلت فداك؛ إن مشايخنا رووا عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام وكانت التقية شديدة، فكتموا كتبهم ولم يرووا عنهم، فلما ماتوا صارت الكتب إلينا. فقال عليه السلام: حدّثوا بها فإنها حق“. (الكافي ج1 ص53).

وقد علّمنا أئمتنا (عليهم الصلاة والسلام) أن نعمل على ترك التقية وعدم الحاجة إليها، ولذلك نقرأ في الأدعية الشريفة: ”واجعلنا يا رب.. ممن لا حاجة به إلى التقية من خلقك“. (دعاء يُدعى به عقيب زيارة المهدي صلوات الله عليه، رواه السيد ابن طاووس في مصباح الزائر ص219)“.

فعلى الأخوة الذين يمنعونكم عن المجاهرة بالدعوة إلى الحق ويطلبون منكم الاستمرار بالتقية (مع أنكم تعيشون في أوروبا!) عليهم أن يراجعوا أنفسهم ويلتزموا بالشرع الشريف.

أما تهديد بعض الجبناء لكم بالقتل فهذه مجرد تهديدات جوفاء تصدر من أناس جبناء، وفي كل الأحوال الشيعي لا يخاف أبداً فقد قال الإمام العسكري (عليه الصلاة والسلام): ”شيعة علي عليه السلام هم الذين لا يبالون في سبيل الله أوقع الموت عليهم أو وقعوا على الموت“! (تفسير الإمام العسكري عليه السلام ص319)

والشيعي هو الذي يعمل بوصية الإمام الكاظم (عليه الصلاة والسلام): ”قل الحق وإن كان فيه هلاكك فإن فيه نجاتك“. (تحف العقول لابن شعبة الحراني ص408).

ومن الجيد أن تعملوا على جمع بعض الشباب المؤمنين وتشكلون هيئة أو لجنة تعمل على الدعوة إلى سبيل الله وولاية أهل البيت (عليهم الصلاة والسلام) والبراءة من أعدائهم (لعائن الله عليهم) وذلك بالحكمة والموعظة الحسنة.

ودائماً تبدأ الإنجازات الكبيرة بخطوات صغيرة في البداية، ودائماً تكون البداية أصعب شيء فعليكم بالتحمل في بداية الطريق فلا شك لن يكون لديكم في البداية الدعم الكبير بل ربما يقف بعض الجبناء ومدعي التشيع في وجوهكم.. ولكن مع الصبر والمثابرة والاتكال على الله سبحانه وتعالى والتوسل بأهل البيت المعصومين (عليهم الصلاة والسلام) سيتم تذليل كل العقبات والصعوبات أمام طريقكم فقد قال الله تعالى: ”يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّـهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ“.

دعواتنا لكم بالتوفيق والتأييد والتسديد وأن يتقبل الله منا ومنكم.

شكرا لتواصلكم.

مكتب الشيخ الحبيب في لندن

ليلة 3 محرم 1431


شارك الإجابة على Google Twitter Facebook Whatsapp Whatsapp