ألا تدل الآية القرآنية ”لئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلاَّ قَلِيل“ على عدم نفاق أبي بكر وعمر؟

شارك الإجابة على Google Twitter Facebook Whatsapp Whatsapp

بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم

لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة لنغرينك بهم ثم لا يجاورونك فيها إلا قليلا(60) الأحزاب

سؤالي/ المخالفون لأهل البيت يستدلون بهذه الآية ويعدونها دليلاً قاطعاً على إن أبو بكر وعمر وعثمان وعائشة وما يسمى العشرة المبشرين بالجنة هم ليسوا منافقين وبما أنهم ليسوا كذلك فهم قطعاً في الجنة لأنهم يقولون بأن الله توعد أن يبعد المنافقين عن مجاورة النبي وكانوا هؤلاء مجاورين للنبي ولم يبعدهم الله عنه، بل ويقولون من كان بقلبه ذرة حب للقرآن وقرأ هذه الآية سوف يترك التشيع فوراً.

لطفاً أريد شرح هذه المسالة بالتفصيل لأنها غاية بالأهمية وشكراً لكم.

أخوكم حسن الشمري


بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم أجمعين

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

نعتذر عن التأخر في الرد على رسالتكم نتيجة الكم الهائل من الرسائل الواردة إلينا، ونتيجة المسؤوليات الأخرى الملقاة على عاتق المكتب، فيُرجى تقبل اعتذارنا إليكم والعذر عند كرام الناس مقبول.

أجاب سماحة الشيخ بالقول:

إن الدعوة البكرية بعدما مُنيت به من هزائم علمية متلاحقة أسقطت ما كان كهنتها يستدلون به لتدعيمها؛ أجهد بقايا أفرادها أنفسهم في الآونة الأخيرة للعثور على جديدٍ يمكن الاستدلال به لترميم التصدعات في هذه الدعوة والحيلولة دون انهيارها كلّياً. وهذا الذي نقلتموه عنهم هو من هذا القبيل، وهي محاولة خاسرة من المحاولات الأخيرة التي لا يمكن لها أن تنجح في إرجاع أبي بكر وعمر وعثمان وعائشة وحفصة وأضرابهم (لعنهم الله) إلى حظيرة الإيمان بعد ثبوت نفاقهم وخبث سرائرهم.

أما أولا؛ فلأن الآية الكريمة تتوعد المنافقين في المدينة الذين عملوا على زعزعة الاستقرار بالإرجاف ونحوه من آثار نفاقهم العملي، لا الذين اقتصر نفاقهم على ما دون ذلك مما أُمر النبي (صلى الله عليه وآله) بالإعراض عنه وعن صاحبه في قوله تعالى: ”أوْلَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُل لَّهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغًا“ (النساء: 64)
فالوعيد إنما هو على من يتعدّى هذا الطور إلى الإرجاف ونحوه مما كان يزعزع الاستقرار ويفتّ عضد المسلمين، كما جاء في الأثر من أن نزول هذه الآية كان ”في قوم من المنافقين كانوا يرجفون برسول الله صلى الله عليه وآله إذا خرج إلى بعض غزواته، يقولون: قُتل وأُسر! فيغتم المسلمون لذلك، ويشكون إلى رسول الله صلى الله عليه وآله، فأنزل الله عز وجل في ذلك: ”لئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلاَّ قَلِيلا * ملْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلا“ (تفسير القمي ــ الجزء 2 ــ صفحة 196) وليس من المعلوم أن أبا بكر وعمر وعثمان وعائشة وحفصة وأضرابهم (لعنهم الله) كانوا من هؤلاء المنافقين تحديدا الذي تعدّوا ذلك الطور فزعموا أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قُتل وأُسر، بل هم من الفئة الأخرى من المنافقين الذين أُمر بالإعراض عنهم والاقتصار على وعظهم، لا إبعادهم إلى خارج المدينة ثم قتلهم أينما ثُقفوا.

وأما ثانياً؛ فعلى فرض أن هؤلاء كانوا من الفئة التي أرجفت فنزلت في تهديدها الآية، فإن عدم إبعادهم إلى خارج المدينة لا يكشف بالضرورة عن انتفاء نفاقهم، إذ قد يكونوا قد انتهوا عن الإرجاف ونحوه وخافوا من تهديد الله لهم فكفّوا عن تلكم الأفعال وعادوا إلى كتمان نفاقهم. والآية الشريفة إنما قالت: ”لئن لم ينته المنافقون“ ولم تقل: ”لئن لم يؤمن المنافقون“.

وأما ثالثاً؛ فلو تنزلّنا وقلنا أنهم كانوا من المرجفين ولم ينتهوا عن ذلك، فعدم إبعادهم لا يكون دليلا ً على عدم نفاقهم، إذا قد يكون إبقاؤهم في المدينة لحكمة تخرجهم عن الحكم العام تخصيصاً أو ترفعه عنهم نسخاً. وهذا نظير ما نعلم من أن الله تعالى أمر نبيّه (صلى الله عليه وآله) بجهاد المنافقين في قوله عزّ من قائل: ”يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ“ (التوبة: 73، والتوبة:10).

ومع هذا فإن أحداً لا يعلم أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) جاهد المنافقين في المدينة وشنّ عليهم حرباً كما فعل مع الكفار، أفهل يصّح أن يستغبي امرئ نفسه فيقول: ما دام النبي (صلى الله عليه وآله) لم يجاهد المنافقين فمعنى ذلك تبرئة جميع من كان يُرمى بالنفاق من أصحابه ــ كعبد الله بن أبي سلول مثلاً ــ وإلا كانوا منافقين حقاً لجهادهم؟!

وأما رابعاً؛ فإن الإجماع قائم على أن في أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) منافقين، لا أقل لقوله (صلى الله عليه وآله) على ما روته البكرية واعترفت بصمته: ”إن في أصحابي إثنا عشر منافقاً“ (صحيح مسلم ــ الجزء 8 ــ الصفحة 122).

ولا يعلم أحد أنه (صلى الله عليه وآله) أبعد هؤلاء عن مجاورته في المدينة المنورة، بل لقد جاوروه حتى أخريات حياته الشريفة، رغم ما كان منهم من التآمر على قتله بالنفر بناقته في العقبة، فالأخذ بالتأويل الفاسد الذي يسوقه بقايا البكرية لقوله تعالى: ”لَئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ... الآية“ يلزم منه أحد أمرين، إما تكذيب النبي (صلى الله عليه وآله) أو تخطئته لرميه بعضاً من أصحابه بالنفاق وليسوا كذلك لأنهم إن كانوا لأُمر بطردهم عن جواره، وإما تهاونه في إنفاذ أمر الله تعالى إذ لم يطردهم والحال أنهم منافقون. وكلا الأمرين واضح الفساد لا يقوله مسلم. فصار اللازم الأخذ بالتأويل الصحيح الذي قلناه، وهو أن الآية تهدد فئة خاصة من المنافقين لما صدر عنها من تعدًّ للطور، وعدم تحقق التهديد كاشف إما عن كونها انتهت أو أن المصلحة اقتضت تعطيله أو نسخه، والأول أقرب.

فعلى كل حال لا يمكن الاستدلال بهذه الآية الشريفة لنفي نفاق أحد ممن قامت الأمارات الشرعية على نفاقه، كأبي بكر وعمر وعثمان وعائشة وحفصة وأضرابهم (ضاعف الله عذابهم) إذ موضوع الآية ومفهومها أجنبي عن ذلك.

وفقكم الله تعالى لكل خير.

مكتب الشيخ الحبيب في لندن
ليلة 20 من ذي القعدة 1432

------------------------------------

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

شكراً لكم كل الشكر والتقدير على التفضل بالرد على أسئلتنا بكل رحابة صدر مع ما نثقله عليكم فيها وجزاكم الله خير الجزاء وجعل جهودكم هذه في ميزان حسناتكم بحق نبيا صلى الله عليه وآله والثقلين الأطهرين آمين رب العالمين.

أخوكم حسن الشمري / كبرلاء المقدسة

------------------------------------

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم أجمعين

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

خدمتكم واجبنا. نسأل الله لنا ولكم السلامة في الدين والدنيا.

مكتب الشيخ الحبيب في لندن
23 من ذي القعدة 1432


شارك الإجابة على Google Twitter Facebook Whatsapp Whatsapp