كيف نفسّر: (وإياب الخلق إليكم وحسابهم عليكم) وأليس هذا مختصا بالله تعالى؟

شارك الإجابة على Google Twitter Facebook Whatsapp Whatsapp

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم مولاي ،

جعلكم الله ذخراً للدين و حماية لنا من الأعداء و الحاقدين..

أما بعد ، فقد اشتبه على أحد الإخوان جملة (( و إياب الخلق إليكم وحسابهم عليكم ..)) في الزيارة الجامعة ..

و لأننا عوامّ نسأل الله أن يفيدنا بكم ... فكيف أردأ الشبهة في هذا المقطع من الزيارة ... إذا أمكن الاستدلال لدرأ الشبهة

حفظكم الله


باسمه تباركت أسماؤه. وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته. عظم الله أجورنا وأجوركم بذكرى استشهاد مولانا الإمام الحسن الزكي العسكري صلوات الله وسلامه عليه، جعلنا الله وإياكم من الثائرين الطالبين بدمه مع ولده المنتظر المهدي أرواحنا فداه وعجل الله فرجه الشريف.

لا إشكال في المقطع ولا في مضمونه، فإن من الواضح أن الله تبارك وتعالى لا يباشر أفعالا من هذا النوع بنفسه وذاته المقدسة، كونه أكبر من أن يحويه جسم أو مكان أو زمان، ولا يمكن للبشر الإحاطة به فيروْنه أو يتكلمون معه، ومن يكون هكذا كيف يُعقل أن يباشر فعلا من هذا النوع - أي محاسبة الخلق - بنفسه؟ إن ذلك لمُحال عقلا تماما كمحالية رؤيته تبارك وتعالى يوم القيامة، أو القول بأنه يضع قدمه في جهنم حتى تمتلئ كما يزعم المخالفون.

لذا وجب عقلا أن يوكل سبحانه غيره لهذه الوظيفة، كما أوكل لملائكته وظائف شتى. وحيث أنه قد ثبت أنه لم يخلق خلقا أعظم قدرا ومنزلة من محمد وآل محمد صلوات الله عليهم؛ وبشفاعة الروايات، فإنه يثبت أن هذه الوظيفة موكلة إليهم عليهم السلام، وهذا هو معنى قوله عليه السلام: ”وإياب الخلق إليكم وحسابهم عليكم“.

ولا يعارض ذلك قوله سبحانه في محكم كتابه: ”إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ، ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ“. (الغاشية: 26 - 27) لأن قيامهم (عليهم السلام) بفعل المحاسبة إنما يكون بإذنه وفي طول إرادته (جل وعلا) لا في عرضها، تماما كما يقوم الملائكة (عليهم السلام) بأفعالهم بإذنه وفي طول إرادته. وكما يصحّ نسبة الفعل إليه (تبارك وتعالى) فإنه يصح نسبته أيضا إليهم عليهم السلام، ومثاله قوله سبحانه: ”اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا“ (الزمر: 43) بينما هو يقول في موضع آخر: ”قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الْمَوْتِ“ (السجدة: 12)، فنسب فعل قبض الأرواح تارة لنفسه، ونسبه تارة أخرى لملك الموت عليه السلام، فلا منافاة أيضا من نسبة فعل محاسبة الخلق تارة له سبحانه، وتارة أخرى للمعصومين صلوات الله عليهم أجمعين.

وقد أكدت الروايات على حقيقة أنهم (عليهم السلام) يتولّون أمر محاسبة الخلق، ومنها ما رواه الكليني عن جابر عن أبي جعفر الباقر عليه السلام أنه قال: ”يا جابر.. إذا كان يوم القيامة جمع الله عز وجل الأولين والآخرين لفصل الخطاب؛ دُعي رسول الله صلى الله عليه وآله ودُعي أمير المؤمنين عليه السلام، فيُكسا رسول الله صلى الله عليه وآله حلّة خضراء تضيء ما بين المشرق والمغرب، ويُكسا علي عليه السلام مثلها، ويُكسا رسول الله صلى الله عليه وآله حلّة وردية يضيء لها ما بين المشرق والمغرب، ويُكسا علي عليه السلام مثلها، ثم يصعدان عندها ثم يُدعى بنا فيُدفع إلينا حساب الناس، فنحن والله نُدخل أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار، ثم يُدعى بالنبيين عليهم السلام فيُامون صفّين عند عرش الله عز وجل حتى نفرغ من حساب الناس، فإذا دخل أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار، بعث ربّ العزة عليا عليه السلام فأنزلهم منازلهم من الجنة وزوّجهم، فعليّ والله الذي يزوّج أهل الجنة في الجنة، وما ذاك إلى أحد غيره، كرامة من الله عزّ ذكره، وفضلا فضّله الله به ومنَّ به عليه، وهو والله يُدخل أهل النار النار، وهو الذي يغلق على أهل الجنة إذا دخلوا فيها أبوابها، لأن أبواب الجنة إليه، وأبواب النار إليه“. (الكافي ج8 ص159).

ومنها ما رواه الكليني أيضا عن سماعة أنه كان قاعدا مع أبي الحسن الكاظم (عليه السلام) والناس في الطواف في جوف الليل، فقال الإمام صلوات الله عليه: ”يا سماعة.. إلينا إياب هذا الخلق وعلينا حسابهم، فما كان لهم من ذنب بينهم وبين الله عز وجل حتّمنا على الله في تركه لنا فأجابنا إلى ذلك، وما كان بينهم وبين الناس استوهبناه منهم وأجابوا إلى ذلك وعوّضهم الله عز وجل“. (الكافي ج8 ص162).

وعليه فلا إشكال ولا شبهة إطلاقا في هذا المقطع من الزيارة الجامعة الشريفة، بل إنه من مقتضيات تنزيه الذات الإلهية عن النقص.

بوركتم ووُفقتم للخير. والسلام.

السابع من شهر ربيع الأول لسنة 1428 من الهجرة النبوية الشريفة.


شارك الإجابة على Google Twitter Facebook Whatsapp Whatsapp