نرجو منكم الرد على حسين الراضي

شارك الإجابة على Google Twitter Facebook Whatsapp Whatsapp

السلام على شيخنا الفاضل والمجاهد الشيخ ياسر الحبيب أسره الله تعالى في الداري

أرجو من سماحتكم الرد المفحم والقاطع لهذا البحث للشيخ حسين الراضي ولكم جزيل الشكر والامتنان.

النبي الأعظم وثقافة اللعن

العلامة الشيخ حسين الراضي

الفتنة المذهبيةمسؤولية العالمإن من أهم الإثارات والمجادلات الحديث عن اللعن قبولاً ورفضاً، ولذا فإن هناك تصنفياً للأشخاص على أساس قبول اللعن كثقافة ومنهج وعدمه بين الناس، وهذا تصنيف لا يعتمد على فكر أهل البيت ومنهجهم والأولى الرجوع في ذلك إلى منهجهم؛ وقد وردت أسئلة كثيرة في ذلك كان منها هذا السؤال:
نص السؤال :

(السلام عليكم ورحمة الله

شيخنا العزيز قلتم في بعض أجوبة الاستفسارات إنه لم يثبت دعاء النبي والأئمة على الأشخاص بأعيانهم باللعن والطرد، وأن ما ورد فهو إخبار لا دعاء.

ولكني وجدت في جامع السعادات للنراقي شيئاً آخر، فمع أن النراقي اعتبر في البداية أن اللعن مذموم لكنه استثنى مورداً فقال:

"فلا ريب في كونه مذموماً، لأنه عبارة عن الطرد والابعاد من الله تعالى، وهذا غير جائز إلا على من اتصف بصفة تبعده بنص الشريعة"

ثم قال بعد أن ذكر رأي بعض العامة في عدم جواز لعن الأشخاص:

" والحق جواز اللعن على شخص معين علم اتصافة بصفة الكفر أو الظلم أو الفسق.

(وما قيل) من عدم جواز ذلك إلا على من يثبت لعنه من الشرع كفرعون وابي جهل. لان كل شخص معين كان على احدى الصفات الثلاثة ربما رجع عنها، فيموت مسلماً أو تائباً، فيكون مقرباً عند الله لا مبعداً عنه

(كلام ينبغي) أن يطوى ولا يروي، إذا المستفاد من كلام الله تعالى وكلام رسوله وكلام أئمتنا الراشدين: جواز نسبته إلى الشخص المعين، بل المستفاد منها ان اللعن على بعض أهل الجحود والعناد من أحب العبادات واقرب القربات، وقال الله سبحانه:

﴿أولئك عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين﴾[17]. وقال: ﴿أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون﴾[18].

وقال النبي : " لعن الله الكاذب ولو كان مازحاً ". وقال في جواب أبي سفيان حين هجاه بألف بيت. "اللهم أني لا احسن الشعر ولا ينبغي لي، اللهم العنه بكل حرف الف لعنة ". وقد لعن أمير المؤمنين جماعة. وروى انه كان يقنت في الصلاة المفروضة بلعن معاوية وعمرو بن العاص وابي موسى الاشعري وابي اعور الاسلمي، مع أنه احلم الناس وأشدهم صفحاً عمن يسوء به، فلولا أنه كان يرى لعنهم من الطاعات لما يتخير محله في الصلوات المفروضات.

وروى الشيخ الطوسي: " ان الصادق كان ينصرف من الصلاة بلعن اربعة رجال ".

ومن نظر إلى ما وقع للحسن مع معاوية واصحابه وكيف لعنهم، وتتبع ما ورد من الائمة في الكافي وغيره من كتب الأخبار والادعية في لعنهم من يستحق اللعن من رؤساء الضلال والتصريح باسمائهم يعلم ان ذلك من شعائر الدين، بحيث لا يعتريه شك ومرية. وما ورد من قوله " لا تكونوا لعانين". ومثله.

نهى عن اللعن على غير المستحقين، وما روى: ان أمير المؤمنين نهى لعن أهل الشام، فان صح، فلعله كان يرجو اسلامهم ورجوعهم إليه، كما هو شأن الرئيس المشفق على الرعية.

وبالجملة: اللعن على رؤساء الظلم والضلال والمجاهرين بالكفر والفسق جائز، بل مستحب، وعلى غيرهم من المسلمين غير جائز، إلا ان يتيقن باتصافه باحدى الصفات الموجبة له. وينبغي ألا يحكم باتصافه بشيء منها بمجرد الظن والتخمين، إذ لا يجوز ان يرم مسلم بكفر وفسق من غير تحقيق، قال رسول الله : " لا يرم رجل رجلا بالكفر فلا يرميه بالفسق إلا ارتد عليه ان لم يكن كذلك ".

والسؤال:

ما هو رأي سماحتكم بما ذكره النراقي؟ ) انتهى.

الجواب :

أولاً : ننقل كلام الشيخ محمد مهدي النراقي في كتابه (جامع السعادات) ج1 - ص 279 – 282 حتى يتبين مراد كلام الشيخ النراقي ثم نحاول أن نعرف ما هو المستفاد منه، قال النراقي:

وأما (اللعن) - فلا ريب في كونه مذموما، لأنه عبارة عن الطرد والإبعاد من الله تعالى، وهذا غير جائز إلا على من اتصف بصفة تبعده بنص الشريعة وقد ورد عليه الذم الشديد في الأخبار، قال رسول الله ( ص ) : "المؤمن ليس بلعان" . وعن الباقر عليه السلام قال: " خطب رسول الله ( ص ) ، فقال : ألا أخبركم بشراركم؟ قالوا: بلى يا رسول الله! قال : الذي يمنع رفده ويضرب عبده، ويتردد وحده. فظنوا أن الله لم يخلق خلقا هو شر من ذلك ثم قال : ألا أخبركم بمن هو شر من ذلك؟ قالوا: بلى يا رسول الله قال: المتفحش اللعان الذي إذا ذكر عنده المؤمنون لعنهم، وإذا ذكروه لعنوه" [1]. وقال الباقر عليه السلام: " إن اللعنة إذا خرجت من فم صاحبها ترددت بينهما فإن وجدت مساغا وإلا رجعت إلى صاحبها " [2].

ثم لما كان اللعن: هو الحكم بالبعد، أو طلب الإبعاد من الله.

(والأول) غيب لا يطلع عليه إلا الله .

(والثاني) لا يجوز إلا على من اتصف بصفة تبعده منه، فينبغي ألا يلعن أحدا إلا من جوز صاحب الشرع لعنه، والمجوز من الشرع إنما هو اللعن على الكافرين والظالمين والفاسقين، كما ورد في القرآن ولا ريب في جواز ذلك بالوصف الأعم، كقولك: لعنة الله على الكافرين. أو بوصف يخص بعض الأصناف، كقولك: لعنة الله على اليهود والنصارى.

والحق جواز اللعن على شخص معين علم اتصافه بصفة الكفر أو الظلم أو الفسق. [3]

(وما قيل) من عدم جواز ذلك إلا على من يثبت لعنه من الشرع كفرعون وأبي جهل، لأن كل شخص معين كان على إحدى الصفات الثلاثة ربما رجع عنها، فيموت مسلما أو تائبا ، فيكون مقربا عند الله لا مبعدا عنه

(كلام ينبغي) أن يطوى ولا يروى [4] ، إذ المستفاد من كلام الله تعالى وكلام رسوله ( ص ) وكلام أئمتنا الراشدين: جواز نسبته إلى الشخص المعين، بل المستفاد منها أن اللعن على بعض أهل الجحود والعناد من أحب العبادات وأقرب القربات ، قال الله سبحانه : ﴿أولئك عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين﴾ [5] . وقال: ﴿أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون﴾[6] . وقال النبي ( ص ) : " لعن الله الكاذب ولو كان مازحا " [7]. وقال ( ص ) في جواب أبي سفيان حين هجاه بألف بيت : " اللهم إني لا أحسن الشعر ولا ينبغي لي ، اللهم العنه بكل حرف ألف لعنة " .

وقد لعن أمير المؤمنين عليه السلام جماعة . وروي أنه كان يقنت في الصلاة المفروضة بلعن معاوية وعمرو بن العاص وأبي موسى الأشعري وأبي الأعور الأسلمي [8] ، مع إنه أحلم الناس وأشدهم صفحا عمن يسوء به ، فلولا أنه كان يرى لعنهم من الطاعات لما يتخير محله في الصلوات المفروضات .

وروى الشيخ الطوسي : " إن الصادق عليه السلام كان ينصرف من الصلاة بلعن أربعة رجال ".

ومن نظر إلى ما وقع للحسن عليه السلام مع معاوية وأصحابه وكيف لعنهم ، وتتبع ما ورد من الأئمة في الكافي وغيره من كتب الأخبار والأدعية في لعنهم من يستحق اللعن من رؤساء الضلال والتصريح بأسمائهم ، يعلم أن ذلك من شعائر الدين ، بحيث لا يعتريه شك ومرية .

وما ورد من قوله عليه السلام " لا تكونوا لعانين " ، ومثله : نهى عن اللعن على غير المستحقين ، وما روي أن أمير المؤمنين عليه السلام نهى عن لعن أهل الشام ، فإن صح ، فلعله كان يرجو إسلامهم ورجوعهم إليه ، كما هو شأن الرئيس المشفق على الرعية .

وبالجملة : اللعن على رؤساء الظلم والضلال والمجاهرين بالكفر والفسق جائز ، بل مستحب ، وعلى غيرهم من المسلمين غير جائز ، إلا أن يتيقن باتصافه بإحدى الصفات الموجبة له .

وينبغي ألا يحكم باتصافه بشيء منها بمجرد الظن والتخمين ، إذ لا يجوز أن يرمى مسلم بكفر وفسق من غير تحقيق ، قال رسول الله ( ص ) : " لا يرمي رجل رجلا بالكفر فلا يرميه بالفسق إلا ارتد عليه إن لم يكن كذلك " .

ثم اللعن على الأموات أشد وزرا وأعظم إثما ، لقول النبي ( ص ) : " لا تسبوا الأموات ، فإنهم قد أفضوا إلى ما قدموا " . ولا ينبغي أن يلعن الجماد والحيوان أيضا . لما روي : " أنه ما لعن أحد الأرض إلا قالت : اللعن على أعصانا لله " ، وما روي : " أن النبي ( ص ) أنكر على امرأة لعنت ناقة ، وعلى رجل لعن بعيرا " .

ثم الدعاء على المسلم بالشر قريب من اللعن عليه ، فلا ينبغي ارتكابه ولو على الظالم ، إلا إذا اضطر إليه لشره وأضراره ، وقد ورد أن المظلوم ليدعو على الظالم حتى يكافيه ، ثم يبقى للظالم عنده فضيلة يوم القيامة . وقال علي بن الحسين عليهما السلام : " إن الملائكة إذا سمعوا المؤمن يذكر أخاه بالسوء ويدعو عليه قالوا : بئس الأخ أنت لأخيك ! كف أيها المستر على ذنوبه وعورته ، وأربع على نفسك ، وأحمد الله الذي ستر عليك ! " [9] .

ثم ضد ذلك - أعني الدعاء للأخ المسلم بما يحب لنفسه - من أحب الطاعات وأقرب القربات ، وفوائده أكثر من أن تحصى ، بل عند التحقيق دعاؤك له دعاء لنفسك ، قال رسول الله ( ص ) : " إذا دعا الرجل لأخيه في ظهر الغيب قال الملك : ولك مثل ذلك " .

وقال ( ص ) : " يستجاب للرجل في أخيه ما لا يستجاب له في نفسه " .

وقال علي بن الحسين عليهما السلام : " إن الملائكة إذا سمعوا المؤمن يدعو لأخيه المؤمن بظهر الغيب أو يذكره بخير، قالوا : نعم الأخ أنت لأخيك ! تدعو له بالخير وهو غائب عنك ، وتذكره بالخير . قد أعطاك الله عز وجل مثلي ما سألت له ، وأثنى عليك مثلي ما أثنيت عليه ، ولك الفضل عليه "

ومثله ورد عن الباقر ( ع ) أيضا .

والأخبار في فضيلة الدعاء للإخوان أكثر من أن تحصى ، وأي كرامة أعظم لك من أن تصل منك إلى المؤمن وهو تحت أطباق الثرى هدايا الاستغفار والأدعية ، وهل تدري كيف تسر روحه منك بهذا العمل ؟ فإن أهله يقسمون ميراثه ويتنعمون بما خلف ، وأنت متفرد بحزنك تدعو له في ظلمة الليل ، وقد قال رسول الله ( ص ) : " مثل الميت في قبره مثل الغريق يتعلق بكل شيء ، ينتظر دعوة من ولد أو والد أو أخ أو قريب ، وإنه ليدخل على قبور الأموات من دعاء الأحياء من الأنوار مثل الجبال " وهو للأموات بمنزلة الهدايا للأحياء ، فيدخل الملك على الميت معه طبق من نور عليه منديل من نور فيقول هذه هدية لك من عند أخيك فلان ، من عند قريبك فلان ، فيفرح كما يفرح الحي بالهدية [10] .

وقبل أن ندخل في كلام النراقي يوجد عندنا بحثان :

البحث الأول: حول مفهوم اللعن وما يتعلق به من تعريفه اللغوي والاصطلاحي واستعماله من قبل الله ، أو الرسول والأئمة الطاهرين أو سائر الناس. وهل النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وأهل بيته الطاهرون كانوا لعّانين بمعنى يطلبون من الله إبعاد الناس عن رحمة الله أم لا ؟ وهل يُرَبّون شيعتهم ومحبيهم على مثل هذا العمل لكل من يختلفون معه فكرياً وعقدياً ؟ وهل يدعون جميع المسلمين لأن يلعن بعضهم بعضاً عند الاختلاف ؟ وهل يكون طلب الإبعاد عن رحمة الله للآخرين أو الحكم بالبعد عن رحمة الله هو مطلب ديني شريف ؟ وهل كانت سيرة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله نبي الرحمة وسيرة أهل بيته أهل بيت الرحمة قائمة على طلب الإبعاد من رحمة الله حتى يقتدي بهم جميع المسلمين ؟

أسئلة كثيرة تحتاج إلى جواب .

والبحث الثاني : تقييم الأشخاص والحكم عليهم بالكفر أو الضلال أو الفسق ومن هو بالفعل كافر أو ضال أو ظالم أو فاسق أو على الحق أو على الباطل ؟ ومن يستحق اللعن بمعنى أنه يستحق الإبعاد عن رحمة الله ؟ .

وهذا البحث بحث رجالي وتاريخي قد يختلف علماء الرجال أو أهل الفرق والمذاهب في تقييم الأشخاص سلباً أو إيجاباً وتقديساً أو تكفيراً وتصنيفهم في الكفر أوفي الإيمان أو في الفسق أو الظلم أو العدالة .

وهذا ليس موضوع بحثنا لا من قريب ولا من بعيد وقد أشرنا لذلك أكثر من مرة ، وإنما كلامنا هو في البحث الأول على نحو القضية الحقيقة كما يقول المناطقة . سواء أكان هناك في الخارج من يستحق اللعن أو لا يوجد ؟.

إن الخلط بين البحثين بين دراسة الشخصية وبين مفهوم اللعن استفز كثيراً من الباحثين أو من يقلدهم . فإذا كان شخص أو فئة تؤمن بكفر شخص أو ظلمه فتقول من أن فلاناً الكافر أو الظالم لماذا لا نلعنه ؟ ولماذا لا يستحق اللعن ؟ .

فهذا في الواقع من البحث الثاني وهو دراسة الشخصية واستقامته وعدمها وعدالته وعدمها وإيمانه وعدمه وفسقه وعدمه ولا صلة له بالبحث الأول المتنازع فيه .

وهنا ينبغي أن نتوقف عدة وقفات:

الوقفة الأولى : فيما يُسَلّمه الشيخ النراقي، ويتبين ذلك من خلال كلامه وأنه يسلم بما يلي :

1- أن اللعن مذموم سواء أكان من رسول الله صلى الله عليه وآله وأهل بيته الطاهرين أو من سائر الناس كما قال : ( وأما ( اللعن ) - فلا ريب في كونه مذموما ، لأنه عبارة عن الطرد والإبعاد من الله تعالى ، وهذا غير جائز إلا على من اتصف بصفة تبعده بنص الشريعة وقد ورد عليه الذم الشديد في الأخبار )

فإذا كان اللعن مذموماً من سائر الناس فما ظنك بمن كان رحمة للعالمين جميعاً وصاحب الخلق الكريم ﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾[11] ، صلى الله عليه وآله .

2- أن اللعن مذموم حتى للحيوان والنبات والجماد فضلا عن الإنسان كما ذكره النراقي وذكرته بعض الروايات .

3- أن اللعن على الأموات أشد وزراً وأعظم إثماً كما قال النراقي .

4- أن نسبة الكفر أو الضلال أو الفسق أو الانحراف لا بد فيها من العلم عن كثب والقيام بالتحقيق ولا يجوز الاعتماد على الظن والتخمين أو تقليد الآخرين .

5- أن الدعاء على الآخرين مرجوح من أي شخص كان وهو على حد اللعن كما جاءت به الروايات فقال النراقي: ( ثم الدعاء على المسلم بالشر قريب من اللعن عليه ، فلا ينبغي ارتكابه ولو على الظالم ، إلا إذا اضطر إليه لشره وأضراره ، وقد ورد أن المظلوم ليدعو على الظالم حتى يكافيه ، ثم يبقى للظالم عنده فضيلة يوم القيامة ) فقد يتحول المظلوم إلى ظالم والظالم إلى مظلوم لكثرة دعاء المظلوم على من ظلمه بما يزيد عن حقه الذي ظلمه فيه كما جاء في جملة من الروايات .

6- وضد الدعاء على الآخرين هو الدعاء لهم وهو أمر راجح بل ومستحب وقد تضافرت الروايات به قال النراقي: ( ثم ضد ذلك - أعني الدعاء للأخ المسلم بما يحب لنفسه - من أحب الطاعات وأقرب القربات ، وفوائده أكثر من أن تحصى ، بل عند التحقيق دعاؤك له دعاء لنفسك ) .

بل إن السيد ابن طاووس يرى أن أفضل الأعمال في ليلة القدر الدعاء للآخرين وأهمهم هو الدعاء للكافرين بالهداية لأنهم أكثر خطراً على الإسلام والمسلمين ثم يأتي من بعدهم الدعاء للفاسقين والمنحرفين بالتوفيق لمعرفة الحق ثم الدعاء للمؤمنين ثم يدعو لنفسه كما تحدث عن ذلك في أفضل الأعمال في ليلة القدر في كتابه الإقبال . وذكرته جملة من الروايات .

الوقفة الثانية هل كان رسول الله لعّاناً ؟

حول هذا التساؤل كتبنا مقالا تحت عنوان (مدرسة أهل البيت وثقافة اللعن ، النبي لم يُبْعَث لعّاناً) وقد أوردنا فيه جملة من الروايات عن النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وعن أهل بيته الكرام بأنهم كانوا ينهون المسلمين عموماً وشيعتهم ومحبيهم خصوصاً عن اللعن ويعتبرونه من مساوئ الأخلاق، ونذكر هنا بعضها فيما يلي :

الرسول صلى الله عليه وآله ينهى عن اللعن:

الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله ليس بلعّان وكيف يكون لعّاناً وهو قد نهى المسلمين في روايات عديدة عن أن يكونوا لعّانين؟ وكيف ينهى عن شيء وهو يفعله؟ أو ليس ذلك طعناً في شخصية رسول الله صلى الله عليه وآله وقدسيته؟.

أما أن النبي الأعظم صلى الله عليه وآله نهى المسلمين عن اللعن فقد تضافرت الروايات بذلك من السنة والشيعة وإليك بعضها؛ فقد روى ثقة الإسلام الكليني في كتابه الكافي بسند صحيح عَنْ زُرَارَةَ:

عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام، قَالَ: «دَخَلَ يَهُودِيٌّ عَلى‏ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وَعَائِشَةُ عِنْدَهُ، فَقَالَ: السَّامُ‏ [12] عَلَيْكُمْ‏، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله: عَلَيْكُمْ‏ [13]

ثُمَّ دَخَلَ آخَرُ، فَقَالَ مِثْلَ ذلِكَ، فَرَدَّ عَلَيْهِ كَمَا رَدَّ عَلى‏ صَاحِبِهِ، ثُمَّ دَخَلَ‏ [14] آخَرُ، فَقَالَ‏ [15] مِثْلَ ذلِكَ، فَرَدَّ [16] رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله كَمَا رَدَّ عَلى‏ صَاحِبَيْهِ‏ [17]، فَغَضِبَتْ عَائِشَةُ، فَقَالَتْ‏ [18]:

عَلَيْكُمُ السَّامُ وَالْغَضَبُ وَاللَّعْنَةُ يَا مَعْشَرَ الْيَهُودِ، يَا إِخْوَةَ الْقِرَدَةِ [19] وَالْخَنَازِيرِ!.

فَقَالَ لَهَا [20] رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله: يَا عَائِشَةُ، إِنَّ الْفُحْشَ‏ [21] لَوْ كَانَ مُمَثَّلًا، لَكَانَ مِثَالَ سَوْءٍ، إِنَّ الرِّفْقَ لَمْ يُوضَعْ عَلى‏ شَيْ‏ءٍ قَطُّ إِلَّا زَانَهُ، وَ لَمْ يُرْفَعْ عَنْهُ قَطُّ إِلَّا شَانَهُ‏ [22] .

قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَمَا سَمِعْتَ إِلى‏ [23] قَوْلِهِمْ: السَّامُ عَلَيْكُمْ‏ [24]؟ فَقَالَ: بَلى‏، أَمَا سَمِعْتِ مَا رَدَدْتُ عَلَيْهِمْ، قُلْتُ: عَلَيْكُمْ؟ فَإِذَا سَلَّمَ عَلَيْكُمْ مُسْلِمٌ، فَقُولُوا: سَلَامٌ‏ [25] عَلَيْكُمْ، وَإِذَا سَلَّمَ عَلَيْكُمْ كَافِرٌ، فَقُولُوا: عَلَيْكَ». [26]

هذا الحديث الصحيح مما اشتهر بين السنة والشيعة وهو واضح الدلالة على المنع من اللعن كالمنع عن الفحش فلم يقبل الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله من زوجه أن يصدر منها هذا الكلام في حق اليهود فكيف يرضى أن يصدر هذا منه أو من أهل بيته الطاهرين في حق المسلمين ؟ أو يصدر من المسلمين بعضهم على الآخر؟ .

ولقد فهم العلماء المحققون من هذا الحديث المنع من اللعن وأنه كبقية ألفاظ السب والشتم بل في هذه الرواية دخل في ألفاظ الفحش كما أنه لغوياً من مصاديق الشتم.

قال ابن منظور: تلاعن القوم : لعن بعضهم بعضاً .

والتَّلاعُنُ : كالتّشاتم في اللفظ ، غير أن التّشاتم يستعمل في وقوع فعل كل واحد منهما بصاحبه ، والتلاعن ربما استعمل في فعل أحدهما [27]

ونقل المولى محمد صالح المازندراني شارح كتاب ( الكافي ) عن المازري في شرحه للحديث قوله :

(في زجره (عليه السلام) لعائشة وقوله: أن الله يحب الرفق في الأمر كله دلالة على عظمة خلقه وكمال حلمه ، وعلى الحث على الحلم والصبر والرفق ما لم يدع إلى المخاشنة .

والفُحش ما يقبح من القول وفيه أمر عام بترك الجفاء في الكلام بالنسبة إلى كافة الناس وبالتثبيت والرفق وعدم الاستعجال باللعن والطعن وغيرهما، وقد كان ( صلى الله عليه وآله ) يستألف الكفار بالأموال الظاهرة فكيف بالكلام الخشن) [28] .

فالرسول الأكرم صلى الله عليه وآله بذل الغالي والنفيس لأجل أن يستألف الكفار بالأموال الطائلة فيعطي بعضهم مائة ناقة من الإبل حتى يقربه ويدنيه إلى الإيمان ، وعلى الأقل يتقي شره فكيف يستعمل اللعن في حق الآخرين وينفرهم ويبعدهم عن ساحة الإسلام ومعاشرة المسلمين؟! هذا كله في غير المسلمين .

فما ظنك بالمسلمين لو استعمل نبي الرحمة في حقهم اللعن والدعاء عليهم بالإبعاد عن رحمة الله ألا يكون ذلك تنفيراً لهم عن الإيمان والوحدة والانسجام ؟ ، وما ظنك بهم لو جعل النبي صلى الله عليه وآله اللعن بعضهم على بعض من المفاهيم الدينية المقدسة المرغوب فيها ألا يؤدي ذلك فيما بينهم إلى الفتن والأحقاد والعداوة والبغضاء والحروب الطاحنة ثم تمزيقهم إلى فئات متناحرة.

إن هذا الحديث ينسجم مع القرآن الكريم الذي وصف نبيه الحبيب المصطفى بالرحمة فقال عز وجل: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ﴾ [29]. وقال تعالى: ﴿لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ﴾[30].

ويؤيد هذا الحديث الصحيح في مبغوضية اللعن ، جملة من الأحاديث منها:

1- قول النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم: (ما بعثت لعّانا ولا سبّابا) [31] .

2- وفي نص آخر قال النبي عليه السّلام: (ما بعثت سبّابا ولا لعّانا) [32]

وهناك روايات عديدة عن النبي صلى الله عليه وآله ذكرناها في المقال السالف الذكر.

نهي أمير المؤمنين علي عليه السلام عن لعن أهل الشام :

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَرِيكٍ قَالَ‏ خَرَجَ حُجْرُ بْنُ عَدِيٍّ وَعَمْرُو بْنُ الْحَمِقِ يُظْهِرَانِ الْبَرَاءَةَ ، وَاللَّعْنَ‏ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمَا عَلِيٌّ «أَنْ كُفَّا عَمَّا يَبْلُغُنِي عَنْكُمَا»

فَأَتَيَاهُ فَقَالا: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَلَسْنَا مُحِقِّينَ؟ !

قَالَ: «بَلَى» !.

قَالا: أَوَلَيْسُوا مُبْطِلِينَ؟ !

قَالَ: «بَلَى» ! .

قَالا: فَلِمَ مَنَعْتَنَا مِنْ شَتْمِهِمْ؟ .

قَالَ: «كَرِهْتُ لَكُمْ أَنْ تَكُونُوا لَعَّانِينَ ، شَتَّامِينَ ، تَشْتِمُونَ وَتَتَبَرَّءُونَ ، وَلَكِنْ لَوْ وَصَفْتُمْ مَسَاوِيَ أَعْمَالِهِمْ ، فَقُلْتُمْ مِنْ سِيرَتِهِمْ كَذَا وَكَذَا ، وَمِنْ عَمَلِهِمْ كَذَا وَكَذَا، كَانَ أَصْوَبَ فِي الْقَوْلِ ، وَأَبْلَغَ فِي الْعُذْرِ ، وَ [لَوْ] [33] قُلْتُمْ مَكَانَ لَعْنِكُمْ إِيَّاهُمْ وَبَرَاءَتِكُمْ مِنْهُمْ ، - اللَّهُمَّ احْقِنْ دِمَاءَنَا وَدِمَاءَهُمْ ، وَأَصْلِحْ ذَاتَ بَيْنِنَا وَبَيْنِهِمْ ، وَاهْدِهِمْ مِنْ ضَلَالَتِهِمْ ، حَتَّى يَعْرِفَ الْحَقَّ مِنْهُمْ مَنْ جَهِلَهُ ، وَيَرْعَوِىَ عَنْ الْغَيِّ وَالْعُدْوَانِ مَنْ لَهِجَ بِهِ ، كَانَ هَذَا أَحَبَّ إِلَيَّ وَخَيْراً لَكُمْ» .

فَقَالا: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ نَقْبَلُ عِظَتَكَ ، وَنَتَأَدَّبُ بِأَدَبِكَ [34].

ويستفاد من هذه الرواية عدة أمور:

1- إن أدب أمير المؤمنين عليه السلام وسيرته هو عدمُ اللعن حتى لأعدائه الذين يقاتلونه ويقاتلهم وهذا ما فهمه حجر بن عدي وعمرو بن الحمق عندما نهاهما عن لعن أهل الشام فَقَالا: (يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ نَقْبَلُ عِظَتَكَ ، وَنَتَأَدَّبُ بِأَدَبِكَ) فأدب أمير المؤمنين عليه السلام هو الترفع والتنزه عن لعن الناس حتى لأعدائه الذين يستحقون الذم والقتل .

2- الكراهة التي ذكرها أمير المؤمنين عليه السلام ليست بالاصطلاح الحديث التي تكون قسيمة للأحكام الأربعة الأخرى فإن هذا مصطلح جديد متأخر ، بل المراد بها ما يشمل الحرمة والشاهد على ذلك أن الإمام عليه السلام ينهى أصحابه عن استعمال اللعن بكل قوة وحزم ويقول لحجر وعمرو «أَنْ كُفَّا عَمَّا يَبْلُغُنِي عَنْكُمَا» . وهذا أمر بالكف عن اللعن وعدم استعماله الظاهر فيه من الإلزام ما هو ظاهر .

3- إن المنع من اللعن لم يكن خاصاً بأصحابه بل يعمهم ويشمل من يأتي بعدهم وذلك للتعليل الذي ذكره الإمام عليه السلام في فلسفة بيان الحقائق وبيان سيرة العدو وأفعاله .

4- إن هذه الرواية تثبت بطلان ما نسب إلى الإمام أمير المؤمنين عليه السلام أنه كان يقنت في صلاته بالدعاء على من اختلف معهم فهذا ليس من سيرته ولا من عمله ولعل مثل هذه النقولات جيء بها لأجل تبرير أعمال بني أمية الذين كانوا يلعنونه على رؤوس المنابر لأكثر من 80 سنة .

5- إن عدم اللعن للشخص الذي يستحق اللعن لا يعطيه صك براءة ، ولا حسن سيرة وسلوك ولا ينزع عنه صفة الظلم الذي يمارسه .

6- إن من يتنزه عن اللعن ولا يمارسه لا يعني تنازله عن حقه ولا يضفي عليه عدم أحقيته في المواجه السياسية أو الحقوقية أو المذهبية أو غيرها .

7- إن سياسة اللعن والسب والشتم هي سياسة ضحلة ونظرة قصيرة المدى سلبياتها بارزة ، وإيجابياتها معدومة بل هي سياسة فاشلة على مدى التاريخ والشاهد على ذلك أن أعداء أمير المؤمنين الذين شتموه لأكثر من 80 سنىة لم يلقوا إلا الخزي والعار لذلك قَالَ عليه السلام لأصحابه وشيعته: «كَرِهْتُ لَكُمْ أَنْ تَكُونُوا لَعَّانِينَ ، شَتَّامِينَ».

8- أما السياسة الناجحة لمواجهة العدو فهي كشف أوراقه وأعماله وسيرته وتمييز الحق من الباطل أمام الرأي العالمي لأن أكثر الناس لا يعلمون الحق ولو علموه لاتبعه أكثرهم وهذا ما يحتاج إلى فن إعلامي دقيق وبعد نظر ثاقب، وهذا ما ركز عليه أمير المؤمنين عليه السلام بقوله: (وَلَكِنْ لَوْ وَصَفْتُمْ مَسَاوِيَ أَعْمَالِهِمْ ، فَقُلْتُمْ مِنْ سِيرَتِهِمْ كَذَا وَكَذَا ، وَمِنْ عَمَلِهِمْ كَذَا وَكَذَا، كَانَ أَصْوَبَ فِي الْقَوْلِ ، وَأَبْلَغَ فِي الْعُذْرِ) وأكثر تأثيراً في الساحة الخارجية خصوصاً للأتباع المضللين.

9- نقطة مهمة وجديرة بالاهتمام في الصراع بين الحق والباطل وهي أن صاحب الحق والذي يدعو إلى حقه وإيضاحه عليه أن يتوجه إلى الله بكل إخلاص ويكون هدفه الوصول إلى الحقيقة بأقل الخسائر الجسدية وسفك الدماء وأن يدعو الله أن يحقن دماء الطرفين المتنازعين خصوصاً إذا كانت الحرب قائمة ، وعليه أن يسعى لحقن الدماء بين المسلمين ويدعو الله لذلك ولا يكون الهدف هو القضاء على العدو جسدياً وبأي صورة كانت، فأمير المؤمنين عليه السلام يعلنها مجلجلة مدوية لرسم قواعد الدعوة إلى الله بقوله: (وَ [لَوْ] قُلْتُمْ مَكَانَ لَعْنِكُمْ إِيَّاهُمْ وَبَرَاءَتِكُمْ مِنْهُمْ) فإن ظاهرة اللعن طريقة بائسة فاشلة تشعل النيران والفتن والأحقاد والعداوة والبغضاء بين الطرفين، ولكن الطريقة المثلى هي أن تقولوا: (اللَّهُمَّ احْقِنْ دِمَاءَنَا وَدِمَاءَهُمْ ، وَأَصْلِحْ ذَاتَ بَيْنِنَا وَبَيْنِهِمْ) فإن المرجو هو الإصلاح في الأمة والوصول إلى الحق ، وليس تأزيم الموقف وإثارة الفتن الطائفية والمذهبية، إن هذه الطريقة التي يدعو لها أمير المؤمنين عليه السلام هي في الواقع من أنبل الطرق وأشرفها وأسدّها للتعامل مع من تختلف معه.

10- كما على صاحب الحق أن يدعو الله سبحانه بأن يُبَصّر من انحرف عنه ويفتح له أبواب الهداية ويعمل على هذا المنهج سراً وعلانية كما أشار إلى هذا بقوله عليه السلام (وَاهْدِهِمْ مِنْ ضَلَالَتِهِمْ ، حَتَّى يَعْرِفَ الْحَقَّ مِنْهُمْ مَنْ جَهِلَهُ ، وَ يَرْعَوِىَ عَنْ الْغَيِّ وَالْعُدْوَانِ مَنْ لَهِجَ بِهِ).

إن هذا المنهج الذي ينبع من الرحمة وروح الأخوة والمحبة للآخرين مهما اختلفت معهم ، يدلك بكل وضوح أن هذه القيادات الرسالية تريد إدخال الأمة كل الأمة إلى ساحة الإيمان والقرب من الله وإدخالهم في رحمته وليس إبعادهم عن ساحة رحمته وقدسه ولعنهم والدعوة عليهم أن يحل عليهم غضبه فإن هذا بعيد عنها كل البعد بعد ما بين السماء والأرض ، وهذا هو سر نهي الإمام أصحابه عن اللعن لأهل الشام مع أنه في ساحة حرب معهم .

نهي الإمام الصادق عليه السلام عن اللعن :

حرص الإمام الصادق عليه السلام أن يكون شيعته ومواليه في أعلى درجات الكمال والنزاهة من كل ما يشينهم ومنه اللعن حيث عبَّر عنه بقوله (إِنَّ هذَا لَيْسَ مِنْ فِعَالِي، وَلَاآمُرُ بِهِ شِيعَتِي) فلا يرتضيه لنفسه ولا للشيعته ولا يأمرهم بذلك .

روى الكليني بسنده عَنْ سَمَاعَةَ، قَالَ:

دَخَلْتُ عَلى‏ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام، فَقَالَ لِي- مُبْتَدِئاً-: «يَا سَمَاعَةُ، مَا هذَا الَّذِي كَانَ بَيْنَكَ وَبَيْنَ جَمَّالِكَ‏ [35]؟ إِيَّاكَ أَنْ تَكُونَ فَحَّاشاً، أَوْ صَخَّاباً [36]، أَوْ لَعَّاناً».

فَقُلْتُ: وَاللَّهِ، لَقَدْ كَانَ ذلِكَ أَنَّهُ ظَلَمَنِي

فَقَالَ: «إِنْ كَانَ ظَلَمَكَ، لَقَدْ أَرْبَيْتَ عَلَيْهِ‏ [37]؛ إِنَّ هذَا لَيْسَ مِنْ فِعَالِي، وَلَاآمُرُ [38] بِهِ شِيعَتِي، اسْتَغْفِرْ [39] رَبَّكَ وَلَا تَعُدْ»

قُلْتُ: أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ، وَلَاأَعُودُ. [40]

فهذه الرواية تجعل اللعّان في عداد ومصاف الفحّاش والصخّاب فتعتبر اللعن قسيماً للفحش والصخب ومن مساوئ الأخلاق ، وأن اللعن من الصفات التي يجب على الإنسان أن يتنزه عنها .

وأردف الإمام أن هذه الصفات والأفعال ليست من فعاله ولا يأمر بها شيعته، بل هي من صفات أعدائه التي تتناسب مع مفاهيمهم في الحياة .

إن من يمارس هذا العمل بما فيه اللعن قد ارتكب جرماً وإثماً وعليه أن يستغفر الله ويتوب منه ولا يعود إليه أبداً . فلماذا إذا كان اللعن عبادة يستغفر منه ويتوب إلى الله ؟

إن سماعة أعطى الإمام عليه السلام قولاً لكي يرضى عنه أن لا يعود لمثل هذه الأفعال القبيحة .

وروى الكليني بسنده عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، قَالَ:

سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام يَقُولُ: «خَطَبَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله النِّسَاءَ، فَقَالَ: يَا مَعَاشِرَ [41] النِّسَاءِ، تَصَدَّقْنَ وَلَوْ مِنْ حُلِيِّكُنَ‏ [42] وَلَوْ بِتَمْرَةٍ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ، فَإِنَّ أَكْثَرَكُنَّ حَطَبُ جَهَنَّمَ، إِنَّكُنَ‏ [43] تُكْثِرْنَ‏ اللَّعْنَ‏، وَتَكْفُرْنَ الْعَشِيرَةَ [44].

فَقَالَتِ‏ [45] امْرَأَةٌ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ لَهَا عَقْلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلَيْسَ نَحْنُ الْأُمَّهَاتُ الْحَامِلَاتُ الْمُرْضِعَاتُ؟ أَلَيْسَ مِنَّا الْبَنَاتُ الْمُقِيمَاتُ‏ [46]، وَالْأَخَوَاتُ الْمُشْفِقَاتُ؟

فَرَقَّ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله، فَقَالَ: حَامِلَاتٌ وَالِدَاتٌ، مُرْضِعَاتٌ رَحِيمَاتٌ، لَوْ لَا مَا يَأْتِينَ إِلى‏ بُعُولَتِهِنَّ مَا دَخَلَتْ مُصَلِّيَةٌ مِنْهُنَّ النَّارَ». [47]

وقد وثق سند هذا الحديث المجلسي الأول في روضة المتقين شرح من لا يحضره الفقيه ج 8 ص 107 و ص 366 طبع القديم ، وإن كان ضعفه ابنه المجلسي الثاني في المرآة .

وروى ذريح بن يزيد المحاربي قَالَ: وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ عَلَى نِسْوَةٍ قَدْ قَعَدْنَ لَهُ فِي الطَّرِيقِ.

فَقَالَ لَهُمْ‏ [48]: هَلَكْتُنَ‏ [49] إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ .

فَقُلْنَ: لِمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ .

فَقَالَ: إِنَّكُنَّ تُكْثِرْنَ‏ اللَّعْنَ‏، وَتَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ. [50]

وقد نقل هذا الحديث علماء اللغة متسالمين على نقله وفسروه في مادة (عشر) :

قال ابن فارس حول (عشر)

فأمَّا الأصل الآخَر الدَّالُّ على المخالطة والمداخَلَة فالعِشْرة والمعاشَرة. وعَشِيرُك‏: الذى يعاشرُك....حتَّى الزّوجُ‏ عشيرُ امرأتِه.

وجاء فى الحديث فى ذكر النساء: «إنّكن تُكْثِرْن‏ اللّعْن‏ وتكْفُرْن‏ العَشِير [51]» ويقال‏ عاشَره‏ مُعاشرةً جميلة. وقال زهير:

لعمرُكَ والخطوبُ مغيِّراتٌ وفي طول‏ المعاشرة التقالي‏[52]

وفي الفايق في غريب الحديث، ج‏2، ص: 365 في مادة [عشر]:

قال صَلَى اللَّه عليه وسلِم للنساء: إنكن أكْثَرُ أهلِ النار؛ وذلك لأنكنّ تُكثرن‏ اللَّعْنَ‏، وتَكْفُرن‏ العَشير.

هو المعاشر؛ كالخليل بمعنى المخالل، والصديق بمعنى المصادق. قال اللَّه تعالى: ﴿وَلَبِئْسَ‏ الْعَشِيرُ﴾ [الحج: 13]. والمُراد به الزوج.

وقال ابن الأثير: وفيه‏ «أنه قال للنّساء: تكثرن‏ اللّعن‏، وتكفرن‏ العَشِير» يريد الزّوج.

والعَشِير: المُعَاشِر، كالمصادق في الصّديق، لأنها تُعَاشِرُه ويُعَاشِرُها، وهو فعيل، من‏ العِشْرَة: الصّحبة.

وقد تكرر في الحديث. [53]

وقال ابن منظور: قال النبي، صلى الله عليه وسلم: (إِنَّكُنّ أَكْثَرُ أَهل النار)، فقيل: لِمَ يا رسول الله؟ قال: (لأَنَّكُنّ تُكْثِرْن‏ اللَّعْنَ‏ وتَكْفُرْنَ‏ العَشِيرَ)

العَشِيرُ: الزوج. وقوله تعالى: ﴿لَبِئْسَ الْمَوْلى‏ وَلَبِئْسَ‏ الْعَشِيرُ﴾ ؛ أَي لبئس‏ المُعاشِر. ومَعْشَرُ الرجل: أَهله. والمَعْشَرُ: الجماعة، متخالطين كانوا أَو غير ذلك‏ [54]

وقال الزبيدي : والعَشِيرُ: القَرِيبُ، والصَّدِيقُ ج‏ عُشَراءُ. وعَشِيرُ المَرْأَةِ: الزَّوْج‏ لأَنّه‏ يُعَاشِرُهَا وتُعاشرُه‏. وبه فُسِّر الحديث‏: «لأَنَّهُنَّ يُكْثِرْنَ اللَّعْنَ ويَكْفُرْنَ‏ العَشِيرَ [55]».

فيبدو أن هذا الحديث من المتسالم عليه عندهم .

اللعن يوجب الفقر :

وبما أن اللعن من الصفات السيئة ومن مساوئ الأخلاق بل وفي كثير من الحالات من الذنوب التي لها آثار سلبية فحينئذ لا يبعد أن يكون من تلك الآثار الفقر، فقد روي أن اللعن من ضمن الصفات التي توجب الفقر.

قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله:‏ عِشْرُونَ خَصْلَةً تُورِثُ الْفَقْرَ : أَوَّلُهُ الْقِيَامُ مِنَ الْفِرَاشِ لِلْبَوْلِ عُرْيَاناً، وَالْأَكْلُ جُنُباً، وَتَرْكُ غَسْلِ الْيَدَيْنِ عِنْدَ الْأَكْلِ، وَإِهَانَةُ الْكِسْرَةِ مِنَ الْخُبْزِ، وَإِحْرَاقُ الثُّومِ وَالْبَصَلِ، وَالْقُعُودُ عَلَى أُسْكُفَّةِ الْبَيْتِ، وَكَنْسُ الْبَيْتِ بِاللَّيْلِ وَبِالثَّوْبِ، وَغَسْلُ الْأَعْضَاءِ فِي مَوْضِعِ الِاسْتِنْجَاءِ، وَمَسْحُ الْأَعْضَاءِ الْمَغْسُولَةِ بِالْمِنْدِيلِ وَالْكُمِّ، وَوَضْعُ الْقِصَاعِ وَالْأَوَانِي غَيْرَ مَغْسُولَةٍ، وَوَضْعُ أَوَانِي الْمَاءِ غَيْرَ مُغَطَّاةِ الرُّءُوسِ، وَتَرْكُ بُيُوتِ الْعَنْكَبُوتِ فِي الْمَنْزِلِ، وَاسْتِخْفَافُ الصَّلَاةِ، وَتَعْجِيلُ الْخُرُوجِ مِنَ الْمَسْجِدِ، وَالْبُكُورُ إِلَى السُّوقِ وَتَأْخِيرُ الرُّجُوعِ عَنْهُ إِلَى الْعِشَاءِ، وَشِرَاءُ الْخُبْزِ مِنَ الْفُقَرَاءِ، وَاللَّعْنُ‏ عَلَى الْأَوْلَادِ، وَالْكَذِبُ، وَخِيَاطَةُ الثَّوْبِ عَلَى الْبَدَنِ، وَإِطْفَاءُ السِّرَاجِ بِالنَّفَس‏ [56]

فاللعن من الأمور غير المرغوب فيها خصوصاً وأنه يوجب الفقر ومن المعلوم في سبب ذلك والله العالم :

1- أن اللعن مما يفرق المجتمع ويفتته ويذكي نار العداوة في داخل المجتمع وبالأخص للأولاد ويبعد اللعّان عن موقعه الأساسي في داخل البيت والمجتمع ونتيجة ذلك هو الفقر .

2- يمكن أن يكون السبب معنوياً ، كجملة من الذنوب التي توجب الفقر .


بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم أجمعين

جواب المكتب:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

إذا كان التعاطي مع الروايات الشريفة على هذا النحو من التسطيح للموضوعات والنظرة الاستدلالية الساذجة فعلى الفقه والصنعة الفقهية السلام.

بشكل عام فإنّه من الواضح أنّ شيخ السوء هذا جاهل يتصدى لما هو ليس له بأهل. فليتدارك ما بقي من عمره وليحذر من أن يكون شيبة النار والضلال.

هذه القراءة الساذجة التي يزرق من خلالها منهجا شيطانيا ينسبه على إطلاقه لمحمد وآله الاطهار صلوات الله وسلامه عليهم ماهي إلا استخفاف بعقول الجماهير الشيعية وهذا الطرح لا يقنع حتى أطفال الشيعة ولا يروج له سوى أصحاب الاهواء والزيغ والتحريف.

لو أخذنا بما يقوله شيخ السوء شيبة الضلال هذا فإنه يكون علينا إلغاء التوازن المنهجي في كافة التكاليف العملية.

هذا الطرح يضرب قاعدة التوازن المنهجي في الاسلام وهو إساءة لله ورسوله صلى الله عليه وآله. هو يدعى أنه كتب هذا الرد دفاعا عن رسول الله صلى الله عليه وآله غير أنه يطعن بهذا في رسول الله وينسب له الاختلال في التوازن المنهجي والعياذ بالله.

هنا عرض الشيخ نموذجا للتوازن المنهجي في الاسلام..

التوازن المنهجي.. صلة الرحم وقطعها

ما رأي شيخ السوء هذا في أن نطلب منه التعامل باللين والرفق مع من ينتهك عرضه؟! فهناك أحاديث فيها إطلاق في الحث على الرفق؟

ما رأيه أن يوجه دعوة للمقاومة في الجنوب اللبناني بانتهاج الرفق حيال الاحتلال الصهيوني وفقا لهذا الحديث؟

«إنّ الرفق لم يُوضَع على شيءٍ إلاّ زانَه، ولا نُزِع مِن شيءٍ إلاّ شانَه » ( الكافي 119:2 / ح 6 ـ باب الرفق )

أمن عاقل يتشبث بهذا الحديث وحده ليحث على اللين والرفق في جميع الأحوال؟

يُقال كلا فهناك أحاديث وردت فيها استثناءات فالرفق في كل حال ليس صحيحا.

قال أمير المؤمنين عليه السلام: (إذا كان الرفق خُرقا, كان الخُرق رفقاً)

أي أنّ من لا يستحق الرفق ولا يكون أهلا له يكون العنف معه رفقا.

وفي غرر الحكم :(اخلط الشدّة برفق ، وارفق ما كان الرفق أرفق )

(من لم يصلحه حسن المداراة يصلحه حُسن المكافاة)

(غرر الحكم : 602 | 557)

ويصور الشاعر ذلك التوازن المنهجي في بيت شعري بقوله

وَوضعُ النّدى في موضع السيف بالعُـلا

مضرٌّ كوضع السيف في موضع الندى

الأمر ذاته فيما يتعلق باللعن والسب فهو تكليف مؤطّر بقوانين التوازن المنهجي في الاسلام وليس على إطلاقه.

ـ هنا تتعرفون على فوائد إظهار اللعن والبراءة

ـ لا يصح ان يؤمن الرجل ببعض الكتاب ويكفر ببعض ويتخذه عضين.

القرآن الكريم الذي تحدث عن رحمة رسول الله صلى الله عليه وآله هو نفسه دعاه للغلظة مع الكفار والمنافقين في موضعين من كتابه الكريم

قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ)

(التوبة:74 ـ والتحريم:10) وفق ترقيم الرافضة.

ـ لعن معاوية لعلي عليه السلام رجع على معاوية بالخزي والعار لأنه بغيٌ على أمير المؤمنين عليه السلام فعلي عليه السلام ليس مستحقا للعن بينما لعنُ علي عليه السلام لمعاوية كانت له ثمرة وفائدة وهي تثبيت موقف لا زال إلى اليوم. فلولا أنّ مولانا عليا عليه السلام لعن معاوية لما كنا اليوم نلعنه ونبرأ منه.

لعن المستحق يُثمر ويكون أثره إيجابيا أما التجني ولعن غير المستحق يعود على صاحبه بالخزي في الدنيا والآخرة.

ـ هنا تعرف ما حقيقة قول الامام عليه السلام: ( أكره لكم أن تكونوا سبابين)

من محاضرة ألقاها لشيخ الحبيب في الليالي الحسينية بعنوان "حديّة الخطاب من منهج الحسين عليه السلام"

استمع لكلام شيخنا ابتداءا من الدقيقة 1:36

من يرفض رواية لعن أمير المؤمنين لأربعة من الرجال من جهة السند هو نفسه يتشبث بالرواية التي ينُسب فيها لأمير المؤمنين عليه السلام قوله: (أكره لكم أن تكونوا قوما سبابين) وكأنها رواية حديدية السند وهي في الواقع ضعيفة من ناحية السند ومع ذا يتعامل معها وكأنها رواية قطعية الصدور ويرتب عليها أحكاما أيضا بل يفتي وفقا لها بالتحريم والحال أنّ كل من يشتغل بالصنعة الفقهية يعلم أنّ الحديث ليس فيه دلالة على أكثر من الكراهة!

نقول لك يا شيخ إنّ بدنك ضعيف على النار فاتق الله وارحم شيبتك.

هنا جواب سابق للشيخ أثبت فيه حجية الرواية التي ورد فيها أنّ مولانا أمير المؤمنين عليه السلام كان يلعن في قنوته أربعة من الرجال وأربعا من النساء ويسميهم

ـ الظلم الذي تتعرض له من ذلك الذي لا يتمادى في غيّه وتُرتجى هدايته من جار أو صديق أو من شخص من عامة الناس فالصفح عنه والدعاء له بالهداية يكون أولى وليس واجبا. فهذا توجيه إرشادي يكون بحسب تقدير المكلف للمصلحة.

أما ظالم متجبر يتجاوز الحد في التعدي ويتبجح بظلمه ولا يرعوي عن غيّه فلا. هذا (يحب) الله تعالى الجهر بالسوء من القول في حقه. وقد ورد كما في تفسير الطاهرين عليهم السلام أنّ السوء من القول هو الشتم.

هنا جواب يفيدكم الاطلاع عليه لتفهم فلسفة الجهر بشتم ولعن الظالم المتعدي وسيتضح لك أنه سلوك فطري سوي.

ـ الدعاء بالهداية للعوام المخدوعين وهم من لا يصح لعنهم وسبهم لا رموز الضلال التي يتشخص فيها الباطل أو من يعاند ويصر على لجاجه بعد إقامة الحجة عليه.

هنا تجد أدلة ساقها الشيخ يتبين لك كيف تعامل آل رسول الله عليهم الصلاة والسلام مع أعدائهم من رموز الضلال والانحراف وأشياعهم المعاندين في سلسلة بعنوان: (بيان آل محمد في أعدائهم)

هذا ومن أراد أن يتعرف على التوازن المنهجي في تعاطي الشرع مع السب واللعن فليتابع سلسلة تحرير الانسان الشيعي

فليتب هذا الشيخ الأفّاك وليتقِ الله ربه فعما قريب هو راحل عن هذه الدنيا فلينتبه من غفلته إن كان غافلا وليرجع عن غيّه إن كان معاندا جاحدا.

وفقكم الله لمراضيه

مكتب الشيخ الحبيب في لندن

23 ذو القعدة 1433 هـ


شارك الإجابة على Google Twitter Facebook Whatsapp Whatsapp