هل صلى أبو بكر في الناس إماماً قبيل استشهاد النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله)؟

شارك الإجابة على Google Twitter Facebook Whatsapp Whatsapp

السلام عليكم ورحمة الله

سؤالي هل أن أبا بكر لعنه الله صلى فعلا فى مرض رسول الله صلى الله عليه وآله فأعاد الرسول صلاته أم أنه لم يصلي بالمسلمين أصلا ولكم الشكر

عماد الجيزاني


بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم أجمعين

جواب المكتب:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

من الردود الموجزة المفيدة التي وقفنا عليها في رد شبهة صلاة أبي بكر (لعنه الله) في الناس إماماً في مرض النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) وأنها منقبة له هو رد الشيخ المفيد (عليه الرحمة والرضوان) في كتابه الإفصاح، وهو التالي:

”مسألة أخرى فإن قالوا: أفليس قدّم رسول الله (صلى الله عليه وآله) أبا بكر في حياته على جميع أهل بيته وأصحابه، حيث أمره أن يصلي بالناس في مرضه مع قوله عليه السلام ”الصلاة عماد الدين“، وقوله عليه السلام: ” إمامكم خياركم“ وهذا أوضح دليل على إمامته بعد النبي (صلى الله عليه وآله)، وفضله على جميع أمته؟!

جواب: قيل لهم: أما الظاهر المعروف فهو تأخير رسول الله (صلى الله عليه وآله) أبا بكر عن الصلاة وصرفه عن ذلك المقام، وخروجه مستعجلا وهو من ضعف الجسم بالمرض على ما لا يتحرك معه العاقل إلا بالاضطرار، ولتدارك ما يخاف بفوته عظيم الضرر والفساد، حتى كان عزله عما كان تولاه من تلك الصلاة. فأما تقدمه على الناس فكان بقول عائشة دون النبي صلى الله عليه وآله، وبذلك جاءت الأخبار وتواترت الأحاديث والآثار، ومن الدعي غير ذلك فعليه حجة البرهان والبيان.

فصل على أننا لو صححنا حديث عائشة عن النبي (صلى الله عليه وآله)، وسلمنا لهم صدقها فيه تسليم جدل، وإن كانت الأدلة تبطله وتقضي بفساده من كل وجه، لما أوجب ما ادّعوه من فضله على الجماعة، لأنهم مطبقون على أن النبي صلى الله عليه وآله صلى خلف عبد الرحمن بن عوف الزهري، ولم يوجب ذلك له فضلا عليه ولا غيره من المسلمين. ولا يختلفون أنه صلى الله عليه وآله أمر عمرو بن العاص على أبي بكر وعمر وجماعة من المهاجرين والأنصار، وكان يؤمهم طول زمان إمارته في الصلاة عليهم، ولم يدل ذلك على فضله عليهم في الظاهر، ولا عند الله تعالى على حال من الأحوال. وهم متفقون على أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال لأمته: ”صلوا خلف كل بر وفاجر“ وأباح لهم الصلاة خلف الفجار، وجوز بذلك إمامة إمام لهم في الصلاة منقوص مفضول، بل فاسق فاجر مرذول، بما تضمنه لفظ الخبر ومعناه، وإذا كان الأمر على ما ذكرناه بطل ما اعتمدوه من فضل أبي بكر في الصلاة.

فصل ثم يقال لهم: قد اختلف المسلمون في تقديم النبي (صلى الله عليه وآله) أبا بكر للصلاة . فقال المُسَمَّوْن السنة: إن عائشة أمرت بتقديمه عن النبي صلى الله عليه وآله . وقالت الشيعة: إنها أمرته بذلك عن نفسها دون النبي (صلى الله عليه وآله)، بلا اختلاف بينهم أن النبي (صلى الله عليه وآله) خرج إلى المسجد وأبو بكر في الصلاة، فصلى تلك الصلاة، فلا يخلو أن يكون صلاها إماماً لأبي بكر والجماعة، أو مأموماً لأبي بكر مع الجماعة، أو مشاركاً لأبي بكر في إمامتهم، وليس قسم رابع يدعى فنذكره على التقسيم.

فإن كان صلى الله عليه وآله صلاها إماماً لأبي بكر والجماعة فقد صرفه بذلك عما أوجب فضله عندكم من إمامة القوم، وحطه عن الرتبة التي ظننتم حصوله فيها بالصلاة، وبطل ما اعتمدتموه من ذلك، ووجب له خلافه من النقص والخروج عن الفضل على التأبيد، إذا كان آخر أفعال رسول الله صلى الله عليه وآله جار حكمها على التأبيد وإقامة الشريعة وعدم نسخها إلى أن تقوم الساعة، وهذا بين لا ريب فيه.

وإن كان صلى الله عليه وآله مأموماً لأبي بكر فقد صُرِفَ إذن عن النبوة، وقدم عليه من أمره الله تعالى بالتأخير عنه، وفرض عليه غض الطرف عنده، ونسخ بذلك نبوته وما يجب له بها من إمامة الجماعة، والتقدم عليهم في الدين، وهذا ما لا يطلقه مسلم.

وإن كان النبي (صلى الله عليه وآله) إماماً للجماعة مع أبي بكر على الاشتراك في إمامتهم، وكان ذلك آخر أعماله في الصلاة، فيجب أن يكون سنّة، وأقل ما فيه جوازه وارتفاع البدعة منه، والإجماع منعقد على ضد ذلك، وفساد إمامة نفسين في الصلاة معاً لجماعة من الناس، وإذا كان الأمر على ما وصفناه فقد سقط ما تعلق به القوم من صلاة أبي بكر، وما ادعوه له بها من الفضل على تسليم الخبر دون المنازعة فيه، فكيف وقد بيّنا سقوطه بما قدمناه.

فصل على أن الخبر بصلاة أبي بكر وإن كان أصله من حديث عائشة ابنته خاصة على ما ذكروه، فإنه قد جاء عنها في التناقض والاختلاف وذلك شاهد بفساده على البيان:
فروى أبو وائل، عن مسروق، عن عائشة، قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وآله في مرضه الذي مات فيه خلف أبي بكر قاعدا. وروى إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة في حديث في الصلاة أن النبي (صلى الله عليه وآله) صلى عن يسار أبي بكر قاعداً، وكان أبو بكر يصلي بالناس قائما. وفي حديث وكيع، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة أيضاً، قالت: صلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) في مرضه عن يمين أبي بكر جالساً، وصلى أبو بكر قائماً بالناس. وفي حديث عروة بن الزبير، عن عائشة، قالت: صلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) بحذاء أبي بكر جالساً، وكان أبو بكر يصلي بصلاة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، والناس يصلون بصلاة أبي بكر. فتارة تقول: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) إماماً بأبي بكر، وتارة تقول: كان أبو بكر إماماً، وتارة تقول: صلى عن يمين أبي بكر، وتارة تقول: صلى عن يساره، وتارة تقول: صلى بحذائه، وهذه أمور متناقضة تدل بظاهر ما فيها من الاضطراب والاختلاف على بطلان الحديث، وتشهد بأنه موضوع.

فصل آخر على أن الخبر الثابت عن النبي صلى الله عليه وآله من قوله: ”إنما جعل الإمام إماماً ليؤتم به، فإذا صلى جالساً فصلوا جلوساً أجمعين“ يَبْطُل أيضاً حديث صلاة أبي بكر، ويدل على اختلافه، لأنه يتضمن مناقضة ما أمر به، مع ترك المتمكن منه على فاعله، ومتى ثبت أوجب تضليل أبي بكر وتبديعه على الإقدام على خلاف النبي (صلى الله عليه وآله).
واستدلوا بمثل ذلك في رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذ كان هو المؤتم بأبي بكر، وفي كلا الأمرين بيان فساد الحديث مع ما في الوجه الأول من دليل فساده.

فصل آخر مع أن الرواية قد جاءت من غير طريق عن عائشة أنها قالت: جاء بلال فأذن بالصلاة ورسول الله (صلى الله عليه وآله) مغمى عليه، فانتظرنا إفاقته وكاد الوقت يفوت، فأرسلنا إلى أبي بكر يصلي بالناس. وهذا صريح منها بأن صلاته كانت عن أمرها ورأيها، دون أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) وإذنه ورأيه ورسمه.
والذي يؤيد ذلك ويكشف عن صحته، الإجماع على أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) خرج مبادراً معجلاً بين يدي رجلين من أهل بيته حتى تلافى الأمر بصلاته وعزل الرجل عن مقامه. ثم الإجماع أيضاً على قول البني (صلى الله عليه وآله) حين أفاق لعائشة وحفصة: ”إنكن كصويحبات“ ذماً لهما على ما أفتنا به أمته، وإخباراً عن إرادة كل واحدة منهما المنزلة بصلاة أبيها بالناس، ولو كان هو صلى الله عليه وآله تقدم بالأمر لأبي بكر بالصلاة لما حال بينه وبين تمامها، ولا رجع باللوم على غيره فيها، وهذا ما لا خفاء به على ذوي الأبصار. وفي هذه المسألة كلام كثير، قد سبق أصحابنا رحمهم الله إلى استقصائه، وصنّف أبو عيسى محمد بن هارون الوراق كتاب مفرداً في معناه سماه كتاب ”السقيفة“ يكون نحو مائتي ورقة، لم يترك لغيره زيادة عليه فيما يوضح عن فساد قول الناصبة وشبههم التي اعتمدوها من الخبر بالصلاة، وأشار إلى كذبهم فيه، فلذلك عدلت عن الإطالة في ذكر البراهين على ما قدمت، واقتصرت على الاختصار، وإن كان فيما أثبته كفاية لذوي الأبصار، والحمد لله.“. (المصدر: كتاب الإفصاح للشيخ المفيد - الصفحة 201).

أضف إلى ما تقدم ما ذكره الديلمي في كتابه إرشاد القلوب: ”وكان بلال مؤذن رسول الله صلى الله عليه وآله يؤذن بالصلاة في كل وقت، فإن قدر على الخروج تحامل وخرج وصلى بالناس، وإن هو لم يقدر على الخروج أمَّ علي بن أبي طالب فصلى بالناس، وكان علي بن أبي طالب والفضل بن العباس لا يزايلانه في مرضه ذلك. فلما أصبح رسول الله صلى الله عليه وآله من ليلته تلك التي قدم فيها القوم الذين كانوا تحت يد أسامة؛ أذّن بلال ثم أتاه يخبره كعادته، فوجده قد ثقل فمُنع من الدخول إليه، فأمرت عائشة صهيبا أن يمضي إلى أبيها فيعلمه أن رسول الله قد ثقل وليس يطيق النهوض إلى المسجد، وعلي بن أبي طالب قد شغل به وبمشاهدته عن الصلاة بالناس، فاخرج أنت إلى المسجد فصل بالناس، فإنها حالة تهنئك وحجة لك بعد اليوم! قال: فلم يشعر الناس وهم في المسجد ينتظرون رسول الله أو عليا يصلي بهم كعادته التي عرفوها في مرضه؛ إذ دخل أبو بكر المسجد وقال: إن رسول الله ثقل وقد أمرني أن أصلي بالناس! فقال له رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله: وأنّى لك ذلك وأنت في جيش أسامة؟ لا والله ما أعلم أحدا بعث إليك ولا أمرك بالصلاة...“. (المصدر: إرشاد القلوب للديلمي - الجزء 2 - الصفحة 425).

وفقكم الله تعالى لكل خير.

مكتب الشيخ الحبيب في لندن

ليلة 20 ذي القعدة 1434 هجرية


شارك الإجابة على Google Twitter Facebook Whatsapp Whatsapp