هل توافقون على ما يسمى بالتقية المداراتية؟

شارك الإجابة على Google Twitter Facebook Whatsapp Whatsapp

‏بسم الله الرحمن الرحيم

سماحة الشيخ ياسر الحبيب حفظه الله

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ... وبعد ... هذه مجموعة من الأسئلة المهمة التي لدي ولكن قبل أن أبدأ أود أن أشير بأننا نسعى بالمقدور المتيقن أن ننشر للناس مظالم أهل البيت ع حتى للشيعة الذين لا يعرفون عن مظلومية أهل البيت ع إلا من حيث العناوين الرئيسية ولكن التفاصيل مخفية عنهم تماما وكذلك فضح الشيخين والتنكيل بهم بالطريقة المناسبة التي يمكننا تحقيق تلك الغاية وكذلك تحريك الشارع الشيعي وتعريفهم بدورهم وأن يكونوا أكثر قوة في مناظراتهم وتعاملاتهم وأن لا يقبلوا بأن يعاملوا كأنهم الحلقة الأضعف ونحو ذلك ... وحبذا لو خصصتم سلسلة محاظرات معنية بالدرجة الأولى بدور الأمة – أي الشيعة – والشباب خصوصا قي هذا الزمان والتوقيت وفي ظل غيبة الإمام ع ومعنية بمناقشة هاتين النقطتين فضح الشيخين وظلام أهل البيت ودورهم في التعامل مع التحديات المختلفة وماله علاقة بالتقية وإذا لم يكن بمقدوركم تخصيص تلك المقالات أن تخصصوا مجموعة من المقالات معنية بما ذكرنا وتنشروها وتضعوها على الموقع للفائدة أعانكم الله على ذلك !!! ونشكر لكم ردكم على رسالتنا الأخيرة

للتقية أقسام وأنواع، ومنها التقية المداراتية !!! وهنا أسئلة منطقية متعلقة بهذا النوع!!! ما المقصود بها ؟ وما فلسفتها ؟ ومتى يجب\ يجوز\ يستحب \ يكره \ يحرم القيام بها ؟ وما مدى الحاجة إلى القيام بها في هذا الزمان ؟ وما كيفية القيام الصحيح بها؟ وما الحالات التي لا ينطبق عليها مثل هذا النوع من التقية؟ وهل هي معارضة بمطالب أخرى وكيف يمكن التوفيق بينهم ؟ وهل هناك تعارض بينها وبين هذه الروايات وأشباهها عن أبي محمد العسكري (صلوات الله وسلامه عليه) أنه قال لأحد تلامذته لما اجتمع قوم من الموالي والمحبين لآل رسول الله (صلى الله عليه وآله) بحضرته، وقالوا: 'يابن رسول الله.. إن لنا جارا من النُّصاب يؤذينا ويحتج علينا في تفضيل أبي بكر وعمر وعثمان على أمير المؤمنين عليه السلام، ويورد علينا حججا لا ندري كيف الجواب عنها والخروج منها. فقال (عليه السلام) لأحد تلامذته: مُر بهؤلاء إذا كانوا مجتمعين يتكلمون فتسمع عليهم، فيستدعون منك الكلام فتكلم، وأفحم صاحبهم، واكسر غرّته وفلّ حدّه، ولا تبقِ له باقية. فذهب الرجل وحضر الموضع وحضروا، وكلّم الرجل فأفحمه وصيّره لا يدري في السماء هو أو في الأرض! قالوا: فوقع علينا من الفرح والسرور ما لا يعلمه إلا الله تعالى، وعلى الرجل والمتعصّبين له من الحزن والغمّ مثل ما لحقنا من السرور، فلما رجعنا إلى الإمام (عليه السلام) قال لنا: إن الذي في السماوات من الفرح والطرب بكسر هذا العدو لله كان أكثر مما كان بحضرتكم، والذي كان بحضرة إبليس وعتاة مردته من الشياطين من الحزن والغم أشد مما كان بحضرتهم، ولقد صلّى على هذا الكاسر له ملائكة السماء والحجب والكرسي، وقابلها الله بالإجابة فأكرم إيابه وعظّم ثوابه، ولقد لعنت تلك الملائكة عدوّ الله المكسور وقابلها الله بالإجابة فشدّد حسابه وأطال عذابه'. (البحار ج2 ص11) ، و روى أبو محمد العسكري عن أبي عبد الله الصادق (صلوات الله عليهما) أنه قال: 'من كان همّه في كسر النواصب عن المساكين من شيعتنا الموالين لنا أهل البيت، يكسرهم عنهم، ويكشف عن مخازيهم، ويبيّن عوراتهم، ويفخّم أمر محمد وآله صلوات الله عليهم؛ جعل الله همّة أملاك الجنان في بناء قصوره ودوره، يستعمل بكل حرف من حروف حججه على أعداء الله أكثر من عدد أهل الدنيا أملاكا قوة، كل واحد يفضل عن حمل السماوات والأرض، فكم من بناء وكم من نعمة وكم من قصور لا يعرف قدرها إلا رب العالمين'! (البحار ج2 ص10)، و قال الإمام الصادق ع: ( إن قوما يبعثهم الله قبل قيام القائم لا يدعون وترا لآل محمد إلا أحرقوه ) ونحو ذلك من الأحاديث ذات العلاقة ؟؟ أرجو الجواب الوافي !!!


باسمه تقدست أسماؤه. وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

هذا الاصطلاح إنما جاء من قبل متأخري المتأخرين، ولا وجود له عند المتقدّمين، ونحن نتحفظ عليه وعلى أشباهه مثل (التقية التحبيبية) وما إلى ذلك، ونرى أن غاية ما استُدل به لإثباتها قاصر عن عموم ما ذهب إليه القائلون بها وبنوا عليه، فإنهم حكموا باستحباب مداراة المخالفين - كالصلاة معهم - ولو كان ذلك في غير مورد توقع الضرر، وتوسّع بعضهم إلى حد القول باستحباب كتمان الحق - كذكر حقائق مظلومية أهل البيت عليهم السلام - إذا كان ذلك مما يوجب إيقاع التنافر بين الموالين والمخالفين، وعدّوا ذلك أيضا من موارد التقية المداراتية - كما سمّوها - وإن لم يكن يستتبع حصول الضرر.

هذا في حين أن المداراة المقتضية لمثال الصلاة معهم لا تصح من باب التقية إلا إذا كان تركها مؤديا لوقوع الضرر الشخصي أو الجمعي أو مفضيا تدريجا إليه، فعندها تصح بمعنى أن الشارع رخّص للمكلف اللجوء إليها اضطرارا لا أنه أوجبها عليه، فهذه المداراة من التقية، أي التي يكون في تركها خوف الضرر ولو تدريجا، أما مع الأمن منه فليست من التقية في شيء. فإذا عرفت اقتصار شمولها بعنوان التقية على المورد الأول بقسميه الحالي والتدريجي؛ تعرف خروج سائر الموارد عن هذا العنوان أصلا، فلا يصح أداء الصلاة معهم من باب المداراة فحسب مع الأمن من الضرر، وعليه فلا حاجة لابتداع اصطلاح (التقية المداراتية) إذ هي مقتصرة على مورد واحد، وما توّهمه بعضهم من شمولها لسائر الموارد لا يقع فيه النبيه، فإن الأخبار التي استدلوا بها ظاهرة التعليل في أن الأمر بالمداراة إنما جاء لدفع الضرر التدريجي، ولذا تجده (عليه السلام) بعدما يأمرهم بالصلاة في عشائرهم وعيادة مرضاهم وشهود جنائزهم يقول: ”والله ما عُبد بشيء أحبّ إليه من الخباء“ فقيل له: وما الخباء؟ قال عليه السلام: ”التقية“. (الوسائل عن هشام الكندي عن الصادق عليه السلام ج11 ص471).

فالتفت إلى أن هذه المداراة والمخالطة جاء تعليلها من قبل الشارع بالتقية، ومعنى التقية هو اتقاء وقوع الضرر لا غير، ويتأكد لك المعنى من قوله عليه السلام: ”خالطوهم بالبرّانية، وخالفوهم بالجوّانية، إذا كانت الإمرة صبيانية“. (الوسائل عن أبي بصير عن الصادق عليه السلام ج11 ص471). فعلّق المخالطة والمداراة بوجود الإمرة الصبيانية التي هي كناية عن السلطة الظالمة لبني أمية، فإذا زالت هذه السلطة وزال معها خوف الضرر ارتفع حكم الأمر بالمخالطة والمداراة، وهذا كلّه ظاهر في أنها تكون تقية في هذا المورد وحده.

وسائر الأخبار التي استدلوا بها إما هي محمولة على هذا الوجه بقرينة الأخبار الأخرى كالتي قدّمناها، أو أنها محمولة على حسن المعاشرة من باب مكارم الأخلاق التي تصح حتى مع اليهودي والنصراني والكافر الملحد تحبيبا له في الإسلام، فالخلط بينها وجمعها تحت عنوان التقية هو غلط فاحش، وتقسيم التقية لإفرادها في عنوان قسم خاص منها سمّوه التقية المداراتية هو غلط أفحش.

ثم إن هذه المداراة الأخلاقية التي تحبّب الناس - من كفار وأهل كتاب وبكريين في الإسلام - إذا استلزمت إبطال حق أو إحقاق باطل؛ حرمت ولم تجز. بل وكذا الأمر في التقية، فإنها إذا استلزمت إبطال حق أهل البيت (عليهم السلام) أو إحقاق باطل أعدائهم (عليهم اللعنة) بما يهدد أمر بقاء الدين كان ذلك حراما مؤكدا حتى في حال تيقّن وقوع الضرر، ومثاله أمر أمير المؤمنين (عليه السلام) بعدم البراءة منه وهو ما فعله ميثم التمار (عليه رضوان الله) رغم ما جرّه ذلك عليه من الصلب والقتل. ومنه تعرف فساد ما زعمه بعضهم من أن ترك ذكر مظلومية أهل البيت (عليهم السلام) المقتضي لذكر جرائم أعدائهم في حقهم مندرج تحت عنوان التقية ”المداراتية“ إذ يكفي كون ذلك موجبا للتنافر بين الموالين والمخالفين لتصحيح تركه مع أن في فعله أمنا من استجلاب الضرر. إن ذلك واضح الفساد فإن التنافر ليس هو الملاك بل وقوع الضرر، وإنما يتوفّر موضوع التقية حينها إذا لم يكن هناك مصلحة إسلامية أقوى في عدم العمل برخصة التقية، كأن يكون العمل بها موجبا لتهديد حياة الإمام (عليه السلام) أو فناء المؤمنين أو هدم الدين والتباس أركانه في أذهان العوام في ما بعد.

وعلى هذا تفهم أنه لا عنوان مستقلا باسم (التقية المداراتية) عندنا، فالتقية رخصة تدور مدار الضرر، فإذا كان ترك المداراة مستلزما لوقوع الضرر فبها وصحت التقية، وإلا فلا. أما حسن المعاشرة والمخالطة مع المخالفين في ما لا يبطل حقا ولا يحق باطلا فهي بنفسها من باب مكارم الأخلاق لا من باب التقية، ويتوسع ذلك التعامل الحسن حتى ليشمل الكفار أيضا.

وبهذا تعرف أن ما يفعله بعض الجهلة والمغرّر بهم هذه الأيام من الصلاة مع المخالفين في المسجد الحرام والمسجد النبوي الشريف والاقتداء بأئمة جماعتهم بل والسجود على ما لا يصح السجود عليه؛ كل ذلك باطل وحرام، وينبغي على من فعله إعادة صلاته، ولا يأتيّن أحدٌ بفتاوى بعضهم التي تجوّز ذلك، فإنه لا ينبغي الأخذ إلا بفتاوى العلماء الكُمَّل، لا أنصافهم أو أرباعهم، أو من يكون خارجا عنهم أصلا.

وأما الروايات التي ذكرتها فلا تعارض روايات التقية، فإن لكلٍّ مورده. وهذا هو إجمال الكلام في هذه المسألة وأما التفصيل فتجده في بحثنا الفقهي عن التقية، فارجع إليه إن شئت.

وفقكم الله لجوامع الخير في الدارين. والسلام.

21 من ربيع الآخر لسنة 1428 من الهجرة النبوية الشريفة.


شارك الإجابة على Google Twitter Facebook Whatsapp Whatsapp