سؤال حيرني: هل خطأ عائشة وحفصة وعمر يستوجب ذكر تلك الأخطاء على مدى قرون واستجلاب كراهية الدنيا عليهم؟

شارك الإجابة على Google Twitter Facebook Whatsapp Whatsapp

سؤال شيخ:

هل خطأ عائشة وحفصة وعمر ومن سن سنتهم يستوجب ذكر تلك الاخطاء على مدى سنوات بل عقود بل قرون للناس واستجلاب كراهية الدنيا عليهم؟ ألا يكفي كرههم والبعد عن سنتهم .. والاهتمام بلحمة الامة وتحديد العدو الحقيقي وبناء القوة التي ستردعه؟

صدقني ان هذا السؤال حيرني... فان لم يعجبك فمن حقك حذفه.. بل حذفي من قائمتك وهذا حقك... وان احببت ان تجيب فيسعدني ذلك...

عبدالعزيز الشهراني


بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم أجمعين

جواب المكتب:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

ج1: نعم يستوجب ذلك وهذا هو نهج القرآن الكريم، فتجد أن كلام الله عز وجل مشحون بقصص الأمم السالفة والدعوة إلى النظر فيها لنرى العواقب، فقد قال تعالى: ”قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ“ (آل عمران: 138).

وقال تعالى: ”وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ۖ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ ۚ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ“ (النحل: 37)

وقال تعالى: ”فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ، أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا ۖ فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَٰكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ“ (الحج: 47) إلى غيرها من آيات في هذا المعنى.

فهل يأتي معترض على الله (والعياذ بالله) ويقول لا يستوجب ذكر أخطأء ومخازي الأمم السالفة! فلابد أن يتصدّى المؤمن الموالي الواعي لبيان أحقية ومظلومية أهل البيت صلوات الله عليهم، وأن يحضّ المخالفين على موالاتهم والبراءة من أعدائهم، فينبري لكشف مخازي أعدائهم وظَلَمتهم (عليهم اللعنة) حتى يسقطوا عن الاعتبار، ويعظّم آل محمد (صلوات الله عليهم) ويظهر فضائلهم ومناقبهم وعلوّ شرفهم، كما يحطّ ممّن ناواهم وعاداهم وخالفهم. وأن يُعزّ الإسلام الأصيل – أي التشيّع – مثبتا أنه الدين الحق، ويُذلّ الإسلام المزيّف – أي التسنّن البكري العمري – مثبتا أنه الدين الباطل، فيبصّر المخالفين بالصراط المستقيم.

وقد رغّب الشارع المقدّس بهذه المهمة ترغيبا عظيما، فروى أبو محمد العسكري عن أبي عبد الله الصادق (صلوات الله عليهما) أنه قال: "من كان همّه في كسر النواصب عن المساكين من شيعتنا الموالين لنا أهل البيت، يكسرهم عنهم، ويكشف عن مخازيهم، ويبيّن عوراتهم، ويفخّم أمر محمد وآله صلوات الله عليهم؛ جعل الله همّة أملاك الجنان في بناء قصوره ودوره، يستعمل بكل حرف من حروف حججه على أعداء الله أكثر من عدد أهل الدنيا أملاكا قوة، كل واحد يفضل عن حمل السماوات والأرض، فكم من بناء وكم من نعمة وكم من قصور لا يعرف قدرها إلا رب العالمين"! (البحار ج2 ص10).

والعجب أن هذه الدعوة لا توجّه هذه الأيام إلا إلينا – أعني شيعة آل محمد صلوات الله عليهم – فإن بقية الطوائف لا نرى أحدا يطلب منها أن تكفّ عن الإصرار على تمجيد قتلة وأعداء أهل البيت كأبي بكر وعمر وأضرابهما! وبإصرارها على تكفير رموزنا المقدسة كأبي طالب عليه السلام! وبإصرارها على احترام علماء النصب والعداء لأهل البيت كابن تيمية لعنه الله! لمَ لا يُطلب منهم أن يكفّوا عن هذا الاستفزاز لمشاعرنا مراعاة للوحدة الإسلامية؟! أم أن هذه الاهتمام باللحمة والوحدة مطلوب منا نحن فقط أن نراعيها فنتنازل ونتنازل فيما غيرنا يظل في عناده واستكباره؟!

إننا حريصون على وحدة الصف، غير أننا نطرح في هذا الشأن أطروحة أن تكون الوحدة على قاعدة الإيمان بالتعددية واحترام عقائد الآخر والسماح بالنقاش والجدال العلمي لا إغلاق بابه في وجوهنا وفتحه في وجوه الآخرين! لو اتفقنا على ذلك؛ كان لنا أن نتعاون في المشتركات فتتوحّد المواقف لمواجهة العدو المشترك. وأما بغير هذا، فليست هناك وحدة صف يمكن أن تتحقق على أرض الواقع أبدا.

كمثال: في لبنان يعلم النصراني أن المسلم يعتبره كافرا، ويعلم المسلم أن النصراني يعتبره ضالا، وكلاهما يطعن في عقائد الآخر وفي رموزه ومقدّساته. ساعد ذلك في نشوب حرب أهلية. بعدها آمن كل طرف باختلاف الآخر عنه، فتقبّل واقع الهجوم الكلامي المتبادل، غير أنه لم يجعل ذلك حاجزا يمنع من توحيد المواقف المشتركة لمواجهة العدو الخارجي المشترك، فقال بعضهم لبعض: دعونا نتعاون في هذه المواجهة ونوحّد موقفنا في هذه النقطة، فتوحّدوا إلى حد ما أتاح لهم تحقيق النصر في الجنوب، وهم إلى اليوم يبنون بلادهم كما ترى رغم الاختلاف الشديد بينهم، لكن على اتفاق على المشتركات، من قبيل الاستقلال والحرية والمساواة، فيما ترى دور النشر في بيروت تنشر أقوى الكتب العقيدية التي تهاجم كل طائفة فيها الأخرى، في حرب كلامية عقيدية متبادلة ومستمرة، دون أن يسبّب ذلك أي حرج أو يخلق حاجزا نفسيا لأي أحد!

إن هذا هو السبيل لمواءمة الاختلافات بين أجنحة البشر وتوحيد الجهود والمواقف في ما يصب في صالح الجميع. ألا ترى الغرب كيف نجح في ذلك؟! ألا تراهم في الغرب يهاجمون بعضهم بعضا على مختلف المستويات – عقيديا وفكريا وسياسيا واجتماعيا - دون أن يسبب ذلك أية حرب أهلية؟

فإذا أردنا أن نعيد لأمتنا مجدها وعزتها، وإذا أردنا أن نحبط مشاريع الاحتلال، فعلينا أولا وقبل التفكير بأي شيء آخر؛ بالعودة إلى ولاية أهل البيت (عليهم السلام) وإبداء الاستعداد لنصرة إمام الزمان وحجة الله على خلقه (أرواحنا وأرواح العالمين لتراب مقدمه الفداء) كي يشملنا برعايته ويدعمنا بقدرته فيتحقق لنا ما نصبو إليه.

أما أن يكون الحل المطروح هو السكوت عن دعوة الأمة إلى تصحيح مسارها بالعودة إلى أهل البيت وموالاتهم والبراءة من أعدائهم؛ وأن يكون الحل المطروح هو القبول بهذا الخلل الواقع في الأمة، والتغاضي عنه وإنكاره، ثم التطلّع إلى تحقيق الاستقلال وتفويت الفرصة على الاحتلال.. فذلك هو الغباء بعينه!

إن تقديم المصلحة العليا يقتضي البحث أولا في جذور ومسببات ما وصلنا إليه، وهو ما ذكرناه من خذلان الأمة لأهل البيت وتعاليمهم، وتمسّكها بأعدائهم ووفائها لتعاليمهم التي جرّت عليها كل هذه الكوارث والمصائب! فبالله من أين أصبح القتل والدمار والتفجير عملا شرعيا وذا وصمة إسلامية غير ما تعلّمه هؤلاء من أبي بكر وعمر ومعاوية ويزيد والحجّاج ومروان وغيرهم من خلفاء الجور وأئمة الكفر والضلال؟!

إن الأمة إنْ لم تقف وقفة شجاعة تحاسب بها نفسها، وتراجع بها موقفها تجاه قادتها الحقيقيين وأولياء أمورها الشرعيين من آل محمد صلوات الله عليهم؛ فلن ينصلح حالها أبدا. فلا تكترثوا بالمشاعر على حساب المصلحة العليا التي تتطلب تنبيه الأمة وإيقاظها من غفلتها هذه، فإن هذه هي سيرة أهل البيت (صلوات الله عليهم) فإنهم حيث لم يقبلوا بالتغاضي عن تنبيه الأمة باستمرار، تعرّضوا إلى القتل والذبح والاضطهاد على مرّ التاريخ، ولو أنهم سلكوا ما يدعو إليه بعض هؤلاء الجهلة اليوم من ضرورة التغاضي والتنازل؛ لما تعرّضوا إلى كل هذه المصائب. ألا وإن العودة إلى حجج الله على خلقه هو ما سيكفل فقط قهر أية قوة شيطانية، لا غير.

نسأل الله تعالى أن يبصّركم بالحق والطريق الأقوم.


مكتب الشيخ الحبيب في لندن

12 شهر رمضان المبارك 1436 هجرية


شارك الإجابة على Google Twitter Facebook Whatsapp Whatsapp