كيف يمكن المجادلة مع الذمي وهو يعزّر حين يذكر النبي بسوء كما يقول المحقق الحلي؟

شارك الإجابة على Google Twitter Facebook Whatsapp Whatsapp

السلام عليكم و رحمة الله و براكاته

1) شيخنا الحبيب، انت قلت في احدى البث المباشر ان المشهور بين العلماء هو ان الجهاد الابتدائي لم يكن الا بهد انقطاع سبل الإيمان و هو في سبيل الله و المستضعفين. يمكن لك ان تعطيني المصادر من أقوال الفقهاء؟
2) قال المحقق الحلي في شرائع الاسلام ان: الذمي اذا سب النبي قتل و اذا ناله بما دونه عزر. كيف يمكن المجادلة معهم في رسول الله و صدقه و هو يعزر حين يذكر النبي بالسوء؟


بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم أجمعين

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أسعد الله أيامكم بذكرى هلاك الطاغية الثاني عمر بن الخطاب لعنه الله.

بمراجعة الشيخ؛

ج1: قال أبو الصلاح الحلبي قدس سره: «إذا عزم سلطان الجهاد عليه فليقدّم الدعوة إليه والاستنفار في البلاد لتجمع له الأنصار، فإذا اجتمعوا سار بهم ليطأ دار الكفر أو محل المحاربين، فإذا انتهى إليهم فليدعهم إلى الله تعالى وإلى رسوله صلى الله عليه وآله وما جاء به، وليجتهد في الدعاء وليتلطّف ويكرّر ذلك بنفسه وذوي البصائر من أصحابه، فإذا أجابوا إلى الحق ووضعوا السلاح أقرّهم في دارهم إن كانوا ذوي دار ولم يُعرض لشيء منها». (الكافي في الفقه - كتاب الجهاد ص32)

وقال الشيخ الطوسي قدس سره: «الجهاد مع أئمة الجور أو من غير إمام خطأ يستحق فاعله به الإثم، وإن أصاب لم يؤجر عليه، وإن أصيب كان مأثوما، إلا أن يدهم المسلمين أمر من قبل العدو يخاف منه على بيضة الإسلام ويخشى بواره أو يخاف على قوم منهم؛ وجب حينئذ أيضا جهادهم ودفاعهم، غير أنه يقصد المجاهد - والحال على ما وصفناه - الدفاع عن نفسه وعن حوزة الإسلام وعن المؤمنين، ولا يقصد الجهاد مع الإمام الجائر ولا مجاهدتهم [أي المشركين] ليدخلهم في الإسلام». (النهاية - كتاب الجهاد ص49)

وقال الراوندي قدس سره: «ولا يجوز قتال أحد من الكفار إلا بعد دعائهم إلى الإسلام وإلى شرائعه فمتى لم يُدعَوْا لم يجز قتالهم، ولا يجوز قتال النساء فإن عاونّ أزواجهنّ وقاتلن المسلمين أُمسك عنهن، فإن اضطروا إلى قتلهنّ جاز حينئذ». (فقه القرآن ص113)

وقال الإمام الشيرازي قدس سره: «ومن هنا يعلم أن استعمال القوة ميدانيا لا يكون إلا إذا اقتضى الأمر بقدره ومن باب الاضطرار، والضرورات تقدر بقدرها، فالحرب تكون عند الضرورة القصوى فقط، وذلك مثل العملية الجراحية التي يضطر إليها الإنسان. ولذا منع الإسلام حرب التوسع وبسط النفوذ وسيادة القوى. ومن جملة الأساليب التي اتبعتها الرسالة الإسلامية الانتقال والتحول إلى منطقة أخرى، وهو ما عرف بالهجرة، من أجل ممارسة الحرية الدينية وحرية الإنسان المؤمن وعدم وقوع مظاهر العنف بين المسلمين وغيرهم، فكانت الهجرة الأولى إلى الحبشة على تفصيل مذكور في التاريخ. ولكي يتمكن الرسول صلى الله عليه وآله من نشر دعوته ويستمر في عملية التبليغ وبصورة آمنة ومستقرة اضطر النبي صلى الله عليه وآله أن يهاجر من مكة إلى المدينة. وفي المدينة المنورة عاصم الإسلام الجديدة تقرر الإذن بالقتال دفاعا، وذلك لجملة من الأسباب المشروعة ومنها:

أولا؛ تأمين مسيرة الرسالة الإسلامية وحرية العقيدة. وكانت تلك الحروب الدفاعية من أجل تأمين السلم والسلام في مسيرة الرسالة الإسلامية وتمكينها في الأرض لمن يرغب بالدخول في الإسلام بكامل اختياره، ولأجل الدفاع عن حرية المسلمين في ممارسة معتقداتهم وشعائرهم.

ثانيا؛ الدفاع عن النفس. ومن مصاديق الدفاع عن الأنفس وحفظ الدماء الدفاع عن المستضعفين الذين وقعوا تحت ظلم الطغاة، فهو أمر مشروع وعقلائي من أجل إنقاذ حياتهم لأنهم يتعرضون إلى ظلم وعدوان من أعدائهم فتجب مناصرتهم ومؤازرتهم والدفاع عنهم، وقد قال سبحانه: (وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَـٰذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيرًا). وقد بيّنت الآية سببين من أسباب القتال:

1- القتال الدفاعي في سبيل الله، وهو الغاية التي يسعى إليها الدين، حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله.
2- القتال الدفاعي في سبيل إنقاذ المستضعفين.

وهناك أمور أخرى قد يقع الدفاع والقتال عنها كحفظ الحقوق وحماية الاتفاقيات والمعاهدات، ولكن مشروطة بعدم جدوى الطرق السلمية وأن الطرف هو الذي بدأ القتال، فحينئذ يجوز القتال. أما مجرد نقض العهود والاتفاقات وما أشبه، فربما أمكن الوصول فيه إلى الحل عبر المفاوضات السلمية ورفع الشكوى إلى المحاكم الدولية المستقلة وما أشبه.

وخلاصة تعاليم الإسلام في القتال هو لزوم أن يكون دفاعا عن عقيدة يعتدى عليها أو عن حقوق مسلوبة أو ما أشبه مما يجعله مشروعا، فهو للدفاع عن قضية إنسانية معرضة للظلم والانتهاك أو غيرها من القضايا الإنسانية النبيلة، وليس للحقد أو التشفي والغدر والمكر والظلم والعدوان وحب السيطرة وما أشبه من أسباب الكثير من المعارك والحروب في العالم.

إن الله تعالى يقول: (وَإِن جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّـهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * وَإِن يُرِيدُوا أَن يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّـهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ) ففي هذه الآية أمرٌ بالجنوح إلى السلم إذا جنح العدو إليها، حتى ولو كان جنوحه خداعا ومكرا. ويقول الله سبحانه: (فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّـهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا).

ويلزم مراعاة قانون السلم في الحرب قدر الإمكان، ويجب الحيلولة دون ارتكاب العنف، فلا يجوز الحرب والقتال إلا مع الضرورة القصوى، كما يشاهَد ذلك في حروب النبي صلى الله عليه وآله والإمام أمير المؤمنين عليه السلام. كما يلزم على الحكومة الإسلامية مراعاة قانون السلم والسلام مع الأقليات الدينية الموجودة في البلد الإسلامي، فلا يجوز لها محاربتهم. كما يلزم على الحكومة الإسلامية مراعاة قانون السلم مع سائر الدول الأجنبية وعدم خوض المعارك معها. وفي حالة وقوع قتال أو حرب يلزم على الجميع السعي الجاد لإنهاء الحرب عبر المفاوضات والوساطات وما أشبه لإرجاع الحق إلى أهله». (فقه السلم والسلام ص258 - 296 بتصرف)

ويقول السيد المرجع صادق الشيرازي دام ظله: «الجهاد الابتدائي يكون لإقامة العدل ونجاة الضعفاء والمستضعفين من أيدي الظالمين، ولإنقاذ مظلومي العالم، في حال تمكن المسلمين من ذلك، وإذن شورى الفقهاء المراجع الذين يرجع الناس إليهم في التقليد وذلك فيما إذا لم يكن هناك سبيل آخر غير الجهاد مع بقية شرائطه الأخرى». (فتوى لمكتب سماحته بتاريخ 21 محرم الحرام 1429)

ويرجى مراجعة محاضرة الشيخ بعنوان: (فليتشيعوا نجعل لهم ما تحت أيديهم)
بالضغط هنا


ج2: بمراجعة الشيخ أفاد أن هذا الحكم مخصوص بنقض عهد الذمة بما يعتبر إعلانا بالغدر والخيانة وهو سب رمز الإسلام الذي دخل الذمي في ذمته وحمايته وهو النبي الأعظم صلى الله عليه وآله، حيث إن دخول الذمي في ذمة الإسلام حصل بناء على اتفاق ملزم للطرفين يلتزم بموجبه أهل الإسلام بحماية وحرية الذمي مقابل أن يلتزم هو بأمور منها عدم إهانة النبي صلى الله عليه وآله، كما مثلا توجب بعض الدول الملكية - كهولندا - على من يتوطّنها أن لا يهين العرش ورمز الدولة - أي الملك - وتوقع عقابا على من يرتكب ذلك.
فهذا الحكم مخصوص بنقض عهد الذمة كنوع من الخيانة والغدر، لا يجري في مقام المحاورة والمجادلة، حيث كان النبي والأئمة صلوات الله عليهم يتحاورون مع الكفار والمنافقين والمنحرفين، وكانت تصدر من أولئك بعض الإساءات إلا أنهم عليهم السلام لم يأمروا بالتعرّض إليهم بشيء في مثل هذا المقام أملاً بهدايتهم. ومع ذلك فإن هذا الحكم يمكن أن يكون من قبيل الحكم مع إيقاف التنفيذ في زمان عدم حضور المعصوم عليه السلام، وتكون فائدة ذكره في الكتب الفقهية إعلام الذمي بأنه مستحق لهذه العقوبة إذا نقض العهد ليرتدع أدبيا بغض النظر عن فعلية إنفاذ الحكم عليه. والمحاور الذي يلتزم بآداب الحوار لا يسب أصلا وإن احتدّ في نقده.

وفقكم الله لمراضيه.

مكتب الشيخ الحبيب في لندن

13 ربيع الأول 1438 هجرية


شارك الإجابة على Google Twitter Facebook Whatsapp Whatsapp