ما هي علاقة سورة القدر بأهل البيت عليهم السلام؟ وهل خاصمتم بها؟

شارك الإجابة على Google Twitter Facebook Whatsapp Whatsapp

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

سماحة الشيخ / ياسر الحبيب

يسعدني ويشرفني التواصل مع أمثالكم من أحرار الفكر، وخادمكم من المستبصرين المصريين، وقد أكرمنا الله بالاستبصار بنور أهل العصمة عليهم السلام منذ أكثر من عشرين عاماً، والحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله

سماحة الشيخ :

أبدا الحديث مع سماحتكم بخصوص أمر ليلة القدر المباركة وعلاقتا بأهل العصمة عليهم السلام .. علماً بأن لوالدي حفظه الله كتاب مطبوع منذ سنوات بحث هذا الأمر .. بعنوان ( الإسلام وحي مستمر أم رأي واجتهاد مبتكر) وهو مطبوع بدار المحجة البيضاء اللبنانية.

وسؤالي لسماحتكم :

في الكافي الشريف ، ج1 كتاب الحجة - 41- باب فى شأن انا أنزلناه فى ليلة القدروتفسيرها :

عن أبي جعفر عليه السلام قال:

يا معشر الشيعة خاصموا بسورة إنا أنزلناه تفلجوا، فوالله إنها لحجة الله تبارك وتعالى على الخلق بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وإنها لسيدة دينكم، وإنها لغاية علمنا، يا معشر الشيعة خاصموا ب " حم والكتاب المبين إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين " فإنها لولاة الأمر خاصة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله، ..

فما هي العلاقة بين ليلة القدر وأهل العصمة عليهم السلام ، ولماذا إذا رفعت ليلة القدر رفع القرآن، كما قال الإمام الصادق عليه السلام، وهل سماحتكم خاصمتم بليلة القدر كما أمر أهل العصمة (صلوات الله وسلامه عليهم) ..؟

ورجاء من سماحتكم أن تكرمنا بنماذج من المخاصمة بليلة القدر وتطبيق عملي من كتب العلماء الأعلام أعلى الله قدرهم لما أمر به أهل العصمة (صلوات الله وسلامه عليهم)

ودمتم موفقين وسالمين

خادمكم / علي

من مصر


باسمه عظمت آلاؤه. وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته. عظم الله أجورنا وأجوركم بذكرى استشهاد سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء صلوات الله وسلامه عليها، التي تزامنت مع فاجعة الاعتداء الناصبي الثاني على الحرم العسكري الشريف في سامراء المقدسة. نسأله سبحانه أن يجعلنا وإياكم من الطالبين بالثأر مع سيدنا الإمام المنتظر أرواحنا فداه وعجل الله فرجه الشريف.

ونحن أيضا نتشرف بكم ونهنئكم على ركوب سفينة النجاة وإن جاءت التهنئة متأخرة لعدم تشرفنا بمعرفتكم من ذي قبل.

لم يتسنّ لنا الاطلاع على الكتاب.

وأما جوابنا على أسئلتكم فنقول فيه أن العلاقة بين ليلة القدر وأهل بيت الرحمة (صلوات الله عليهم) هي من جملة الغيبيات التي لا يمكن للبشر العادي إدراك كنهها أو الإحاطة المعرفية بها، فإنها من أسرارهم صلوات الله عليهم، وغاية ما يمكننا أن نستوعبه منها يتمحور حول ما أعلمنا به أئمتنا (عليهم السلام) من أنها تمثّل استمرار الوحي الإلهي لهم، ففيها تنزل الأوامر الإلهية إلى حجة الزمان، وفيها يُقدَّر القدر وبموجبها ينفذ القضاء.

والخبر الذي نقلتموه عن مولانا أبي جعفر الباقر (صلوات الله عليه) يشتمل على الحث على مخاصمة المخالفين بدلالة سورة القدر وآية (حم) على عدم انقطاع الوحي الإلهي، ولا بد للمخالفين من الإقرار إذ الآيات صريحة في هذا المعنى، فلا أحد من المسلمين له أن يدّعي أن ليلة القدر لا تتجدد كل عام في شهر رمضان، أو أنها ارتفعت مع ارتفاع النبي الأكرم صلى الله عليه وآله، ولذا فإن المسلمين في كل عام يترجّونها بإحيائها بالعبادة، مهما كانت مذاهبهم.

وحيث ثبت أنها باقية ما بقي الدهر؛ فيثبت أيضا بقاء نزول الأوامر الإلهية فيها لقوله تعالى: ”تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ“ (القدر: 5) وفيها دلالة صريحة على الاستمرار والتجدد، وعليه لا بد لأن يكون لتلك الأوامر من يستقبلها كما كان الحال في زمن رسول الله صلى الله عليه وآله، فيثبت المطلوب وهو أن لله تعالى حجة على خلقه، وهم الأئمة من آل محمد صلوات الله عليهم أجمعين.

لا يُقال أن المعنى في قوله تعالى: ”مِّن كُلِّ أَمْرٍ“ هو أن الملائكة تنزل لإنفاذ الأوامر المأمورة بها لا أنها تنزل لتأديتها إلى آخر. إذ يُقال: بقرينة صدر السورة المباركة يُفهم أنها إنما تنزل لأدائها إلى آخر، إذ الصدر في قوله تعالى: ”إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ“ مضمونه أنها نزلت لأداء الوحي القرآني، فنزولها تاليا يكون لأدائه أيضا، إلا أن الاستدراك في قوله تعالى: ”مِّن كُلِّ أَمْرٍ“ بيّن أن الوحي ليس قرآنيا وإنما يتعلق بعزائم الأمور ومقاديرها، فالمشترك هو الوحي وهو القدر الثابت، ولا يمكن التفكيك إذ هو يفتقد إلى الدليل، وهو مفقود في المقام وفي غيره من الأحاديث.

وأما قول الصادق (صلوات الله عليه): ”لو رُفعت ليلة القدر لرُفع القرآن“ فالظاهر أنه جواب نقضي، ومعناه أن ليلة القدر لو فُرض ارتفاعها بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) كما يزعم بعض المخالفين؛ لاستلزم ذلك ارتفاع القرآن وإبطاله لأنه نصّ على بقائها. ويتضح لك هذا المعنى من ملاحظة صدر الرواية، إذ جاء: ”عن داود بن فرقد قال: حدثني يعقوب قال: سمعت رجلا يسأل أبا عبد الله عليه السلام عن ليلة القدر، فقال: أخبرني عن ليلة القدر كانت أو تكون في كل عام؟ فقال أبو عبد الله عليه السلام: لو رُفِعت ليلة القدر لرُفع القرآن“. (الكافي ج4 ص158).

وأما نحن فلم يتسنَّ لنا أن نخاصم بسورة القدر، إذ كانت مواجهاتنا معهم سابقا تدور حول محاور أخرى. ولعلّ الله يرزقنا مخاصمتهم بها كي نفلج، أي ننتصر. والله المستعان.

أنار الله دربكم. والسلام.

4 من جمادى الآخرة لسنة 1428 من الهجرة النبوية الشريفة.


شارك الإجابة على Google Twitter Facebook Whatsapp Whatsapp