تساؤلات عن عدالة الله سبحانه وتعالى

شارك الإجابة على Google Twitter Facebook Whatsapp Whatsapp

اللهم صل على محمد وال محمد
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
سبق أن راسلت الشيخ الحبيب حظفه الله وأفادني كثيرا وكنت في أشد الحماس لنصرة التشيع والتمسك به ومع بداية عام2016م وجدت أني أشعر بالضعف إتجاه الحماس للتشيع بل والإهتمام بمظالم ال البيت عليهم السلام وحرقة الثأر لأجلهم أجدها تقل شيئا فشيئا وكنت حاقدا وليس فقط مبغضا متبرأ بل كنت حاقدا على أعدائهم لاسيما الشيخين وبنتيهما لعنهم الله ووجدت أني اليوم لم أعد أبالي بهم وتركت حتى القنوت عليهم باللعن وجدت أن تلك الحرارة التي فيني قد أنخفضت بنسبة كبيرة بسبب أني في الماضي كان قد داهمتني فيه تساؤولات عن عدالة الله سبحانه وتعالى أمتدت من عمري 18 الى السن 23 ثم في ال24 ألتزمت بالدين وفي عام 2007م تعرفت فيه على منهج الشيخ وتعمقت فيه وأصبحت بتشيع أقوى بكثير ثمشعرت مع بداية 2016م بالضعف والوهن محاط بأسئلة تؤلمني وتؤرقني أحيانا حتى في المنام وكان الضعف بالتدرج والأن في منتصف 2016م زاد الضعف بت الأن كورقة خريف بائسة هشة أي رياح عاصفة بالفتن ستذروها لا أعلم هل هي بداية إنتكاسة وبداية سقوط في هاوية الإلحاد والكفر!! هذه أسئلة كتمتها سنوات في صدري قد أسلمت وجهي لله على ملة إبراهيم حنيفا وعمل مني بالأية لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ ولكن أجد كأن إنفجار بدأ يحدث في صدري كبركان يتفجر بالأسئلة التي سأنثرها لمن هو أكثر إيمان وعلم
وهو الشيخ ياسر الحبيب سدده الله وأرجو ألا توجهوني للحلقات التي تطرق فيها الشيخ لأسئلة الفلاسفة قد تابعتها وأفادتني نسبيا لكن أريد إجابات على أسئلتي المؤلمة لي وإن كانت تافهه في عيون الشيخ سدده الله لكن هي تضج في صدري أسئلة مكبوتة لا أعلم أي ظلم أو ذنب أرتكبته فعاقبني الله بعودتها لي مع أني نسيتها في الماضي وكنت منشغل بالبراءة لسنوات لربما إبتلاء أو إمتحان لربما والله المستجار من الإنقلاب على الأعقاب ومازلت للأن على خط ولاية ال محمد عليهم السلام ولله الحمد

1- بعد هلاك بشر قرون طويلة سيظهر القائم عليه السلام ليقيم العدل فيسعد بشر صادف أنهم في زمانه ويهتدوا به صلوات الله وسلامه عليه واله ماهو المنطق العادل الذي به االله بمشيئته إنتخب أولائك الفئة من بشر شاء لهم أن يخلقهم في زمن يصادف حياتهم ظور القائم ليخلصهم وكيف هذا المنطق يكون منطق عدل في قبال بشر في قرون سابقة كانوا يذوقون الوجع والألم والفقر والعذاب ثم يموتوا بلا ناصر ولا نصير وأخص منهم من لم يهتدوا بالولاية فيكون لهم عذابين عذاب أدنى بالدنيا وعذاب أكبر بالأخرة كيف لعقلي أن يقتنع بالعدل الإلهي والحال هكذايحدث وهكذا كائن منذ قرون ؟

2-منذ زمن الأنبياء والرسل وأوصيائهم فئة من البشر يصادف حياتهم وجود هؤلاء والبعض منهم أكثر حظا فيشاهد معجزة أو يحدث له موقف عظيم أو شفاء فيؤمن بذاك النبي او الرسول أوالوصي وفئة من بشر إما أنهم عامة مضللين بنمرود والسامري وأضرابهم لعنهم الله أو عبيد مغلوب عليهم وقليلي فرص سماع االحق والإيمان به وتحت وطأت التعذيب والخوف والرعب من فرعون مثلا كعبيد زمن الفراعنة وتحت وطأت الإفتتان بالسحرة وإما أنهم لم يصادف حياتهم زمن موسى وهارون أو زمن ذاك النبي او ذالك الرسول ماهو المنطق العادل الذي كانت عليه الدعوات في بعث الرسالات بالقرون الأولى وما زمن الجاهلية والذين ماتوا قبل البعثة النبوية عنا بيعيد؟


3- كثير أولائك البشر الذين تحت وطأت الفقر الشديد يلجئون للمعصية قهرا وتجدهم بلا فرص عمل أو أمل مثلا بعض النساء اللواتي كانوا يعملن في البغاء وحتى في زمننا هذا قد تجدها أرملة لا معيل لها أو يتيمة أو والدها مريض أو والدتها عليلة فتعمل راقصة أو مومس أو بائعة هوى ليس بيدها إلا جسدها لتجني منه رزقها في حين أن أقرانها من نساء في حال إجتماعي وإقتصادي جيد لم يدفعهن القهر ليكونوا مثلها وفي المقابل الفئة الأولى متوعدة بالنار في حين أن الفئة الثانية فرصة دخول الجنة بالولاية أكبر في الأخرة ماهو المنطق العادل الإلهي هنا ؟ وهذا السؤال هو السؤال الأكثر ألم لي


4- ليس له علاقة بما سبق ولكن هي رغبة تراودني بدأت منذ إعدام نمر النمر وهو هل يجوز للشيعي أن يعمل فيديو مرئي بصوته وصورته باليوتيوب ويتحدث فيها عن أصنام قريش وبنتيهما عليهم لعائن الله في داخل السعودية الكافرة من باب إعلان البراءة وإقامة الحجة على الأقوام في هذا العام مع علمه أن النهاية هي
الإعتقال ثم الإعدام هنا أن قمت بهذا الفعل هل أعد شهيد؟ أم أعد ممن ألقى بيديه الى التهلكة؟ وبأنه لا يوجد مصلحة للإسلام في هذا لأني أرغب بالفعل بالقيام بهذا فقد رحل الشيخ حسن شحاته رحمه الله الى الحسين ورحل شهداءالتفجيرات في الأحساء والقطيف والكويت الى الحسين ومازلت أنا على قيد الحياة أتجرع الغربة وليتني فقط أتجرع الغربة بل عادت لي شبهات كتبتها اليوم لكم لعلي منها أستريح وأسف على وقاحة هذه الأسئلة ولكن قد صدرت من صدر كان ومايزال يلطم على الإمام الحسين الذي ضحى بنفسه لأجل هؤلاء وجدت عقلية الشيخ فذه جدا وهو العقل الذي أجد فيه بصيص أمل من بين عقول مفكرة معاصرة ونسئلكم مولاي وشيخنا الحبيب الدعاء بالشفاء من ألم هذه الأسئلة وبالثبات على ولاية محمد وال محمد

أخوكم
ومن شيعته لإبراهيم
من أقصى الحجاز


بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم أجمعين

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أسعد الله أيامكم بذكرى ميلاد الرسول الأكرم وحفيده الإمام الصادق صلوات الله عليهما وآلهما.

بمراجعة الشيخ؛

الأسئلة التي تفضلتم بذكرها هي أسئلة مشروعة بل واعتيادية، فلا داعي للخوف أو الفزع من ترددها في النفس، وإنما المطلوب المراجعة لمعرفة أجوبتها وعندئذ يزداد إيمان الإنسان بالله سبحانه وعدله وحكمته.

ج1: الذين حُرِموا من التنعم بالعيش تحت ظل الحكومة العادلة لولي الله المهدي عليه السلام صنفان: مذنبون وبريئون.

أما المذنبون فلا كلام في استحقاقهم ما وقع عليهم إذ هو من كسب أيديهم: «وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ» (الشورى: 31). وإعراضهم عن ذكر الله هو ما أدى إلى بؤسهم وشقائهم: «وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا» (طه: 125). وما تغييب ولي الله المهدي عليه السلام عنهم إلا لغضب الله عليهم، ففي كتاب الإمام الجواد عليه السلام لمحمد بن الفرج: «إذا غضب الله تبارك وتعالى على خلقه نحّانا عن جوارهم» (الكافي ج1 ص343). وليس المذنبون هنا هم الكفار أو المخالفون فحسب؛ فإن المقصّرين من المؤمنين مذنبون أيضا، فإنهم رغم إيمانهم القلبي قد قصّروا عمليا في أداء وظائف أساسية مندرجة تحت العهد الذي يربطهم بأئمتهم، فأدى ذلك إلى تأخر ظهور إمامهم، ففي كتابه عجل الله فرجه إلى الشيخ المفيد: «وَلَو أَنَّ أَشيَاعَنَا ـ وَفَّقَهُمُ اللَّهُ لِطَاعَتِهِ ـ عَلَى اجتِمَاعٍ مِنَ القُلُوبِ فِي الوَفَاءِ بِالعَهدِ عَلَيهِم؛ لَمَا تَأَخَّرَ عَنهُمُ اليُمنُ بِلِقَائِنَا، وَلَتَعَجَّلَت لَهُمُ السَّعَادَةُ بِمُشَاهَدَتِنَا، عَلَى حَقِّ المَعرِفَةِ وَصِدقِهَا مِنهُم بِنَا، فَمَا يَحبِسُنَا عَنهُم إِلَا مَا يَتَّصِلُ بِنَا مِمَّا نَكرَهُهُ وَلَا نُؤثِرُهُ مِنهُم» (الاحتجاج للطبرسي ج2 ص600). وإذا أراد هؤلاء المذنبون الخلاص مما أصابهم من جور وبؤس وشقاء فما عليهم إلا أن يعودوا عما غيرّوه في أنفسهم ويتوبوا إلى الله تعالى فيحييهم حياة طيبة، إذ يقول تعالى: «إِنَّ اللَّـهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ» (الرعد: 12) ويقول: «مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً» (النحل: 98).

هؤلاء هم المذنبون. وأما البريئون فصنفان:
مؤمنون غير مقصّرين في شيء من وظائفهم الدينية الأساسية، وهؤلاء أهلٌ لأن يعيشوا تحت ظل الحكومة العادلة لولي الله المهدي عليه السلام ولأن يتنعموا بخيراتها وبركاتها، وليس موتهم قبل قيامه عجل الله فرجه بحارمٍ لهم من ذلك، فإنهم سيرجعون معه في عصر الرجعة. وأما ما عانوه قبل ذلك من ظلم واضطهاد وبؤس فهو من رحمة الله بهم، إذ هو ما يكون حطًّا لأوزارهم وثمنا لدخولهم الجنة: «أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّىٰ يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَىٰ نَصْرُ اللَّـهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّـهِ قَرِيبٌ» (البقرة: 215)، ومنها تعرف أنه يكون أيضا مقتضيا لتحقق النصر الإلهي لهم، وأكمله ما يكون عند الظهور المقدس، فقد روى الصدوق عن محمد بن مسلم قال: «سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: إن لقيام القائم عليه السلام علامات تكون من الله عز وجل للمؤمنين، قلت: فما هي جعلني الله فداك؟ قال: ذلك قول الله عز وجل: (وَلَنَبْلُوَنَّكُم) يعني المؤمنين قبل خروج القائم عليه السلام (بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ) قال: يبلوهم بشيء من الخوف من ملوك بني فلان في آخر سلطانهم (وَالْجُوعِ) بغلاء أسعارهم (وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ) قال: كساد التجارات وقلة الفضل، ونقص من (الْأَنفُسِ) قال: موت ذريع، ونقص من (الثَّمَرَاتِ) لقلة ريع ما يزرع (وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ) عند ذلك بتعجيل خروج القائم عليه السلام. قال: يا محمد هذا تأويله، إن الله عز وجل يقول: وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّـهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ» (كمال الدين ص649).

والصنف الآخر من البريئين هم القاصرون من عموم أهل الأرض الذين لم تبلغهم الحجة التامة أو لم تتضح لهم، وهؤلاء يعوَّضون يوم القيامة عمّا لاقوا في دنياهم بأن تُعطى لهم فرصة جديدة للنجاة ودخول الجنة رغم ما ماتوا عليه من كفر أو ضلال، وذلك بأن يُختبَروا اختبارا خاصا.

أضف إلى ذلك أننا نعتقد بأن ما يتهيأ للإنسان في هذه الدنيا من التوفيقات وما لا يتهيأ له إنما هو راجع لأدائه السابق في عالم الذر، فالذين ينالون نعمة العيش تحت ظل حكومة صاحب الأمر صلوات الله عليه إنما نالوا ذلك مكافأةً عما كان لهم من حسن أداء في عالم الذر كأن يكونوا سبقوا غيرهم في الإيمان بالربوبية حين أشهدهم الله تعالى على أنفسهم.

وعليه؛ فالعدل الإلهي ثابت على أي تقدير.

ج2: الذين لم يروا رسولا ولا بلغتهم دعوته ولا قامت عليهم حجته فلا عذاب عليهم إذ يقول سبحانه: «وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولًا» (الإسراء: 16)
والذين رأوا رسولا أو بلغتهم دعوته وآياته إلا أنهم مع ذلك ما استطاعوا الإيمان به لضعف عقولهم وعدم قدرتهم على التمييز بفعل حملات التضليل أو تحت طائلة الاضطهاد وشيوع الخوف أو أي عوارض أخرى تكون غالبة على عقولهم؛ فهؤلاء مرفوع عنهم القلم بسبب ضعفهم أو استضعافهم، ففي الرواية عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: «سألته عن قول الله: (إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ) فقال: هو الذي لا يستطيع الكفر فيكفر، ولا يهتدي سبيل الإيمان، ولا يستطيع أن يؤمن، ولا يستطيع أن يكفر؛ الصبيان، ومَن كان من الرجال والنساء على مثل عقول الصبيان؛ مرفوع عنهم القلم» (تفسير العياشي ج1 ص269)

والمقطوع به أن الله سبحانه خلق الخلق لكي يرحمهم، وذلك قوله: «إِلَّا مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَٰلِكَ خَلَقَهُمْ» (هود عليه السلام: 120) وأنه يغفر للناس رغم ظلمهم أنفسهم: «وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِّلنَّاسِ عَلَىٰ ظُلْمِهِمْ» (الرعد: 7)، فيكون حاصل ذلك أن الذين يعذّبون في القيامة من الأمم والأقوام هم الذين قد تمت عليهم الحجة الأكيدة بشكل متكرر مع سلامة عقولهم وقدرتهم على التمييز وعدم وجود أي عارض من العوارض التي يمكن أن تكون قد قهرتهم على الكفر والضلال، فهؤلاء فقط يعذَّبون لأنهم لم يُبقوا عذرا لأنفسهم.

وما اختصاص قوم بإرسال نبي إليهم وفقدانه عند قوم آخرين إلا جاريا على الحكمة الإلهية، فبعض البشر مثلا ليس لديهم استعداد نفسي أو ذهني لاستقبال رسول وإدراك حجته، فتتم محاسبة هؤلاء يوم القيامة - إن حوسبوا - على المبادئ الفطرية فقط، فكل مخلوق خُلِقَ على الفطرة. أما الآخرون الذين بلغوا مبلغا نفسيا أو عقليا يؤهلهم لاستقبال رسول وإدراك حجته بالنظر إلى تطور أحوالهم؛ فإنهم لإتمام الحجة عليهم يكون من الحكمة إرسال رسول لهم يذكرهم بأيام الله، ويكون حسابهم على الأحكام الشرعية مضافاً إلى المبادئ الفطرية. وهذا كمحاسبة العالم والجاهل يوم القيامة، فإن العالم يحاسَب حساباً أدقّ من الجاهل، وهذا بحد ذاته مقتضى العدل الذي يتعارف عليه كل البشر، فإن البشر اليوم يستقبحون محاسبة من نشأ مثلا في بيئة متخلفة في أفريقيا كمحاسبة من نشأ في بيئة متقدمة كأوروبا مثلا.

ج3: هذا وهم كبير، فإن باب الرزق لم يتوقف قط ولا يمكن أن يتوقف على الحرام. إن الله تعالى قد تكفل بقسمة الرزق لعباده من السماء والأرض: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّـهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّـهِ يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّىٰ تُؤْفَكُونَ» (فاطر: 4) ولكن الرزق الواسع الحلال يحتاج أحيانا إلى عزيمة وصبر وتحمّل لمسّ الجوع في البدايات، فيتدخل الشيطان هنا ليعرض على العبد الكسب السريع أو الوفير بالحرام. ولأن كثيرا من الناس لا يريدون الصبر والتحمل فإنهم يقعون في هذا الفخ الشيطاني وتسوّل لهم أنفسهم أنهم مضطرون لأكل الحرام.

قال مولانا أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام: «إن العبد ليحرم نفسه الرزق الحلال بترك الصبر، ولا يزداد على ما قُدِّرَ له» (البحار ج5 ص147)
وبعض الناس الذين يعانون من ضائقة مادية تجدهم لا يتوجهون للأعمال المحللة بل يلجأون إلى الأعمال المحرمة، وذلك لأنهم جشعون إذ لا يقبلون أن يعملوا عملا حلالا بأجر متواضع وإن كان يكفيهم في البداية للانطلاق في الحياة، وإنما يريدون أجرا كبيرا يدفعهم إليه الجشع. فالراقصة التي تعمل بهذا العمل المحرم يمكن لها مثلا أن تعمل خادمة أو عاملة تنظيف، لكنها لا تقبل لأنها لا تريد أجرا متواضعا أو أنها تأنف من هذه المهنة وتعتبرها مهنة خسيسة! فتتركها مع أنها حلال وتلجأ للعمل كراقصة أو في الدعارة مع أن هذه المهنة حرام وهي في الواقع أخس المهن! فإذا قيل لها: لماذا تعملين هذا العمل الحرام؟ قالت: أنا مضطرة! ولكن الحقيقة غير ذلك. إنها ليست مضطرة ولا مقهورة على هذا، إنما دفعها إليه التكبر على بعض المهن المحللة أو الاستحياء منها، أو الرغبة في الكسب السريع أو الأجر الكبير، أو عدم الصبر والتحمل في بداية الطريق.

إن الإنسان عليه أن يفهم أن الرزق الحلال مقسوم من الله تعالى لكل نفس، ولكن على العبد أن يصبر وأن لا يتكبر أو يطمع إلى أن يناله، وإلى ذلك الحين إذا عرض الشيطان عليه الحرام ككسب سريع وواسع فعلى العبد أن يفهم أنه إذا دخل فيه فإنه سيبتلعه شيئا فشيئا، ويكون ذلك مُنقِصا من رزقه الحلال أو مفوّتا له، فعن الإمام الباقر عليه الصلاة والسلام: «ليس من نفس إلا وقد فرض الله لها رزقها حلالا يأتيها في عافية، وعرض لها بالحرام من وجه آخر، فإن هي تناولت من الحرام شيئا قاصّها به من الحلال الذي فرض الله لها، وعند الله سواهما فضل كبير» (الكافي ج5 ص74)

والواقع المحسوس يشهد بخلاف الذي ذكرتم، فكم من نسوة نشأن في نفس البيئة أو الظروف التي خرجت منها المومسات إلا أنهن قاومن الظروف وصبرن واجتهدن فلم يعملن كعملهن، ومع ذلك فتح الله عليهن رزقه ووفقهن إلى أعمال شريفة وصلت ببعضهن إلى أعلى الأجور والربح الوفير والنجاح الاستثنائي، رغم أن كثيراً منهن كانت ظروفهن أصعب وأحرج من تلكم اللواتي لجأن إلى البغاء.

إننا لا نملك من واقع النصوص الدينية والواقع المحسوس الذي يشهد به حتى غير المؤمنين إلا أن نؤمن بأن الرزق لا يتوقف على الحرام والأعمال غير الشريفة. ولا يمكن أن تضطر امرأة إلى امتهان البغاء أو غيره لكي تعيش.

نعم قد يتفق أحيانا في حالات قاهرة استثنائية أن يضطر الإنسان إلى الحرام للإبقاء على النفس، وهذا غير (امتهان) الحرام بحيث يصبح مهنة وعادة مستمرة يُتكسَّب بها. ومعلومٌ أن الله تعالى يقول: «فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّـهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ» (البقرة: 174) وعليه؛ فلو فرضنا وقوع امرأة في هذا المورد الاستثنائي النادر بحيث شارفت على الهلاك إلا أن تمكِّنَ من نفسها؛ فإنه لا إثم عليها، فقد «روى العامة والخاصة أن امرأة شهد عليها الشهود أنهم وجدوها في بعض مياه العرب مع رجل يطؤها وليس ببعل لها، فأمر عمر برجمها، وكانت ذات بعل، فقالت: اللهم إنك تعلم أني بريئة. فغضب عمر وقال: وتجرح الشهود أيضا؟! فقال أمير المؤمنين عليه السلام: ردّوها واسألوها فلعل لها عذرا، فرُدَّت وسُئلت عن حالها فقالت: كان لأهلي إبل فخرجت مع إبل أهلي وحملت معي ماء، ولم يكن في إبلي لبن، وخرج معي خليطنا وكان في إبل له، فنفد مائي فاستسقيته فأبى أن يسقيني حتى أمُكِّنه من نفسي فأبيت، فلما كادت نفسي أن تخرج أمكنته من نفسي كرها. فقال أمير المؤمنين عليه السلام: الله أكبر (فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ) فلما سمع عمر ذلك خلى سبيلها» (الإرشاد للمفيد ص99)

والنتيجة أن العدل الإلهي ثابت أيضا على كل الفروض، إذ «لَا يُكَلِّفُ اللَّـهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّـهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا» (الطلاق: 8)

ج4: يجوز - بل قد يجب - تعريض النفس للضرر في سبيل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إذا كان الرجحان للإقدام عليهما في ميزان المصلحة الإسلامية، وما ذكرتموه هو إن شاء الله من خير مصاديق ذلك إذا كان يُتوَقَّع أن يساهم في إيقاظ الضمائر وإرشادها إلى الهدى. نعم إذا بلغ الضرر المحتمل مبلغ ذهاب النفس فالاحتياط في الفرض المذكور يقضي بالاستئذان من الحاكم الشرعي.

وفقكم الله لمراضيه

مكتب الشيخ الحبيب في لندن

23 ربيع الأول 1438 هجرية


شارك الإجابة على Google Twitter Facebook Whatsapp Whatsapp