هل الإمام الكاظم عليه السلام ناقض أباه في إحدى الأحكام؟ وهل الراوي أبو بصير قد شك في علم الإمام؟!

شارك الإجابة على Google Twitter Facebook Whatsapp Whatsapp

السلام عليكم ورحمة الله و بركاته سماحة الشيخ الحبيب

شيخنا الجليل أحد الأشخاص على الفيسبوك واسمه (ميثاق العسر) و هو أحد تلاميذ كمال الحيدري وعلى منهج أستاذه المنحرف يكتب مقالات و يطرح شبهات و يتشبث بكل صغيرة وكبيرة لزعزعة إيمان وعقائد المؤمنين

لقد طرح هذا الشخص رواية مفادها أن إمامنا الكاظم عليه السلام قد تناقض مع أبيه و قيام الرواي المعروف الجليل أبو بصير بالشك فيه و في علمه -عياذا بالله- وتحدى علماء الشيعة أن يردوا عليها وكذلك يستدل بهذه الرواية كشاهد على عدم إيمان الشيعة بالعصمة في القرون الثلاثة الأولى، فنقلت لكم الروايات :

الروايات

من كتاب تهذيب الأحكام لشيخ الطائفة الطوسي رحمه الله ج١٠ ص٢٩ ح٧٦ (تحقيق علي أكبر الغفاري طبع دار الكتب الإسلامية) :

صح (أي صححها المجلسي في ملاذ الأخيار) - عن أحمد بن محمد، عن ابن أبي عمير، عن شعيب، قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن رجل تزوج امرأة لها زوج، قال: يُفرَّق بينهما. قلت: فعليه ضرب ؟ قال: لا. ماله يضرب ؟! فخرجتُ من عنده وأبو بصير بحيال الميزاب ، فأخبرتُه بالمسألة والجواب، فقال لي: أين أنا ؟ فقلت: بحيال الميزاب. قال: فرفع يده، فقال: ورب هذا البيت، أو رب هذه الكعبة، لسمعت جعفراً عليه السلام يقول : إن عليًّا عليه السلام قضى في الرجل تزوَّج امرأة لها زوج ، فرجم المرأة ، وضرب الرجل الحد، ثم قال: لو علمت أنك علمت لفضخت رأسك بالحجارة. ثم قال: ما أخوفني ألا يكون أوتي علمه!!

من نفس المصدر ج٨ ص٤٦ ح١٦٣ :

ثق (أي الرواية سندها موثق عند العلامة المجلسي في ملاذ الأخيار) - علي بن الحسن، عن أيوب بن نوح، والسندي بن محمد، عن صفوان بن يحيى، عن شعيب العقرقوفي، قال: سألت أبا الحسن عليه السلام ... إلى أن قال : قال: فذكرت ذلك لأبي بصير، فقال لي: والله لقد قال جعفر عليه السلام : تُرجم المرأة ويُجلد الرجل الحد. وقال بيده على صدره يحكّه (صدري فحكه): ما أظن صاحبنا تكامل علمه!!!!

من كتاب الإستبصار لشيخ الطائفة الطوسي (رحمه الله) ج٣ ص١٨٩ ح٦٨٧ (تحقيق السيد حسن الخرسان طبع دار الكتب الإسلامية)

علي بن الحسن بن فضال، عن أيوب بن نوح، والسندي بن محمد، عن صفوان بن يحيى، عن شعيب العقرقوفي، قال: سألت أبا الحسن عليه السلام ... إلى أن قال : قال: فذكرت ذلك لأبي بصير، فقال لي: والله لقد قال جعفر عليه السلام : تُرجم المرأة ويُجلد الرجل الحد. وقال بيده على صدره يحكّه (صدري فحكه): ما أظن صاحبنا تكامل علمه!!!!

من كتاب اختيار معرفة الرجال للشيخ أبو عمرو الكشي (رحمه الله) ص١٩١ ح٢٩٢ و٢٩٣ في ترجمة ليث بن البختري المرادي (تحقيق العلامة المصطفوي طبع مركز نشر آثار المصطفوي طهران) :

حمدان، قال: حدثنا معاوية ، عن شعيب العقرقوفي عن أبي بصير، قال: سألت أبا عبدالله (ع) عن إمرأة تزوجت ولها زوج فظهر عليها؟ قال (ع) : تُرجم المرأة ويُضرب الرجال مائة سوط لأنّه لم يسأل، قال شعيب: فدخلت على أبي الحسن (ع) فقلت له: إمرأة تزوجت ولها زوج ؟ قال (ع) : ترجم المرأة ولا شيء على الرجل ! فلقيت أبا بصير فقلت له : إني سألت أبا الحسن (ع) عن المرأة التي تزوجت ولها زوج ، قال: ترجم المرأة ولا شيء على الرجل، فقال: فمسح على صدره وقال: ما أظن صاحبنا تناهى حلمه بعد !!!

علي بن محمد ، قال: حدثني محمد بن أحمد عن محمد بن الحسن عن صفوان عن شعيب بن يعقوب العقرقوفي قال: سألت أبا الحسن (ع) عن رجل تزوج إمرأة ولها زوج ولم يعلم؟ قال: ترجم المرأة وليس على الرجل شيء إذا لم يعلم، فذكرت ذلك لأبي بصير المرادي، قال: قال لي والله جعفر (ع) ترجم المرأة ويجلد الرجل الحد ! وقال بيده على صدره يحكها: أظن صاحبنا ما تكامل علمه!!


بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم أجمعين

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

بمراجعة الشيخ،

هذه شبهة ركيكة؛ فإن المعني بأبي بصير في هذه الروايات ليس مَن ينصرف إليه إطلاق هذه الكنية؛ أي يحيى بن أبي القاسم الأسدي الثقة الجليل المشهور الذي عيّنه الإمام الصادق عليه السلام مرجعًا للناس وكان الأعاظم كمحمد بن مسلم يصلون خلفه ويأتمون به، بل هو ليث بن البختري المرادي المختلَف فيه حتى من قبل أصحابه؛ الذي حُكِي الطعن على دينه وإنْ وُثِّق. قال ابن الغضائري في ترجمته: «كان أبو عبد الله عليه السلام يتضجَّرُ به ويتبرَّمُ. وأصحابه مختلفون في شأنه. وعندي أن الطعن إنما وقع على دينه لا على حديثه. وهو عندي ثقة». (رجال ابن الغضائري برقم: 165)

يدلك على أن المعني بأبي بصير في هذه الروايات هو هذا المرادي لا الأسدي؛ التصريح بذلك في إحداها، وهي الأخيرة التي نقلتموها عن رجال الكشي. ومع هذا التصريح لا مجال لتوهّم أن المراد هو الأسدي باعتبار رواية شعيب العقرقوفي الذي هو ابن اخته. ويدلك على أن في دين الرجل خللا وعللا؛ روايات ذكرت سوء ظنه بالإمام عليه السلام وقبح أدبه تجاهه. وما ذلك إلا لماديته المفرطة، تلك المادية التي جعلته يطلب الحج بدراهم غيره مع أنه ذو مال كثير! فقد روى الكشي عن ابن أبي يعفور قال: «خرجت إلى السواد أطلب دراهم للحجّ ونحن جماعة، وفينا أبو بصير المرادي، قال: قلت له: يا أبا بصير! اتّق الله وحجّ بمالك فإنك ذو مال كثير، فقال: اسكت! فلو أن الدنيا وقعت لصاحبك لاشتمل عليها بكسائه»! (رجال الكشي ص169) وروى أيضا عن حماد بن عثمان قال: «خرجت أنا وابن أبي يعفور وآخر إلى الحيرة أو إلى بعض المواضع؛ فتذاكرنا الدنيا، فقال أبو بصير المرادي: أما إن صاحبكم لو ظفر بها لاستأثر بها! قال: فأغفى، فجاء كلب يريد أن يشغر عليه فذهبت لأطرده، فقال لي ابن أبي يعفور: دعه! فجاءه حتى شغر في أذنه». (المصدر نفسه ص172)

إلى غيرها من روايات عديدة تحفها قرائن الصدق أظهرت عدم نقائه. وما كان اشتراكه في الكنية مع الأسدي وآخريْن إلا موهمًا لبعضٍ بأن المراد بتلك المثالب غيره. على أن المناقب التي رُويَت في حقه فيها كلام، وهي إن صحَّت وسلمت من الاشتباه حُمِلَتْ على استقامته حينًا أو توبته تاليًا.

وأيًّا كان فإن القدر المتيقَّن هو أن الرجل لم يكن ذا مرتبة عالية في دينه وعقله، فلا عجب أن يتفوّه بالذي تفوّه به، وأن يتوهَّم قصور إمامه في العلم، والحال أن القصور فيه هو! إذ لم ينتبه إلى الاختلاف بين المسألتيْن، فإن المسألة الأولى التي رُويَت له عن الكاظم عليه السلام إنما هي في رجل لم يكن يعلم حقًّا أن للتي تزوّجها زوجًا، فهذا الرجل لا شيء عليه «إذا لم يعلم» كما قال الإمام عليه السلام. أما المسألة الأخرى التي رواها عن الصادق عن أمير المؤمنين عليهما السلام فهي في «امرأة تزوجت ولها زوج فظهر عليها» أي أن الزوج الشرعي قد وقع على زوجته وقد تزوجت رجلا. وبعبارة أخرى: لكأن الذي اكتشف الحال في المسألة الأولى هو الزوج الثاني بسلامةٍ ظاهرةٍ من نيته، أما في المسألة الثانية فإن الذي اكتشف الحال هو الزوج الأول ولكأن الثاني متهم في دعواه أنه لا يعلم فرارًا من الرجم حين ظهور الزوج عليه ليس إلا، فهذا الذي حدّه أمير المؤمنين عليه السلام مع كونه محصنًا إذ لا سبيل إلى رجمه مع ادعائه الجهل وعدم قيام البينة عليه بالعلم، فيؤول الأمر إلى حدّه لأنه يدعي خلاف الظاهر في مورد تلبّسه بالجرم.

فالمسألتان مختلفتان موضوعًا، لم يميز بينهما هذا المرادي المغبون. ويزيدك اطمئنانًا إلى الاختلاف؛ أن جواب الكاظم عليه السلام كان جواب الباقر عليه السلام أيضًا في رواية أخرى مشابهة، فلقد «سئل عن امرأة كان لها زوج غائب عنها فتزوّجت زوجًا آخر. فقال: إنْ رُفعت إلى الإمام ثم شهد عليها شهود أن لها زوجًا غائبًا وأنا مادته وخبره يأتيها منه وأنها تزوجت زوجا آخر؛ كان على الإمام أن يحدها ويفرِّق بينها وبين الذي تزوجها» (الكافي ج14 ص61). فترى سكوت الإمام عليه السلام عن حدّ الذي تزوّجها، ولازم ذلك أنه بريء لم يكن يعلم فلا شيء عليه، فيما تُحدُّ المرأة دون الرجم لغياب زوجها.

بل إن جواب الكاظم عليه السلام متفق مع قضاء أمير المؤمنين عليه السلام نفسه في واقعة أخرى، ففي الحديث عن الباقر عليه السلام: «قضى أمير المؤمنين عليه السلام في المرأة لها بعل لحقت بقوم فأخبرتهم أنها بلا زوج، فنكحها أحدهم، ثم جاء زوجها؛ أن لها الصداق، وأمر بها إذا وضعت ولدها أن ترجم» (مستدرك الوسائل ج18 ص64). فترى أنه عليه السلام اقتصر على رجم المرأة ولم يوقع شيئًا على الرجل لأنه كان بريئًا لم يكن يعلم.

وهكذا أئمتنا الأطهار عليهم السلام لا يتناقضون في أجوبتهم وأقضيتهم، وإنما يتوهّم الناس التناقض أو التضاد لعدم تمييزهم بين الموارد والمسائل والوقائع.

ومهما يكن من أمر؛ فأي ملازمة بين أن يشذ أحد أصحاب الأئمة عليهم السلام بقول قبيح وبين أن يكون اعتقاد عامة الشيعة في القرون الثلاثة الأولى بعدم عصمتهم عليهم السلام؟! وكيف يؤخذ هذا القول القبيح من أبي بصير المرادي دليلًا على عدم الاعتقاد بالعصمة وتُهمَل عشرات الروايات والأقوال والمواقف من أصحاب آخرين تدل على اعتقادهم بالعصمة؟! كرواية سدير الصيرفي عن الصادق عليه السلام: «نحن قوم معصومون». (الكافي ج1 ص269)

وهذا أبو بصير الأسدي الثقة الجليل يُنبئ عن اعتقاده بعلم الأئمة عليهم السلام فيقول في رواية معتبرة: «دخلت على أبي جعفر عليه السلام فقلت له: أنتم ورثة رسول الله صلى الله عليه وآله؟ قال: نعم. قلت: رسول الله صلى الله عليه وآله وارث الأنبياء؛ عَلِمَ كما علموا؟ قال لي: نعم. قلت: فأنتم تقدرون على أن تحيوا الموتى وتبرئوا الأكمه والأبرص؟ قال: نعم بإذن الله. ثم قال لي: ادن مني يا أبا محمد. فدنوت منه فمسح على وجهي وعلى عيني فأبصرت الشمس والسماء والأرض والبيوت وكل شيء في البلد! ثم قال لي: أ تحب أن تكون هكذا ولك ما للناس وعليك ما عليهم يوم القيامة أو تعود كما كنت ولك الجنة خالصا؟ قالت: أعود كما كنت. فمسح على عيني فعدت كما كنت». (الكافي ج2 ص523)

وفقكم الله لمراضيه.

مكتب الشيخ الحبيب في لندن

17 شهر ذو القعدة 1439 هجرية


شارك الإجابة على Google Twitter Facebook Whatsapp Whatsapp