هل البترية يعتقدون بكون الإمامة بالنص؟

شارك الإجابة على Google Twitter Facebook Whatsapp Whatsapp

تحريف #ياسر_الحبيب لمفهوم البترية

يرى ياسر الحبيب كما في هذه المحاضرة أن البترية يعتقدون بكون الإمامة بالنص؛ ولهذا خطّأ الذين يرون أن البترية لا يعتقدون بالنص وذلك لأن عدم قولهم بالنص يخرجهم من الدائرة الشيعية كلها!

والآن السؤال : على أي شيء اعتمد ياسر الحبيب في قوله هذا؟
الجواب: لا شيء، فإنه توهم فتكلم.
لا يوجد دليل واحد عندنا يثبت أن البترية كانوا يؤمنون بالنص على الإمامة، بل أطبق العلماء على أن البترية لا يؤمنون بالنص أصلا.
يقول المفيد رحمه الله في أوائل المقالات: أجمعت المعتزلة والخوارج والمرجئة والبترية والحشوية المنتسبون إلى الحديث على خلاف ذلك، وأنكروا نص النبي صلى الله عليه وآله على أمير المؤمنين عليه السلام ودفعوا أن يكون الإمام بعده بلا فصل على المسلمين.[١]
يقول العلامة المامقاني في تنقيح المقال: منهم بترية، و هؤلاء لا يجعلون الإمامة لعلي عليه السلام بالنص،بل بالشورى.[٢]
يقول الشيخ محمد السند في كتابه الغلو والفرق الباطنية: البترية تعتمد على عدم لزوم النص الإلهي على الإمام.[٣]

قد يتوهم متوهم فيقول: تعتقد البترية أن علياً عليه السلام كان أفضل الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأولاهم بالإمامة[٤] فكيف يقال: إن البترية لا يعتقدون بالنص على الإمامة؟!
الجواب: إن هذا الكلام من البترية لهو أجلى دليل في عدم اعتقاد البترية بالنص، وذلك أنهم كانوا يرون أن عليا عليه السلام أولى الناس بالإمامة لأنه الأفضل لا لأنه منصوص عليه، فيوجد فرق بين أنك تؤمن بأن أمير المؤمنين عليه السلام مستحق للإمامة لأنه الأفضل، وبين أنك تؤمن بأن أمير المؤمنين عليه السلام مستحق للإمامة لأنه منصوص من الله سبحانه، والبترية كانوا يعتقدون بالاعتقاد الأول لا الثاني.

#أتحدى ياسر الحبيب وأتباعه أن يأتوني بدليل واحد يثبت أن البترية كانوا يعتقدون بالنص على الإمامة، كما يقول شيخهم ياسر الحبيب.

--------------------
[١] أوائل المقالات ص٤٠
[٢] تنقيح المقال ج٣٢ ص٣٣٩
[٣] الغلو والفرق الباطنية ص٣٧١
[٤] الحور العين ص١٥٥


بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم أجمعين

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

بمراجعة الشيخ،

هذا ناشئ من ضعف التتبع وقصر التحقيق، فإن ما ذكره بعض الأعلام من اعتقادات البترية لا يعدو كونه منقولا عن أغيارهم من أهل الخلاف ممن تصدّى لتراجم الفرق، وقد علمنا أن هؤلاء ليسوا بأهل أمانة وضبط، بقرينة أنهم نسبوا إلينا - نحن الإمامية - ما هو واضح البطلان في موارد عدة، فوجب إذ ذاك التحري في ما يعزونه إلى الفرق وما يرسلونه عنها من أقوال لتمييز صحيحها من سقيمها. ولا تحري أفضل من الرجوع إلى أهل كل فرقة أنفسهم؛ واستطلاع أقوال وروايات ومصنفات كبرائهم عن صدق ما يعتقدون ويلتزمون به.

إعمالا لهذا؛ قد وجدنا أن من كبراء البترية من لا يجحد النص بل يبثه ويرويه؛ ككثير النواء وسلمة بن كهيل اللذين يرويان عن النبي صلى الله عليه وآله قوله: «الأئمة بعدي إثنا عشر؛ تسعة من صلب الحسين، والتاسع قائمهم. وبلفظ آخر: والمهدي منهم» (كفاية الأثر ص32 وص34).

ومنهم من صنَّف لإثبات النص والاحتجاج به؛ كالحسن بن صالح بن حي الذي صنَّف كتاب: «إمامة ولد علي من فاطمة» (فهرست ابن النديم ص312).

وبدهي أن ما يتكلم به الرجل ويكتبه تعبيرا عن عقيدته أولى بالاعتماد مما ينقله عنه ناقل ويدعيه مدَّعٍ، وعليه فلا عبرة مثلا بدعوى ابن حزم أن «الثابت عن الحسن بن صالح رحمه الله هو قولنا - أي قول البكرية - أن الإمامة في جميع قريش» لا في خصوص علي عليه السلام وبنيه من فاطمة عليها السلام. على أن ابن حزم اعترف بأن الصالحية أتباع الحسن بن صالح هذا «قائلون بأن الإمامة في ولد علي رضي الله عنه» (الفصل ج2 ص89)، ومن المفروغ منه أن ما عليه أهل كل مذهب إنما هو مرآة لما كان عليه صاحبهم إلا أن يكونوا منتحلين، ولم يحدِّث التاريخ قط باتهام أحد بانتحال الصالحية البترية.

ثم إن من المعلوم أن البترية على وجه العموم قد وُلدت تاريخيا من رحم الزيدية، وأن أوائل تلك كسلمة بن كهيل وأبي المقدام ثابت الحداد كانوا يختلفون إلى زيد ويأخذون عنه ويقولون أنهم على اعتقاده ورأيه، ولا سيما أبا خالد الواسطي الذي «كان كثير الملازمة لزيد بن علي عليهما السلام وهو الذي أخذ أكثر الزيدية عنه مذهب زيد بن علي عليه السلام ورجحوا روايته على غيره» (الروض النضير للسياغي ج1 ص62). وأبو خالد هذا بتري على ما نص عليه الشيخ في رجاله (ص142)، ومع ذا فهو الذي حدَّث قائلا: «قال لي زيد بن علي: في كل زمان رجل منا أهل البيت يحتج الله به على خلقه، وحجة زماننا ابن أخي جعفر بن محمد عليه السلام، لا يضل من اتبعه، ولا يهتدي من خالفه» (أمالي الصدوق ص436).

وأيًّا كان؛ فلا تردد في أن اعتقاد الزيدية دائر ما بين النص الجلي والنص الخفي على الخلاف بينهم. وقد قال الخواجه نصير الدين الطوسي: «وأما الزيدية فقالوا بإمامة علي والحسن والحسين وأثبتوها بالنص الجلي، وأثبتوا باقي أئمتهم بعدهم بالنص الخفي» (قواعد العقائد ص125). ومقتضى كون البترية بنتًا للزيدية أن لا تخرج عن القول بالنص بمعنى من المعاني، ولا أدل على ذلك مما صنّفه الحسن بن صالح بن حي كما مرّ، فإن حصره للإمامة في البطنين وهم وُلد فاطمة عليها السلام؛ دال على ذهابه إلى عين ما ذهب إليه عموم الزيدية من النص؛ جليا كان أم خفيا.

فإن قيل: فما وجه ما حُكي عن البترية من قولها أن الإمامة بالشورى؟ قلنا: إنّا لا ندفع أن منهم من قال بذلك كسليمان بن جرير وأتباعه السليمانية أو الجريرية، وهم فريق من البترية لا كلهم. والاشتباه إنما وقع في تعميم هذا القول عليهم وتوهم إجماعهم عليه أخذا بما أرسله عنهم أغيارهم دون التدقيق في أحوال رجالهم كما فعلنا. هذا أولا.

وأما ثانيا؛ فإن النظر في المحيط المذهبي للبترية، وكونها معدودة في فرق الشيعة، مع القرائن التي تقدَّمت؛ لا يترك للمحقق الحاذق مساغا لهضم ما حُكي حتى عن هذا الفريق منهم دون أن يأوله أو يقيده أو يحمله على محمل ما.

هذا السبحاني المعاصر مثلا تجده حين تطرق إلى قول الجارودية بالنص الخفي وقول السليمانية بالشورى؛ قال: «والذي أظن - وظن الألمعي صواب - أن النظرتين قد صدرتا تقية وصيانة لوجودهم بين أهل السنة. ومع أن الزيدية يرفضون التقية كما سيوافيك، ولكنهم عملوا بها حيث لا يشاؤون، فإنهم قد عاشروا أهل السنة في بيئة واحدة ومجتمع واحد تربطهم أحكام واحدة، حيث رأوا أن التعبير عن واقع المذهب؛ أي وجود النص على الاسم، وإن شئت قلت: وجود النص الصريح يستلزم تفسيق الصحابة، وهذا لا يتلائم وطبيعة حياتهم، فلذلك جعلوا من هذا التعبير واجهة لعقيدتهم الواقعية فجمعوا - حسب زعمهم - بين العقيدة والهدف في الحياة. كيف وأئمة أهل البيت عليهم ‌السلام عن بكرة أبيهم يرون النص على خلافة علي عليه ‌السلام؟ وهذا المميز لشيعة أئمة أهل البيت عن غيرهم. والذي يميز الشيعة عن غيرهم من الفرق هو هذا العنصر فقط» (بحوث في الملل والنحل ج7 ص473).

أما نحن فلنا تفسير آخر يعتمد على التدقيق في هذا المحكي عن السليمانية البترية ومثيلاتها من قولها بالشورى، وهو أن هذا القول مقيد، فإنه ليس يعني أنهم كانوا يدفعون النص على أمير المؤمنين عليه السلام؛ بل يعني أنه بعد خلو الزمان من منصوص عليه عينًا - جليا أم خفيا - كعلي والحسن والحسين عليهم السلام؛ يؤول الأمر إلى تجويز الشورى في اختيار أو تثبيت الإمام، على أن لا يخرج هذا الاختيار عن البطنين أيضا لعمومية النص على اتباع العترة.

خذ مثالا ما ذكره القاضي عبد الجبار، فإنه في الفصل الذي عقده لذكر «أقاويل الزيدية ومن نحا نحوهم» قال: «الذي يجمع الزيدية والإمامية تفضيل أمير المؤمنين عليه السلام على كل أصحابه فإنه أولاهم بالإمامة، وأن الإمامة لا يجوز أن تخرج عن ولده. ثم افترقوا؛ فمنهم الجارودية، فالذي اختصوا به أنه عليه السلام نص على أمير المؤمنين بالوصف لا بالتسمية، فكان هو الإمام بعده، ثم الحسن ثم الحسين، ثم الإمام بعدهم ليس بمنصوص عليه، ولكن من خرج من هذين البطنين ولد الحسن والحسين شاهرا سيفه يدعو إلى سبيل ربه وكان عالما فاضلا فهو الإمام (...) ومن الزيدية أصحاب سليمان، ويختص سليمان بأن الإمامة عنده شورى، فإنها تصح بعقد رجلين من خيار المسلمين، فإنها تصح في المفضول وهو يثبت إمامة الشيخين ويحكم على عثمان بالتكفير (...) ومن الزيدية البترية الحسن بن صالح بن حي وأصحابه، وقوله يقارب قول سليمان، ولا أعلم بينهما كبير خلاف إلا أنهم يقفون في عثمان، وسليمان يكفره. وحكي أن الحسن وأصحابه كانوا يتبرؤون من عثمان بعد إحداثه» (المغني ج20 ص184).

ثم بعدما يذكر القاضي أقوالا لفرق أخرى من الزيدية، أجمع القول فقال: «وقد ذكرنا الكلام عليهم في موضع الخلاف، لأنهم لا يخالفون في النص على علي عليه السلام، بدلالة الأخبار المنقولة، وقد ثبت القول فيها، ويخالفون في طريق تثبيت الإمام، فمنهم من يزعم أنه يصير إماما بالخروج والدعاء إذا كان عالما، وقد ثبت القول في ذلك، وهم الأكثر؛ ومنهم من يقول يصير ببيعة رجلين من الأخيار، وقد تكلمنا على ذلك، ويخالفون في أن الإمامة لا تصلح إلا في البطنين من ولد الحسن والحسين عليهما السلام» (المصدر نفسه ج20 ص185).

فلاحظ أن قوله: «لا يخالفون في النص على علي عليه السلام» دالٌ على أن أيًّا من هذه الفرق الزيدية والبترية لا تخالف في ذلك، وأما تجويز بعضها لإمامة أبي بكر وعمر لعنهما الله فليس جحدا للنص بل لما زعموه من كونه خفيا تارة؛ أو جواز تقديم المفضول أخرى؛ أو أن عليا عليه السلام رضي بهما ثالثة؛ إلى غيرها من أقوال سخيفة.

ولاحظ أن الخلاف بينهم هو في «طريق تثبيت الإمام، فمنهم من يزعم أنه يصير إماما بالخروج والدعاء» وهم غالب الزيدية، «ومنهم من يقول يصير ببيعة رجلين من الأخيار» من البطنين لا من عموم الناس، وهم السليمانية ومن مال إليهم من الصالحية إن صحَّ المنقول عنهم، فلقد عرفتَ أن الأصح خلافه مما مرَّ.
فتحصل؛ أن البترية لا تخلو من القول بالنص، وأن الفريق القائل بالشورى منهم إنما يجوزها بعد أمير المؤمنين والحسن والحسين عليهم السلام على أن لا تخرج عن ذريتهم، فأين هذا من مقالة الشورى البكرية وجحد النص على أمير المؤمنين عليه السلام؟!

ولهذا استدرك محقق كتاب أوائل المقالات في تعليقه على عبارة المفيد عليه الرحمة فقال: «الظاهر كما مر في القول الأول أنه لا توجد فرقة من الزيدية تنكر النص الخفي على أمير المؤمنين وكونه أولى بالخلافة من غيره، غاية الأمر البترية تدعي أن تسليمه عليه السلام حقه لأبي بكر تصحح خلافته والباقون لا يقولون به» (أوائل المقالات ص282).

ثم إن على من يريد أن يباري علميا أن يترك اللغة التحاملية والتحديات البهلوانية؛ فإنها بعدما يتبين الدليل والبرهان لا تعود على صاحبها عادةً إلا بالسخرية والاستهزاء. ورُبَّ كلمة تقول لصاحبها: دعني!

وفقكم الله لمراضيه.

مكتب الشيخ الحبيب في أرض فدك الصغرى

17 جمادى الآخرة 1440 هجرية


شارك الإجابة على Google Twitter Facebook Whatsapp Whatsapp