ما موقفكم من عزاء الشور الحسيني؟

شارك الإجابة على Google Twitter Facebook Whatsapp Whatsapp

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

شيخنا العلامة الحبيب، قبل فترة أظهرت موقفك من "عزاء الشور الحسيني" وكنت حازمًا برأيك، فنحن نعلم عن ظروف سماحتكم ونحملها على محمل حسن، بحكم أنكم تعيشون في لندن وفي أجواء بعيدة عن هذا العزاء ولم تحضرون عزاء الشور فلم تعلمون عن أهميته في الوسط الشعائري، وإحياءه للدين واستقطابه لقلوب الشباب الحسيني، ولكن هذا العزاء يسير وينتشر بشكل رهيب وهو مؤيد ومسدد، وسواء اليوم أو غداً سيتغير رأيكم في هذا العزاء لأن قلبكم مع الحسين دائمًا وأبدًا، وأنتم من أكثر العلماء دفاعًا عن شعائر أبا عبدالله، لذا احترقت قلوبنا على موقفكم الأخير من هذا العزاء للأسف، ونحن من أتباعكم ومن خطكم لأننا اعتدنا على سماحتكم أننا أصحاب الدليل أينما مال نميل، وأنا أعلم إن حضرتم عزاء الشور لشاركتم بل ونزعتم ولطمتم الصدر بحرقة، فما تشاهدوه في التصوير ليس كما هو في الواقع الرهيب، كتب أحدهم هذا المقال ونرجو من سماحتكم التعليق عليه :
.
حُسينٌ أم "سين" في "الشور"؟ .
فقط للعلم، نحنُ قومٌ لا نقوم بأيّ فِعلٍ في "العزاء" لا يُرضي أهل البيت عليهم السلام، ولا نقوم بأي ممارسة إلا ونسألُ عنها مراجعنا العظام حفظهم الله، فخدمتنا الحسينية هي أغلى ما نقدّمه للمولى صاحب العصر والزمان عج، فلا يمكننا أبدًا المجازفة وتقديم ما يؤذي الحجة عج، فنحنُ أحرص النّاس على عزاء الحسين عليه السلام!
.
.
ولكن نجدُ البعض يتّهم عزاء "الشور" بأنه غناء ورقص وأن المراجع يحرّمون هذا العزاء وقد "كذبوا والله"، فَـ"الهرولة" وضرب الرؤوس في عزاء الشور مُقتبسةٌ من عزاء "ركضة طويريج" المشهور في عاشوراء الحسين في كربلاء ، وأما عن ذكر اسم الحسين عليه السلام في العزاء الذي يتّهمه بعض "الجهلة" بِـ "سين" فإنّه ظُلمٌ وتكلّف من المُتَّهِمْ، فكلّ ما في الأمر أن حرف "الحاء" حرفٌ خفيفٌ ومع التكرار يبرزُ حرف السّين بشكل أوضح! وهذا هو الموضوع ببساطة، كما لو أنك رددت لفظ الجلالة "الله"، فإنّك ستلاحظ أن حرف الألف يكاد يُلاحَظُ ويبرز حرف اللام أثناء النّطق، ويمكنكم تجربتها الآن! كما هو الحال أيضًا في الشعر الشعبي لو قلنا مثلاً "حْسين بْكَربله" لوجدتم حرف الحاء خفيفًا جدًّا بسبب السكون، وعندما ينطق بها الرادود تظهر كأنّها "سِينْ" وبالخصوص إذا كان اللحن سريعًا (وهذا الكلام ينطبق على كل المنابر الحسينية وليس الشور)
صفات حرف الحاء و علاقتها "بالذكر" في الشور
.
.
تتمّةً لمقالتنا السابقة عن استنكار البعض -جهلاً- على الشور بحجة أن هذا العزاء يقوم بتوهين اسم سيد الشهداء عليه السلام بنطقه "سين" بدل من "حسين"، ولكن الرادود لا يقوم بذلك وإنما هو أمر عرضي والسبب يرجع إلى صفات حرف الحاء التي ذكرها علماء التجويد وهي: الهمس ، و الرخاوة ، و الاستفال ، و الانفتاح ، و الإصمات
.
.
تعريف "الهمس" في اصطلاح علماء التجويد : هو جريان النفس عند النطق بالحرف لضعف الاعمتاد على المخرج - و يقصد به مخرج الحرف ، و مخرج الحاء هو وسط الحلق - ، و الهمس هو عبارة عن الصوت الضعيف الخفي
.
تعريف الرخاوة في اصطلاح علماء التجويد : هو إرخاء الصوت وجريانه عند النطق بالحرف لضعف الاعتماد على المخرج
.
تعريف الاستفال في اصطلاح علماء التجويد : هو انخفاض اللسان عند النطق بالحرف ، و حكمه في هذه الحالة الترقيق - أي أن يقرأ الحرف رقيقاً من غير تفخيم
.
وسأكتفي بهذا القدر من تعريف الصفات لكي لا يطول المقام، ويمكنكم مراجعة كتب التجويد للتعرف على ما بقيَ منها
.
.
ومن هذه الصّفات يتبيّن أن الرادود لا يتعمد إخفاء حرف الحاء ولكن الحرف من طبيعته أن لا يكون واضحًا في النّطق إلا عند التشديد، ولو اكتفينا بصفة "الهمس" لوضحت لدينا المسألة! ولفهمنا لماذا يعتقد البعض بأن الحرف لا يُلفظ، وأوجّه هنا رسالة لمن يقول أنّي لا أسمع حرف الحاء، ألا تلاحظ أن هناك صوتًا قبل حرف السّين في الشور؟ أنصت وأنصف قليلاً! فعلى أقل تقدير يمكنكم اعتبار هذا الصوت "الهواء" الذي يخرج وقت "الهمس" بحرف الحاء! والرادود قد لا يعلم بهذه الصّفات ولكنّه يتعامل مع طبيعة الحرف في واقع الحال، فتخيّلوا لو أن الرادود يتلفظ فيها بسرعة؟ أو كان في حماسه؟ فكيف سيكون الناتج؟ وإن من يُطالب بمن يقرأ الشور أو غيره بالتركيز على حرف الحاء وإظهاره أكثر من السين وباقي الحروف فهو ليس إلا "بجاهل" يخالف طبيعة الحرف! فهذه هي طبيعة الحرف، فاتركوا الأمر على طبيعته ولا تتكلّفوا في البحث عن العيوب!
المصادر :
الجديد في فن التجويد : لمقرئ العتبتين المقدستين في كربلاء الأستاذ مصطفى الصراف
.
غاية المريد في علم التجويد : لعطيه قابل نصر - عميد معهد القرائات بالقاهرة سابقاً
.
البرهان في تجويد القرآن : لمحمد صادق القمحاوي
و غيرها من كتب التجويد
.
أرجوكم أنصفوا ثم أجيبوا.. هل يُعتبر هذا رقص؟ .
.
هل من المعقول أن هذا المنظر المهيب والمُفجع! لطم الرؤس بهذا الشكل والهرولة وكأنك في ركضة طويريج! والهتاف الوحيد التي تهتف فيه هو "حُسَيْنْ".!!
.
.
هل يرى البعض أن هذا المنظر "المُبكي" رقص؟ حقًّا إنّي أبحث عن إجابة؟ أنا شخصيًّا عندما أقف في مثل هذه المجالس أُقسم بحق الزهراء عليها السلام أنّي أشعر بأني أقرب ما يكون إلى كلمة "الجزع" حيث أنني كلما ذكرت اسم الحسين أكثر كلما اهتزَّ كياني وتساقطت دموعي!! .
.
عندما أفكّر كيف يقول البعض أن هذا يُعدّ رقصًا، لا أجد تفسيرًا إلا أنهم في واقع الحال إمّا أنهم لا يريدون أي مظاهرٍ للجزع الحقيقي على الإمام الحسين عليه السلام، ويخافون على سمعتهم واسمهم وبرستيجهم! ولا يفكّرون بعظم المصيبة! .
.
اللهم اجعلنا من الجازعين على الإمام الحسين عليه السلام في هذه المجالس.

هذا المقال ليس موجَّه لسماحتكم، بل هو عام، وبما أنَّكم ذكرتم قضية "حسينٌ أم سينٌ"، وذكرتم أنَّ عزاء الشور أشبه بالرقص، فأحببنا أن نرسله لكم وننتظر جوابكم، نحن مجموعة من الشباب في انتظار جواب سماحتكم لأنكم صادقين في نواياكم مع الحسين، ووفقكم الله بحق محمد وآل محمد.


بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم أجمعين

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
عظم الله أجوركم بذكرى استشهاد الإمام الهادي عليه السلام ولعن الله قاتليه.

بمراجعة الشيخ،

ينبغي أن لا تخضع المسألة إلى الذوقيات، فما صدق عليه أنه مجانس للرقص والطرب وهو أقرب إليه من الجزع والتفجع؛ يكون مرفوضا شرعا، وإلا فلا، حتى وإن كان ذا إيقاع سريع وترخيم؛ سُمِّيَ شورًا أو غيره. فلعل الذي تشتركون فيه هو من هذا القبيل المحلل، لا ذاك المحرَّم.

والقول بأن الداخل في ذاك الشور يستشعر التفجع لا الطرب؛ لا ينفع في التجويز على فرض التسليم به؛ ما دامت الصورة بنفسها لهوية أو طربية في العرف، فلقد كان المحقق الأردبيلي قد أجاز الغناء في المراثي بذريعة «أن البكاء والتفجُّع مطلوب مرغوب وفيه ثواب عظيم، والغناء معين على ذلك. وأنه متعارف دائمًا في بلاد المسلمين من زمن المشايخ إلى زماننا هذا من غير نكير. وأن تحريم الغناء للطرب على الظاهر، وليس في المراثي طرب، بل ليس إلا الحزن» (مجمع الفائدة ج8 ص61).

وكان أن ردَّ عليه الشيخ الأعظم بقوله: «أمّا كون الغناء معينًا على البكاء والتفجّع؛ فهو ممنوع، بناءً على ما عرفت من كون الغناء هو الصوت اللّهوي، بل وعلى ظاهر تعريف المشهور من الترجيع المطرب، لأن الطرب الحاصل منه إنْ كان سرورًا فهو منافٍ للتفجّع لا معين، و إن كان حزنًا فهو على ما هو المركوز في النفس الحيوانية من فقد المشتهيات النفسانية، لا على ما أصاب سادات الزمان، مع أنه على تقدير الإعانة لا ينفع في جواز الشيء كونه مقدمة لمستحب أو مباح، بل لا بد من ملاحظة عموم دليل الحرمة له، فإن كان فهو، وإلا فيحكم بإباحته، للأصل. و على أي حال، فلا يجوز التمسك في الإباحة بكونه مقدمة لغير حرام؛ لما عرفت. ثم إنّه يظهر من هذا ومما ذكر أخيرًا من أن المراثي ليس فيها طرب؛ أن نظره إلى المراثي المتعارفة لأهل الديانة التي لا يقصدونها إلا للتفجُّع، وكأنه لم يحدث في عصره المراثي التي يكتفي بها أهل اللهو والمترفون من الرجال والنساء عن حضور مجالس اللهو وضرب العود والأوتار والتغني بالقصب والمزمار، كما هو الشائع في زماننا الذي قد أخبر النبي صلى الله عليه وآله بنظيره في قوله: (يتخذون القرآن مزامير). كما أن زيارة سيدنا ومولانا أبي عبد الله عليه السلام صار سفرها من أسفار اللهو والنزهة لكثيرٍ من المترَفين، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وآله بنظيره في سفر الحج، وأنه (يحج أغنياء أمتي للنزهة، والأوساط للتجارة، والفقراء للسمعة). وكأن كلامه صلى الله عليه وآله كالكتاب العزيز وارد في موردٍ؛ وجارٍ في نظيره» (المكاسب ج1 ص311).

إنه لا بد من الانتباه إلى أن لا ينسلخ العزاء الحسيني المقدس عن أصالته، فيضاهي - ولو في الصورة والهيئة - ما اعتاد عليه الفسقة والمترفون من الغناء والطرب واللهو، وأن لا تكون الغاية من العزاء أن يكون بديلا للشباب عن تلك المحافل اللهوية بشكلها وأسلوبها، كما أشار إليه الشيخ الأعظم رضوان الله تعالى عليه، وأن لا نقع في ما وقعت فيه الصوفية إذ هي تبرر لمحافلها اللهوية الراقصة بأمثال هذه التبريرات والتخريجات الذوقية.

ولقد رأيتم كيف أن التغاضي عن بدايات نشوء هذه الظواهر بالأمس أفضى إلى ما أفضى إليه من منكر اليوم، حتى لم تعد البلية في (الشور الحسيني) بل في (الراب الحسيني)! وغدا لسنا ندري أية بلية ستحل علينا فتنسينا تلك البلايا. ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

جعلنا الله وإياكم من الماضين على ما يرضي سيد الشهداء أرواحنا فداه.

وفقكم الله لمراضيه.

مكتب الشيخ الحبيب في أرض فدك الصغرى

4 رجب الأصب 1440 هجرية


شارك الإجابة على Google Twitter Facebook Whatsapp Whatsapp