هل قام القطب الراوندي بتغيير رواية والد النبي إبراهيم عليه السلام كما يقول العلامة المجلسي؟

شارك الإجابة على Google Twitter Facebook Whatsapp Whatsapp

السلام عليكم ورحمة اللّٰه وبركاته...
كيف الحال سماحة الشيخ، أرجو منكم الرد على سؤالي..

يقول الصدوق في كتابه كمال الدين: أنه آزر كان أب إبراهيم ثم يقوم الرواندي بتثبيت رواية مسندة إلى الصدوق في كتاب قصص الأنبياء أن آزر هم عم إبراهيم، فهل هذا يعتبر تحريفاً للرواية وكيف نرد على النواصب إذا إحتجوا بأن هذا تحريف.

ثم جاء المجلسي في بحار وقال أن الرواندي قد غيره ليستقيم على أصول الإمامية.

فهل هناك قاعدة في علم الحديث عند الشيعة تبيح تغيير الروايات كي تتناسب وتستقيم مع أصول الإمامية؟


بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم أجمعين

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

بمراجعة الشيخ أفاد أن هذا مجرد استظهار من العلامة المجلسي رحمه الله لا يسنده دليل، وقد تكرر منه حتى في شأن الصدوق، إذ قال في تعليق على خبر أخرجه في كتاب التوحيد: «هذا الخبر مأخوذ من الكافي وفيه تغييرات عجيبة تورث سوء الظن بالصدوق، وأنه إنما فعل ذلك ليوافق مذهب أهل العدل» (بحار الأنوار ج٥ ص١٥٦). وقد رد عليه المرجع الخوئي رحمه الله بقوله: «أقول: جلالة مقام الصدوق قدس الله نفسه تمنع إساءة الظن به، ولم يوجد أي شاهد من أن ما ذكره من الخبر مأخوذ من الكافي، و إنما رواه الصدوق قدس سره عن الدقاق علي بن أحمد بن موسى، عن الكليني، فلعل السقط منه غفلة أو لأمر آخر، فمن أين ظهر أن الصدوق قدس سره هو الذي اختصر الحديث وأسقط منه ما أدى نظره إلى إسقاطه»؟ (معجم رجال الحديث ج١٧ ص٣٤٨).

فالشاهد من هذا أن العلامة المجلسي كان من كمال تقديسه لما يجده من أحاديث وأخبار شريفة؛ إذا رأى اختلافا في اللفظ المنقول سارع إلى اتهام الناقل وإن كان من الأجلة الذين يقر بجلالتهم ولا يدفع وثاقتهم، فإنه يقول في الصدوق نفسه أنه: «من عظماء القدماء التابعين لآثار الائمة النجباء، الذين لايتبعون الآراء والاهواء، ولذا ينزل أكثر أصحابنا كلامه وكلام أبيه رضي الله عنهما منزلة النص المنقول والخبر المأثور» (بحار الأنوار ج١٠ ص٤٠٥). وكذا يقول في الراوندي رحمه الله: «الشيخ الجليل سعيد بن هبة الله الراوندي مؤلف كتاب الخرائج والقصص وغيرهما أجزل الله مثوبته» (إجازات العلامة المجلسي ص٥٦٠).

وهذا الإقرار بجلالتهما لا يجتمع بحال مع اتهامهما بما يسقط وثاقتهما، فلا بد أن يكون مراد العلامة المجلسي من التغيير هو الإصلاح لا التحريف، بمعنى ظن الناقل أن في لفظ الخبر غلطا من جهة النساخ أو من تقدَّم من الرواة فأصلحه اجتهادا التزاما بأصول الكتاب والسنة أو عطفا على أخبار أخرى مثلا، فقد روي نظير هذا الخبر الذي نحن فيه عن العالم عليه السلام قال: «إن آزر كان جد إبراهيم لأمه منجما لنمرود (...) وكان تارخ عنده ابنة آزر أم ابراهيم عليه السّلام فحملت به فظن آزر أنه هو.. إلخ» (إثبات الوصية للمسعودي ص٣٩).

والعلامة المجلسي يشهد بكون القول بإسلام والد إبراهيم عليهما السلام نابعا من الأصول المجمع عليها، كما يشهد بورود أخبار خاصة بذلك، ولذا فإنه يحمل الخبر المخالف لذلك على التقية، إذ يقول: «أقول: الأخبار الدالة على إسلام آباء النبي صلى الله عليه وآله من طرق الشيعة مستفيضة بل متواترة، وكذا في خصوص والد إبراهيم قد وردت بعض الأخبار، وقد عرفت إجماع الفرقة المحقة على ذلك بنقل المخالف والمؤالف، وهذا الخبر صريح في كون والده عليه السلام آزر، فلعله ورد تقية» (مرآة العقول ج٢٦ ص٥٥١).

وبهذا يتبين أن المسألة اجتهادية، فلقد اجتهد العلامة المجلسي وحمل هذا الخبر المنافي للأصول على التقية، فيما اجتهد القطب الراوندي وحمله على وقوع الغلط والاشتباه فأصلحه بضميمة نظائره. وهذا كله لو سلمنا بصحة ما نسبه إليه العلامة المجلسي من التغيير، وقد عرفتَ أنه مجرد استظهار بلا دليل، فلعل القطب الراوندي قد وجد الخبر هكذا بهذا اللفظ، وليس اختلاف نسخ وألفاظ الأحاديث المنقولة من طريق واحد أو أصل واحد بعزيز.

وأيًّا كان فإن النواصب ليس لهم التشنيع بهذا، فإنه أولا لم يثبت، وثانيا إنه على فرض ثبوته من قبيل إصلاح الغلط بعطف اللفظ الشاذ على المتواتر أو المستفيض أو المجمع عليه لفظا أو معنى أو أصلا، وثالثا فإن كبراءهم ضُبطوا متلبسين بتحريف ألفاظ الأحاديث والتصرف فيها بأهوائهم كما عدّدنا شواهده في سلسلة (أهل السنة أم أهل الخدعة؟)، مع أن ما يتصرفون فيه يكون هو اللفظ المجمع عليه أو المشهور، ويخرجون بالتصرف فيه إلى الشذوذ! وما هذا إلا التحريف العمدي بعينه!

وإليك مثاله؛ فقد أخرج عامتهم عن جعفر بن محمد عن أبيه عليهما السلام، عن جابر بن عبد الله قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خطب احمرت عيناه، وعلا صوته، واشتد غضبه، حتى كأنه منذر جيش يقول: صبَّحكم ومسَّاكم. ويقول: بُعثت أنا والساعة كهاتين. ويقرن بين إصبعيه السبابة والوسطى، ويقول: أما بعد؛ فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدى هدى محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة» (صحيح مسلم ح٨٦٧ ).

أما في سنن ابن ماجة فتجد لفظ الحديث هكذا: «عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر بن عبد الله قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خطب احمرت عيناه، وعلا صوته، واشتد غضبه، كأنه منذر جيش يقول: صبَّحكم مسَّاكم. ويقول: بُعثت أنا والساعة كهاتين. ويقرن بين إصبعيه السبابة والوسطى، ويقول: أما بعد؛ فإن خير الأمور كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة» (سنن ابن ماجة ح٤٥).

تلاحظ هنا أن الألفاظ كلها متطابقة إلا في لفظ (خير الحديث كتاب الله) الذي تغير إلى (خير الأمور كتاب الله)!

وإذا سألت عن علة ذلك فيجيبك صبحي الصالح بما يقشعر منه جلدك للجرأة على تحريف خطبة رسول الله صلى الله عليه وآله لتدعيم بدعة القول بقدم القرآن؛ إذ يقول: «إذا وجدنا في جل كتب السنن أن (أحسن الحديث كتاب الله) ثم لاحظنا تفرّد ابن ماجة برواية (أحسن الكلام) أدركنا أنه ليس بمستبعد أن يكون الورع حمله على إيثار هذا التعبير، وكان أقل ما نستنبطه من ذلك أن في العلماء من تحرَّج من إطلاق اسم الحديث على كتاب الله القديم» (علوم الحديث ومصطلحه ص١١).

فيا لله وللورع الذي به تُحَرَّف عمدًا خطبة المصطفى صلى الله عليه وآله! وما أعجب أن يتحرجوا عن إطلاق اسم الحديث على كتاب الله مع أنه سبحانه يقول فيه: «اللَّـهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ» (الزمر: ٢٤).

وفقكم الله لمراضيه.

مكتب الشيخ الحبيب في أرض فدك الصغرى

29 جمادى الأولى 1442 هجرية


شارك الإجابة على Google Twitter Facebook Whatsapp Whatsapp