أليس تكفيركم للصحابة يعني أن النبي (صلى الله عليه وآله) فشل في تربيتهم؟

شارك الإجابة على Google Twitter Facebook Whatsapp Whatsapp

سماحة الشيخ قرأت لك كثير من الإجابات ووجدت أن سماحتك تسب معظم صحابة رسول الله وتكفرهم وتلعنهم كيف ذلك يا سيدي معني هذا أن الرسالة والعياذ بالله فشلت ولم تقدم للإسلام أي شخص محترم ماعدا أهل بيت النبوة فقط لاغير كيف هذا ومعني هذا أيضا أن الرسول فشل في تربية هؤلاء القوم معذرة فأنا لا أستطيع أن أصدق ذلك أن يكون حول رسول الله أكثر من مائة ألف ويكون كلهم إلا أعداد قليلة تعد علي أصابع اليد الواحدة قد كفروا كيف ذلك دلني بالله عليك فأنا محتار جدا جد

محمود


باسمه تعالى شأنه. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أولا؛ نحن لا نسبّ ولا نكفّر ولا نلعن إلا أعداء الله ورسوله وأهل بيته عليهم السلام، سواءً كان هؤلاء من أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله) أم من غيرهم، فالمقياس عندنا واحد لا يتعدّد، من كان صالحا مدحناه ومن كان طالحا ذممناه.

وثانيا؛ أي ملازمة عقلية بين القول بأن قوم نبي قد كفروا وبين القول بأن هذا النبي قد فشل في التربية؟!

إن العاقل يفرّق بين النبي - أي نبي - وبين قومه وأصحابه، فلا يقول: ”إن الطعن في قومه يلازم الطعن فيه لأننا بذلك ننسب إليه الفشل في أداء رسالته وتربية أصحابه“! فأي شيء على النبي إذا بلّغ رسالة ربّه وأرشد قومه إلى الهدى فآمنوا به أولا ثم من بعده كفروا وارتدّوا وضلّوا وأضلوا وحرّفوا الكتاب الذي أنزله الله تعالى على نبيّه؟! وهو الذي حصل بعد رحيل كل الأنبياء السابقين.
وكذا فإن العاقل يفرّق بين النبي - أي نبي - وبين أبنائه، فلا يقول: ”إن كل ابن للنبي هو بالضرورة صالح عادل ولا يصح القدح فيه وإلا لاستلزم ذلك قدحا في والده النبي لأنه لم يُحسن تربيته“! فأي شيء على النبي إذا ما أدّى واجبه في تربية أبنائه على أكمل وجه إلا أنهم مع هذا انحرفوا وعصوا؟! كما حصل مع ابن نوح، وأبناء يعقوب عليهما السلام.
وكذا فإن العاقل يفرّق بين النبي - أي نبي - وبين زوجاته، فلا يقول: ”إن كل زوجة للنبي تكون بالضرورة مؤمنة صالحة شريفة عفيفة محفوظة من كل دنس وإلا لاستدعى ذلك تدنيس وتلويث سمعة زوجها النبي“! فأي شيء على النبي إذا ما تزوّج امرأة وبالغ في نصحها وإرشادها ومع ذلك أبت إلا الكفر والفسق والعصيان والفُحش؟! كما حصل مع زوجتي نوح ولوط عليهما السلام.

إن القرآن الكريم كتاب العقل، وقد حكى لنا قصص هؤلاء الأنبياء العظام (عليهم السلام) وكيف ارتدّ أصحابهم وبعض أبنائهم وأزواجهم من بعدهم إلا القليل منهم، ومع ذلك لم ينسب القرآن إلى هؤلاء الأنبياء العظام (صلوات الله عليهم) الفشل في التربية أو الرسالة، فمن أين جاء جهلة المخالفين بمنطقهم الغريب المخالف لكتاب الله تعالى قائلين: ”إياكم والطعن بأصحاب النبي فإنكم بذلك تطعنون بالنبي“! فهل أن القرآن حين طعن بأصحاب الأنبياء السابقين كان قد طعن بالأنبياء أنفسهم؟! سبحانك هذا بهتان عظيم!

هذا وقد تنبّأ النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) بارتداد أصحابه من بعده، وحكم بأن معظمهم سيردون جهنم وبئس المصير، وذلك في روايات وأحاديث مستفيضة، منها ما رواه البخاري عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ”أنا فرطكم على الحوض وليرفعن رجال منكم ثم ليختلجن دوني فأقول: يا رب أصحابي! فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك“! (صحيح البخاري ج7 ص206).
وأخرج البخاري أيضا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ”يرد على يوم القيامة رهط من أصحابي فيجلون عن الحوض فأقول: يا رب أصحابي! فيقول: إنك لا علم لك بما أحدثوا بعدك، انهم ارتدوا على أدبارهم القهقرى“. (المصدر نفسه).
وأخرج البخاري أيضا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ”بينا أنا قائم فإذا زمرة حتى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم فقال: هلم، فقلت: أين؟ قال: إلى النار والله، قلت: وما شأنهم؟ قال: انهم ارتدوا بعدك على أدبارهم القهقرى. ثم إذا زمرة حتى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم فقال: هلم، قلت: أين؟ قال: إلى النار والله، قلت: ما شأنهم؟ قال: انهم ارتدوا بعدك على أدبارهم القهقرى. فلا أراه يخلص منهم إلا مثل همل النعم“. (المصدر نفسه).

فهاهي الأحاديث تنص صراحةً على ارتداد معظم من يسمّيهم الجهلة (صحابة) وأنه لن ينجو منهم إلا القليل كهمل النِّعَم، فكيف يقولون أن كل هؤلاء ناجون ردّا على الله ورسوله صلى الله عليه وآله؟!

نعم؛ إن من أطرف ما زعمه المخالفون للفرار من دلالة هذه الأحاديث هو حملها على المرتدّين الأعراب من غير الأصحاب، كبني حنيفة مثلا، وهو زعم يثير السخرية ولا يقبله عاقل، لأن النبي (صلى الله عليه وآله) ينصّ على أن هؤلاء من أصحابه الذين يعرفهم حقّ المعرفة، ثم إن هذا التأويل مخالف للظاهر، والمخالفون أهل العمل بالظاهر، فما بالهم تركوه هنا؟!

هذا؛ ورسالة الإسلام العظيمة، قد حملها آل محمد الأطهار (صلوات الله عليهم) وأصحاب محمد الأخيار (رضوان الله عليهم) ثم من يتلوهم من أصحاب الأئمة المعصومين مهما قلّوا، فإنهم حمَلة هذا الدين والمؤتمنون عليه، وبتضحياتهم وصل إلينا وحافظنا عليه، ولا شأن للمتردّية والنطيحة وسفلة الأصحاب والأعراب بهذه المهمة العظيمة!

هدانا الله وإياكم إلى صراطه المستقيم. والسلام. السابع من ربيع الآخر لسنة 1429 من الهجرة النبوية الشريفة.


شارك الإجابة على Google Twitter Facebook Whatsapp Whatsapp