ما رأيكم في مدح القرآن للصحابة وشهادته لهم بالإيمان؟

شارك الإجابة على Google Twitter Facebook Whatsapp Whatsapp

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى اله الطيبين الطاهرين وصحابته الغر الميامين
ما رايك يا سماحة الشيخ في من قال عنهم الله في كتابه العزيز قال تعالى: {هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين وألف بين قلوبهم لو انفقت ما في الأرض جميعاً ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم أنه عزيز حكيم} (الأنفال62-63 فشهد لهم بالإيمان مع الرسول

وقال تعالى: {لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم ثم تاب عليهم إنه بهم رؤوف رحيم} (التوبة:117)

وهذه الآية نزلت في غزوة تبوك وكانوا ثلاثين ألفاً مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
صلى الله عليه
فمن هؤلاء المهاجرين والنصار بالله عليك اليسو هم الصحابه وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يدعو لهم، ويواسيهم ويزور مريضهم، ويتبع جنائزهم، ويسعى في حاجاتهم ويصلح بين المتخاصمين منهم، ويحوطهم كما يحـوط الأب أبناءه وأعظم. كيف وهو في الكتاب أولى بكل مؤمن من نفسه وهو أب لهم {النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم} (الأحزاب:6) وهو أب لهم وكان منهم بطانته وخاصته الذين يطلعهم على أسراره، ويشاورهم في أموره، فلا يخرج إلا وهو معهم، ولا يدخل إلا وهم معـه، ولم يفارقوه في موقف شدة قط.. وأول هؤلاء هو الصديق الصادق، وأخو النبي في الدين وقريبه في النسب، تزوج رسول الله ابنته فكانت أفضل زوجاته، وأحب الناس جميعاً إليه كما قال صلى الله عليه وسلم عندما سئل: من أحبُّ الناس إليك؟ قال: عائشة.. قال من الرجال؟ قال: أبوها
(متفق عليه)

ولم يمت رسول الله إلا ورأسه مسند إلى صدرها رضي الله عنها وأرضاها... ولكل منـهم من المناقب والفضل والسابقة ما هو محل القدوة والأسوة، ففيهم الذي انفق ماله كله في سبيل الله، وفيهم الذي قتل أباه في الله، وفيهم الذي آثر ضيفه على نفسه، وأهله، وعياله، حتى عجب الـرب من صنيعه من فـوق سبع سمواته، وفيهم الأبطال الصناديد فرسـان الحروب، وفيهم رهبان الليل، فرسان النهار، وكلهم قد تحمل في سبيل الله ما لم تتحمله الجبال، وكلهم كان يفتدي الرسول بأبويه ونفسه وماله، وقد عظموا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحبـوه كما لم يُعظَّم عظيم قط أو يحب، ولم ينصر أتباع رسول رسولهم كما نصر أصحاب محمدٍ صلى الله عليه وسلم محمداً صلى الله عليه وسلم.. ومناقبهم وفضائلهم أكثر من أن تحصر

عمار


باسمه تعالى. وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

قبل أن نجيب على تساؤلاتك نلفت انتباهك إلى ضرورة أن يلتزم المسلم بسنة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فلا يعدوها. وإلحاقك مَن سمّيتهم ”بالصحابة“ بالصلاة عليه ليس من السنة، بل هو بدعة، فإن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) حين أمرنا بأن نصلّي عليه لم يقلْ: ”قولوا: اللهم صل على محمد وآل محمد وأصحابه“ مثلاً، بل اقتصر على قوله: ”قولوا: اللهم صلِّ على محمد وآل محمد“ (راجع صحيح البخاري ح4423 وصحيح مسلم ح613 ومسند أحمد ح 17425 وغيرها كثير).
ولم يرد في أي حديث شريف الأمر بالصلاة على أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) فعلى أي أساس نفعل ذلك؟! فاللازم على المسلم أن يتأدّب بما أدّبه عليه رسول الله (صلى الله عليه وآله) فلا يزيد أو ينقص فيكون مبتدعاً، والمبتدع لا شكّ في النار.

أما استدلالك بقوله تعالى: ”هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ“ (الأنفال: 63) على أن الله شهد لجميع أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله) بالإيمان؛ فهو استدلال لا يصحّ.
ذلك لأن في المعني بقوله تعالى: ”وَبِالْمُؤْمِنِينَ“ روايتان، الأولى ما رواه السيوطي وابن عساكر والحاكم الحسكاني وأبو نعيم والكنجي الشافعي والقندوزي الحنفي وغيرهم مسنداً عن أبي هريرة قال: ”قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: رأيت ليلة أُسريَ بي إلى السماء على العرش مكتوباً: لا إله إلا أنا وحدي لا شريك لي، ومحمد عبدي ورسولي أيّدته بعلي. فذلك قوله: هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ“. (تفسير السيوطي ج3 ص198 وتاريخ دمشق لابن عساكر ج42 ص360 وشواهد التنزيل للحاكم الحسكاني ج1 ص292 وينابيع المودة للقندوزي ج1 ص281 وكفاية الطالب للكنجي الشافعي ص234 وغيرها كثير).
والثانية ما رواه القرطبي والطبري عن النعمان بن بشير والسدّي أن هذه الآية ”نزلت في الأنصار“. (تفسير القرطبي ج8 ص42 وجامع البيان للطبري ج10 ص46).
فمهما يكن فإن الآية لا تشهد بإيمان جميع الأصحاب، وإنما فئة منهم، وهم المؤمنون الذين نصروا رسول الله (صلى الله عليه وآله) حق النصرة فلم يفرّوا في الحروب، كعلي أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) وبعض الأنصار. فيخرج عن ذلك المنافقون الثلاثة أبو بكر وعمر وعثمان وأضرابهم الذين خذلوا النبي (صلى الله عليه وآله) وفرّوا في الحروب، إذ لم ينصروا النبي حقّ النصرة (راجع قصص فرار الثلاثة وانهزامهم في صحيح البخاري ج5 ص194 وطبقات ابن سعد ج2 ص46 وسيرة ابن كثير ج3 ص58 ومغازي الواقدي ج1 ص237 وغيرها كثير). وعلى كل حال ليس هؤلاء المعنيين بهذه الآية الكريمة، ولم يقل أحد قطّ بأنها قد نزلت فيهم. فكيف يُستدلّ بها على إيمانهم؟!

وأما استدلالك بقوله تعالى: ”لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ“ (التوبة: 117) على أن جميع الأصحاب مشهود لهم بالإيمان فهو كسابقه استدلال لا يصحّ.
ذلك لأن الآية أجنبية عن الشهادة بالإيمان، وإنما تشهد بتوبة الله عليهم من بعدما كاد يزيغ قلوب فريق منهم. ومعنى التوبة هنا بالنسبة إلى النبي (صلى الله عليه وآله) تجديد رجوع الله تعالى له بالرحمة، لأن النبي (صلى الله عليه وآله) لم يصدر ولا يصدر منه ذنب، أما بالنسبة لغيره فتضمّ إلى هذا المعنى لمن لم يصدر منه ذنب معنى رفع العذاب الأليم عمّن استثقل الخروج في غزوة تبوك طمعاً في الدعة والراحة ومباهج الدنيا، حيث إن الله تعالى سبق منه أن توعّدهم بقوله: ”يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلا قَلِيلٌ * إِلا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ“. (التوبة: 38 - 39).
وحيث قد سبق من الله تعالى أن توعّدهم بالعذاب الأليم في الآيات السابقة، فإنه في الآيات اللاحقة رفع هذا العذاب عنهم لأنهم خرجوا في نهاية المطاف بعد الوعيد والتهديد، وهذا هو معنى التوبة عليهم لا غير.
أما أن يُدّعى بأن هذه الآية تشهد لهم بالإيمان فهو كمن يُخرج الآيات عن سياقها فيقول: ”ولا تقربوا الصلاة..“ ثم يسكت! إذ الآيات السابقة تشهد بأنهم يتثاقلون عن النفر والجهاد في سبيل الله! وأنهم قد رضوا بالحياة الدنيا وفضّلوها على الآخرة! وأن الله سيعذّبهم عذاباً أليما ويستبدل قوماً غيرهم إن لم ينفروا! ومع هذا لاحظ أن الله تعالى قد خاطبهم بقوله: ”يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا..“ أي: يا أيها الذين ادّعوا أنهم آمنوا، وإلا فإن هذه الصفات ليست بصفات المؤمنين إجماعاً. ويوضّح لك هذا المعنى مطالبته تعالى أمثال هؤلاء بأن يؤمنوا حقاً كما في قوله تعالى: ”يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَـزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْـزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالا بَعِيدًا“ (النساء: 137) أي: يا أيها الذين ادّعوا أنهم آمَنوا؛ آمِنوا حقاً بالله ورسوله والكتاب.. إلخ.
فالحاصل؛ أن الآية لا تنصّ سوى على التوبة بمعنى رفع العقاب، لا على الإيمان.
إن من أكبر جهالات العامة المخالفين أنهم يفسرّون القرآن كيفما يشتهون! ثم يعمّمون تفسيراتهم على جميع من يسمّونهم ”صحابة“! والحال أن هؤلاء الذين يسمّونهم ”صحابة“ هم كغيرهم من البشر، فيهم المؤمن وفيهم المنافق، وفيهم الصالح وفيهم الطالح. وليس مطلوباً من المسلم غير أن يدقّق في سِيَر هؤلاء فيتولّى المؤمن منهم وينبذ المنافق والمنقلب على عقبيه.

أما قولك بأن النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يدعو لهم ويواسيهم ويزور مريضهم ويتبع جنائزهم ويسعى في حاجاتهم.. إلخ؛ فلا حجة فيه البتة على إيمان جميعهم، فإن هذه هي وظيفة الأنبياء جميعاً (عليهم السلام) أن يدعوا لقومهم بالصلاح ويتخالطوا ويتعاشروا معهم في المعروف حتى يهتدوا ولا يكفروا، وقد عاشر رسول الله (صلى الله عليه وآله) المنافقين بالمعروف وواساهم وعاد مريضهم وصلّى على جنازة كبيرهم عبد الله بن أبي بن سلول، أفهل نقول بسبب ذلك: ”عبد الله بن أبي بن سلول رضي الله عنه وأرضاه“ لأن النبي قد صلّى على جنازته! ما هذا الهراء؟!

أما سائر ما ذكرتَه لتدعيم اعتقادك الباطل من أن أبا بكر كان أخا رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأن عائشة كان أحبّ زوجاته إليه وأنه توفيَّ بين سحرها ونحرها؛ فليس سوى أكاذيب يرفضها العقل والنقل، فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله) لم يؤاخِ بين نفسه وبين أحد سوى أمير المؤمنين علي (صلوات الله عليه) وهذا مما لا يحتاج ذكره إلى دليل، فعلي هو أخو رسول الله لا ابن أبي قحافة الذي تبسّم رسول الله في وجه من أهانه في وجهه! (راجع السيرة النبوية لابن كثير ج2 ص165 وقصة دغفل النسابة حين أهان أبا بكر ووصفه بأنه من ”زمعات قريش“ فتبسّم النبي صلى الله عليه وآله مقرّراً إسقاط كرامة أبي بكر في الإسلام)!

وأما أن عائشة وأبوها هما أحبّ الناس إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فكيفينا في إبطال ذلك أنه من رواية الكذاب بن الكذاب عمرو بن العاص، الكاشف عورته يوم صفّين والمتقّي بخصيتيه سيف ذي الفقار! فمثل هذا لا يصدّقه إلا مثله ممن يجعل عورته درعه!
ثم إن عائشة نفسها تكذِّب ذلك! فقد اعترفت بأن عليا وفاطمة (صلوات الله عليهما) هما أحبّ الناس إلى الحبيب المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم، وذلك ما رواه الترمذي والحاكم وغيرهما أن عائشة سُئلت: ”أي الناس كان أحبّ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: فاطمة. قيل: من الرجال؟ قالت: زوجها“. (سنن الترمذي ح3874 ومستدرك الحاكم ج3 ص157 وغيرهما كثير).

كما أن عائشة (لعنها الله) كانت أكبر كذابة في التاريخ - والكذاب يصدق أحيانا - ويكفينا في تكذيبها أنها زعمت أن النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) قد مات بين سحرها ونحرها، والحال أنه (صلى الله عليه وآله) استشهد ورأسه في حجر أخيه ووصيّه وخليفته علي بن أبي طالب (عليهما الصلاة والسلام) حيث أكّد ذلك ابن عباس وكذّب عائشة، وذلك ما رواه ابن سعد في طبقاته عن أبي غطفان قال: ”سألت ابن عباس: أرأيت رسول صلى الله عليه وسلم توفي ورأسه في حجر أحد؟ قال: توفي وهو مستند إلى صدر علي. قلت: فإن عروة حدثني عن عائشة أنها قالت: توفي رسول الله بين سحري ونحري! فقال ابن عباس: أ تعقل؟! والله لتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنه لمستند إلى صدر علي، وهو الذي غسّله وأخي الفضل بن عباس“. (طبقات ابن سعد ج2 ص263).

ونحن نكرّر لك ههنا قول ابن عباس: ”أ تعقل“؟! فحكّم عقلك يا هذا ودع عنك الأباطيل وأهلها، ووالِ محمداً وآل محمد (صلوات الله عليهم) وتبرّأ من أعدائهم (لعنات الله عليهم) تفلح في الدنيا والآخرة.

هدانا الله وإياكم. والسلام.

الرابع والعشرين من شعبان المعظم لسنة 1429 من الهجرة النبوية الشريفة.


شارك الإجابة على Google Twitter Facebook Whatsapp Whatsapp