سماحة الشيخ أرجوا أن تلمس لي العذر فأنا أريد الحقيقة وفقط
أولا :- سمعت كلامكم بخصوص الصحابة وبأنهم خلفاء غير شرعيين وقد سرقوا الخلافة من آل بيت رسول الله ولكن بعد تأملي للتاريخ أري أن هؤلاء قد فتح الله بهم فتوحات كثيرة وقد إنتشر الإسلام وهم في الخلافة مشارق الأرض ومغاربها كيف ذلك وهم مغتصبين للخلافة وهل الله يعز الإسلام بأشخاص مثل هؤلاء ويرفع الله بهم راية الإسلام.
ثانيا :- لم يتولي أي من الأئمة الإثني عشر الخلافة أبدا ماعدا الإمام علي بن أبي طالب كيف هذا وهل الله يترك أئمة الدين هكذا بدون مساندتهم وتقويتهم ومنحهم الإمامة ولو قليل منهم غير الإمام علي
شكرا لك سيدي لسعة صدرك ولكن إريد الحق وأهله فقط لاغير
المرسل :-
محمد نصر
باحث عن الحق
باسمه تعالى شأنه. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. عظم الله أجور المؤمنين باستشهاد أميرهم الإمام علي بن أبي طالب صلوات الله وسلامه عليهما، جعلنا الله من الطالبين بثأره مع وليه الإمام المنتظر المهدي أرواحنا فداه وعجل الله فرجه الشريف.
ج1: إن هذه الفتوحات لم تكن إسلامية تماماً، بل كان هدفها توسيع رقعة سلطان الحكام الظالمين، غير أن هذه التوسعة تمّت مع شديد الأسف باسم الإسلام، ولذا تجد في التاريخ كثيرا من المخالفات الشرعية المرتكبة في هذه الفتوحات والتي لا مجال لبيانها، ولذا تجد أيضاً أن الإمامين الحسن والحسين (صلوات الله عليهما) كانا يضطران للمشاركة في الجيوش الفاتحة أملاً في إنقاذ ما يمكن إنقاذه من الإسلام الحقيقي المنقول للبلدان المفتوحة، وحرصاً على دفع ما يمكن دفعه من المخالفات الشرعية المصاحبة لتلك الحملات العسكرية التي كان كثيرٌ منها خارجاً عن مبادئ الرحمة الإسلامية بل الإنسانية، ويكفيك ما صنعه عمر بن الخطاب (لعنه الله) بأهل قرية (عرب سوس) في الشام، من تخريب للمتلكات وتدمير للمزارع وإبادة جماعية يندى لذكرها الجبين، وقد سبق أن تعرّضنا إليها في بعض محاضراتنا وأجوبتنا فراجع.
إنك لو اختلفت معنا في هذه الحقيقة بشأن أبي بكر وعمر وعثمان مثلاً، فلا نظنك - وأنت صاحب ضمير إن شاء الله - تختلف معنا في خلفاء بني أمية وبني العباس، الذين يعرف القاصي والداني أنهم كانوا أهل فسق وفجور وعربدة وخمور، ومع ذلك وجدناهم قد ”فتحوا البلاد“ فهل يصحّ لعاقل أن يحكم على هؤلاء الفسقة الفجرة بالإيمان والعدالة لأنهم ”نشروا الإسلام“؟!
لا يمكن ذلك، إذ من الواضح أن فتوحاتهم هذه إنما كان هدفها توسعة رقعة سلطانهم ومدّ نفوذ حكومتهم، لكن باسم ”الفتح الإسلامي“! ولم يكن يهمّهم من الأمر سوى هذه التوسعة، فلم نجد مثلاً أنهم أنفذوا مع جيوشهم فقهاء علماء لينقلوا نور الإسلام إلى الشعوب الأخرى وليحرصوا على مراقبة أعمال الجيش فلا يقع في المخالفات الشرعية ويرتكب الجرائم باسم الإسلام العظيم.
وعليه فإن محاولة الربط بين الأمرين هي محاولة خاطئة، أعني الربط ما بين ما يكون ظاهرا من أن فلاناً قد فتح البلدان؛ وما بين أن يكون فلان هذا مسلماً مؤمناً تقياً عادلاً، إذ لا ملازمة بين الأمريْن، وعلى الحاذق أن يبحث في ما وراء الظواهر ويفتّش عن الأسباب الحقيقية التي دفعت فلاناً لأن يجيّش الجيوش ويرسلها للفتح باسم الإسلام، فإن كانت نيّته نيّة صادقة مخلصة وجب احترامه، أما إن كان له أهداف أخرى فلا.
وهذا هو ما يفعله المسلمون الحقيقيون، أعني شيعة أهل البيت (عليهم السلام) فإنهم لا ينخدعون بالمظاهر أبداً، وإنما يفتشّون عمّا وراء الشخصيات التاريخية، فمن وجدوا باطنه يوافق ظاهره في الإيمان احترموه ووالوه وترّحموا عليه، ومن وجدوه على خلاف هذه الصفة اعتبروه منافقاً وذمّوه ولعنوه. وهذا هو منهج الإنسان المؤمن المتوازن كما لا يخفى.
ثم إننا حتى لو تنازلنا عن كل ما سبق وأقررنا بأن تلك الفتوحات المذكورة كانت إسلامية تماماً وبهدف نشر هذا الدين العظيم، فإن ذلك لا يلازم أيضاً أن يكون من أمر بها مؤمناً براً، بل قد يكون فاسقاً فاجراً! والدليل على ذلك الحديث الشريف الوارد عن رسول الله الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) والذي يقول فيه: ”إن الله عز وجل ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر“! (صحيح البخاري ج4 ص34 وصحيح مسلم ج1 ص74 وغيرهما كثير).
فالمطلوب إذاً هو البحث جيدا والتحقيق، وعدم الانخداع بالمظاهر، فقد يكون من ينصر الدين في الظاهر فاجراً كما نصّ النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم. والإسلام هو دين متوازن كلّي، فلا يقبل مثلاً من يصلي دون أن يصوم أو يحج! وكذا لا يقبل من يجيّش الجيوش لأجل الفتح لكنه من جانب آخر ينقض على أهل بيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) فيقتلهم ويغتصب حقوقهم!
ج2: كذلك الحال في الأنبياء عليهم السلام، فإن الله تعالى لم يمنح معظمهم الحكم والسلطان، وإنما أعطى قليلا منه سليمان ويوسف (عليهما السلام) مثلاً، فهل يصحّ القول: كيف ترك الله أنبياءه بدون مساندتهم وتقويتهم ولو قليل منهم غير هذين النبيّين؟! وعجباً كيف ترك الله معظم أنبياءه يتعرّضون للاضطهاد والتشريد والقتل دون أن يدفع عنهم؟!
إن مثل هذه الاعتراضات هي اعتراضات ساذجة، فإن المؤمن الواعي يدرك بأن الله تعالى لم يشأ أن يُجبر أحداً أو يقهره، وإنما جعل الإنسان مخيّراً، فلو قبل النبي وحكمه كان ذلك، ولو لم يقبله كان على النبي أن يضحّي ويتحمّل تكذيب الناس له ثم قتلهم إياه!
وكذا الحال في الأئمة (عليهم السلام) فإن الله تعالى جعل البشر مختارين، فلو قبلوا ولاية وحكم الأئمة (عليهم السلام) فبها، وإن لم يقبلوا كان على الأئمة (عليهم السلام) أن يتحمّلوا تكذيب الناس لهم ثم قتلهم إياهم!
وهذا لا يعني أن الله تعالى قد خذل أنبياءه وأولياءه (عليهم السلام) بل إنه يمثّل صورة من صور العدل الإلهي، فإن الله لو تدخّل وأجبر الناس على قبول ولاية أحد من أنبيائه أو أوليائه لكان ذلك جبراً وقهراً، وهذا خلاف العدل، إذ يصحّ للمجبور على المعصية أن يعترض على الله تعالى يوم القيامة أن: ”كيف تعذبني وقد أجبرتني على المعصية“؟! كما يصحّ لغير المجبور على الطاعة أن يعترض قائلا: ”لماذا لم تجبرني على الطاعة لأدخل الجنة كما جبرت غيري على ذلك“؟! كما يصحّ أصل الاعتراض على الله تعالى بأن: ”كيف تدخل هؤلاء المجبورين على الطاعة الجنة وإنما قد جُبروا ولم يستحقوا ذلك إذ لم يؤمنوا ويطيعوا بملء إرادتهم“؟!
وهكذا لن تنتهي الإشكالات، وحاشا لله تعالى أن يقع في الظلم أو يخالف مقتضيات العدالة والحكمة، وهكذا جرت حكمته على أن يجعل الإنسان مخيّراً لا مسيّراً، وهذا يلازم أن يترك للبشر الخيار بين أن يؤمنوا أو لا يؤمنوا، وبين أن يلتزموا بإمامة الخلفاء الشرعيين من آل محمد (عليهم السلام) وبين أن لا يلتزموا، وهكذا.
نعم في بعض المراحل يكون من قضاء الله تعالى وقدره أن ينفذ مشيئته في إيصال أحد من أنبيائه أو أوليائه (عليهم السلام) إلى الحكم والسلطان، كما حصل مع سليمان ويوسف ومحمد (صلوات الله عليهم) في الأنبياء، وعلي والحسن والمهدي (صلوات الله عليهم) في الأوصياء، وذلك لا عن طريق الجبر والإكراه، بل عن طريق تهيئة المقدّمات الموجبة لتحقّق ذلك. وليست كل المراحل مؤهلة لمثل هذه المقدّمات وإلا لبطلت الحكمة من امتحان البشر وابتلائهم.
وفقك الله وإيانا للاهتداء بنور آل محمد صلوات الله عليهم، والسلام.
العشرون من شهر رمضان لسنة 1429 من الهجرة النبوية الشريفة.