ما دام الله سكت عن الذين سيبدلون دينه فلماذا نتكلم نحن؟

شارك الإجابة على Google Twitter Facebook Whatsapp Whatsapp

بسم الله وكفى والصلاة على النبي الذي اصطفى
وبعد

يقول الله تعالى في محكم تنزيله
اذا جاء نصر الله والفتح ورايت الناس يدخلون في دين الله افواجا فسبح بحمد ربك واستغفره انه كان توابا

شيخنا لا يخفى عليكم وانتم من اصحاب المنزلة المعتبرة بين العلماء ان هذه الصورة نزلت في حجة الوداع اي في اخر
حياة الرسول صلى الله عليه وعلى اله ورضي
عن صحابته اجمعين وربنا يخبر الرسول

بدنو اجله فقد صح عن النبي انه قال عند
نزولها نعيت الي نفسي
ربنا يامر النبي بشيئين لا ثالث لهما

التسبيح بحمد الله شكرا له على اتمام الرسالة
الاستغفار استعداد لملاقاته سبحانه
السؤال سيدي
اذا كان الله قد سكت عن الذين سيبدلون دينه فلماذا نفرض على انفسنا ما سكت عنه صاحب الشان
واذا كان الله قد اقر ان الرسالة قد وصلت
وتمت فلماذا نفرض على انفسنا القول بانها
محرفة وهي ليست كما بينها رسول الله
هذا القول يقتضي شيئين
اولهما اما ان الله كان يخدع رسوله
والثاني ان الرسول كان يخدع الله والمسلمين

ارجو منكم اجابة شافية تنير السبيل

الشريف المحق


باسمه تقدست أسماؤه.

هذا الكلام مردود من وجهين:

أولهما؛ أن السورة المباركة لم تنزل في حجة الوداع كما توهّمتَ بل في فتح مكة المكرمة كما ذكره الطبري في تفسيره والقرطبي في تفسيره والبغوي في تفسيره والشوكاني في فتح القدير والجلالين في تفسيرهما وغيرهم. ومعلوم أن ما بين فتح مكة الذي وقع في السنة الثامنة وبين استشهاد النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) سنتان.
وثمة قول آخر بأن السورة نزلت في غزوة حنين إذ قال الواحدي النيسابوري: ”نزلت في منصرف النبي صلى الله عليه وسلم من غزوة حنين وعاش بعد نـزولها سنتين.
أخبرنا سعيد بن محمد المؤذّن، أخبرنا أبو عمر بن أبي جعفر المقرئ؛ أخبرنا الحسن بن سفيان، أخبرنا عبد العزيز بن سلام، أخبرنا إسحاق بن عبد الله بن كيسان قال: حدثني أبي، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: لما أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة حنين وأنـزل الله تعالى: إِذَا جَاءَ نَصْرُ الله قال: يا عليّ بن أبي طالب ويا فاطمة قد جاء نصر الله والفتح، ورأيتُ الناس يدخلون في دين الله أفواجا، فسبحان ربي وبحمده وأستغفره إنه كان توابا“. (أسباب نزول الآيات للواحدي النيسابوري ص308).
وعلى أي تقدير فإن السورة المباركة لم تكن آخر ما نزل من الذكر الحكيم، كيف وبين نزولها واستشهاد النبي (صلى الله عليه وآله) سنتان؟! فإنه لا يمكن لأحد أن يدّعي أنه قد انقطع الوحي في هاتين السنتين الأخيرتيْن.
ولعلّ ما توهّمتَه من أنها كانت آخر ما نزل من القرآن يرجع إلى حديث ابن عباس الذي رواه مسلم عن عبيد الله بن عتبة قال: ”قال لي ابن عباس: تعلم - وقال هارون - تدري آخر سورة نزلت من القرآن نزلت جميعا؟ قلت: نعم؛ إذا جاء نصر الله والفتح. قال: صدقت“. (صحيح مسلم ج8 ص243).
وإنك لو تدبّرت في الحديث لعلمتَ بأن المقصود آخر سورة نزلت بأجمعها - أي كاملة دفعة واحدة - على رسول الله صلى الله عليه وآله، لا آخر ما نزل من آيات الذكر الحكيم، وذلك قوله: ” آخر سورة نزلت من القرآن نزلت جميعا“. فتنبّه.
ومع هذا فقد روى البخاري ومسلم عن البراء بن عازب أن آخر سورة أنزلت كاملة - وفي لفظ آخر: تامة - هي سورة براءة أي التوبة! (صحيح البخاري ج5 ص115 وصحيح مسلم ج5 ص61) فيما روى البيهقي والطبراني والحاكم عن عائشة أن آخر سورة نزلت هي المائدة! وذلك حديث جبير بن نفير قال: ”حججت فدخلتُ على عائشة رضي الله عنها فقالت لي: يا جبير تقرأ المائدة؟ فقلت: نعم. قالت: أما إنها آخر سورة نزلت، فما وجدتم فيها من حلال فاستحلّوه وما وجدتم من حرام فحرّموه“. (سنن البيهقي ج7 ص172 ومسند الشاميين للطبراني ج3 ص144 ومستدرك الحاكم ج2 ص311 وقد حكم بصحة الحديث على شرط الشيخين).
ووافقها على ذلك عبد الله بن عمرو بن العاص إذ روى عنه البيهقي أن آخر سورة أنزلت هي سورة المائدة. (سنن البيهقي ج7 ص172).
وهكذا تجد أن كل واحد من هؤلاء الذين ترجع إليهم الفرقة البكرية مختلفون متناقضون في آخر سورة أنزلت من القرآن الحكيم، مع أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) بينهم وهم معاصرون لأيامه ولياليه ومع ذلك قد اختلفوا في ما يُفترض أن لا يختلفوا فيه إذا كانوا حريصين حقاً على تتبّع كتاب الله تعالى وحفظه ونقله للأجيال اللاحقة!
أما آخر ما نزل من آيات القرآن فالاختلاف فيه عند الفرقة البكرية ليس بأقل من اختلافهم في آخر سورة نزلت، فما بين قائل بأنها آية: ”يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ“ (البقرة: 279) وهو ما رواه البخاري عن ابن عباس وابن حنبل عن عمر، وما بين قائل بأنها آية: ”وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ“ (البقرة: 282) كما رواه النسائي عن ابن عباس أيضاً وعن سعيد بن جبير! وما بين قائل بأنها آية: ”وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً“ (النساء:94) كما رواه البخاري عن ابن عباس أيضا! وما بين قائل بأنها آية: ”يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ“ (النساء: 177) كما رواه البخاري ومسلم عن البراء بن عازب! وما بين قائل بأنها آية: ”لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ“ (التوبة: 128) كما رواه الواحدي عن أبي بن كعب! وما بين قائل بأنها آية: ”يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً فَاكْتُبُوهُ“ (البقرة: 283) كما رواه الطبري عن سعيد بن المسيب! وما بين قائل بأنها آية: ”فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً“ (الكهف:111) كما رواه الطبري عن معاوية بن أبي سفيان! وما بين قائل بأنها آية: ”الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِيناً“ (المائدة: 4) كما أشار إليه السيوطي في الإتقان!
فعلى كل حال يسقط ما أردتَ أن ترتّبه على إثبات أن سورة النصر كانت آخر ما نزل من القرآن الحكيم، إذ ثبت أنها ليست كذلك فقد نزلت بعدها سور أو آيات، فالقائل بأنها آخر ما نزل لا يعني أكثر من أنها كانت آخر سورة كاملة نزلت بأجمعها، وإلا فقد نزلت بعدها آيات عدّة طوال سنتين إلى أن استشهد النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم، على أن هذا القول ليس سوى واحد من أقوال شتّى، فهناك من قال بأن سوراً أخرى كانت آخر ما نزل مجتمعةً كاملة.

الوجه الثاني؛ أنه على التنزّل وافتراض أن هذه السورة كانت آخر ما نزل من القرآن في حجة الوداع فإن ما رتّبتَه على ذلك من قولك أن الله لم يأمر فيها نبيّه (صلى الله عليه وآله) إلا بالتسبيح والاستغفار وهذا يلازم سكوته عن الذين سيبدلون دينه وأن الدين لم يحرَّف وإلا لكان الله قد خدع رسوله أو أن الرسول كان يخدع الله والمسلمين - والعياذ بالله - هو ترتيب باطل علميا، ذلك لأن الأمر بالتسبيح والاستغفار إنما فُرِّعَ على تحقق النصر بالفتح، ولا يلازم ذلك سقوط سائر الأوامر الإلهية ومنها تحذير الأمة من الانقلاب والارتداد بعده صلى الله عليه وآله، وهو ما قام به (صلى الله عليه وآله) فعليا. وهذا التفريع لا يلازم سكوت الله تعالى عن الذين سيرتدّون ويبدّلون دينه وينقلبون على أعقابهم، كيف وقد قال فيهم: ”وَمَا مُحَمَّدٌ إِلا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ“ (آل عمران: 145) وقال فيهم: ”وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ“ (النور: 48) وقال فيهم: ”يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ“ (المائدة: 54) وقال فيهم: ”يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لاَ يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُواْ آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ“ (المائدة: 42) وقال فيهم: ”وَأَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَاحْذَرُواْ فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ“ (المائدة: 93).
أما رسولنا الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) فقد حذر مرارا وتكرارا من أن كثيرا من أصحابه سينقلبون بعده، وأنهم سيأخذون بسنن اليهود والنصارى، ومعلوم أن على رأس تلك السنن اليهودية والنصرانية هو تحريف الدين السماوي.
فقال (صلى الله عليه وآله) كما رواه البخاري ومسلم عن أبي سعيد: ”لتتبعنّ سنن من قبلكم شبرا بشبر وذراعاً بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب لتبعتموهم! قلنا: يا رسول الله؛ اليهود والنصارى؟ قال: فمن“؟! (صحيح البخاري ج8 ص151 وصحيح مسلم ج8 ص57).
وقال (صلى الله عليه وآله) كما رواه البخاري: ”أنا فرطكم على الحوض وليرفعن رجال منكم ثم ليختلجن دوني فأقول: يا رب أصحابي! فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك“! (صحيح البخاري ج7 ص206).
وأخرج البخاري أيضا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ”يرد على يوم القيامة رهط من أصحابي فيجلون عن الحوض فأقول: يا رب أصحابي! فيقول: إنك لا علم لك بما أحدثوا بعدك، انهم ارتدوا على أدبارهم القهقرى“. (المصدر نفسه).
وأخرج البخاري أيضا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ”بينا أنا قائم فإذا زمرة حتى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم فقال: هلم، فقلت: أين؟ قال: إلى النار والله، قلت: وما شأنهم؟ قال: انهم ارتدوا بعدك على أدبارهم القهقرى. ثم إذا زمرة حتى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم فقال: هلم، قلت: أين؟ قال: إلى النار والله، قلت: ما شأنهم؟ قال: انهم ارتدوا بعدك على أدبارهم القهقرى. فلا أراه يخلص منهم إلا مثل همل النعم“. (المصدر نفسه).
وعلى هذا يسقط ما توهّمتَه من أن الله تعالى قد سكت، أو أن رسوله (صلى الله عليه وآله) قد سكت، فهاهي الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة توضح بجلاء حتمية وقوع تحريف وتزييف للدين الإسلامي إلى درجة أنه ستتكون ثلاث وسبعون فرقة كلها في النار إلا واحدة! فهل بعد هذا يقول عاقل أن الدين لم يُحرَّف ويُزيَّف؟! إذا كان الأمر كذلك فما معنى نشوء كل هذه الفرق وما معنى الوعيد النبوي لها بالنار إلا واحدة؟!
ليس معنى ذلك إلا حتمية وقوع التحريف وأن فرقة واحدة فقط ستبقى على الأصل، أي على الدين السليم.
فابحث أنت عن هذه الفرقة الناجية، ولا أظنك ستجدها غير الذين شايعوا آل محمد صلوات الله عليهم! أوليس أهل البيت أدرى بما فيه؟!

وفقنا الله وإياكم للهدى والصلاح. والسلام.

ليلة الرابع عشر من شوال لسنة 1429 من الهجرة النبوية الشريفة.


شارك الإجابة على Google Twitter Facebook Whatsapp Whatsapp