لماذا يكون فعل زينب (عليها السلام) حجة مع أنها خالفت الوصية بعدم الجزع؟

شارك الإجابة على Google Twitter Facebook Whatsapp Whatsapp

‏بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم

شيخنا الحبيب // ياسر الحبيب

نحن شيعة من البحرين بصدد اصدار نشرة عن التطبير

الاخرون يستشكلون علينا ان السيدة زينب (ع) غير معصومة فأمرها ليس حجة بالغه

وثانياً يقولون السيد الخوئي والسيد الخميني (قدس ) لم يثبتوا رواية المحمل ..!!

وثالثاً يقولون انها بهذا الشي خالفت وصية الحسين (ع) في الجزع

كيف نرد على هؤلاء برد علمي منطقي مبني على اقوى الردود

وسنتواصل معكم

نريد ان نثبت عصمة السيدة زينب (ع)

وغيرها الامور التي ذكرتها


باسمه تعالى شأنه. وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته. عظم الله أجورنا وأجوركم بذكرى استشهاد سيد الأحرار والشهداء الإمام الحسين بن علي (صلوات الله وسلامه عليهما) وجعلنا الله تعالى ممن يثأر له ولأهل بيته وأصحابه (عليهم السلام) مع ولده المنتظر الحجة أرواحنا فداه وعجل الله فرجه الشريف. كما وعظم الله أجورنا وأجوركم بفاجعة الاعتداء على مرقد الإمامين الهادييْن العسكريّيْن (صلوات الله وسلامه عليهما) وجعلنا الله ممن يثأر ويقتص من النواصب المجرمين قريبا عاجلا إن شاء الله تعالى.


ج أولا: لا يقول بعدم حجية فعل وقول وتقرير مولاتنا الحوراء (صلوات الله عليها) إلا من لم يذق طعم الولاء فضلا عمّن لم يعرف الأبجديات العلمية، فإنْ لم تكن زينب في هذا المقام فمن تكون إذن؟!

إنها التي وصفها الإمام المعصوم السجاد (صلوات الله عليه) بقوله: "عالمة غير معلّمة" (كما في الاحتجاج ج2 ص31 وغيره) وهو نص يكفي في تأكيد حجّيتها، ذلك لأن معناه أنها لم تكتسب العلم اكتسابا من أحد، وإنما هو لدُنيٌّ فيها، أي تلقته عن طريق الغيب، وبذا يكون ما يصدر منها مطابقا للتكليف الواقعي لا الظني كما هو الحال في ما يصدر من العالم المجتهد. وحتى على فرض التنزّل عن ذلك فإن هذا النص يجعل التعبّد بما فعلته وقالته وقرّرته مبرئا للذمة، ذلك لأن مجرّد وصفها بالعالمة يعني أنها عارفة بالأحكام الشرعية تمام المعرفة، وإلا لما شهد لها المعصوم بهذه الشهادة العظيمة.

إنها التي نصبها الإمام المعصوم الحسين (صلوات الله عليه) في مقام الإمامة الظاهرية عندما أوصى إليها وأمر الناس بالرجوع إليها لتلقّي شرائع دينهم تستّرا على وصيّه علي بن الحسين عليهما السلام (كما رواه الصدوق في كمال الدين ص501) فكيف يُقال لمثلها أنها ليست حجة؟!

وأما عن كونها معصومة فذلك لا شك فيه ولا ريب، فإنه مقتضى قوله (عليه السلام) فيها أنها عالمة غير معلّمة، إذ ليست العصمة سوى قوة في العلم والإيمان تمنع صاحبها من الوقوع في المعصية بعد تشخيصها، وما دامت "عالمة" بشهادة الإمام المعصوم فإنها معصومة، هذا من جهة، ومن جهة أخرى؛ فما دامت "غير معلّمة" فإنها معصومة بلحاظ اتصالها بالله تبارك وتعالى الذي تلقّت علمها منه. ومن جهة ثالثة فإنها معصومة كونها قد نُصبت بأمر المعصوم مبلّغة وناطقة عنه، ولا يمكن أن يكون من هو في هذا المقام غير معصوم وإلا لأمكن الشك في ما يصدر عنه هل أنه مما صدر عن الإمام أم لا؟ ولهذا يقول العلماء أيضا بعصمة السفراء الأربعة (عليهم السلام) فما داموا قد عُيّنوا بأمر الإمام في هذا المقام الرفيع فلا يمكن للمكلّف سوى التسليم لأمرهم والقبول بعصمتهم التبليغية والسمع والطاعة لما يصدر منهم باعتباره صادرا عن الإمام عليه السلام. وحال الحوراء (صلوات الله عليها) كحال السفراء الأربعة عليهم السلام، بل مقامها أرفع وأجلّ وأعظم، كيف ولا وهي ابنة رسول الله، وابنة أمير المؤمنين، وابنة سيدة نساء العالمين، وأخت السبطين الحسن والحسين، صلوات الله عليهم أجمعين، فهي إذن من أهل بيت النبوة وموضع الرسالة ومختلف الوحي والملائكة.. فهل يُعقل أن يتفوّه موالٍ مخلص بما يتفوّه به هؤلاء الذين ذكرتموهم ممن أعمت الولاءات السياسية بصائرهم فنسوا ولاءهم الأصلي لأهل البيت (عليهم الصلاة والسلام) أو تناسوه؟! وهل يُعقل أن يتلفّظ موالٍ مخلص بمقالة يحطّ فيها من مقام بطلة كربلاء (سلام الله عليها) فيحتمل قيامها بفعل حرام أو مشكل شرعا؟!! نعوذ بالله من هذا الكفر وهذا الهذيان!

ثم بغض النظر عن كل ذلك؛ فإن ما وقع من مولاتنا الحوراء (أرواحنا فداها) يوم الكوفة، حين شجّت رأسها بمقدّم المحمل وسال الدم من تحت قناعها، قد وقع في مرأىً من الإمام المعصوم حجة الله على خلقه زين العابدين (صلوات الله عليه) فلم ينهاها، وعدم نهيه هو تقرير في المقاييس الشرعية، فيكون حجة.


ج ثانيا: لم نطلّع بعدُ على ما نسبوه إليهما من قول بعدم ثبوت الرواية حتى نفحصه ونرى ما فيه، فلو أرسلوا إلينا نص كلامهما كان ذلك أجدى وأنفع وأضبط في المناقشة. ولو كان هذا قولهما فهو يخالف المشهور المتسالم عليه بين العلماء قديما وحديثا من اعتبار الرواية والعمل بمضمونها.

وقد مضى جوابنا على سؤال يماثل سؤالكم هذا، وقلنا فيه هناك أن الرواية معتبرة وإن كانت مرسلة، حيث إن العلامة المجلسي (رضوان الله عليه) قال: "رأيت في بعض الكتب المعتبرة رُوي مرسلا عن مسلم الجصاص.." وكون الرواية مرسلة لا يخدش فيها، فالإرسال لا يعني سوى استغناء الراوي أو الماتن عن ذكر السند، واختصاره، لا أن الخبر ضعيف أو غير صحيح كما يتوهّمه بعض الجهلة الذين بمجرّد أن يكرهوا رواية ما يرمون إلى إسقاطها بزعم أنها مرسلة! وقد غاب عن هؤلاء أن كثيرا من الأحكام الشرعية العبادية التي نعمل بها اليوم إنما استُنبطت من روايات مرسلة مشمولة بكليات من قبيل أصالة الإباحة مثلا، وراجعوا في ذلك الكتب الفقهية الاستدلالية لتتبيّنوا. هذا وإن كان العلامة المجلسي قد حكم على الرواية بالاعتبار، فإن هناك من حكم عليها بالصحة كالعلامة شيخ الشريعة الأصفهاني. كما قد رُويت هذه الرواية في مصادر أخرى كمنتخب الطريحي ج2 ص478 وجلاء العيون للسيد عبد الله شبر ج2 ص238 وعوالم الإمام الحسين (عليه السلام) للشيخ عبد الله البحراني ص373. كما أن اعتماد أعاظم الفقهاء على هذه الرواية قديما وحديثا يطمئن النفس إلى صحتها، فإنه في عالم الحوزات يكون اعتماد الأصحاب (أي العلماء) على رواية ولو كانت ضعيفة جابرا لها، كما يكون إعراضهم عنها ولو كانت صحيحة موهنا لها.


ج ثالثا: لم تخالف وصيته (صلوات الله عليهما) فهو إنما أوصاها بعدم الجزع في ظرف زمان المعركة، لئلا يتسبب ذلك في هتك ستور بنات الرسالة (صلوات الله عليهن) أمام الأعداء حين يفقدن الوعي بسبب جزعها – كونهن يتأثّرن بها في المقام الأول – فيفسح ذلك المجال للأوغاد لهتك الخدور. ويتبيّن ذلك من التدقيق في قوله (عليها السلام) لها: "يا أخيّة! إني أقسمت عليك فأبرّي قسمي: لا تشقّي عليّ جيبا، ولا تخمشي عليّ وجها، ولا تدعي عليّ بالويل والثبور؛ إذا أنا هلكت". (مستدرك الوسائل ج2 ص452). فانتبه جيّدا لقوله: "إذا أنا هلكت" تعرف أنه أمر خارجي مقيّد بحال استشهاده بأبي هو وأمي، لا أنه دائم ومستمر مع ارتفاع موجباته. ولذا ورد عن مولانا السلطان الرضا صلوات الله عليه: "إن يوم الحسين أقرح جفوننا وأسبل دموعنا.." (أمالي الصدوق ص190) وهو واضح في استصحابه للجزع. كما أن مولانا أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) خاطب سيدنا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بعدما واراه الثرى بقوله: "إن الجزع لقبيح إلا عليك"! (نهج البلاغة ج4 ص71) ومنه يُفهم أن الجزع على المعصوم مستحب مؤكد وعلى غيره حرام.

والحاصل أن إمامنا الحسين (صلوات الله عليه) إنما طلب من أخته الحوراء زينب (صلوات الله عليها) أن تتمالك نفسها برباطة جأش عندما تراه قد قُتل حفاظا على بنات الرسالة اللاتي سيصبحن في عهدتها. أما بعد ذلك، فالتاريخ يشهد على جزع أهل البيت (عليهم السلام) جيلا بعد جيل على مصاب جدّهم الحسين الشهيد أرواحنا لتراب مقدمه الفداء. وبهذا يُعلم أن ما وقع من زينب (صلوات الله عليها) يوم الكوفة لم يخالف وصية الحسين (صلوات الله عليه) لأنها كانت وصية مقيّدة بظرف المعركة ليس إلا.

نصركم الله لنصرة شعائره التي هي من تقوى القلوب. والسلام.

28 من شهر محرم الحرام لسنة 1427 من الهجرة النبوية الشريفة.


شارك الإجابة على Google Twitter Facebook Whatsapp Whatsapp