رسالة للشيخ حول رأيه في بعض الشخصيات

شارك الإجابة على Google Twitter Facebook Whatsapp Whatsapp

بسم الله الرحمن الرحيم

رسالة إلى الشيخ الفاضل ياسر الحبيب حفظه الله تعالى

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

سماحة الشيخ الفاضل ياسر الحبيب أعزه الله بعد التحية

نشكركم يا شيخنا على ما بذلتموه في خدمة الشيعة والتشيع وفضح أعداء أهل البيت عليهم السلام ، ورفع الهمة الشيعية في سبيل رفع الظلم والحيف الواقع عليهم حتى تغير الواقع الشيعي بنحو من الأنحاء نحو الأفضل من قول كلمة الحق ورفض الظلم والطغيان والواقع المحيط خير شاهد على ذلك من مسألة المطالبة والسعي إلى محاكمة وملاحقة الإرهابيين التكفيريين المجرمين من صغارهم إلى أعلى رموز السلطة لديهم والشكر لله على ذلك ثم لرسول الله وأهل بيته الطاهرين ثم يرجع بعض الفضل لكم في ذلك لكم أيضا ، كما يرجع لكم بعض الفضل في اسقاط الهيبة من المساس برؤوس الطغيان والإجرام والكفر أبي بكر وعمر وعثمان وعائشة لعنهم الله جميعا وهو مما تشكرون عليه أيضا.

إلا إنا نرى عليكم شيئا من الاستعجال في التسقيط والتجريح والتكفير للعلماء وهو أمر كان كبار علماءنا يبتعدون عنه كالعلامة الأنصاري قدس سره الشريف حيث كان شديد الحذر في ذلك ، لاحظ يا شيخنا العزيز – حفظكم الله وأيدكم بلطفه الواسع – أن التكفير لا يكون لمجرد إنكار الضروري فقط بل يكون بإنكار ما يعلم من الدين من الضرورة بلا شبهة وقال بعض الأعلام أن ذلك الإنكار يكون بحيث أن يؤدي إلى تكذيب النبي أو المعصوم نتيجة ، فما المانع يا شيخنا أن يكون الاشتباه واقع من هذا العالم أو ذاك في فهم النص الشرعي ونفي الاشتباه عن أي شخص ليس بالأمر اليسير كما هو معلوم ، وأمر تكفير هذا أو ذاك تكفيرا موضوعيا أو حكميا أو تسقيطه وتجريحه مما يحتاج إلى الأدلة القوية المعتبرة وبعض الأحاديث الضعيفة ليست بحجة في موارد التكفير والتسقيط وما أشبه للعلماء أو حتى لعامة الناس – ولا يعني ذلك تكذيبها لا سمح الله – ونحن لا ننهى عن تخطئة الأقوال وتصويبها ولكن الكلام في التسقيط .

وهذا الأمر لا نراه لدى الخط الشيرازي اجمالا فهذا الامام الراحل السيد الشيرازي يتكلم عن السبزواري والأنصاري رحمهم الله وهذا قوله :
يذكر أن الشيخ مرتضى الأنصاري (قدس سره) ، كان قـد درس عند الحكيم السبزواري كتاب ( الشوارق ) للاهيجي ، وبعض الأبحاث الفلسفية وذلك بمدرسة الحاج حسن بمشهد المقدسة ولمدة سنتين كاملتين .

وينقل عن الحكيم السبزواري قوله:

كنت أنا والشيـخ الأنصاري نعكف معاً على خدمة الإسلام, ومضت السنون ، وغدا الأنصاري المرجع الأعلى للشيعة في زمانه ، وتذكر أستاذه بالأمس ، فأرسل إليه من يوصل إليه سلامه وتحياتـه ، وعندما وصل الرسول وهو يحمل السلام كان الحكيم السبزواري جالساً في زاوية من زوايا المدرسة .
وما أن سمع الأستاذ السلام ، حـتى انتفض قائماً احتراماً وتوقيراً للشيخ الأنصاري ، وهو يقول . ( منه السلام وإليه يرجع السلام وعليه السلام ) . انتهى النقل.

وهذا كلام آخر له – قدس سره – في كتابه وقفة مع الوجوديين يقول :

إنه مثل شبابنا الذين هم أغنى الأغنياء من ناحية الفلسفة الاسلامية والعلوم النظرية، ومع ذلك يتسكعون على باب هذا وحانوت ذاك.
وذلك لما صنعه المستعمر بهم، حيث أفرغ مناهج التعليم والتربية عن الرصيد الضخم الذي كان للمسلمين في هذه العلوم. لقد كان مثال المسلمين إلى ما قبل نصف قرن مثال القطر الذي له جيش ضخم يحميه من هجمات الأعداء وعبث المفسدين.
نعم أخذ الأعداء من الخارج وجماعة من أهل القطر في الداخل يعملون لتبديد ذلك الجيش وتشتيت شمله، حتى سلخوا القطر من الجيش، فإذا بالأعداء يستبيحون المدينة.
وهكذا كان المسلمون.. لهم العقائد القوية المتينة، التي ليست فوقها قوة ومتانة في الناحيتين الطبيعية والإلهية، لقد أكسبتها الأزمان المتطاولة قوة ومنعة، بحيث لا يمكن أن يأتي آت بمزيد عليها… وإذا بالأعداء من الخارج، وجماعة من الجهال أو العملاء في الداخل يهجمون على ذلك الرصيد الضخم فينهبونه، ويبدلونه بشيء عجيب وخلط قليل وفي صورة بدائية يتعجب الإنسان كيف رضي المسلمون بهذا بعد ذلك, والغريب أن الرصيد باق بعد لم يمح من الوجود وإنما محي من الأذهان، فمثله في ذلك مثل أحكام الإسلام التي لم تمح من القرآن الحكيم وبطون الكتب الإسلامية، وإنما محيت من المجتمعات، وأجهزة الحياة. انتهى النقل.

ما نقوله يا شيخنا العزيز إنكم إذا أردتم مواجهة خط الفلسفة المتفشي في الأمة والمنتشر فيها انتشار السرطان في الجسد حتى صارت مثل الحوزة الزينبية تدرس الفلسفة في مناهجها فينبغي التصدي له من الباب الذي دخل منه كطباعة الكتب التفصيلية والمعمقة التي تعالج مسألة الفلسفة من الداخل والخارج فمن الداخل من باب المثال يتم الرد على كتب الأسفار لملا صدرا وبداية الحكمة ونهاية الحكمة للطبطبائي ومن الخارج من خلال التوثيق الجاد والتوضيح الشافي للروايات المعارضة للفلسفة اعتمادا على التخطيء قبل التسقيط .

ثم صحيح أنه إذا جاهر الفاسق بفسقه فلا حرمة له ولا غيبة وصحيح أن النبي قال في الخبر الصحيح :\" إذا رأيتم أهل الريب والبدع من بعدي فأظهروا البراءة منهم وأكثروا من سبهم والوقيعة بهم ...\" إلا أن الخبر معلل بأنه حتى لا يتعلم الناس من بدعهم ولكي يحذروهم ولكي لا يطمع أهل الريب بالفساد بالإسلام، ولكن في بعض الموارد يكون إكثار السب سببا لمعرفة الناس بهم بعد أن كانوا مجهولين ولذا روي عن المعصومين عليهم السلام بأنه \"يموت الباطل بترك ذكره\" فيكون إعلان التسقيط بذلك صورة من صور الدعاية السلبية وهو مثل ما حدث مع فضل الله حيث بذلك دعاية لم يكن يحلم بها هذا من جانب ومن جانب آخر قال تعالى : \"ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم كذلك زينا لكل امة عملهم ثم الى ربهم مرجعهم فينبئهم بما كانوا يعملون\" وفي الآية الشريفة تقيدان عدم السب بشيئين مرتبطين ببعضهما:

الأول هو سب الله والذي وجهته بعض الروايات بسب أولياء الله.

والثاني هو عدم العلم ولعل سب الذين يدعون من دون الله جائزا إذا قامت عليهم البينة وصار لديهم العلم وإن لم نرى أحدا يقول بذلك حسب التتبع الناقص انصافا
ولذا صار الجانب الأضمن هو مقارعة الحجة بالحجة قبل التسقيط المثل بالتخطيء مع ذكر الأدلة القوية والمعتبرة والدخول من الطريق الذي دخل منه الشر وسده من ذلك الطريق ثم استخدام باقي الطرق بقدر الإمكان .

إن غلقكم لباب الأسئلة العلمية وفتح الباب لأسئلة التقييم والتوجيه أمر خطير حيث أن الامام الحجة عجل الله فرجه الشريف قد جعل الحكم بيد العلماء الفقهاء العدول في الحوادث الواقعة والأمور العامة مما يعني ترجيح احتياطكم الشديد والتأني قبل الحكم على الحوادث الواقعة إن كنتم ترون أنفسكم أهلا لذلك .

ثم إن الاستعجال في الأحكام قبل التبين قد يستتبع الندم وتغيير الموقع الذي يتبعه تقريع الناس ومحاسبتهم من باب أنه إما أن يكون الموقف السابق صحيحا أو يكون الموقف اللاحق كذلك خصوصا مع عدم تبدل الحال أو تبدل الظروف مثل ما حدث مع الشيخ علي الكوراني حينما غير موقفه مع الإمام الراحل السيد الشيرازي قدس سره ، أو مثل ما حدث مع الشيخ الوائلي بعد وفاته في قضية التطبير مع أنه قد اشتهر بأنه قد اعتذر عما بدر منه وكذلك مسألة ترضيه عن الصنمين حيث نقل لي أحدهم ما مضمونه أنه أعلن أنه ليس بفقيه وأنه فعل ذلك من باب مقدمات هداية الغير والتدرج مع الطرف المخالف وما أشبه في ذلك الوقت حتى يستمع لقوله ، وإن كنا تختلف معه بكيفية الدعوة إلى التشيع ولست أدري حقيقة هل هذا يعد صورة من صور الإعتذار أم لا في هذه المسألة ولكن ما المانع من إلتماس العذر مثلا إن كان المجال يسمح بذلك ؟ ، وكذلك مع حسين الأكرف وتبدل موقفه ضد الشيرازية فهل كان بالسابق على حق أم الآن ، أو تبدل موقف حسن الصفار مع سلطة آل سعود, المهم إن الإنسان من الصعب أن يسلم من الانتقاد المعتبر أو الغير معتبر ولكنه لا ينبغي أن يمنع الإنسان من التغير والتبدل إذا كان التغيير صحيحا لأننا يجب أن نخشى الله وليس الناس .

ثم إنا نعلم من سيرة المعصومين عليهم السلام اتخاذ منهج السلم واللين على المستوى القولي والفعلي حتى مع العدو والابتعاد عن الاستفزاز وإثارة العناد لدى الطرف المخالف, انظر ما قاله السيد الشيرازي قدس سره في ذلك من كتاب السبيل إلى انهاض المسلمين:

لما كان مبدأ (السلام) استراتيجياً وحساساً كان لا بد لنا من أن نتحدث حوله بشكل مفصّل، وفي هذه الحلقة من الحديث نواصل البحث عن السلام الذي هو من أهم أسس النضال، لإقامة حكومة الألف مليون مسلم في الأرض.

فمن الضروري مراعاة السلم بالنسبة إلى القائمين بالحركة الإسلامية العالمية، لأن السلام يوجب أولاً التفاف الناس وثانياً يوجب كبح جماح الأعداء، ولذا قال أمير المؤمنين لأصحابه: (إني أكره لكم أن تكونوا سبابين), وقبل ذلك قال القرآن الحكيم: (ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدواً بغير علم).

فالسباب والاعتداء يوجب تقزز الأصدقاء وقوة الأعداء، ولا داعي إلى ذلك، فإن السب لا ينتهي إلى شيء، وإنما الذي يجب أن يراعيه الإنسان أمام عدوه هو أن يدفع بالتي هي أحسن، كما في القرآن الحكيم: (ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظٍ عظيمٍ).

فالقائمون بالحركة يجب أن يتحلوا بالسلام في فكرهم وفي قولهم وفي كتابتهم وفي مواجهاتهم، وحتى إذا نظموا مظاهرات أو اضرابات أو ما أشبه، يجب أن تكون الاضرابات والمظاهرات متصفة باللين، فالمهم أن يصلوا إلى الهدف وليس المهم إفراغ الحقد والبغضاء وما أشبه.

فإن الحقد لا يولد إلا الحقد، والبغضاء لا تولد إلا البغضاء، وفي المثل المشهور (لا يجتني الجاني من الشوك العنب)، فإن كل شيء يثمر مثله. الأخلاق الحسنة من الإنسان تثمر حسن الأخلاق في الجانب الآخر. أما الأخلاق السيئة فإنها تولد رد فعل سيئ، وهكذا بالنسبة إلى السلام، وما يقابل السلام، فكل واحد منهما يولد مثله.

وهذا الأمر يحتاج إلى ضبط الأعصاب وإلى سعة الصدر، وكما قال علي (عليه السلام): (آلة الرئاسة سعة الصدر) يعني أن يسع صدرك، لا في بعدٍ واحد فقط، وإنما لكل الأبعاد: أخلاقياً، اجتماعياً، فكراً، نضالاً... فآلة الرئاسة سعة الصدر، وكلما كانت سعة الصدر شاملة لكل الأبعاد أكثر كانت أقدر على استقطاب الناس وعلى الوصول بهم إلى الهدف المنشود.

ولذا نشاهد في أنبياء الله تعالى والأئمة الطاهرين والمصلحين العظام هذه الظاهرة: ظاهرة حسن الخلق، العفو، الإسلام، سعة الصدر، الحلم، التواضع، الصبر، عدم رد الاعتداء بالمثل، وإنما رد الاعتداء بالتي هي أحسن.

وهكذا نشاهد الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) في حرب البصرة، وهي أول حرب أقيمت ضده، فلما انتهت الحرب عزّز جانب الإسلام: فأرسل إلى عائشة من قال لها أن ترجع إلى بيتها بالمدينة بسلام. انتهى النقل.

وغيرها كثير من دعوات السيد التي استفادها من سيرة أهل بيت العصمة والتي كانت تدعو إلى اتخاذ سياسة عدم الإثارة كمنهج دائم ومستمر على طول الخط ، قال تعالى :\" فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك ... \"

جعلنا الله ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه بجاه محمد وآله الطيبين الطاهرين .

شيعي موالي


بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين
ولعنة الله على أعدائهم أجمعين

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

باسمه تعالى شأنه. وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

في البدء أشكركم على النصيحة الغالية، رحمكم الله وشكر لكم التفاتتكم الكريمة تجاهنا.

لسنا ننكر إمكان وقوع الاشتباه من أحد من العلماء في مسألة أو قضية ما، فليس أحد منهم معصوماً، وقد وقع في مثل ذلك أعاظم علمائنا بل لا نجد أحداً منهم سلم من كبوات وأخطاء، غير أننا حين نجد المخالفة صريحة لا يسوغها مسوغ شرعي، صادرةً ممن لا يُحتمل في حقه أنه قد ارتكبها عن خطأ أو اشتباه، محفوفة بقرائن في منهجه وسلوكه تدلّ على ميله وحيدته، بالغة مبلغ ناقضيتها للإيمان، مؤثرة في انجراف الناس نحو الضلال، فإنّا لا نجد مندوحة - حين نُسأل - عن التعبير عن صاحبها بالانحراف أو الزيغ والضلالة، باعثنا على ذلك أداء الوظيفة والخوف من عقاب الكتمان، ودافعنا إليه الألم مما آلت إليه اعتقادات هذه الأمة المرحومة من فساد واختلاط.

وقد قامت على ذلك سيرة العلماء أيضاً، ويكفيك للوقوف عليها الرجوع إلى مطاوي كتب الرجال، وتراجم العلماء، وما كان بين القميين والبغداديين، وما كان بين الأصولية والأخبارية، وما كان بين أنصار المستبدة وأنصار المشروطة، ولئن أردتَ إشارة عابرة فارجع إلى ما كان بين صاحب العروة وابنه الذي حين صلّى على جنازته قال: ”وَاغْفِرْ لأبِي إِنَّهُ كَانَ مِنَ الضَّالِّينَ“!

إن أحداً اليوم لا يشك في جلالة وعدالة الصدوق المولود بدعاء الحجة عليه السلام، كما لا يشك في جلالة وعدالة المفيد المنعي بأبيات الحجة عليه السلام، ومع هذا نجد الأخير يصف الأول بقوله: ”عمل على ظواهر الأحاديث المختلفة ولم يكن ممن يرى النظر فيميز بين الحق منها والباطل ويعمل على ما يوجب الحجة! ومن عوّل في مذهبه على الأقاويل المختلفة وتقليد الرواة كانت حاله في الضعف ما وصفناه! (...) قد كان ينبغي له لمّا لم يكن يعرف للقضاء معنى أن يُهمل الكلام فيه! (...) لو اقتصر على الأخبار ولم يتعاطَ ذكر معانيها كان أسلم له من الدخول في باب يضيق عنه سلوكه! (...) ما كان ينبغي لمن لا معرفة له بحقائق الأمور أن يتكلم فيها على خبط عشواء! والذي صرّح به أبو جعفر رحمه الله في معنى الروح والنفس هو قول التناسخية بعينه من غير أن يعلم أنه قولهم فالجناية بذلك على نفسه وعلى غيره عظيمة! (...) كشف نفسه في ما اعتقده من الحق بمجالسه المشهورة ومقاماته التي كانت معروفة وتصنيفاته التي سارت في الآفاق ولم يشعر بمناقضته بين أقواله وأفعاله! ولو وضع القول في التقية موضعه وقيّد من لفظه فيه ما أطلقه لسلم من المناقضة وتبيّن للمسترشدين حقيقة الأمر فيها ولم يرتج عليهم بابها ويشكل بما ورد فيها معناها! لكنه على مذهب أصحاب الحديث في العمل على ظواهر الألفاظ والعدول عن طريق الاعتبار، وهذا رأي يضرّ صاحبه في دينه ويمنعه المقام عليه من الاستبصار“! (راجع كتابه تصحيح اعتقادات الإمامية).

ولا يخفى عليك ما في هذا الرد من شدة وقسوة على شخص الصدوق، مع أن غاية ما صدر منه لم يكن سوى اشتباهات وأخطاء غير مقصودة، غير أنها لمّا كانت تؤثر على اعتقادات الناس وتجرفهم إلى حيث يضلون انبرى المفيد لهذا الردّ الشديد لأن الصدوق وإن كان عظيم القدر جليلاً إلا أن حفظ العقيدة الحقة أولى من حفظ جنابه، والحرص على عدم خدش العقيدة الحقة أولى من الحرص على عدم خدش شخصه. وإذا كان هذا الأسلوب مع من أخطأ واشتبه وجيهاً؛ فإنه يكون مع من حاد وانحرف وأسس مباني الضلال أوجه وأوجه.

ونحن لا نعمد ولا نبادر إلى تسقيط أحد، وإنما نجيب حين نُسأل ليس إلا، وليس تعبيرنا عن عمرو بأنه منحرف أو عن زيد بأنه بتري إلا حكاية عن موضوع اعتقاداته ومنهجه، ولسنا نكفّر أحداً حكماً على الإطلاق، وإنما نحكي موضوعه الكفري فقط، وأما الحكم فيُترك لأهله من الفقهاء العظام.

فإن قلت: لمَ لا تلتمسون له المحامل والأعذار من قبيل أنه أخطأ في الفهم أو اشتبه في المسألة؟
قلنا: قد مرّ أنّا حين لا نجد محملاً شرعياً ونجد المخالفة صريحة ناقضة محفوفة بالقرائن فإنّا نصم صاحبها بالانحراف والزيغ والضلالة، فالتثبت في محله ولسنا نهمله إن شاء الله تعالى، ولذا ترى أنّا حين لا نجتاز مرحلة التثبت ولا تطمئن النفس إلى الجرح أو التعديل نعبّر عن المسؤول عنه بلفظ: ”محل تحفظ“.
فإن قلت: لمَ لا تحملون ما تنقمون عليه على أنه صدر من باب التقية؟
قلنا: إنّا حين نرى ناقضاً من نواقض الإيمان قد أتى به فلان، كانت وظيفتنا الأولية إخراجه من الإيمان، إلا أن يأتينا ويدّعي أنه قد جاء بهذا الناقض الظاهري تقية، فإذا جاء نظرنا في دعواه، فإن كانت التقية تسوغ في مثله قبلنا وإذا لم تكن لم نقبل وبقى خارجاً عن الإيمان، لأن للتقية مواضع من أزالها عن مواضعها لم تستقم له. هذا إن جاء وأما إن لم يجئ فإنا ننظر هل ما أتى به وفعله إن افترضنا أنه ادّعى التقية فيه كان مما لا يؤدي إلى الفساد في الدين أم لا؟ فإن كان مما لا يؤدي قبلنا، وإن كان مما يؤدي لم نقبل وبقى خارجاً عن الإيمان.

وهذا الطريق رسمه إمامنا الصادق (صلوات الله عليه) كما في رواية شيخنا الكليني عن مسعدة بن صدقة قال: ”سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول وسُئل عن إيمان من يلزمنا حقه وأخوّته كيف هو وبما يثبت وبما يبطل؟ فقال عليه السلام: إن الإيمان قد يُتّخذ على وجهيْن؛ أما أحدهما فهو الذي يظهر لك من صاحبك، فإذا ظهر لك منه مثل الذي تقول به أنت حقّت ولايته وأخوّته إلا أن يجيء منه نقضٌ للذي وصف من نفسه وأظهره لك، فإن جاء منه ما تستدل به على نقض الذي أظهر لك خرج عندك مما وصف لك وأظهر، وكان لما أظهر لك ناقضاً إلا أن يدّعي أنه إنما عمل ذلك تقية، ومع ذلك يُنظر فيه فإن كان ليس مما يمكن أن تكون التقية في مثله لم يُقبل منه ذلك، لأن للتقية مواضع من أزالها عن مواضعها لم تستقم له، وتفسير ما يُتّقى مثل أن يكون قوم سوء ظاهر حكمهم وفعلهم على غير حكم الحق وفعله، فكل شيء يعمل المؤمن بينهم لمكان التقية مما لا يؤدي إلى الفساد في الدين فإنه جائز“. (الكافي ج2 ص168).

ومنه تعلم أن جواز التقية مقيّد بما لا يؤدي إلى الفساد في الدين، وصدور تلك النواقض ممن يقتدي العوام بفعالهم أمثال محمد باقر الصدر وأحمد الوائلي ومحمد حسين فضل الله وغيرهم من الذين ترحّموا وترضّوا وأثنوا على قتلة وأعداء أهل بيت النبوة (عليهم السلام) مع عدم إكراههم على ذلك قد أدّى واقعاً إلى الفساد في الدين، بل لو كان مع الإكراه لكان يجب عليهم أن يمدّوا رقابهم للسيف دفعاً لمحذور إبطال الحق وإحقاق الباطل والتلبيس على العوام، فكيف والحال هذه؟! وإذا تبيّن عدم وجود مسوغ التقية في حقهم، كان ذلك ناقضاً ويترتّب عليه اعتبارهم خارجين عن الإيمان، أي أنهم منحرفون بتريّون.

هذا ونحن معك في أن مواجهة الفلسفة المحرمة والعرفان الباطل إنما يكون بطباعة الكتب وإلقاء الدروس العلمية وما أشبه، غير أن ذلك إنما يقصر المواجهة في داخل الأروقة العلمية كالحوزات، وهذا الخط المنحرف قد تفشّى في عوام الأمة حين نقله أربابه إليهم، فاللازم التصدي له أيضاً على هذا المستوى، فيكون ذلك بالخطب والمحاضرات العامة والإجابات والتحذيرات وما إلى ذلك، وهو الذي نقوم به، أما ذلك الدور فقد نهض به ولا يزال ينهض بعض العلماء المحققين المخلصين جزاهم الله خير جزاء المحسنين، ولعل الله تعالى يمنّ علينا بمشاركتهم في ذلك بفضله ولطفه.

والحاصل أنه لا ينبغي حصر المواجهة في الدروس العلمية أو المؤلفات التحقيقية، كون الداء متفشياً حتى خارج أوساط الطلبة وأهل العلم.

أما عن منهج السلم واللين، فقد فصّلنا في المحاضرات وبعض الأجوبة أنه إنما يكون مع القابلين للهداية والمغرّر بهم، أما مَن سواهم من أعلام الضلالة فالمنهج الذي علّمنا إياه أئمتنا (صلوات الله عليهم) هو منهج: ”أشداء على الكفار“، و”أكثروا من سبّهم“، و”يكشف عن مخازيهم ويبيّن عوراتهم“، و”أفحم صاحبهم واكسر غرّته وفلّ حدّه ولا تبقِ له باقية“.. إلى ما هنالك.

وأما عن عدم الإثارة، فالمهم هو النتيجة، فإن كان في الإثارة نتيجة راجحة فبها ونعمت، وإن لم تكن فلا، وعلى ذلك شاهد تعمّد النبي (صلى الله عليه وآله) إثارة قريش حين أمر بهجائها في عمرة القضاء أمام أعينهم قائلا: ”اهجوا قريشاً فإنه أشد عليها من رشق النبل“! كما فصّلناه في إحدى المحاضرات، فراجع. ولو أعرضت عنه فلا نخالك تجد شاهداً على تعمّد الإثارة أعظم من تشبيه الله تعالى زعماء وعلماء وأحبار اليهود المعاصرين للنبي (صلى الله عليه وآله) بالحمير في قوله عز من قائل: ”مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا ۚ بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ ۚ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ“! هذا لأنه لا تُحتمل منهم الهداية.

على أن ما نحن فيه لم نتعمّد فيه الإثارة يوماً، كيف وقد علمتَ بأننا لا نبادر مطلقاً وإنما نجيب فحسب، ولا نجنح إلى سبّ أو شتم أو هجاء! وإنما نصف أحوالهم بما فيهم، لا نزيد على ذلك ولا ننقص، فتدبّر.

رزقنا الله وإياكم الذب عن دينه، والسلام.

28 جمادى الآخرة لسنة 1430 من الهجرة النبوية الشريفة


شارك الإجابة على Google Twitter Facebook Whatsapp Whatsapp