• بعض منا مع الأسف يُكثر من ترويج مفردات السلم واللاعنف والحلم والصفح والعفو وما شاكل، فيوقعون الأمة في تفريط ويوهمونها أن المطلوب منها دائما إبقاء الموادعة والسكون.
• وبعض منا يكثرون من ترويج مفردات الحرب والمواجهة والمصادمة، فيوقعون الأمة في إفراط، خاصةً إذا كان ممن له مآرب سياسية وقد فتح جبهة مع بعض الأنظمة والحكام.
• لا هؤلاء أحسنُ ولا أولئك! لا الذين أقعوا الأمة في تفريط ولا الذين أوقعوها في إفراط. اللازم هو الاعتدال والتوازن.
• ولكن حيث أن الغالب في أيامنا هذه على الخطاب الديني هو الأول -التفريط- فإنا إذا استثنينا تلك التيارات التي تسيس الدين وكثير منها يحمل نزعات بترية؛ فإنا نلاحظ أن الغالب على هذه الجهات المؤثرة في الساحة هو الإكثار من استخدام مفردات السلم وما أشبه.
• لكن هذه الغلبة قد لاحظنا أنها كادت أن تعدم الخطاب الآخر الذي لابد أن يكون بموازاة الأولى، وهو الخطاب الذي يدعو إلى عدم السكون والموادعة، بل إلى الحرب والمواجهة على صعيد العقيدة والفكر.
• لما وجدنا هذا الخطاب التفريطي قد غلب على الساحة الدينية اضطررنا ودفعنا إلى التركيز على اللغة الأخرى والخطاب الآخر، على اللغة الحربية وخطاب الجهاد والمواجهة، لما وجدناه من خطورة لإغفال هذا الخطاب.
• أسس النبي صلى الله عليه وآله إلى الاعتدال والتكافؤ والموازاة والاقتران بين مساري السلم والحرب بقوله لأهله بيته عليهم السلام: أنا سلم لمن سالمكم، وحرب لمن حاربكم.
• الساحة الدينية كادت أن تخلو من الخطاب الحربي ومن هذه الحربيات، لولا أن سعينا إلى إحيائها من جديد بحمد الله تعالى، وقد أخذ علينا هذا المأخذ وهو أنكم لإحيائنا هذه المفردات قد خلخلتم الساحة ورججتموها، وأدى إلى شيء من الشحناء والبغضاء.
• في الجواب على هذا الإشكال: إنا دفعنا إلى هذا والأمر ليس بيدنا، فأنتم ما اتزنتم! ولما وجدنا الساحة قد خلت من هذا الخطاب دفعنا لأن نختار الخطاب الآخر لإنقاذ المجتمع الذي ظهر فيه من يحترم الطغاة الأوائل كأبي بكر وعمر!
• إن العالم اليوم لا يحترم إلا الصريح القوي في لهجته، والواثق من نفسه وأنه على حق، ولذلك تجدون أفواجا من أهل الخلاف قد تشيعوا بسبب هذه الصراحة.
• إننا خفنا إذا سكتنا أكثر سيؤدي ذلك إلى زوال هذا الدين حتى من القلوب، وقد حصل هذا إلا قليلا.
• في نهج البلاغة برقم 365: عن أبي جحيفة قال: سمعت أمير المؤمنين عليه السلام يقول: أول ما تغلبون عليه من الجهاد؛ الجهاد بأيديكم، ثم بألسنتكم، ثم بقلوبكم فمن لم يعرف بقلبه معروفا، ولم ينكر منكرا، قلب فجعل أعلاه أسفله وأسفله أعلاه. وفي تفسير القمي رحمه الله: فلا يقبل خيرا أبدا.
• لو نظرتم إلى الواقع الذي دفعنا إلى هذا دفعا؛ لأعذرتمونا، وأن الذي تأخذونه علينا إنما نعتبره من مفاخرنا لو كنتم تعقلون.