• إن عليكم أيها الرافضة أن تتوازنوا، مع أنكم لبستم لباس التقوى -الجهاد-، وتبدون ما تستحقون الثناء عليه وهو حرصكم على محاربة محاربي أهل البيت عليهم السلام ونسف باطلهم، إلا ان عليكم أن لا تغفلوا عن تلك الضوابط والحدود، فلا يكونن اشتغالكم بهذه الحربيات مفضية إلى شراسة في الخلق وما أشبه.
• إن الغلظة إنما تصح على أمثال الكفار والمنافقين، كما يقول الله تعالى (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ)، فإياك أن تصبح الغلظة صفة ملازمة لك، فالنبي صلى الله عليه وآله لم يكن غليظا إلا على هذا الصنف من الناس.
• لكن لم يلحظ أنه صلى الله عليه وآله بفعله هذا، وبسبب أنه خاض حروبا كثيرة مع أعداء الله، قد تغيرت أخلاقه في اللين والصفح والرحمة، ولم يتحول إلى فظ غليظ القلب.
• عليكم أن تتخذوا الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وأمير المؤمنين علي عليه السلام قدوة وأسوة.
• لا يمكن لواعظ إسلامي إذا ما عرّج على الجهاد إلا أن يأتي على ذكر أعظم رجاله بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وهو أمير المؤمنين علي السلام، ونحن في هذه السلسلة إلا أن يتمحور فيها كثيرا على هذه الشخصية المحارب الأول والأعظم علي بن أبي طالب.
• سنأتي على ذكر كثيرٍ من الجوانب الحربية التي لم يُسمع بها كثيرا خاصة في مثل زماننا، وأنتم تعلمون أننا نهتم أن نبرز إلى عامة الناس ما في دفائن الكتب والمصادر مما لا يُحكى بسبب الجهل والتقصير والمطالعة أو الخوف.
• مشكلتنا أن خطاب التسامح والرحمة والسلم واللاعنف يركز عليه كثيرا، وكأنه لا يوجد خطاب آخر ولا توجد مفردات أخرى، وهذا يؤدي اختلال في منهجية الفرد، فكما نؤكد على هذا الخطاب نؤكد على الآخر حتى يميز هذا المتلقي متى يستعمل الشدة والغلظة ومتى يستعمل الرحمة واللين.
• كان أمير المؤمنين عليه السلام أعظم عسكري في الإسلام إلا أنه لم يؤدي به ذلك إلى شيء من شراسة الخلق أو الغلظة ولم يتأثر كما تأثر الآخرون بالطبيعة العسكرية التي انشغلوا بها فصاروا شرسين وعدائيين، وهكذا عليكم أن تكونوا إن كنتم رافضة بحق.
• إن هذا التوازن في شخصية أمير المؤمنين عليه السلام من عجائبه لأنه لم يكن مجرد توازن، بل كان كما قيّم جمعا بين الأضداد وهذا من أصعب الأمور في شخصية أي إنسان أن يجمع بين الضدين فكيف بين الأضداد.
• عليٌ عليه السلام لم يكن يصول ويجول في الميدان فحسب، بل كان يصول ويجول على المنبر أيضا، وكلماته عليه السلام الحربية كثير منها أشد وقعا وأكثر شهرة وتأثيرا من بعض أفعاله الحربية في الميدان حينما كان يجهز على هذا أو ذاك ممن لا قيمة لهم.
• ومن جهة أخرى، حيث لا يقتضي منه الأمر شيئا من هذه اللغة الحربية أو الحدية ترى عليا عليه السلام وكأنه إنسان آخر بالكلية، وكأنه لم يعرف حربا قط وليس من أولئك من المقاتلين أو الجهاد أبدا، تراه ذاك المسالم الوديع وهذا الجمع بين الأضداد.
• قال الشريف الرضي في مقدمة نهج البلاغة ص35 "ومن عجائبه عليه السلام التي انفرد بها وأمن المشاركة فيها أن كلامه الوارد في الزهد والمواعظ والتذكير والزواجر، إذا تأمله المتأمل، وفكر فيه المتفكر، وخلع من قلبه، أنه كلام مثله ممن عظم قدره، ونفذ أمره، وأحاط بالرقاب ملكه، لم يعترضه الشك في أنه كلام من لاحظ له في غير الزهادة، ولا شغل له بغير العبادة، قد قبع في كسر بيت، أو انقطع إلى سفح جبل، ولا يسمع إلا حسه، ولا يرى إلا نفسه. ولا يكاد يوقن بأنه كلام من ينغمس في الحرب مصلتا سيفه فيقط الرقاب ويجدل الأبطال ويعود بالسيف ينطف دما ويقطر مهجا وهو مع تلك الحال زاهد الزهاد وبدل الأبدال وهذه من فضائله العجيبة وخصائصه اللطيفة التي جمع بها بين الأضداد، وألف بين الأشتات".