• قال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة م1 ص51: ومنها أن الغالب على شرفاء الناس ومن هو من أهل بيت السيادة والرياسة أن يكون ذا كبر وتيه وتعظم وتغطرس، خصوصا إذا أضيف إلى شرفه من جهة النسب شرفه من جهات أخرى.
• وكان أمير المؤمنين عليه السلام في مصاص الشرف ومعدنه ومعانيه، لا يشك عدو ولا صديق أنه أشرف خلق الله نسبا بعد ابن عمه صلوات الله عليه، وقد حصل له من الشرف غير شرف النسب جهات كثيرة متعددة، قد ذكرنا بعضها.
• ومع ذلك فكان أشد الناس تواضعا لصغير وكبير، وألينهم عريكة، وأسمحهم خلقا، وأبعدهم عن الكبر، وأعرفهم بحق، وكانت حاله هذه في كلا زمانيه: زمان خلافته، والزمان الذي قبله، لم تغيره الإمرة، ولا أحالت خلقه الرياسة، وكيف تحيل الرياسة خلقه وما زال رئيسا.
• كيف تغير الامرة سجيته وما برح أميرا! لم يستفد بالخلافة شرفا، ولا أكتسب بها زينة، بل هو كما قال أبو عبد الله أحمد بن حنبل، ذكر ذلك الشيخ أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي في تاريخه المعروف بالمنتظم تذاكروا عند أحمد خلافة أبي بكر وعلي وقالوا فأكثروا، فرفع رأسه إليهم، وقال: قد أكثرتم! إن عليا لم تزنه الخلافة، ولكنه زانها وهذا الكلام دال بفحواه ومفهومه على أن غيره ازدان بالخلافة وتممت نقيصته، وأن عليا عليه السلام لم يكن فيه نقص يحتاج إلى أن يتمم بالخلافة، وكانت الخلافة ذات نقص في نفسها، فتم نقصها بولايته إياها.
• ومنها أن الغالب على ذوي الشجاعة وقتل الأنفس وإراقة الدماء أن يكونوا قليلي الصفح، بعيدي العفو لان أكبادهم واغرة، وقلوبهم ملتهبة، والقوة الغضبية عندهم شديدة وقد علمت حال أمير المؤمنين عليه السلام في كثرة إراقة الدم وما عنده من الحلم والصفح، ومغالبة هوى النفس، وقد رأيت فعله يوم الجمل.
• ولقد أحسن مهيار في قوله:
حتى إذا دارت رحى بغيهم
عليهم وسبق السيف العذل
عاذوا بعفو ماجد معود
للعفو حمال لهم على العلل
فنجت البقيا عليهم من نجا
وأكل الحديد منهم من أكل
أطت بهم أرحامهم فلم يطع
ثائرة الغيظ ولم يشف الغلل
• ومنها أنا ما رأينا شجاعا جوادا قط، كان عبد الله بن الزبير شجاعا وكان أبخل الناس، وكان الزبير أبوه شجاعا وكان شحيحا، قال له عمر: لو وليتها لظلت تلاطم الناس في البطحاء على الصاع والمد.
• وأراد علي عليه السلام أن يحجر على عبد الله بن جعفر لتبذيره المال، فاحتال لنفسه، فشارك الزبير في أمواله وتجاراته، فقال عليه السلام: أما إنه قد لاذ بملاذ، ولم يحجر عليه.
• كان طلحة شجاعا وكان شحيحا، أمسك عن الانفاق حتى خلف من الأموال ما لا يأتي عليه الحصر. وكان عبد الملك شجاعا وكان شحيحا، يضرب به المثل في الشح، وسمي رشح الحجر لبخله.
• وقد علمت حال أمير المؤمنين عليه السلام في الشجاعة والسخاء، كيف هي وهذا من أعاجيبه أيضا عليه السلام. شرح النهج لابن أبي الحديد م1 ص53
• علينا ونحن نخوض في هذا الحرب أن لا نجعلها تصبغنا بهذه الصبغة وهي صبغة شراسة الخلق والفظاظة والغلظة، بل علينا أن نجمع بين هذين الخلقين المتضادين ما أمكننا إلى ذلك سبيلا.
• ففي الوقت الذي نكون فيه ليوث الوغى بمنتهى القوة والخشونة في التعامل مع المعتدين؛ علينا كذلك أن نكون مع الآخرين من الأبرياء والمسالمين على منتهى العطف والشفقة، وأن نجمع بين الخشونة والرقة وما أشبه.
• إن كنا نعيب على غيرنا أنهم قد استغرقوا وبالغوا في اللغة التصالحية والاستسلامية حتى أهلموا الأصول وخلطوا بين الحق والباطل وأوقعوا الأمة في التفريط؛ فإن علينا في المقابل أن لا نغالي فنوقع الأمة في إفراط، الاعتدال والوسطية هو المطلوب