• لا يحق للمشتغل بالوعظ الديني أو المنبري أن يذكر دائمًا أن النبي صلى الله عليه وآله قد عفا عن ألد أعداءه وأنه دخل مكة معلنًا العفو العام، ومصححا لما كان يُهتف به وقال "اليوم يوم المرحمة" وما أشبه؛ دون أن يذكر بإزاء هذا أن النبي صلى الله عليه وآله أنه دخل مكة وقد أباح وأهدر دم أناس قد عيّنهم أيضًا.
• لو أننا أتينا في المقابل وقلنا أن النبي صلى الله عليه وآله دخل مكة وقد أباح وأهدر دم أناس بعينهم واكتفينا بهذا، فإن هذا قد يسبب اختلال عند المتلقي، وقد يخل بتوازن شخصيته، وهذا الشيء الذي أنتم تفعلونه من حيث لا تعلمون.
• لا شك ولا ريب أن أمير المؤمنين عليه السلام كان بعد رسول الله صلى الله عليه وآله أحلم الحلماء. يقول ابن أبي الحديد في شرح النهج: أما الحلم والصفح فكان أحلم الناس عن ذنب وأصفحهم عن مسيء. وقد ظهر صحة ما قلناه يوم الجمل؛ حيث ظفر بمروان بن الحكم، وكان أعدى الناس له، وأشدهم بغضا، فصفح عنه.
• وكان عبد الله بن الزبير يشتمه على رؤوس الأشهاد، وخطب يوم البصرة فقال: قد أتاكم الوغد اللئيم علي بن أبي طالب. وكان علي عليه السلام يقول: ما زال الزبير رجلا منا أهل البيت حتى شب عبد الله، فظفر به يوم الجمل، فأخذه أسيرا، فصفح عنه، وقال: اذهب، فلا أرينك. لم يزده على ذلك.
• وظفر بسعيد بن العاص بعد وقعة الجمل مكة وكان له عدوا فأعرض عنه ولم يقل له شيئا.
• وقد علمتم ما كان من عائشة في أمره، فلما ظفر بها أكرمها، وبعث معها إلى المدينة عشرين امرأة من نساء عبد القيس، عممهن بالعمائم، وقلدهن بالسيوف، فلما كانت ببعض الطريق ذكرته بما لا يجوز أن يذكر به وتأففت وقالت: هتك ستري برجاله وجنده الذين وكلهم بي. فلما وصلت المدينة ألقى النساء عمائمهن، وقلن لها: إنما نحن نسوة.
• وحاربه أهل البصرة، وضربوا وجهه ووجوه أولاده بالسيوف، وشتموه، ولعنوه، فلما ظفر بهم رفع السيف عنهم، ونادى مناديه في أقطار العسكر: ألا لا يتبع مول، ولا يجهز على جريح، ولا يقتل مستأسر.
• ولم يأخذ أثقالهم، ولا سبى ذراريهم، ولا غنم شيئا من أموالهم، ولو شاء أن يفعل كل ذلك لفعل، ولكنه أبى إلا الصفح والعفو وتقيل سنة رسول الله صلى الله عليه وآله يوم فتح مكة؛ فإنه عفا والأحقاد لم تبرد، والإساءة لم تنس.
• خطئان وقع فيهما ابن أبي الحديد: الأول، قوله: فلما ظفر بها أكرمها. والجواب أن الإمام علي عليه السلام علم أن عائشة لعنها الله أرادت من جديد أن تستفز العواطف وتحرَض عليه بهذه النقطة الحساسة، فأراد أن ينزع منها القدرة على استغلال هذه النقطة فأرسل معها النساء بهيئة الرجال حتى يعقد لسانها ولا يكونن لها مبررا في ذلك.