•ما قاله ابن أبي الحديد أن الإمام علي عليه السلام حينما صفح عن مروان بن الحكم لم يزده على ذلك، ادعاء باطل، والحال أن نفس ابن أبي الحديد أتى على شرح كلام الإمام عليه السلام برقم 72 الذي قاله لمروان بن الحكم بعد البصرة.
• ومن كلام له عليه السلام قاله لمروان بن الحكم بالبصرة. قالوا أخذ مروان بن الحكم أسيرا يوم الجمل فاستشفع الحسن والحسين عليهما السلام إلى أمير المؤمنين عليه السلام فكلماه فيه فخلى سبيله. فقالا له يبايعك يا أمير المؤمنين؟ فقال عليه السلام أفلم يبايعني بعد قتل عثمان لا حاجة لي في بيعته، إنها كف يهودية، لو بايعني بيده لغدر بسبته أما إن له إمرة كلعقة الكلب أنفه. وهو أبو الأكبش الأربعة وستلقى الأمة منه ومن ولده يوما أحمر.
• شرح ابن ابي الحديد هذا الكلام في م6 ص 147، قال: والسبة الاست بفتح السين سبه يسبه أي طعنه في الموضع ومعنى الكلام محمول على وجهين أحدهما أن يكون ذكر السبة إهانة له وغلظة عليه والعرب تسلك مثل ذلك في خطبها وكلامها.
• الوجه الثاني: أن يريد بالكلام حقيقة لا مجازا، وذلك لأن الغادر من العرب كان إذا عزم على الغدر بعد عهد قد عاهده، أو عقد قد عقده، حبق استهزاء بما كان قد أظهره من اليمين والعهد، وسخرية وتهكما.
• إننا لا نجادل في عفو الإمام علي عليه السلام عن كثير من أعدائه وأساره في حروبه ومنّه عليهم، وقد عفا عنهم إلى حد أنه ألجأهم إلى الغشل والاعتذار وهنا بضع أخبار تدل على ذلك.
• في كتاب الجمل للشيخ المفيد ص 416: وروى أبو مخنف والمسعودي عن هاشم بن البريد عن عبد الله بن مخارق عن هاشم بن مساحق القرشي قال حدثني أبي أنه لما انهزم الناس يوم الجمل اجتمع معه طائفة من قريش فيهم مروان بن الحكم فقال بعضهم لبعض، والله لقد ظلمنا هذا الرجل ونكثنا بيعته من غير حدث والله لقد ظهر علينا فما رأينا قط أكرم سيرة منه ولا أحسن عفوا بعد رسول الله صلى الله عليه وآله، فقوموا حتى ندخل عليه ونعتذر عليه مما صنعناه.
• فقلنا له: كن يا أمير المؤمنين كالعبد الصالح يوسف عليه السلام إذ قال (لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين) فقال عليه السلام (لا تثريب عليكم اليوم) وإن فيكم رجلا لو بايعني بيده لنكث باسته، يعني مروان بن الحكم.
• لاحظوا هذه السجية؛ وهو أنه يمكنك أن تبدي من المروءة والخلق الرفيع ما يؤدي إلى الصفح والعفو ويمكن أن تجمع معه وفي الموقف ذاته حدة اللسان.
• قد يسأل سائل أن أمير المؤمنين عليه السلام حين عفا مروان استعمل هذه اللغة الحادة تجاهه، في حين أنه عفا آخرين ولم يستعمل معهم تلك اللغة الحادة، كعفوه عن موسى بن طلحة بن عبيد الله بعد الجمل.
• في كتاب شرح الأخبار للقاضي النعمان م1 ص389: عن موسى بن طلحة بن عبيد الله، وكان فيمن أسر يوم الجمل وحبس مع من حبس من الأسارى بالبصرة، فقال: كنت في سجن علي عليه السلام بالبصرة، حتى سمعت المنادي ينادي، أين موسى بن طلحة بن عبيد الله؟ قال: فاسترجعت واسترجع أهل السجن وقالوا: يقتلك، فأخرجني إليه، فلما وقفت بين يديه قال لي: يا موسى قلت: لبيك يا أمير المؤمنين، قال: قل استغفر الله قلت: استغفر الله وأتوب إليه، ثلاث مرات، فقال لمن كان معي من رسله: خلوا عنه، وقال لي: اذهب حيث شئت، وما وجدت لك في عسكرنا من سلاح أو كراع فخذه، واتق الله فيما تستقبله من أمرك، واجلس في بيتك فشكرت وانصرفت.
• بقي أن نجيب عن هذا التساؤل من عفوه لبعض الشخصيات دون لغة حادة ومع البعض الآخر بلغة حادة في الحلقة المقبلة وعن تساؤل آخر وهو هل أن سيرة الإمام علي عليه السلام مع كل الذين حاربوه هي سيرة العفو والصفح أم أنه هناك سيرة أخرى غفل عنها الباحثون والخطباء والمتكلمون