• إن استخدام اللغة الحادة وإن كان في مقام العفو والصفح مع من يخشى منه على هذا الدين في المستقبل مطلوب، وكذلك استخدام اللغة الهادئة مع أولئك الذين لا يتوقع منه ضررا في المستقبل على هذا الدين. وقد كان مروان بن الحكم ممن يُخشى منه على هذا الدين كما تنبأ بذلك الإمام علي عليه السلام.
• لذا كان أهلًا -حتى في مقام العفو عنه- أن لا يعفى عنه هكذا دون أن يلطخ وجهه بصبغة تدينه. وقد قال الإمام عليه السلام عنه: "إنها كف يهودية، لو بايعني بيده لغدر بسبته -باسته- أما إن له إمرة كلعقة الكلب أنف" حتى يتذكر الناس لما يصبح مروان أميرا يتذكرون كلام علي عليه السلام فيه ويتعظوا.
• أما موسى بن طلحة فأي دور له -بل لا يكاد يعرفه أحد-، إنه شخص مغمور، ولن يغدو أميرا ولن يكون له الدور في إفساد الناس ولا يُخشى جانبه كثيرا، ولذا فالأوفق أن لا يستخدم معه لغة حادة.
• من جهة أخرى نجيب على التساؤل الذي طرحناه في الحلقة الماضية وهو هل أن سيرة الإمام علي عليه السلام مع كل الذين حاربوه هي سيرة العفو والصفح أم أنه هناك سيرة أخرى.
• تخيلوا لو أننا عفونا في جميع الموارد عن الذي اعتقلناهم وأسرناهم في الحروب كحربنا على تنظيم داعش البكري أو طبقناه على صدام حسين تأسيا بأمير المؤمنين عليه السلام، فهل هذا صحيح؟! كلا، بل إن هناك جانبا آخر مخفيا عنكم ولابد أن نذكره حتى تعتدل النظرة وتتزن.
• لطالما يذكر النبي صلى الله عليه وآله رؤوفا رحيما حتى بأعدائه فلما فتح مكة قال اذهبوا فأنتم الطلقاء، فهل هذه كل الحقيقة؟ كلا، بل إن النبي صلى الله عليه وآله قد أمر بأن يضرب أعناق أناس في فتح مكة ولو كانوا متعلقين بأستار الكعبة.
• هنالك أناس يبلغ بهم الطغيان والإجرام مبلغا يضطرنا إلى إعدامهم لأنهم إن تركوا فإنهم يحدثون المجازر ويرتكبون ما يؤدي إلى فساد البلاد والعباد ولا يألون شرا، والعكس صحيح.
• قد يتسائل سائل أن الإمام عليه السلام كان يخشى على الأمة من مروان بن الحكم فلما تركه، وكذلك رسول الله صلى الله عليه وآله قد عفا عن أبي سفيان ومعاوية مع علمهما بما سوف يحدثون في الأمة والعترة عليهم السلام.
• الجواب: هذا الأمر من مختصات المعصومين عليهم السلام، حتى تمضي مقادير الله، وقد أوحى عز وجل إلى نبيه صلى الله عليه وآله أن هؤلاء لابد أن يبقوا أحياء لتبتلي الأمة بهم، فهم الشجرة الملعونة في القرآن.
• وإلا لو أن الأنبياء والأوصياء عليهم السلام أجهزوا على كل من سيظهر شر في المستقبل فحينئذ تبطل الحكمة الإلهية من خلقنا ومن دوام واستمرار الصراع بين جبهة الحق والباطل.
• هناك أناس لم يتسامح معهم أمير المؤمنين علي عليه السلام اطلاقا، ومن هؤلاء رجل يقال له عمرو بن اليثربي وهو من أصحاب عائشة بنت أبي بكر.
• في كتاب الفتوح لابن أعثم م2 ص477 يقول: وخرج عمرو بن يثربي من أصحاب الجمل حتى وقف بين الصفين قريبا من الجمل، ثم دعا إلى البراز وسأل النزال فخرج إليه علباء بن الهيثم من أصحاب علي رضي الله عنه، فشد عليه عمرو فقتله، ثم طلب المبارزة فلم يخرج إليه أحد، ثم طلب المبارزة فلم يخرج إليه أحد، فجعل يجول في ميدان الحرب وهو يرتجز ويقول شعرا.
• روى الشعر الطبري:
أنا لمن أنكرني ابن يثربي .. قاتل علباء وهند الجمل
وابن لصوحان على دين علي
• وفي شرح النهج لابن أبي الحديد، كان يقول عمرو بن يثربي في تحريض الناس لقتال علي عليه السلام: هذه أمكم، نصرها دين، وخذلانها عقوق.
• قال أبو مخنف: لم يقل أحد من رجاز البصرة قولا كان أحب إلى أهل الجمل من قول هذا الشيخ – كعب بن سور – استقتل الناس عند قوله وثبتوا حول الجمل وانتدبوا فخرج عوف بن قطن الضبي وهو ينادي ليس لعثمان وهو ينادى: ليس لعثمان ثأر إلا علي بن أبي طالب وولده، فأخذ خطام الجمل، وقال:
يا أم يا أم خلا منى الوطن * لا أبتغي القبر ولا أبغي الكفن
من هاهنا محشر عوف بن قطن * إن فاتنا اليوم على فالغبن
أو فاتنا ابناه حسين وحسن * إذا أمت بطول هم وحزن
• يقول ابن أعثم: ثم جال وطلب البراز، فتحاماه الناس واتقوا بأسه، قال: فبدر إليه عمار بن ياسر وهو يجاوبه على شعره.
• هنا يجب أن نلتفت إلى أن عمار بن ياسر كان يناهز التسعين عاما، والجهاد كما في الفقه موضوع عن الشيخ الطاعن في السن، وكان لعمار أن يعتذر ويتعلل وأنه ليس مكلفا بالقتال، إلا أنه لم يفعل ذلك لأنه عمار! فهل كلنا مثله؟ أهكذا نبادر ونحمل على أنفسنا ونتحمل في سبيل الحق