• في وقعة صفين لنصر بن مزاحم قال عمرو بن العاص: فعلي قتله؟ قال عمار بن ياسر: بل الله رب علي قتله وعلي معه.
• إن هذه الكلمة التي قالها عمار بن ياسر توضح لنا أنه كان تلميذا نجيبا من تلامذة أمير المؤمنين عليه السلام، ولا يكاد يعدو قوله ومنطقه وألفاظه حين يجيب أو يحتج على أحد إذا كان لأمير المؤمنين نطقٌ في هذا.
• فعلى سبيل المثال؛ أننا نجد رواية مشهورة عن عمار وهي عند أهل الخلاف أيضًا، وهو أنه كان في موقعة الجمل يقول للناس: إن أمكم ابتلاكم الله بها ليعلم أيهما تطيعون إياه أم هي، ولما فتشّنا وجدنا أن الإمام عليًا عليه السلام كان قد قال عين هذه الكلمة وبهذا المنطق من قبل.
• في كتاب الشافي في الإمامة للسيد المرتضى م4 ص308: قد روى شعبة عن أبي حمزة الضبعي قال: قلت لابن عباس إن أبي أخبرني أنه سمع عليًا عليه السلام يقول: ألا من كان سائلي عن دم عثمان فإن الله قتله وأنا معه، فقال: صدق أبوك، هل تدري ما يعني بقوله؟ إنما عنى أن الله قتله وأنا مع الله.
• من الطبيعي أن لا يروق هذا الشرح لأولياء عثمان وشيعته ومحبيه من أهل الخلاف، فلجئوا إلى تحريف المعنى إلى معنى ركيك، وحرّفوا اللفظ أيضا بأن جعلوا كلام ابن عباس شيئا آخر.
• في سير أعلام النبلاء للذهبي م1 ص159: قال شعبة أخبرني أبو حمزة، سمعت أبي يقول سمعت عليا يقول: الله قتل عثمان وأنا معه، قال أبو حمزة: فذكرته لابن عباس، فقال: صدق، يقول الله قتل عثمان ويقتلني معه.
• ولم يكتفوا بهذا، بل غمزوه عليه السلام بأنه تعمد التلفّظ بهذه العبارة كنوع من الخداع والتمويه! ففي كتاب المبسوط للسرخسي في كتاب الحِيَل م30 ص212: وقد كان علي رضي الله عنه ابتلي بصحبة قوم على همم متفرقة فقد كان يحتاج إلى أن يتكلم بمثل هذا الكلام الموجه.
• في كتاب التمهيد للباقلاني ص555: وقد روي أن عليا عليه السلام قال بالبصرة والله ما قتلت عثمان ولا مالأت على قتله ولكن الله قتل عثمان وأنه معه. وهذا محتمِلٌ فظن قومٌ أنه خدعهم، وأنه قد أخبر عن نفسه أنه قتله بقوله وأنا معه، وليس ذلك كذلك، وليس ذلك كذلك لأنه أراد به أنه أماته ويميتني معه لأنه قد حلف وهو الصادق أنه ما قتله ولا مالأ على قتله.
• قد رد السيد المرتضى على هذه التأويلات الركيكة من أهل الخلاف في كتاب الشافي م4 ص309: فأما تأول ما روي من قوله عليه السلام الله قتله وأنا معه، على أن المراد به الله أماته وسيميتني معه؛ فبعيد من الصواب، لأن لفظة "أنا" لا تكون كناية عن المفعول وإنما تكون كناية عن الفاعل، ولو أراد ما ذكروه لكان يقول: وإياي معه.
• وليس له أن يقول إنما يجعل قوله وأنا معه مبتدأ محذوف الخبر، ويكون تقدير كلامه وأنا معه مقتول، وذلك لأن هذا ترك للظاهر، وإحالة على ما ليس فيه، والكلام إذا أمكن حمله على معنى يستقبل ظاهره به من غير تقدير وحذف كان أولى مما يتعلق بمحذوف.
• إن الذي يسمع عبارة (إن الله قتل فلانا) فإن الذي يُفهم من هذه العبارة أن الله راضٍ عن قتل هذا الرجل وأنه مستحق للفعل، ولذا ننسب الفعل إلى الله عز وجل، أما إن كان المقتول غير مستحق للقتل فلا يتكلم أحد بهذا اللغة. فلا تجد أحدا يقول الله قتل يحيى بن زكريا عليهما السلام على سبيل المثال.