فقد روي أن أمير المؤمنين عليا عليه السلام قد نهى أصحابه في وقعة صفين عن سب أهل الشام وكره لهم ذلك كما جاء في نهج البلاغة بقوله: إني أكره لكم أن تكونوا سبابين، ولكنكم لو وصفتم أعمالهم وذكرتم حالهم كان أصوب في القول وأبلغ في العذر، وقلتم مكان سبكم إياهم اللهم احقن دمائنا ودمائهم وأصلح ذات بيننا وبينهم واهدهم من ضلالتهم حتى يعرف الحق من جهله ويرعوي عن الغي والعدوان من لهج به.
• قصة هذا النهي عن السب مذكورة في كتاب وقعة صفين لنصر بن مزاحم ص 103: عن عبد الله بن شريك قال: خرج حجر بن عدي، وعمرو بن الحمق، يظهران البراءة واللعن من أهل الشام، فأرسل إليهما علي: أن كفا عما يبلغني عنكما فأتياه فقالا: يا أمير المؤمنين، ألسنا محقين؟ قال: بلى. قالا: أو ليسوا مبطلين؟ قال: بلى. قالا: فلم منعتنا من شتمهم؟
• قال: "كرهت لكم أن تكونوا لعانين شتامين، تشتمون وتتبرؤون. ولكن لو وصفتم مساوئ أعمالهم فقلتم: من سيرتهم كذا وكذا، ومن عملهم كذا وكذا، كان أصوب في القول، وأبلغ في العذر. ولو قلتم مكان لعنكم إياهم وبراءتكم منهم: اللهم احقن دماءنا ودماءهم، وأصلح ذات بيننا وبينهم، واهدهم من ضلالتهم، حتى يعرف الحق منهم من جهله، ويرعوي عن الغي والعدوان من لهج به، كان هذا أحب إلى وخيرا لكم ". فقالا: يا أمير المؤمنين، نقبل عظتك، ونتأدب بأدبك.
• نتسائل: كيف غفل هؤلاء الذين أخذوا هذه المقولة العلوية ورتّبوا عليها كراهة مطلق السب، عما ورد في نفس هذه المقولة: وأصلح ذات بيننا وبينهم واهدهم من ضلالتهم، حتى يعرف الحق منهم من جهله، ويرعوي عن الغي والعدوان من لهج به.
• إذن إن الذين نهى أمير المؤمنين عليه السلام عن سبهم من أهل الشام هم أولئك الذين جهلوا الحق وانغمسوا في الباطل على عمى، ولذا يمكن أنهم يهتدوا على نحو الإجمال، ولم ينهى عن سب من كان معانداً وجاحدا ورأسا من رؤوس الكفر والضلالة والبغي.
• هل يتصور أحد منا أن معاوية وعمرو بن العاص هما ممن هو قابل إلى الهداية حتى ينطبق عليهما كلام أمير المؤمنين عليه السلام: حتى يعرف الحق منهم من جهله؟ كلا، بل هما ممن كانا يعرفان الحق وجحداه.
• كما أننا وجدنا أن أمير المؤمنين عليه السلام قد كان يسب معاوية وعمرو العاص وأشباههما على مختلف المراحل كما جاء في نهج البلاغة وغيره. فقد قال الإمام علي عليه السلام في ذكر ابن العاص: عجبًا لابن النابغة.
• إنه ليقول فيكذب ويعد فيخلف، ويُسأل فيبخل، ويَسأل فيلحف، ويخون العهد ويقطع الإل، فإذا كان عند الحرب فأي زاجر وآمر هو ما لم تأخذ السيوف مآخذها فإذا كان ذلك؛ كان أكبر مكيدته أن يمنح القوم سُبّته.
• إذن نخلص إلى أنّا لو ثبّتنا صدور هذه المقولة من أمير المؤمنين عليه السلام (أكره لكم أن تكونوا سبابين)؛ فلابد أن تُحمل على أن المراد النهي عن سب عوام أهل الشام من أتباع معاوية وعمرو المخدوعين، لا سب معاوية وعمرو.
• وهذه النتيجة نجد حلها عند أمير المؤمنين عليه السلام كما جاء في مسند الإمام علي عليه السلام م8 ص 460: قال عليه السلام: ستكون فتنة يُحصَّل الناس منها كما يُحصَّل الذهب في المعدن، فلا تسبوا أهل الشام، وسبوا ظلمتهم