الشيخ الحبيب: إن ما يمكن أن يحُمل عليه معنى الكلب المأمور بقتله في الحديث (ولا تدع كلبا إلا قتلته) مختلف عما ذهب إليه أولئك العلماء وذلك بإعمال عطف الروايات بعضها على بعض.
- روى الصدوق في معاني الأخبار: عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال من مثَّل مثالًا أو أقتنى كلبًا فقد خرج من الإسلام! فقيل له: هلك إذن كثيرٌ من الناس! فقال عليه السلام: ليس حيث ذهبتم، إنما عنيت بقولي “من مثَّل مثالًا” من نَصَب دينا غير دين الله ودعا الناس إليه، وبقولي “من اقتنى كلبا” عنيت مبغضًا لنا أهل البيت، اقتناه فأطعمه وسقاه، من فعل ذلك فقد خرج من الإسلام.
- فهل ورد عن النبي صلى الله عليه وآله أنه استعمل لفظ الكلب في عدو من أعدائه؟
مثال 1: في تفسير القمي في شأن يوم الأحزاب وشأن عمرو بن ود العامري:
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله من لهذا الكلب؟ فلم يجبه أحدٌ، فقام أمير المؤمنين أنه له يا رسول الله.
مثال 2: مغازي الواقدي في شأن إتيان عثمان بن عفان بأخيه عبد الله بن أبي سرح لعنهما الله:
قال رسول الله صلى الله عليه وآله: ما منعكم أن يقوم أحدكم إلى هذا الكلب فيقتله؟!
- إن ما بين أيدينا من آثار دال على أن النبي صلى الله عليه وآله استعمل لفظ الكلب وأراد به أعداؤه ومحاربيه. ومما يساعد على هذا الحمل الذي نحن بصدده تناسب السياق، فالحديث الذي هو محل محط بحثنا نستطيع أن نقسّمه إلى ثلاثة أقسام:
1- لا تدع صورة إلا محوتها
2- ولا قبرا إلا سويته
3- ولا كلبا إلا قتلته
فالقسم الأول والثاني ظاهر أن المراد بهما محو معالم الشرك كالتمثايل والقبور التي يعلّونها.
- هل يتم حمل الحديث على ما قدمناه أم لا؟!
جاء في الخبر عن الأصبغ بن نباتة قال أمير المؤمنين عليه السلام: من جدَّد قبرا أو مثَّل مثالا فقد خرج من الإسلام. (التهذيب)
قال محمد بن الحسن (الطوسي): قد اختلف أصحابنا في رواية هذا الخبر وتأويله:
1- فقال محمد بن الحسن الصفار: من جدَّد بالجيم لا غير وكان يقول أنه لا يجوز تجديد القبر وتطيين جميعه بعد مرور الأيام عليه وبعدما طُيِّن في الأول، ولكن إن مات ميتٌ فَطُيِّنَ قبره فجائز أن يرمَّ سائر القبور من غير أن يجدد.
2- وقال سعد بن عبد الله: إنما هو من حدد قبرا بالحاء غير المعجمة يعني به من سنم قبرا، وقال أحمد بن أبي عبد الله البرقي: إنما هو من جدث قبرا بالجيم والثاء ولم يفسر ما معناه، ويمكن أن يكون المعنى بهذه الرواية النهي أن يجعل القبر دفعة أخرى قبرا لانسان آخر لأن الجدث هو القبر فيجوز أن يكون الفعل مأخوذا منه.
3- وقال محمد بن علي بن الحسين بن بابويه: إنما هو جدد بالجيم قال: ومعناه نبش قبر الإنسان، لأن من نبش قبرا فقد جدده وأحوج إلى تجديده وقد جعله جدثا.
4- قال محمد بن علي بن الحسين: والتجديد على المعنى الذي ذهب إليه محمد بن الحسن الصفار والتحديد بالحاء غير المعجمة الذي ذهب إليه سعد بن عبد الله والذي قاله البرقي من أنه جدث كله داخل في معنى الحديث، وإن من خالف الإمام في التجديد والتسنيم والنبش واستحل شيئا من ذلك فقد خرج من الإسلام.
5- وكان شيخنا محمد بن محمد بن النعمان رحمه الله يقول: إن الخبر بالخاء والدالين (خدَّد) وذلك مأخوذ من قوله تعالى: "قتل أصحاب الأخدود" والخد هو الشق، يقال خددت الأرض خدا أي شققتها وعلى هذه الروايات يكون النهي تناول شق القبر إما ليدفن فيه أو على جهة النبش على ما ذهب إليه محمد بن علي.
وكل ما ذكرناه من الروايات والمعاني محتمل والله أعلم بالمراد والذي صدر الخبر عنه عليه السلام. (انتهى)
6- العلامة المجلسي في بحار الأنوار: وربما يقال على تقدير أن يكون اللفظ “جدَّد” بالجيم والدال وجدَّت بالجيم والتاء يُحتمل أن يكون المراد قتل مؤمنْ عدوانا، لأن من قتله فقد جدَّد قبرا من بين القبور وجعله جدثا، وهو مستقل في هذا التجديد فيجوز إسناده إليه، بخلاف ما لو قتل بحكم الشرع وهذا أنسب بالمبالغة بخروجه من الإسلام، ويحتمل أن يكون المراد بالمثال الصنم للعبادة.
أقول: لا يخفى بعد ما ذكره في التجديد وأما المثال فهو قريب، وربما يقال المراد به بقول من مثَّل مثالا إقامته رجل بحذاه، كما يفعله المتكبرون ويؤيده ما ذكره الصدوق.
* الآراء والنتائج التي يُنتهى إليها في هذا الدرس هي في مقام البحث العلمي فقط ولا يجوز العمل بها إن لم تطابق فتوى المرجع.