- استعمالهم عليهم السلام لـ (لا، ليس) النافيتين للجنس:
قال الإمام عليه السلام: “إنما جعلت التقية ليحقن بها الدم فإذا بلغ الدم فلا تقية”.
- هل يُعقل أن يذهب أحد إلى هذا المذهب فيفتي بجواز استعمال التقية في سفك الدم فيقتل شخصا آخرا لحفظ نفسه؟!
الجواب: نعم، كالمرجع الخوئي لم يذهب هاهنا إلى الكراهة، بل ذهب إلى التخيير.
في مباني تكملة المنهاج: -مسألة-:
لو أمر غيره بقتل أحد، فقتله، فعلى القاتل القَوَد -القصاص- وعلى الآمر الحبس مؤبدا إلى أن يموت ولو أكرهه على القتل فإن كان ما تُوعِّدَ به دون القتل فلا ريب في عدم جواز القتل، ولو قتله - والحال هذه - كان عليه القَوَد وعلى المكره الحبس المؤبد وإن كان ما تُوعِّدَ به هو القتل، فالمشهور أن حكمه حكم الصورة الأولى، ولكنه مشكل ولا يبعد جواز القتل عندئذ، وعلى ذلك فلا قود ولكن عليه الدية.
- تعليقة المرجع الخوئي على هذه المسألة:
أمّا وجه المشهور: فلأنّهم استدلّوا على أنّ الإكراه لا يتحقّق في القتل. وفيه: أنَّ ما ذكروه وإن كان صحيحاً، حيث إنّ حديث الإكراه الوارد مورد الامتنان لا يشمل المقام وأمثاله، إلّا أنّه مع ذلك لا يكون القتل محرّماً، فإنّ ذلك داخل في باب التزاحم، إذ الأمر يدور بين ارتكاب محرّم وهو قتل النفس المحترمة وبين ترك واجب وهو حفظ نفسه وعدم تعريضه للهلاك وحيث لا ترجيح في البين فلا مناص من الالتزام بالتخيير، وعليه فالقتل يكون سائغاً وغير صادر عن ظلم وعدوان، فلا يترتّب عليه القصاص، ولكن تثبت الدية، لأنّ دم امرئ مسلم لا يذهب هدراً.
- مشهور الفقهاء أن الإكراه لا يتحقق في القتل.. -هذا الإكراه الرافع للحرمة لا يتحقق في القتل-.
- قاعدة الرفع أخذت من الحديث النبوي “رفع عن أمتي السهو والنسيان وما أكرهوا عليه…”.
● هل يا ترى كان المرجع الخوئي -هاهنا- غافلا عن حديث (ليحقن بها الدم)؟! كلا، فقد ذكره في موضع آخر في:
“إنما جعلت التقية ليحقن بها الدم فإذا بلغت التقية الدم فلا تقية”.. إن الظاهر من ذلك أنه إذا توقف حفظ النفس على ارتكاب أي محرم فإنه يصبح مباحا، مقدمة لصيانة النفس المحترمة عن التلف، إلا أن التقية إذا اقتضت إراقة دم محترم لحفظ دم آخر فإنها لا تشرع حينئذ، لما عرفت آنفا أن كلا من الشخصين مشمول للحديث، فترجيح أحدهما على الآخر ترجيح بلا مرجح.
(…) وأما الاكراه، وقد تقدم معناه في الأمر الثاني، فهو لا يسوغ قتل النفس المحترمة بلا خلاف بين الفريقين، والوجه فيه هو ما تقدم، من أن الأدلة الدالة على نفي الاكراه والضرر والحرج واردة في مقام الامتنان، ومن الواضح أن الاضرار بالغير مناف للامتنان فلا يكون مشمولا لها، فتبقى الأدلة الدالة على حرمة قتل النفس المحترمة سليمة عن المزاحم.
نعم إذا أجبر الظالم أحدا على قتل أحد شخصين محقوني الدم أو اضطر إليه نفسه، كما إذا وقع من شاهق وكان لا بد له من الوقوع على رأس أحدهما، فلا بد حينئذ من الرجوع إلى قواعد التزاحم. ويتضح ذلك بلحاظ ما حققناه في دوران الأمر بين انقاذ أحد الغريقين، فإنه لم يستشكل أحد في وجوب المبادرة لانقاذ الأهم منهما وترك الآخر، وهذا نظير الاكراه على ايقاع الضرر المالي على أحد الشخصين، وقد تقدم الكلام فيه.
(…) ومن هنا اتضح حكم ما لو أكره الجائر أحدا أما على قتل نفسه وأما على قتل غيره. وقد انجلى الصبح وانكشف الظلام وظهر الفارق بين التقية والاكراه موضوعا وحكما، والله العالم بالحقائق والأسرار.
- تقريرات السيد على الشاهرودي لدروس المرجع الخوئي (محاضرات في الفقه الجعفري) - المكاسب المحرَّمة:
قتل المؤمن تارة يكون للتقية وأخرى للإكراه أما في صورة التقية كما إذا توقف حفظ النقس على قتل المؤمن ليوهم به على المخالفين أنه منهم فلا بباح قتل المؤمن لقوله عليه السلام (إنما جعلت التقية ليحقن بها الدم) وأما الإكراه فلا يرفع حرمة قتل المؤمن وإن ترتب على تركه قتل نفس المكرَه من غير فرق بين أن يكون المكرِه مؤمنا أو منافقا أو كافرا، وبهذا يفترق الإكراه عن التقية.
نعم، قد ترتفع الحرمة لأجل المزاحمة، فإنّ المقام نظير الاضطرار إلى قتل أحد الشخصين، مثل أن يرمى من شاهق فيدور أمره بين أن يقع على أحد شخصين فيقتله مع التمكن في أن يحرك بدنه عند الهوي فيتجنب أحدهما ويقع على الآخر فيدخل في باب التزاحم، فإنّ كان أحدهما أهم من الآخر تعين اجتنابه نظير انقاذ أحد الغريقين، ومقامنا من هذا القبيل فانه كما يجب عليه حفظ نفسه عن القتل يحرم عليه قتل المؤمن ولا محالة تقع المزاحمة بينه وبين المؤمن، فيترجح حفظ الأهم منهما، ولا ينافيه ما ورد من ان المؤمنين أكفاء، فانه وارد في القصاص بمعنى أن الشريف إذا قتل مؤمنا وضيعا اقتص منه ولا يبطل دم الوضيع لأجل كون القاتل شريفا، نعم قد يستفاد من بعض الأخبار أهمية المؤمن، ولا يخفى ان المزاحمة جارية في التقية.
- لم يذهب المرجع الخوئي إلى كون النفي إدعائيا في قوله عليه السلام (إذا بلغت التقية الدم) بل نفي حقيقي ترد عليه قاعد التزاحم بحسب تقرير تلميذه السيد علي الشاهرودي.
- الشيخ الحبيب:
أولا: لا نرَ وجها لهذا التفريق بين التقية والإكراه، وذلك لأن التقية مأخوذة من الوقاية فيكون لها العموم من كل ما يتقى ويتوقى منه الضرر ويدل على هذا العموم أنها -التقية- واردة بالأصل في الكتاب في اتقاء ضرر الكفار وهو قوله تعالى (لَّا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ۖ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَن تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً)، كما يدل عليه إطلاق السنة وعموماتها كقوله عليه السلام (التقية في كل ضرورة) وقوله عليه السلام (التقية في كل شيء يضطر إليه ابن آدم فقد أحله الله له). فإن قيل جرى عنوان التقية في لسان الشرع على صنف خاص هو التوقي من ضرر العامة؛ قلنا هذا الجريان لكثرة الابتلاء ولبيان إجزاء العمل بأعمالهم وإن كانت مخالفة للواقع توقيا لضررهم، لا أنه من قبيل الحصر والاختصاص بحيث يخرج مورد التوقي من غيرهم عن عنوان التقية وحكمها.
* الآراء والنتائج التي يُنتهى إليها في هذا الدرس هي في مقام البحث العلمي فقط ولا يجوز العمل بها إن لم تطابق فتوى المرجع.