17 رجب الأصب 1441
محمد:
السلام على الإمام الصادق الوصيِّ النّاطق، والفاتق الرّاتِق.
الحمد لله تعالى على كل حال ونسأله تعالى السلامة من مُضِلّات الفِتن.
• سؤالي لك الآن يا والدي حول ما ورد من إرشادات وقائيّة عن آل محمد عليهم السلام. فهل أمروا مثلا باعتزال أهل المناطق التي ينتشر فيها الوباء كما نشهده اليوم من إجراءات وقائيّة على مستوى العالم؟
الوالد:
• بارك الله فيكم يا بنيّ ورزقكم فقها في علمِه وكِفلين من رحمته.
• فيما يتصل بسؤالكم حول ما إذا كانت هنالك إرشادات معصوميّة شريفة باعتزال أهل المناطق الموبؤة أوانَ تفشِّي الأوبئة والأمراض؛ فأقولُ بَلَى توجد طائفة من الأخبار الشريفة ورد فيها التوجيه بالارتحال عن الموضع الذي يستشري فيه الوباء.
• عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حماد بن عثمان، عن الحلبي قال: سألتُ أبا عبد الله (عليه السلام) عن الوباء يكون في ناحية المصر فيتحوّل الرجل إلى ناحية أخرى أو يكون في مصر فيخرج منه إلى غيره قال: لا بأس إنّما نهى رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن ذلك لمكان ربيئة كانت بحيال العدو فوقع فيهم الوباء فهربوا منه، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): الفارُّ منه كالفارِّ من الزحف كراهية أن يخلوا مراكزهم.
للإيضاح: الربيئة على وزن فعيلة بالهمز هي العين والطليعة تُتّخذُ لِمراقبة العدو لئلّا يباغت الجيش.
• عن علل الشرائع: عن علي بن المغيرة قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: القوم يكونون في البلد يقع فيها الموت، ألهم أن يتحوّلوا عنها إلى غيرها؟ قال: نعم، قلت: بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وآله عاب قوما بذلك، فقال: أولئك كانوا رتبة بإزاء العدو فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وآله أن يثبتوا في موضعهم، ولا يتحولوا منه إلى غيره، فلما وقع فيهم الموت تحوّلوا من ذلك المكان إلى غيره، فكان تحويلهم من ذلك المكان إلى غيره كالفرار من الزحف.
• معاني الأخبار: عن فضالة، عن أبان الأحمر قال: سأل بعض أصحابنا أبا الحسن عليه السلام عن الطاعون يقع في بلدة وأنا فيها، أتحول عنها؟ قال: نعم، قال: ففي القرية وأنا فيها أتحول عنها؟ قال: نعم، قال: ففي الدار وأنا فيها أتحول عنها؟ قال: نعم، قلت: فإنا نتحدث أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: الفرار من الطاعون كالفرار من الزحف، قال: إنّ رسول الله صلى الله عليه وآله إنما قال هذا في قوم كانوا يكونون في الثغور في نحو العدو. فيقع الطاعون فيخلون أماكنهم ويفرون منها، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله ذلك فيهم.
• عن محمد بن مسلم قال قلتُ للباقر عليه السلام: وباء إذا وقع في الأرض أنعتزل؟ قال وما باس أن تعتزل الوباء وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله لرجل أخبره أنه كان في دار فيها إخوته فماتوا ولم يبقَ غيره ارتحِل منها وهي ذميمة.
محمد:
• الحمد لله تعالى والسلام على أئمة الهدى ومصابيح الدُّجى، وأعلام التُّقى، ومنار الهدى، وذَوِي النُّهى، وكهف الورى، والعروة الوثقى، والحجة على أهل الدنيا ورحمة الله وبركاته.
• ماذا يا أبتاه عن اعتراضات بعض العوام من شيعة أهل البيت عليهم السلام بخصوص أعمال التنظيف والتعقيم التي تجري في المشاهد المقدّسة دوريّا في هذه الفترة. فقد هاجموا القائمين على العتبات المقدسة قائلين أنّ الحرم الشريف هو الذي يطهِّر وينظِّفُ الجراثيم، وعملكم هذا ضربٌ من الشك في عظمة الائمة عليهم السلام وقداسة مشاهدهم المُعظّمة.
الوالد:
• هذه المقالة منشأُها سذاجة وسطحيّة الفهم الديني لدى تلك الشريحة من الشيعة، وذلك في الغالب يكون نتيجة عدم الاسترشاد ببيانات أهل العلم والفقه الذين سبروا الأخبار والآثار فخرجوا بمنظومةٍ درائيّةٍ متكاملة في كلِّ موضوع.
• لو قيل لأحدهم أعرِض عن العمل بالأسباب والتطبُّب من المرض واكتفِ بالدعاء لَأنكرتْ نفسُه ذلك!
• وماذا لو قيل له: لماذا تتعاطى العقاقير؟ وهل الله تعالى عاجز عن إخراج المرض من الجسد وتخليصه من الأسقام والعياذ بالله؟
هذا المنطق المُختلُّ مرفوض في الشرع المحمدي المقدّس.
• عَنْ أبي عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام):
"إنّ نَبِيّاً مِنْ الأنبياء مَرِضَ، فَقَالَ: لَا أَتَدَاوَى حَتَّى يَكُونَ الَّذِي أمرضنى هُوَ الَّذِي يَشْفِينِي، فأوحى اللَّهِ إليه: لَا أشفيك حَتَّى تَتَدَاوَى فَإنّ الشِّفَاءُ مِنِّي"..
• عن أبي جعفر الباقر عليه السلام وقد سُئِلَ عن الرجل يداويه النصراني واليهودي ويتّخذ الأدوية، فقال: لا بأس بذلك، إنّما الشفاء بيد الله تعالى.
• هُنا يجدر التنويه:
في هذه الرواية عن المولى الباقر عليه السلام إشارة إلى مشروعية الاستعانة بعموم الأطباء فاليهودي والنصراني يزعم كلٌّ منهما أنه لا يأخذ عن آل محمد عليهم السلام ومع ذلك أجاز الإمام عليه السلام التداوي بطبِّهما. وفي جميع الأحوال كلُّ نفع وخير في الوجود من الله تعالى وحُججه عليهم السلام فتلك عقيدتنا.
• دعنا نضرب مثالا يوضح فساد منطق تلك الفئة من الشيعة ومعارضتهِ لا فقط لضرورة العمل بقانون الأسباب والمسببات المفروض في الدين؛ وإنما يتعارض وما يظنُّونه مِن تمام التعظيم! فهُم أرادوا بمنطقهم المغلوط هذا المُزايدة على غيرهم في التعظيم لحُرمة المقدّسات فإذا بهم يقعون في التفريط من حيث لا يشعرون .
• دعني أضرب مثالا لتوضيح الفكرة..
لو دخلَ أحدهم فرأى نخامةً على ساحة الحرم الشريف فهل يسعه أن يقول لا داعٍ لإزالتها وتنظيف مكانها؟ أو سأقوم بإزالتها سريعا ولا داعٍ لتنظيف موضعها جيدا فلا بأس أن يلتصق شئ منها بثياب الزائرين؟!
حينها يكون هذا استخفافا بحُرمة المكان وبحُرمة الزائرين أيضا. فحتى لو افترضنا أنْ لا نصوص شريفة تنهى عن التنخُّم في المساجد فليس هذا من "الحيطة" الدينية في رعاية حرمات المؤمنين والمقدّسات.
• فالإمام عليه السلام كما يُعظَّم من خلال مظاهر العناية بحرَمِه وتشييده وتعطيره، كذلك يكون من تمام تعظيمه العناية بزُوّار حرمه الشريف وعدم الاستخفاف بسلامتهم وأرواحهم.
• فإهمال التعقيم والتنظيف هو شكل من أشكال الاستخفاف بأرواح المؤمنين واستهتار بضيوف الحرم الشريف وزوّاره وهو سلوك أبعد ما يكون عن الاحتياط للدين في مسألة تعظيم حُرمة المشاهد بتعظيمِ حُرمة زُوّارِها.
• وأمّا من ناحية إهمال العمل بالأسباب فإنّ ذلك المنطق الخاطئ هو مخالفة شرعية أوضح من أنْ يُشار إليها..
• ومن الجهة الأُخرى لا ينبغي الإفراطُ والمبالغةُ في الاتكاء على الأسباب المادية والطبيعية وحدها. فالقائمون على الحرم أيضا عليهم تنظيم التدابير الاحتياطية الوقائية بما لا يتعارض مع مصالح الزوار ويسبب تعطيل حاجاتهم الدينية والدنيوية التي يلتمسونها في تلك المشاهد والمقامات الطاهرة.
• لقد رُوِيَ أنّه إذا وقع الطاعون في أهل مسجدٍ فليس للمصلِّي أن يفِرّ منه إلى غيره، وقد حمل العلّامة المجلسي رحمه الله النهي عن الفرار هنا على الكراهة وذلك جمعا مع الروايات السابقة المُجِيزة.
• غيرَ أني أقول هاهُنا : إنّ في هذه المسألة تأديبا وتعليما على الاتزان وعدم الاتكال على الأسباب المادية وحدها وإنما يكون الرُّشد في الجمع بينهما، أي اتِّخاذ التدابير الوقائية ما أمكن مع الالتجاء إلى الله تعالى والانقطاع التام له سبحانه..
• عن علي بن جعفر في كتاب المسائل، عن أخيه موسى عليه السلام قال: سألته عن الوباء يقع في الأرض هل يصلح للرجل أن يهرب منه؟ قال: يهرب منه ما لم يقع في مسجده الذي يُصلِّي فيه، فإذا وقع في أهل مسجده الذي يُصلِّي فيه فلا يصلُح الهرب منه.
• فأقول: لعلّ هذا التوجيه المعصومي الشريف جاءنا لئلا يتّخذ الفسقة انتشار الأمراض وأمثالها ذريعةً يُشجعون من خلالها على إخلاء المساجد وبيوت الله تعالى والتنفير منها. فالراجح عدم إخلاء بيوت الله تعالى مع اتِّخاذ ما يمكن من تدابير الوقاية كإخراج المصابين والتنظيف والتلثُّم وما أشبه وذلك عطفا على الأخبار التي تأمر بالعمل بالأسباب الطبيعية.
• إنّ لدى بعض الناس لبسا في المفهوم الصحيح للتوكُّل ولذا يقعون إما في الإفراط بإيكال الأمور لله تعالى بمعزل عن العمل بالأسباب. أو التفريط من خلال الاعتماد المطلق على الأسباب الطبيعية.
والصواب والرُّشد في الجمع بين الأمرين فالله سبحانه كما أمر بالتوكل عليه أبى إلا أن يُجري الأمور بأسبابها..
عن الإمام الصادق (عليه السلام): (أوجب الله لعباده أن يطلبوا منه مقاصِدهُم بالأسباب التي سبّبها لذلك، وأمَرَهُم بذلك).
محمد:
اللهم صل على محمد وآل محمد وألهمنا وجميع المؤمنين الرشد ووفقنا للعمل به.
بعد الذي أزلتموه يا أبتي مِن لبس ومغالطات في مفاهيم التوقي والعلاج وفقا للمنظومة المحمدية العلوية الغراء. ما قولكم يا والدي في الدور الإعلامي التضليلي بشأن الآداب الدينية القويمة لدى شيعة أهل البيت عليهم السلام والتعمية عليها من خلال حملات التشنيع الواسعة على الجانب المعنوي الإيماني في الاستشفاء عند شيعة آل محمد عليهم السلام..
الوالد:
من الخطير جدا الدور الذي تقوم به وسائل الإعلام المعادية في نشر ثقافة الاستهزاء بالأسباب الروحية الغيبية كالتوسل بالطاهرين عليهم السلام والتِماس بركة الشفاء بآثارهم. فإنّ لجنود إبليس هؤلاء هدفا خبيثا وهو زعزعة ثقة المؤمنين بالأسباب الغيبية بما يُفضي إلى التقهقر النفسي الذي يؤدي إلى وهن الجسد ويساعد المرض على الفتك به والقضاء عليه.
تجد وسائل إعلامهم الخبيثة تنشط هذه الفترة في تصوير الشيعة على أنهم يعتمدون على هذه الأسباب وحدها ويتنكّرون للأسباب الطبيعية التي وضعها الله تعالى وأمر الخلق أن يأخذوا بها، وقد أعانهم في تلك الهجمات المنظمة ما رُصد من تصرفات بعض الشيعة غير المنضبطة بالخطاب الشرعي المتوازن السليم والسلوك الإيماني القويم، وذلك إمّا بضعفِ التأصيل وعدم التّفصيل، أوضعف التعبير في بيان المقصد وركاكة الطرح، أو ضبابيّة بعض السلوكيات. فتركوا بذلك الباب مشرعا أمام هجمات الغربان الكورونيّة الناصبيّة.
إنّ من الخطير جدا إضعاف الجانب الإيماني بوجود قوّة غيبية حكيمة رحيمة قادرة على تخليص الجسد من الأمراض في حال فشِلت الأسباب الطبيعية..
إنّ الإيمان بوجود تلك القوة الغيبية العظيمة يبعث في النفس الطمأنينة والسكينة وهذا يُسهم في تقوية مناعة الجسم لكونه يدفع بذلك أمراض القلق والتوتر العصبي التي تُضعف مناعة الجسد في مرحلة الوقاية والعلاج معا. فالجسد الذي يستولي عليه القلق ضعيف المناعة تجاه الإصابة بالأمراض وضعيف في مواجهتها إن أصابته.
القلق والخوف والهلع جميعها مما يعين الأمراض على الجسد. وتقوية الإيمان وتعليق الروح بالدعاء والتوسل بأولياء الله تعالى جميعها ترفع الحالة المعنوية للنفس وتدفع عنها شبح الخوف والقلق والتوتر فتقوَى مناعة الجسم بما يُسهم في تفعيل عمل ما يُستشفى به من أدوية وعقاقير. وهذا الذي نقوله لا يختلف معنا فيه أهل الطب.
ولهذا تتجلى لنا الحكمة الإلهية العظيمة في تأديب المؤمن على الجمع بين الدعاء وتقوية الارتباط بالله تعالى لتقوية النفس وطرد القلق والتوتر العصبي من جهة، وتعاطي ما يُتداوى به من أسباب الطبابة التي تُساعد الحالةُ النفسية المستقرة في تفعيلِ أثرِها من الجهة الأخرى.
محمد:
• أسأل الله تعالى لشيعة أهل البيت عليهم السلام التوفيق لما فيه رُشدهم، والسلامة من الإفراط والتفريط بشفاعة نبينا المصطفى وآله الطاهرين عليهم السلام.
• هل لكم يا أبتاه أن تتفضّلوا ببعض ما أرشد وندب إليه آل محمد عليهم السلام من أدعية لدفع الأوبئة؟ فبعد أنْ جُدتُم علينا بكلامهم عليهم السلام فيما يتعلق بالأسباب الطبيعية والأخذ بها آملُ إتمامها برواية تُفيد في الوقاية من الجَنْبَةِ الإيمانية الغيبية.
الوالد:
• لأُنعمنّكم عَينا يا بُني.
• عن الإمام الرضا - عليه السلام - إذا كثُر الوباء في بلد فقولوا :
{{ بسم الله الرحمن الرحيم ، لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، ولا ينفعُ شئٌ إلا الله ، ما شاء الله ولا يصرفُ السوء إلا الله ، حسبي الله الذي خلقني فهو يهدين ، والذي هو يطعمني ويسقينِ ، وإذا مرضتُ فهو يشفينِ ، ونُنزِّلُ من القرآن ما هو شفاءٌ ورحمةٌ للمؤمنين ، اللهم ارزقنا العافية ، ولا تُفرِّق بيننا وبين العافية ، ياخالق العافية ، برحمتك يا أرحم الراحمين }}
محمد:
• آمين آمين برحمتك يا أرحم الراحمين.
• جزاكم الله خيرا يا أبتاه وجعلنا وإياكم ممّن ينتصر بهم لدينه وأوليائه.
• أخيرا يا أبتي العزيز هل مِن درسٍ أو محاضرةٍ حول موضوعِ نقاشنا يمكنني الرجوع إليها لمزيد من الفائدة؟
الوالد: بلى يا بُنيّ يسعُك الرجوع لمحاضرة بعنوان:
(لا للهلع .. نعَم للوقاية)
ألقاها سماحة الشيخ "يا سر بن يحيى الحبيب" في ليلة السبت الموافقة لِليلةِ الرابع من شهر رجب المعظّم.
تعرّض فيها سماحة الشيخ لتفاصيل وتوجيهات تحسُن الإحاطة بها.
• هذا وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين وسلام على المرسلين.
• اللهم صل على محمد المصطفى، وعلي المرتضى، وفاطمة الزهراء، والحسن والحسين، وعلى الأئمة الراشدين من آل طه وياسين، اللهم صل على نورِك الأنور، وعلى حبلك الأطول، وعلى عروتك الأوثق، وعلى وجهك الأكرم، وعلى جنبك الأوجب، وعلى بابك الأدنى، وعلى مسلك الصراط، اللهم صل على الهادين المهديين، الراشدين الفاضلين، الطيبين الطاهرين، الأخيار الأبرار.
محمد:
اللهم صلِّ على محمد وآل محمد وعجِّل فرجهم و أهلك عدوهم من الجنِّ والإنس من الأولين والآخرين.
• سطعَ ظهيرة الأحد في الخامس من شهر رجب المُعظّم بتقويم الشيعة في الخَطِّ وهجَرَ لِعام ١٤٤١ مِن الهجرة النبوية الشّريفة
بقلم: الزهراء مظلومة