22 ذو القعدة 1441
لم يكن "الشمري" أول من يختار ركوب فلك الهداية الجارية في لجج الضلالة الغامرة، ولا أول من يؤثر الصدع بالحق الذي بصره الله به في وجوه العميان الآوين إلى السقيفة لتعصمهم من الماء، ولا أول من اختار إعلان وجهته على قناة "فدك". إلا أن عوامل أخرى أسهمت في جعل صوت "مطرب" من أكثر الأصوات إطراباً للمؤمنين حول العالم، منها مجيئه من بيئة شبه منقطعة عن التشيع، ومجتمعٍ قد يحسبه المراقبون من أواخر ما قد يجتاحه المد الشيعي.
خرج الشمري بمقطعه المرئي، لا أشراً ولا بطراً ولا ظالماً ولا مفسداً. لم يحمل راية مشروع سياسي يهدد أمن بلده، ولم يعلن عداءً لأهله أو تفريقاً لعشيرته، بل خرج متولياً لمحمد وآل محمد صلوات الله عليهم ومتبرئاً من أعدائهم عليهم لعائن الله. فما لبث أن تكالب شذاذ الآفاق وبقية الأحزاب، ممن باعوا آخرتهم بدنيا غيرهم، يتلاومون ويتساءلون بينهم: من فعل هذا بآلهتنا؟ فجاءهم الجواب أن سمعنا فتى يذكرهم يقال له: مطرب!
وما كان عجباً أن يؤول أمره إلى المحنة والبلاء، فلا زالت هذه سنة جارية في من أحب أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وتولاهم. وما كان غريباً رؤية ذرية السقيفة يتصايحون من المشرق والمغرب أن حرقوه وانصروا آلهتكم. كل ذلك طبيعي في سياقه، وما نحن ببعيدي عهد عن وقائع أظهر من هذه جرت في غير واحد من بلدان العرب. ولا شك أن الشمري الذي ما وجدنا في شهادات من عرفوه صغيراً وكبيراً إلا من وصفه بالحصافة والسكينة، كان مطلعاً على ما جرى على غيره، عالماً بما يمكن أن يجري عليه. وما قال ما قاله عن سفه ولا ضلال، أما في مضمونه فهو الحق المبين، وأما في أسلوبه فذاك منتهى ما بلغت إليه قدرته وساقه إليه ذوقه ورأيه.
الغريب في الأمر أن تجد في القلوب التي تحلقت حوله وأحبته في ظرف دقائق لما أثلجها عذب كلامه، ما ينقلب إلى مراجل قين عليه وعلى من أعانه على إيصال صوته! فلو أصيب الشمري أو ابتلي بشيء قبل ثوانٍ من إعلانه تشيعه لما اكترث له من الشيعة أحد، وإنما حظي بتعاطف الشيعة وودهم لأجل ثوانٍ ظهر فيها منادياً بحق آل محمد صلوات الله عليهم. أفلا ترون من الغريب أن تتحول هذه الكلمات نفسها في غضون أيام إلى سهام يرمى بها الشمري ويرمى بها القائمون على صوت العترة وفدك؟
وإني لأسأل في هذا الموضع اللائمين والمهاجمين، أعلى مطرب تعتبون أم على أعضاء اتحاد خدام المهدي عليه السلام؟ فإن كنتم تعتبون عليه، فما شأنكم وإياه؟ فإنما قدم لنفسه وأفضى لما قدم، واختار لنفسه طريق ذات الشوكة حباً لله وكرامة لرسوله. وما علمنا أنه جرّ على غيره من المؤمنين شيئاً من البلاء كانوا مبعدين عنه ولا أساء لأحد منهم قدر أنملة، وإن كنتم في ريب من ذلك فاسألوا من حوله من شيعة الخليج والجزيرة. فهلّا رضيتم من أخيكم بما سركم وأغضيتم عما لم يرق لكم؟ فإن كان إعلان تشيعه حقاً، فإنما لأجل ذلك احتَمَل وفي سبيله أوذي، واستوجب بذلك علينا نصرته بالأيدي والألسن والقلوب. وإن كان فعله لغواً، فمروا به كراماً وأعرضوا عنه، فلولا هذا الفعل ما سمعتم به ولا أدراكم عنه، فعاملوه كأي فرد بكري من أبناء حائل أو شمر سمعتم بظلم وقع عليه.
وإن كان عتبكم على خدام المهدي عليه السلام، فإنما مفهوم ذلك أنهم غرروا به أو سلبوه اختياره. فلا أدري إن كنتم تنسبونه إلى مثل السفاهة والحمق ما الذي كان أسعدكم في تشيع سفيه أحمق، أو ما الذي آساكم على إضراره بنفسه؟ وإنما اتحاد خدام المهدي مؤسسة قائمة على منهج نظر له شيخها وزعيمها الروحي الشيخ الحبيب، وتفاصيله مبثوثة بوضوح في كتبه ومحاضراته. وما سمعت يوماً أنهم أجبروا الناس على التشيع عن طريقهم، أو ضيقوا سبيل الحق على سالكيه حسب اجتهادهم. فعجبي ماذا كنتم تريدون منهم أن يصنعوا بمؤمن جاءهم يستعين بهم على إيصال صوته إلى العالم عبر قناتهم، أيثبطونه ويردونه على عقبيه أم يمنعون عنه ما يحرصون على توفيره لغيره من المتشيعين؟ وإن أصررتم على لومهم وجمعتم بين مودة الشمري وتسفيهه، فهلا نظرتم على الأقل في شيء من الأسباب الذي ألجأته إليهم لإعلان تشيعه وإيصال صوته؟ لا يخفى عليكم أن الخيارات أمامه كانت قليلة، ولا يكاد المتشيع القادم بحماسته يجد مستراحاً في منبر شيعي إلا في مثل قناتي صوت العترة وفدك. فلا تلوموه ولوموا أنفسكم، وأقلوا على اتحاد خدام المهدي عليه السلام من اللوم أو سدوا المكان الذي سدوا.
بقلم: عدنان