26 ذو القعدة 1441
استمعنا جميعا لمقطع المتشيع "مطرب الشمري" فرج الله عنه وحفظه من جور الظالمين، فأبهرنا بل أخجلنا كشيعة (أبا عن جد) بكلماته البرائية وتحدياته في وسط المحيط البكري العائشي الذي يقطن فيه، المليء بالمجرمين والقتلة، بيئة لا تعرف للمبدأ والحرية أي حرف!
بل أكثر من ذلك الانبهار والخجل، شعرنا بالعار حينما علمنا أنه كان مصرا على نشر المقطع المرئي على القناة غير مبالٍ من التبعات والأخطار التي من المؤكد أن تقع عليه من قبل حكومة قمعية عرفت عبر القرون بالظلم والطغيان، وكأنه تشرب المبادئ الرافضية من سنوات عديدة! في حين أنه حديث عهد بالتشيع لفترة لا تتعدى الثلاثة أشهر!
لقد تصارع مع نفسه الأمارة بالسوء وبحث متجردا عن العاطفة، وأخذته الرحمة الإلهية لسماع المحاضرات والسلاسل البحثية لسماحة الشيخ ياسر الحبيب "نصره الله تعالى" كأكذوبة عدالة الصحابة وكيف زيف الإسلام وغيرهما، فأشرقت شمس الحق في محياه وعرف من أين تأكل الكتف، تشيع ... فصار فقيها بالفطرة!
حيث لم يعمل "بالتقية المغلوطة" التي لطالما عمل بها من هو محسوب تحت دائرة الحوزة العلمية الشيعية! من تعمق في العلوم الدينية ودرس الفقه أياما وليالي.
ولو اختار العمل بـ "التقية الشرعية" فلا ملامة عليه فهو أعلم من غيره بوضعه، لكنه أراد أن يكون (ياسريا) كابن عامر، و(غفاريا) كأبي ذر وغيرهما من الأفذاذ البررة الكرام، فاختار التضحية بالغالي والنفيس لإيصال رسالة للعالم البكري والبتري أجمع أن رموز النفاق أبا بكر وعمر وعثمان ومعاوية وعائشة وحفصة في قعر جنهم وبئس المصير، وقال كلمته التي سوف تهز أركان الفرقة البكرية إلى يوم يبعثون "أبا بكر وعمر تحت الجزمة". فصب غضب أبناء الحميراء فحرضوا على قتله، فاعتقلوه حسب ما نقل.
وقد كان خبر الاعتقال بمثابة الفتنة والاختبار الصعب لمن يدعي التشيع، بل لمن يدعي الرفض والإيمان بمنهج الجهر بالبراءة، فسقط فيه من سقط. فبعضهم وجه اللوم على إدارة القناة بأن كيف سمحت لنفسها بتعريض المتشيع للخطر، وأراد بعضهم تطبيق قول الإمام زين العابدين في هذه الحادثة حين ردد قوله "عليه السلام": (هلك من ليس له حكيم يرشده)! والواقع أن هؤلاء ينطبق عليهم قول الإمام الصادق "عليه السلام" (من أخلاق الجاهل الإجابة قبل أن يسمع، والمعارضة قبل أن يفهم، والحكم بما لا يعلم).
فقد اتضح لاحقا للجميع أن الإخوة المؤمنين في القناة، قاموا بواجبهم اتجاه هذا الأمر، ولكن لا قرار إلا لصاحب القرار وهو أعلم بما سوف يجري عليه، لذلك اختار طريق التضحية من أجل الدين لا النفس.
كما نذكر المؤمنين بأبحاث سماحة الشيخ الحبيب في هذا المورد، حيث قال ما مضمونه: "التقية رخصة لمن أخذ بها، ومَن تركها يكون معذورا وهو على كل حال مأجور، أما إن توقّفت عليها مصلحة الإسلام وإعلاء كلمته والصدع بالحق والقيام بوظيفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فذلك مما لا كلام في استحبابه الأكيد، وأعظم دليل عليه ما قام به قدوة الأحرار الخليفة الشرعي الثالث الحسين بن علي "صلوات الله وسلامه عليهما" إذ نهض بوجه الظالمين تاركا للتقية رغم تحقّق شرائطها الموضوعية، كما لا يخفى حيث كان على شفا القتل والهلاك، وما ذاك إلا لأن المصلحة الإسلامية الكبرى كانت في ترك التقية والتضحية في سبيل الله حفظا للدين، بينما كانت المصلحة في زمان من تلاه من الأئمة الأطهار "عليهم السلام" في العمل بالتقية حفظا لوجود الأئمة وشيعتهم ولئلا يندثر ذلك الوجود أو ينضمر في ظل الإرهاب والملاحقات الأمنية التي كانت دأب السلطة آنذاك، ما كان يتطلّب إخفاء المؤمنين لأنفسهم وما يعتقدون وما يعملون حتى لا يُعرف أنهم من شيعة علي عليه السلام.
وعلى سبيل المثال لو أن مؤمنا وجد نفسه متعرّضا للقتل أو الحبس أو التعذيب أو التشريد أو ما شابه من الضرر، وكان يجد في قبال ذلك نصرةً للدين تستوجب التضحية منه، جاز له، بل استحب له أن يضحي ويعرّض نفسه للضرر، ولا ضير عليه في ذلك، ونقول: لا ضير، ولا نقول: يجب، فتأمّل".
وقد قال الامام الباقر "عليه السلام": "التقية في كل ضرورة، وصاحبها أعلم بها حين تنزل به" وهي دالة بوضوح على أن التقية منوطة بتقييم المكلّف لموضوعه وهو أعلم بنفسه كما قال تعالى: "إن الإنسان على نفسه بصيرة". (سورة القيامة - آية 14).
وعلى هذا لا يجوز لأحد أن يتدخّل في تشخيص المكلّف لموضوع التقية بالنسبة إلى نفسه، إذا لم يجد ضرورة في اللجوء إليها.
كما نذكر المؤمنين بقصة المرأة الرافضية التي تعرضت للسجن والضرب بسبب دفاعها وتركها التقية بلعن أعداء الزهراء "عليها السلام" بمرأى من الطغاة المجرمين، ولما قبضوا عليها وسجنوها، تأثر إمام زمانها في ذلك الوقت وهو الإمام الصادق "عليه السلام" لموقفها الدفاعي عن أمه الزهراء عليها السلام. وبكى لها بأبي هو وأمي، ولأجل هذه الحرة الرافضية قطع مسافة إلى الكوفة ليصلي في مسجد السهلة ليدعو لها بالخلاص من جور الظالمين. فرزقت بركات إمام زمانها وتهيأت لها أسباب الرحمة من الله الرحيم، وأخرجوها من السجن معززة مكرمة. وقد أهداها الإمام الصادق "عليه السلام" المال لهذا الموقف النبيل ففرحت! فهنيئا لها ولمن يقوم بهذا الفعل الرافضي الشجاع.
نسأل الله أن يفرج عن المتشيع "مطرب الشمري" ويحرسه بعينه التي لا تنام، وهو الآن في رعاية إمام زمانه الإمام المهدي المنتظر عجل الله فرجه الشريف.
بقلم: عقيل حسين