29 ذو القعدة 1441
على الرغم من مرور ما يقرب من عشر سنوات على اندلاع احتجاجات البحرين، ومرور بضع على ركود وتيرتها، فإن أي متابع للإعلام السياسي يجد حضوراً لافتاً للملف البحراني في إعلام النظام الإيراني. ولا يقتصر الأمر على الحكومة الإيرانية، فإن جمعاً من رموز التيارات والأحزاب الشيعية لا زالوا يحرصون من حين لآخر على تأكيد استمرار دعمهم لثورة البحرين ومطالب أهلها السياسية، حتى وإن كان أهلها أنفسهم أبعد الناس عن ذكرها هذه الأيام. ولعل من أبرز النقاط المترددة في الخطاب الإيراني والحزبي المستمر تمجيد تضحيات القتلى، والنداء بحقوق المعتقلين المظلومين.
ضحايا أحداث البحرين بالآلاف، ولا تكاد تجد في الأحزاب والتيارات إلا من له نصيب فيهم. والغريب في الأمر حقاً أن تجد جماعة تبحث وسط ركام الجثث وزحام السجون عن بضع أفراد تستغل قضاياهم لإدانة منهجية اتحاد خدام المهدي عليه السلام ورأسه الشيخ الحبيب! فلا زال يبلغني شيء من حديث مجالسهم يدينون فيه خطاب الحبيب ونشاط أنصاره، الذي أفضى إلى اعتقال فلان وفلان من المؤمنين من أهل البحرين.
قضية أخينا "مطرب الشمري" فرج الله كربه ليست ببعيدة عن هذه الأجواء، فإن المتابع يتساءل عن وجه إدانة بعض المتحزبين لفعله، وصد الناس عنه بعدما ناله من ضرر على أثره. وليت شعري، ما الذين ضرهم في اعتقال الشمري وآذاهم؟ هل أحسوا بأن قضيته قد تسحب شيئاً من الأضواء عن قضيتهم، أم شعروا أن اعتقاله ضيق الزنازين على أتباعهم؟ وإنك إن طالعت شيئاً من تراث آل محمد عليهم السلام وجدت حثهم على نصرة زنجي تعصّب لهم، ولا أعتقد أنك تجد شيئاً في الحث على نصرة من نازع في أمر حكومة وضعية أو نادى بمطالب دستورية. لست هنا في صدد إدانة أي توجه أو تحرك مطلبي، ولا مقللاً من شأن أي ساعٍ لبسط عدل أو رفع ظلامة، إلا أن النفس – كما قال مؤمن الطاق – واحدة، وإن بذلها في سبيل الدين أولى وأبر. فإن كنت لا تسأم الدفاع عن المناضلين على خطك السياسي، فلا أقل من إبداء شيء من الاحترام للسائرين على خط آل محمد عليهم السلام والمناضلين لأعدائهم عليهم اللعنة.
طائفة أخرى من المستنكرين لعمل الشمري، هم المنادون بشعارات التماهي الديني أو التعايش الوطني على المبادئ الليبرالية، الذين يحسبون أن جهودهم كادت أن تنجح بمساواة الشيعة بغيرهم في بلاد مخالفيهم لولا أن جاء مطرب وقوّض بإعلانه مساعيهم. أما هؤلاء الرفاق فلا أظن أن هدية تقدم لهم خير من مقطع معتوه حائل الذي سجله تعليقاً على إعلان الشمري تشيعه. يتحدث في تسجيله المتحدث مفتخراً بأهل حائل الذين نجحوا في نبذ المتشيع والتضييق عليه، والمحافظة على مجتمعهم البكري نقياً من مخالطة تجار الشيعة وعزلهم عن حاضرتهم. ويمضي الأبله محذراً جماعته من التشيع، معدداً من عقائدنا "عقيدة الطينة" وتحريف القرآن و"خان الأمين"!
لا أدري هل تكفي مثل هذه السفاهة لإعادة الحالمين إلى الواقع أم لا. فيا أيها العقلاء، ها هو خطاب ياسر الحبيب الحاد بلغ حائل وبدأ عمله في أهلها، وخطابكم الناعم وشعاراتكم البراقة لم تفلح في جعلهم يطلعون على شيء من إنتاجكم أو يتقبلون التعايش معكم. بل أصبحتم ترون أن لا قدرة لكم اليوم على إدانة مطبع مع الصهاينة، أو التعريض بشاذ ملحد، ولا زلتم أنتم ودينكم غرضاً ترميه أوباش الأعراب ومردة التنظيمات والأحزاب! حتى أفجر فئات المجتمع وأبغضها إلى عامته نجحت في نصب رايات لها في وسط الفوضى الحقوقية، وأنتم لا زلتم تخوَّنون وترمون جهاراً بمعاداة العروبة والإسلام، ثم لا يجد شاتمكم غضاضة، ولا تجدون ما تدفعون به عن دين الله ولا عن أنفسكم. فعلى وتيرة عملكم الحالية، كم سنة ضوئية ترون أمامكم لتوصلوا لأهليكم وجيرانكم فكرة عن سلامة عقائدكم وحقانية مواقفكم ليقبلوا بالتعايش معكم؟ ألا ترون أن العمل على تشييعهم فرداً فرداً أسهل وأجدى؟!
أما الطائفة المستنكرة الثالثة، فجماعة من المؤمنين الصالحين لا زالوا يسيرون متلفتين مخافة أن يتخطفهم الناس من حولهم. وهؤلاء قد يحركهم، أو يثبطهم، تشخيصهم لتكليفهم الشرعي تارة وانهزامهم النفسي أمام غيرهم تارة أخرى. ولا أجد لي سبيلاً في مثل هذا المقام للسعي في تغيير شيء من ذلك، إلا أن جل ما أرجوه منهم هو احترام تعدد الاجتهادات والقراءات في دائرة المؤمنين، وكل مسير لما خلق، وكل يعمل على شاكلته. وإن لم يفلحوا في استيعاب ذلك، فلا أقل من أن يعدوا الرافضة الصادعين بالولاية والبراءة تياراً مخالفاً يسايرونه بالتقية كما يتقون أحقر التوجهات من حولهم. فإن كانوا يرون قعودهم عن الجهاد طاعة لله وعملاً بشريعته، فلا ينبغي أن يحدث ذلك في أنفسهم شيئاً من الحنق على فعل الماضين في غير سبيلهم، فلا يضرهم من ضل إذا اهتدوا. وإن كان كبر عليهم ما يشعرون به من دناءة وصغار في أنفسهم، فلا يلجؤوا إلى تفريغ ذلك في إخوانهم المؤمنين، ولا تكن عصمة الله ورسوله أهون العصم عليهم، ولا يكن أشياع آل محمد أقل الناس عليهم كرامة.
بقلم: عدنان