تقرير لمحاضرة الشيخ الحبيب بعنوان: (كيف زُيِّفَ الإسلام؟) - (1)
بسم الله الرحمن الرحيم
(القول مـني في جميع الأشياء قول آل محمد عليهم السلام فيما أسروا وما أعلنوا و فيما ما بلغني عنهم وما لم يبلغني) ..
الحمد لله رب العالمين, وأفضل الصلاة وأتم التسليم على محمد وآله الطيبين الطاهرين, ولعنة الله على أعدائهم من الآن إلى قيام يوم الدين.
قال الله تعالى في محكم كتابه العزيز: (وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِّنْهُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُوْلَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ).
أمنّا بالله صدق الله العلي العظيم.
نحن اليوم نجد على خارطة الأمة مجموعة من المناهج الدينية المختلفة وكل منها يدّعي أنه الإسلام الذي نزل على رسول الله صلّى الله عليه وأله. ولا يخفى علينا جميعا أن كل منهج منها يختلف عن الآخر وبين هذه المناهج فروق ليست بالطفيفة، بل إنها عديدة ومتنوعة وليست فروقا بسيطة وإنما هي في صميم وجوهر هذه العقائد أو هذه المناهج الدينية. هنالك إسلام ينظر إلى الإله ( الله) نظرة تختلف عن إسلام أخر، فمثلا يعتقد بعض من يسمّون أنفسم مسلمين( أن الله شكله شكل شاب أمرد)، شاب أمرد يعني لا لحية له، غلام صغير السن جميل وسيم . هذا الشاب هو الله عز وجل والعياذ بالله وفق إسلامهم. هذه هي نظرتهم وهذا هو تصورهم لمعبودهم! هم يعتقدون أن له وجها وعينين وأذنين و يدين وساقا و حقوا (خاصرة) و حتى له أصابع! ويصفون تلك الأصابع. إرجعوا مثلا إلى كتب إبن تيمية لعنة الله عليه ستجدون أنه يصف إلهه بذلك الشكل و يسوق أدلة يستقيها من مصادره الحديثية ليبرهن على أن الإسلام قد جاء من قبل ذلك الإله و يقول أن النبي صلى الله عليه وآله عندما عُرج به إلى السماء رأى ذلك الإله الذي صفاته هي تلك. فكما ترون هذا نموذج لإسلام ينظر إلى إلهه بهذا الشكل ويصوره على ذلك النحو. لكننا من جهة أخرى نجد أنّ لدينا إسلاما آخرا ينزه إلهه عن مثل تلك الّترهات ويقول أن الإله لا يحتويه مكان ولا زمان وليس بجسم ولا يحويه شيء ولا يمكن أن يُشار إليه بجهة. (هذا إسلام أهل البيت عليهم الصلاة والسلام).
إذن هنالك إسلام يُشرك بالله تعالى وهذا بحث مفصّل إن شاء الله في المستقبل نتطرّق إليه. أيضا يوجد إسلام يشرك مع الله تعالى تسع صفات يقول أنها أزلية معه وهذا بحث فلسفي ليس هاهنا محله . يوجد إسلام يشرك مع الله تعالى كلامه فيقول أن القرأن ليس مخلوقا فهو مع الله منذ الأزل وهذا شرك. في حين أن الإسلام الآخر وهو إسلام أهل البيت عليهم الصلاة والسلام لا يعتقد بمثل تلك الترهات كلها وينزه الله تعالى عنها.
هنالك إسلام يصور نبيّه على أنه نبي والعياذ بالله قليل الأدب يبول واقفا أمام الناس و يشرب الخمر وهو لا يدري، يسهو عن الصلاة، يسب الناس بلا سبب. بل الأشنع من ذلك أنهم ينظرون إليه على انه نبي متوحش. إرجعوا إلى صحاحهم فستجدون أنهم ينسبون إلى رسول الله صلى الله عليه وآله أنه سمل أعين بعض اللصوص أي فقأ أعينهم وتركهم ينزفون إلى الموت وكلما جاء شخص إلى ذلك الرسول ليسترحمه يجيبه ذلك النبي بأنهم لصوص طبّق عليهم الجزاء العادل حسب الموازين الشرعية. \"لماذا كل هذه الوحشية\"؟!. هذه شخصية الرسول وسيرته عند المخالفين ,من قبل إسلام آخر بينما من جهة أخرى سيجد الباحث أن إسلامنا نحن أتباع أهل البيت ينظر إلى نبيه على أنه قمة في الأخلاق، قمة في السمو، الرحمة , العطف, الإنسانية و هو منزه عن مثل تلك النقائص والترهات. وهكذا فوارق عديدة بين أكثر من منهج ديني وأكثر من مذهب (كما اصطلح على تسميتها) وكلها تدّعي أنها الحق. وقد بقي هذا الإختلاف حتى زماننا هذا.
أصبح هنالك خلاف واقعي على وجه الكرة الأرضية سبّب مآسي على امتداد التاريخ. هنالك إسلام يعتقد أتباعه بأن دينهم يحثهم على القتل والتفجير وسفك الدماء. هذا هو الإسلام في نظرهم, هم يتصورونه هكذا في حين أن هنالك إسلاما آخراً يرفض هذا المسلك الهمجي، إسلام الرحمة وليس إسلام الوحشية.
فالبنتيجة نحن الآن أمام مجموعة من الاتجاهات الدينية وكل منها يزعم أنه هو الإسلام .
السؤال الذي من المفترض أن يتبادر إلى ذهن كل واحد من هؤلاء المسلمين ومن بينهم نحن أتباع اهل البيت عليهم السلام هو هذا السؤال، أي من هذه المناهج المتباينة هو الإسلام ؟
ما هو الإسلام الحقيقي النقي المنزه عن مثل تلك الشوائب؟
ما هو الإسلام الأصيل والإسلام المزيف أو المنحرف؟
نريد أن نعرف. نريد أن نصل للحقيقة ..
طبعا بلا شك إجابة هذا السؤال تتطلب منا بحثا عميقا دقيقا وغوصا في بواطن هذه المناهج وهذه الإتجاهات لكي نميز ونقارن بينها ونعرف الصواب من الخطأ فيما تدعو إليه إستناداً إلى الأدلة والبراهين والشواهد التاريخية. هذا بحث طويل مفصل سنحاول هنا إن شاء الله في هذه السلسلة , في هذه الدورة الأسبوعية أن نتناوله و لو على نحو إشارات مختصرة لنتعرف على ملامح هذه المناهج ونقارن بينها . أريد أولا ً قبل أن ندخل في هذا المسار أن نثبت حقيقة وهي أنه قد وقع تزييف في الدين الإسلامي و هذا التزييف موجود وباقٍ حتى يومنا هذا. و ينبغي للمسلمين جميعا ومن بينهم نحن أتباع أهل البيت أن نتجرد عن أي إنتماء عقدي أو مذهبي و نبحث في المسألة بحيادية مطلقة وتجرد تام. معلوم أننا نحن الشيعة الأثنى عشرية نختلف عن سائر الفرق والمذاهب الأخرى بل حتى الأديان في مسألة جوهرية وهي من أهم المسائل التي تُعد مظهرا لعظمة هذا الدين وهذه الفرقة, هذه المسألة تجدونها في بداية كل رسالة عملية أي رسالة الأحكام التي يطرحها أي مرجع تقليد . هذه المسألة موجودة في سائر الرسائل العملية التي يرجع إليها المسلم الشيعي المُكلف وتحمل الرقم واحد.
إنها أول مسألة يقرؤها المكلف المتبع لأهل البيت عليهم السلام عندما يفتح الرسالة العملية.
ماذا تقول تلك المسألة؟
((لا يجوز التقليد في أصول الدين ويجب معرفتها عن طريق الدليل و البرهان))
ما هو معنى ذلك؟ معناه أننا لا يمكن أن نأخذ عقيدتنا بالتقليد للآباء والبيئة التي ننتمي لها وإن كنا مؤمنين ومتيقنين مئها مئة بالمئة بل ألفا بالمئة وعلى ثقة تامة من كونها صحيحة وعلى يقين من أن ولاية أهل البيت (ع) حق لا ريب فيه إلا أنه في إسلام الشيعة يجب على الإنسان الموالي المتبع لمحمد واله الاطهار بمجرد أن يصل لسن التكليف أن يبحث بتجرّد وأن لا يأخذ عقيدته عن تقليد أو تبع لأبيه أو جده وقومه! كلا بل عليه أن يبحث بتجرد ويرى هل أنا على حق أم باطل؟. طبعا ً كل أتباع المذاهب والأديان الأخرى لا توجد هذه المسألة في منهجهم العقدي ولا يشترطونها أصلاً ولا يوجبونها على المكلّف كما هي واجبة عندنا نحن الشيعة الأثنى عشرية بل بعض تلك النحل والملل تحرم البحث! يقول علماؤهم للعامي أنت غير مؤهل للبحث وليست لديك القدرة على الإستيعاب والتمييز فلا تبحث ولا تقرأ كتب الشيعة فهي كتب يخشى عليك من الضلال إن طالعتها!
يا معاشر المخالفين تمنعون قراءة كتب الشيعة لماذا؟ في حين نحن نشجع أبناءنا على قراءة كتب المخالفين والتعمق فيها أيضا ً لأننا ندرك سلفاً أنهم لن يتأثروا ومهما بحثوا ولفوا وداروا سيرجعون مرة أخرى لهذه العقيدة لأنها هي العقيدة السليمة فيا ليت المذاهب الأخرى تجعل هذه المسألة من واجبات الفرد المكلف وتحث أتباعها على التجرد كما نصنع مع أبنائنا لكي تشجع تلك الطوائف على ان تبحث لتكتشف و تعرف هل إسلامها ودينها هو الصحيح وهو الحق أم ديننا نحن الشيعة؟ لماذا لا يعطونهم فرصة البحث وتلقي عقائد الشيعة منهم مباشرة؟ بدلا من غسيل أدمغتهم وحشوها بالأكاذيب عن إسلام الشيعة وتشويه المفاهيم وتزييف الحقائق؟
نريد أن نثبت كما قلت مسألة كون هذا الدين وقع فيه تزييف وتحريف ويجب أن نميز الدين الصحيح الحقيقي من الخاطئ المزيف ولكن لعل معترضا يعترض فيقول ما هو الدليل؟ أو هل يعقل بأن يكون الدين الذي أنزله الله عز وجل وجاهد من أجله رسوله صلى الله عليه وآله قد زُيف؟ هذا معناه أن البشر قد انتصروا على الله!.
الله أنزل دينا ً معينا ً هو خاتم الأديان فكيف استطاع البشر تزييفه وتحريفه وتبديله؟ قد يقول قائلهم هذا الكلام غير معقول.
الجواب: لكي نجيب على هذا الأعتراض او الإشكال و لنتبيّن إن كان هذا معقولا أم غير معقول دعونا نلقي نظرة على التاريخ منذ فجر الخليقة, منذ زمان أبينا ونبيينا آدم عليه السلام.
ماذا حدث لدين آدم بعد آدم ؟ إرجعوا إلى التاريخ .
التاريخ يحدثنا أنه بعد آدم مباشرة , أي بعد وفاته عليه السلام إختلف أبناؤه وأحفاده من بعده فكانت الغلبة لأبناء قابيل. قابيل الذي قتل هابيل! وكان أبناؤه غير مؤمنين بل كانوا كفرة بينما كان المؤمنون هم أبناء هابيل ابن آدم ومنهم وصي ادم الشرعي (شيث) عليه السلام واسمه يعني هبة الله, لكننا وجدنا أبناء قابيل قد استطاعوا أن يتغلبوا على إخوتهم وأبناء عمومتهم فعزلوا المؤمنين في جزيرة و حصروهم وحاربوهم وطوقوهم بـالكامل ومعهم وصي ادم وخليفته (شيث) عليه السلام. إذن من أبناء آدم و أحفاده العصبة التي إنتصرت كانت أية عصبة؟ كانت عصبة الكفر, أبناء قابيل المنحرفين.
وتلك الزمرة المنحرفة لم تكتفِ بعزل الثلة المؤمنة وإنما اخترعت لنفسها دينا ً آخر حيث ادعت أن الله عز وجل أمر القوم بـعبادة النار. فمنذ ذلك الحين بدأت عبادة النار على الأرض وشقت طريقها إلى البشرية .
وطدوا دعائم دينهم المحرف المزيف الذي يدعوا إلى عبادة النار ونجحوا في تحريف رسالة السماء وكانوا هم الغالبية للأسف الشديد. رغم ذلك بقيت قلة صابرة لم تحرف الدين وهم المؤمنون الذين تمسكوا بوصي آدم الشرعي (شيث) عليه السلام واتبعوه.
مضت السنوات وإذا بـالله عز وجل يرسل نبيا ً جديدا ً لتصحيح مسيرة البشرية وهذا النبي هو نوح عليه السلام. جاء النبي نوح فألفى البشر لم يكتفوا فقط بعبادة النار! وإنما اخترعوا لأنفسهم خمسة أصنام هي أول خمسة أصنام عبدت على وجه الارض وقد ذكرها القران الكريم في قوله تعالى (وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ
وَدًّا وَلا سُوَاعًا وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا )
لقد لبثوا عاكفين على عبادة تلك الأصنام الخمسة حتى بعثة نوح عليه السلام إليهم و قد بذل كل وسعه لاستنقاذهم من ضلالهم وحيرتهم وبقي يدعوهم ألف سنة إلا خمسين عاما فلم يستمعوا لدعوته أو يستجيبوا لها. لم تستجب له سوى ثلة مؤمنة قليلة تذكر الروايات أنّ عدد أفرادها لا يتجاوز 80 شخصا ً من بين كل البشر اللذين دعاهم نوح عليه السلام آن ذاك. بعدها وقع الطوفان فأغرق كل هؤلاء الظلمة والكفرة وعادت الأجواء لتصفو من كدرة الشرك والكفر والضلال وتسود أجواء الإيمان من جديد. ولكن بعد نوح ما اللذي حصل ؟
بمجرد وفاته عليه السلام ومفارقته لهذه الدنيا لم تمضِ سوى فترة يسيرة من الزمن إلا وقد اختلف أبناؤه من بعده و أحفاده أيضا ً . كان وصي نوح هو (سام ابن نوح)عليهما السلام و مجددا صنعوا به صنيع أبناء ادم مع وصيه شيث عليهما السلام فحاربوه وعزلوه ثم بعد ذلك راحوا يفتشون من بين الرمال التي كان الطوفان قد اجتاحها عن أصنام القوم و واصلوا بحثهم لسنوات طوال بلغت عشرات السنين عن تلك الأصنام الخمسة وأخرجوها مرة أخرى وعبدوها! أمر عجيب بحق! ...
عجيب هذا البشر ! أنت تعلم أن الطوفان بالأمس قد إجتاح أسلافك وآباءك وقد أُغرقوا جراء عبادة تلك الأصنام فتقوم مرة أخرى وترجع إليها بل تنقب عنها لتستخرجها؟!
هذا لئلا يقول المعترض ليس معقولا أن يقع التحريف في دين الإسلام! .
كل شيء يُتوقع صدوره من البشر , البشر لا يتورع حتى عن تحدي الله تعالى.
عقوبة آلهية أمام عينه وقعت و رأى كيف أن الطوفان أخذ كل من على الأرض نكال عبادة تلك الأصنام ولكن بسبب خلافات متعلقة بمصالح دنيوية وعادة ما تكون على الحكم فقد عادوا لكفرهم وكأنّ الطوفان لم يكن ولم يقع أصلا . لا يريدون الحكم للوصي الشرعي فهو يصطدم مع أهوائهم ومصالحهم الدنيوية
رفضوا من نصبه الله عز وجل على الأرض خليفة و وصيا شرعيا فانقلبوا على أعقابهم ومرة أخرى رجعوا وفتشوا بين الرمال واستخرجوا تلك الأصنام وعبدوها! تخيلوا! ...
ثم مضت السنون وإذا بالله عز وجل يرسل إبراهيم عليه السلام لتصحيح مسيرة البشرية وتخليصهم من ذلك الإنحراف . فلما جاء إبراهيم مرة أخرى تعب وقاسى في دعوته وجاهد و صبر إلى أن وطد و رسّخ معالم هذا الدين من خلال تضحيات شتى وحوادث وقصص عديدة معظمكم على معرفة بها واطلاع عليها. ولكن ماذا حدث بعد إبراهيم عليه السلام؟ أيضاً يحدثنا التاريخ أنه بعد إبراهيم إختلف قومه وأحفاده من ذرية إسرائيل (بنو إسرائيل) .
إسرائيل هو يعقوب ابن إسحاق ابن إبراهيم. ذريته قد تمردت وطغت و أقدمت على قتل سبعين ألف وصي شرعي! سبعين ألف نبي قتلوهم دون ان يرق لهم قلب كما تذكر الروايات الواردة عن أهل البيت عليهم السلام. كانوا يمارسون حياتهم بشكل اعتيادي، كأن ما صنعوه شيء طبيعي جدا ً! فاختلفوا وبدلوا دينهم وادخلوا على دين إبراهيم عقائد محرفة وأحكاما مزيفة حتى تغير دين إبراهيم بـالكامل و راحوا بكل جرأة يدعون أن ذلك الدين المحرف هو دين إبراهيم الحقيقي !.
طوت السنون بعضها و تقادم الزمان وإذا بـالله عز وجل يرسل موسى عليه السلام لكي يصحح مسيرة البشرية. ومجددا واجه موسى عليه السلام المتاعب في دعوته وجاهد وقدم كل التضحيات لاستنقاذ القوم الى ان تكللت دعوته بالنجاح .
قبل وفاة موسى عليه السلام و في حياته غاب عن قومه 40 يوما و إذا بـهم يرجعون إلى غيهم فينقلبون على وصي موسى وهو هارون عليه السلام ويتبعون السامري ويعبدون العجل!
يتبعون ويطيعون شخصا ً نكرةً وضيعا ً اسمه السامري ويعتقدون به و يتبعونه ويتخذون منه قائدا لهم! . ذلك الرجل هو من حرف دينهم فأخبرهم أن العجل هو الإله وهذا هو الدين! أمر عجيب يكاد لا يُصدق ولكنه وقع وحصل. و المصيبة أنّهم رغم كل ما بذله هارون عليه السلام من جهود لإرجاعهم إلى صوابهم وإقناعهم بأن السامري كاذب حرف دين موسى إلا أنهم لم يكونوا يصغون إليه فقد أُشربت قلوبهم حب السامري وعجله وأعرضوا عن هارون وصي موسى واتبعوا ذلك الرذيل. بعدها جاء موسى عليه السلام و وقعت تلك الأحداث المفصلة في الروايات والقران الكريم و طُرد السامري , وتمكن موسى عليه السلام من إعادتهم مرة أخرى إلى عبادة الله عز وجل ونسف ذلك العجل.
ركزوا جيدا أيها الأخوة وستدركون بوضوح التشابه العجيب بين قصة موسى وهارون مع قومهما و ما جرى لرسول الله صلى الله عليه واله و وصيه أمير المؤمنين علي عليه السلام مع هذه الأمة. تشابه عجيب بحق ومن يتأمّل بعين البصيرة يدرك لماذا رسول الله صلى الله عليه واله من بين سائر الأنبياء قايس ذاته وذات علي عليهما السلام بهارون وموسى عليهما السلام . إن إنقلاب قوم موسى على وصيه الشرعي هارون عليهما السلام وانقلاب امة رسول الله محمد صلى الله عليه واله على وصيه الشرعي علي بن أبي طالب عليهما السلام هو أحد أوجه الشبه التي أشار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إليها في قوله ( يا علي أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي) صدق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
لكن بعد موسى عليه السلام ماذا حصل ؟ بعد موسى يذكر التاريخ أن قومه إختلفوا مجددا وحرّفوا دينهم !.
بعد موسى (ع) وقع الإختلاف بين قومه إلى أن أدّى لنشوب حرب بين المعسكر المنحرف الذي بدّل وحرّف دين موسى وبين المعسكر المؤمن الذي بقى على دين موسى وتمسك بوصيه الشرعي من بعده يوشع بن نون.
معسكر الباطل والإنحراف قد جرّ زوجة موسى وكان اسمها صافوراء بنت شعيب إلى الإحتراب والإقتتال مع وصي موسى يوشع بن نون عليه السلام.
أتوا بزوجة موسى كما أتى الأوائل المخالفون النواصب بعائشة اللتي كانت زوجة نبي الإسلام صلى الله عليه وآله و أركبوها الجمل لمحاربة إمام زمانها وصي رسول الله علي بن أبي طالب . الصنيع ذاته أقدمت عليه صافوراء وصيفة عائشة الحميراء لعنة الله عليهما وعلى قوم أخرجوهما.
بعد وفاة يوشع بن نون وصي موسى وخليفته عليهما السلام, عاد قوم موسى للإختلاف من جديد و انقلبت هذه الأمة على نبيها مرة أخرى و ابتدع القوم لأنفسهم ما يسمى بدولة القضاة.
انصرمت حقبة من الزمان وإذا بـالله عز وجل يرسل سليمان عليه السلام لتصحيح المسيرة , وهذه المرة بقوة الحكم والسلطان قضى على معسكر الكفر.
لكن بمجرد أن توفي سليمان عليه السلام, ماذا جرى؟
بمجرد أن توفي عليه السلام وقع الاختلاف بين قومه, و مرة أخرى أهمل الناس وصيه الشرعي وعزلوه وجاءوا برجل منسي, من سَقط المتاع, ملعون على لسان سليمان عليه السلام.
كان رجلا ملعونا منافقا جاءوا به ونصبوه ملكاً عليهم .
كما صنع من يسمّون أنفسهم مسلمين آنذاك حينما أعادوا طريد رسول الله ذلك الرجل الملعون مروان بن الحكم في زمن حكومة عثمان لعنه الله. وكذلك صنعوا مع معاوية الذي لعنه رسول الله وقال في شأنه إذا رأيتم معاوية على منبري فاقتلوه. معاوية الصعلوك كما يذكر مسلم في صحيح القوم, ذلك الصعلوك جعله جمع من الناس يتسمون بالإسلام أميراً عليه.
طوت السنون بعضها وإذا بالله عز وجل يرسل عيسى (ع) لكي يقوّم ما وقع في الدين من اعوجاج ويعيد تصحيح المسيرة.
بمجرد أن ارتفع عيسى عليه السلام إلى السماء اختلف وتنازع قومه من بعده كما صنعت الأقوام التي قبلهم, وعزلوا وصي عيسى الشرعي (شمعون الصفا), وأتوا برجل معروف لدى أغلبكم وهو (بولس), وقد نصبّوه قائدا لهم و زعيما عليهم بعد ثلاثين سنة من ارتحال المسيح عيسى عليه السلام. فحلل لهم حرام الله وحرم عليهم حلال الله , وابتدع دينا آخر باسم دين عيسى عليه السلام.
نعرج الآن على إشكال أو اعتراض آخر قد يُشكل به على قولنا بوقوع التحريف في الإسلام . قبل أن نبدأ بالمقارنة بين المناهج الدينية المتعددة لنعرف أيٌ منها الإسلام الحق. علينا أولاً أن نثبت حقيقة جلية ثابتة عندنا وعند الفرق الأخرى المخالفة لنا وهي إنّ الدين الإسلامي وقع فيه إنحراف وتزييف. هذه حقيقة لا يمكن لنا تجاهلها بل علينا مواجهتها ومصارحة بعضنا الآخر بها. هم يعتقدون أننا نحن الشيعة نمثّل الإسلام المُحرّف ونحن ننظر لهم النظرة ذاتها.
إذن نحن وهم شئنا أم أبينا نقر بوقوع تحريف في الإسلام.
نتفق جميعنا على أنّ فرقة واحدة فقط من هذه الفرق تُمثل الإسلام الحقيقي.
نريد أن نثبت تلك الحقيقة..
ما هي الأدلة من القران و السنة المطهرة على وقوع التزوير والتحريف في الدين الإسلامي؟
سنورد هنا بعض الأدلة وليس كلها..
قال تعالى:
(ويقولون آمنا بـالرسول وأطعنا ثم يتولى فريق منهم من بعد ذلك وما أولئك بـالمؤمنين)
في الآية الشريفة السابقة دلالة واضحة على أن هنالك إنحرافاً و تزويرا وقع في الدين الإسلامي من بعد رحيل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
أيضا تتجلى حقيقة وقوع تحريفٍ في الدين الإسلامي في قوله عز وجل:
( وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفئن مات أو قٌتل انقلبتم على أعقابكم ).
أما النصوص النبوية الشريفة التي تثبت حتمية وقوع التحريف في الدين الإسلامي فسوف نسوق الأدلة عليها من مصادر المخالفين أولا ثم نورد نصا أو اثنين من مصادرنا.
قال رسول الله (ص) : كما رواه البخاري : ( لتتبعنّ سنن من قبلكم شبراً بشبر وذراعاً بذراع, حتى لو سلكوا جحر ضب لسلكتموه)
تعليق : هنا النبي صلى الله عليه واله وسلم يتحدث محذرا المسلمين ويخبرهم أنهم سيتبعون سنن من كان قبلهم من الأقوام لدرجة أنهم لو دخل من كان قبلهم من الأقوام جحرا لدخلوه.
فقيل له: ( يا رسول الله اليهود والنصارى ؟)
تعليق : هنا يستفسرون ويسألون . يقولون هل تعني يا رسول الله أننا سنتبع اليهود و النصارى وسيجري علينا ما جرى عليهم؟! فبماذا أجابهم رسول الله؟ فلنقرأ الجواب.
(قال : فمن ؟)
تعليق: هنا يجيبهم رسول الله, و يقول لهم فمن إذن غير اليهود والنصارى؟!
من قبلكم هم اليهود والنصارى وانتم ستتبعونهم شبرا بشبر وذراعا بذراع.
(ورد في البخاري في الجزء 8 صفحة 151)
أيضا نعرض نصاً آخر , وهو أقوى حجةً و أوضح دلالةً من النص السابق.
قال رسول الله : (ليأتينّ على أمتي ما أتى على بني أسرائيل مثلاً بمثل حذو النعل بالنعل حتى لو كان فيهم من نكح أُمّه علانية كان في أمتي مثله)
تعليق: لا حظوا هنا إنّ رسول الله صلى الله عليه و’له لم يستثنِ شيئا مما وقع وجرى على بني إسرائيل, فلم يقل مثلا ليأتينّ على أمتي ما أتى على بني إسرائيل ما خلا تحريفهم دينهم. بل يقول أنّ ما جرى عليهم سيجري على أمته حذو النعل بالنعل.
النص التالي هو من أكثر الأحاديث شُهرةً عند سائر الفرق الإسلامية.
قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم : (إنّ بني إسرائيل افترقوا على إحدى وسبعين ملة وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين ملة كلها في النار إلا واحدة)
تعليق: في هذا النص النبوي الشريف دلالة واضحة على أن هنالك نسخاُ مزيفة متعددة من الإسلام. توجد على الأقل ثلاث وسبعون فرقة مزيفة كلها تحمل عنوان وأسم الإسلام. لكن فرقة واحدة فقط هي التي تمثل الاسلام الحقيقي.
الحديث المروي يخبرنا أنّ ما لا يقل عن ثلاث وسبعين فرقة ستُبتدع بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم, و كلها ستكون فرقا منحرفة تحمل النسخة المزيفة للإسلام وأتباعها كفار لأنهم يوم القيامة كلهم سيصيرون إلى النار إلا فرقة واحدة. فقط فرقة واحدة ستنجو لأنها هي التي تمثل الإسلام الحقيقي الصحيح.
طبعاً هنالك تتمة للحديث وقد نسبوها إلى رسول الله زوراً وكذباُ وهي لم تصدر عن لسان رسول الله. الأمر المضحك المبكي أنهم يروون حديثا يحذرهم من التحريف ويعمدون إلى التحريف في الحديث نفسه!
أية جرأة تلك على الله ورسوله؟
قلنقرأ التتمة التي تذكرها مصادرهم...
فقالوا: (ما الواحدة؟ فقال: ما أنا عليه اليوم وأصحابي)!
تعليق :هم يقولون إنّ المعني بهذا الحديث أمة التبليغ لا أمة الإجابه أي من سيلون قرن الصحابة وفق تعبيرهم! ولكنّ رسول الله في أحاديث أخرى يبين أنّ ظاهرة الإنحراف والإحداث في الدين ستشملهم, ولن يخلُص منهم كما يذكر البخاري إلا مثل همل النعم! أي أغلب الأصحاب بنص البخاري سيدخلون النار. فكيف نعرف ما كان عليه رسول الله ونأخذ سنته الصحيحة منهم والحال أنهم لم يثبتوا على ما كان عليه رسول الله وأغلبهم سيكونون في النار بنص البخاري؟ إذن يجب أن نرجع إلى نبعٍ صافٍ لا تشوبه شائبة وهذا ما نحن بصدد التعرف عليه في هذه السلسلة.
المهم أننا من خلال ما عرضناه من نصوص قرآنية ونبوية قد أثبتنا أنّ الإنحراف والإرتداد سيقع في هذا الدين لا محاله.
الرواية واردة في (مستدرك الحاكم الجزء الأول الصفحة 6).
نص نبوي آخر..
قال رسول الله (ص): (بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريبا)
تعليق : هناك كثيرون يتصورون أن هذا النص فقط وارد عندنا.
بل وارد عندهم أيضا في (صحيح مسلم الجزء الأول صفحة 90).
هنالك يروونه وهو نص بالغ الدلالة والأهمية.
روي البخاري أن رسول الله (ص) قال: (بينا أنا قائم في زمرة)
تعليق: النبي صلى الله عليه و’له يصف هنا مشهدا من مشاهد يوم القيام.
يقول عليه وعلى آله الصلاة والسلام: ( بينا أنا قائم في زمرة حتى إذا عرفت هذه الزمرة من تكون, خرج رجل من بيني وبينهم, فقال: هلم، فقلت : أين؟ قال: إلى النار والله)
تعليق: أي إنّ ذلك الرجل يريد أن يذهب بتلك الزمرة والجماعة إلى النار.
(قلت له وما شأنهم؟)
تعليق: يسأل رسول الله ذلك الرجل, فيقول له وما شأنهم؟ ما الذي صنعوه لتأخذهم إلى النار؟.
قال: ( إنهم إرتدوا بعدك على أدبارهم القهقرى)
تعليق: أي إن تلك الزمرة التي أاقتيدت إلى النار قد انقلبت على أدبارها و ارتدت.
إلى أن يقول: (فلا أراه يخلص منهم إلا مثل همل النعم)
تعليق: همل النعم أي الإبل الضالة التي لا راعي لها. وهذا التعبير كناية عن القلة والندرة. أي لا ينجو منهم إلا عدد قليل جدا شبهه بهمل النعم لشدة ضآلة عدد الناجين من الأصحاب.
هذا الحديث رواه ( البخاري في الجزء 8 صفحة 121)
إذا شككوا أيضاً في كون معرفة الرسول لتلك الزمرة هو أمر لا يعني بالضرورة أنهم أصحاب النبي, فسنأتي بنص آخر هو كالصاعقة على رأس المعاندين, يقول فيه النبي صلى الله عليه وآله بالنص وصريح اللفظ (أُصحابي).
قال رسول الله(ص): (ألا وإنه يُجاء برجال من أمتي فيؤخذ بهم ذات الشمال)
تعليق: أي أنهم سيكونون من أصحاب الشمال اللذين يساقون إلى النار.
نكمل الحديث..
فأقول: ( يا رب أُصحابي)
تعليق: أي إن رسول الله يقول يا رب هؤلاء كانوا أصحابي فكيف يؤخذون إلى النار؟ فيأتيه النداء من العرش, ولنقرأ بماذا يجُاب على سؤال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم.
فيقال: (إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك)
فأقول: (كما قال العبد الصالح ( أي موسى): وكنتُ عليهم شهيداً ما دمتُ فيهم فلما توفيتني كنتَ أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شيء شهيد)
تعليق: النبي صلى الله عليه وآله ينزه نفسه عنهم و يتبرأ من الصحابة وأفعالهم يوم القيامة. فيقول أنا لست مسؤولاً عمّا وقعوا فيه من إنحراف وضلال وما صنعوه بعدي من موبقات.
عائشة زوجتي في الدنيا نعم..ولكنها كفرت بعدي وعصتني وحرفت ديني وأضلّت أُمتي وما صدر منها ليس مسؤوليتي ولست مسؤولاّ عن انحرافها بعدي.
هذا خلافاً لما يروجه الجهلة الذين يقولون إنّ الطعن في عائشة طعن في رسول الله. رسول الله بنفسه يقول إن إنحرافهم ليس مسؤوليتي. فأنا ما دمت فيهم قد بلغت ونصحت وأنذرت وما وقع منهم بعد رحيلي هو مسؤوليتهم.
فيأتيه نداء آخر من العرش..
(إنّ هؤلاء لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم)
تعليق: أي إنهم منذ رحيلك عنهم يا رسول الله ومفارقتك لهم كانوا مرتدين كفرة .
هذا نص صريح جدا وفي غاية الوضوح , يثبت ارتداد قوم رسول الله صلى الله عليه وآله من بعده كما كان من أمر أقوام الأنبياء السابقين.
هذه الرواية والتي سبقتها ما جاء فيهما يثبت أنّ الصحابة ليسوا كلهم عدولا وإنما فيهم المرتدون , بل أكثرهم المرتدون لأنهم لا يخلُص منهم إلا مثل هَمَل النعم كما في رواية البخاري .
هذا الحديث الأخير رواه (البخاري في الجزء 5 الصفحة 192).
ما عرضناه ينبّئ عن حقائق وأدلة واضحة تثبت وقوع الإنحراف و وقوع التزييف في هذا الدين منذ العهد الأول, منذ أن فارق الرسول أمته قد وقعت هذه الإنحرافات وبدأت مسيرة تزييف هذا الدين.
هنالك أيضا أحاديث وردت في مصادرنا تثبت وقوع التحريف في الإسلام .
سبق وذكرنا أننا سنتناول هذه القضية ونبرهن عليها من تراثنا وتراث المخالفين, لذا سنعرض الآن بعض ما ورد بهذا الخصوص من مصادرنا نحن الشيعة الإثنى عشرية.
هذا الحديث رواه موسى بن جعفر (عليه السلام) عن آبائه عن أمير المؤمنين(عليه السلام) انه قال: (كنا مع رسول الله في سفر ولمّا وصلنا إلى غدير خم أمر النبي (ص) الصلاة جامعة)
تعليق: (الصلاة جامعة) كان نداءا يُراد منه دعوة الناس للإجتماع في مكان معين.
تقول الرواية : فلما اجتمع الناس قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (إنّ الله تعالى خلق الخلق من أشجار شتى وخلقني وعلي من شجرة واحدة, وأنا أصلها وعلي فرعها, والحسن والحسين أثمارها, وأشياعنا أغصانها و أوراقها , ومن تعلق بغصنٍ منها نجى , ومن تخلف عنها تردّى)
ثم قال: (ألست أولى بكم وبالمؤمنين من أنفسهم ؟)
قالوا: (اللهم نعم)
قال: (من كنت مولاه فعلي مولاه, اللهم والِ من ولاه وعادِ من عاداه, وانصر من نصره, و اخذل من خذله وأدر الحق معه حيثما دار)
تعليق : بعد أن ثبّت رسول الله حقيقة الولاية وأمر الامة بالألتفاف حول أهل بيته وعلى رأسهم علي بن أبي طالب عليه السلام وبين منزلتهم ومكانة شيعتهم , الآن سيقوم النبي صلى الله عليه واله بتحذير قومه من التحريف الذي سيقع بعده.
ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إختلف قوم موسى من بعده على إحدى وسبعين فرقة ,هلكت منها سبعون فرقة ونجت واحدة منهم, وهم من قال الله فيهم (ومن قوم موسى أمةٌ يهدون بـالحق وبه يعدلون), فهم الفرقة الناجية).
تعليق: لاحظوا نص ال’ية الكريمة, (ومن قوم موسى أمة), أي أمة واحدة من إحدى وسبعين فرقة هي فقط التي كانت على هدى وعلى حق.
تقول الرواية الشريفة: ( وإختلف قوم عيسى عليه السلام من بعده على اثنتين وسبعين فرقة, هلكت منها إحدى وسبعون فرقة ونجت واحدة منهم, وهم من قال الله فيهم (وجعلنا في قلوب الذين اتبعوه رأفةً ورحمة), وهم الفرقة الناجية, وستختلف بعدي أمتي على ثلاث وسبعين فرقة, تهلك اثنتان وسبعون وتنجو فرقة واحدة , وهم من قال الله فيهم (الذين يتبعون الرسول النبي الأمي ), ألا إني تاركٌ فيكم الثقلين إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا, كتاب الله حقٌ مُنزلٌ من السماء, وعترتي أهل بيتي وإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض).
هذا النص كما سبق وبينّت هو من مصادرنا , مروي في بيان الأديان لأبي المعالي, وقد نقله عنه العلامة المجلسي في البحار والكثير من المصادر الأخرى.
الحاصل هو أنّ هذا النص الشريف يتضمّن دلالة واضحة تكشف لنا عما ستقع فيه أمة الإسلام من تفرّق وتمزق تشهده الأمة, وتبين أنّ من يتبع أهل البيت هو فقط من سيسلك سبيل النجاة.
هذه راوية أخرى أيضا من مصادرنا.
عن أبي جعفر الباقر عليه السلام أنه قال: (ارتد الناس بعد رسول الله إلا ثلاثة نفر سلمان وأبو ذر والمقداد)
تعليق : هؤلاء الثلاثة فقط هم من التزموا بوصية رسول الله بعد رحيله وتمسكوا بوصيه الشرعي علي بن أبي طالب عليه السلام, والحديث موافق لما ورد في مصادر المخالفين التي تذكر انه لا ينجو من أولئك القوم إلا مثل همل النعم. وهذه حقيقة فبعد رسول الله ثبت أولئك الثلاثة على العهد ثم بدأ الآخرون كعمار وجابر الأنصاري وبقية شيعة علي الأخيار (القلّة) يعودون تباعا للإلتفاف حول وصي وخليفة رسول الله علي بن أبي طالب عليه السلام ويحرصون على إتباعه والتمسك به.
هنالك مناهج دينية متعددة في زماننا الراهن و كلٌ منها يدعي أنه الإسلام ولكن لا يمكن أن تكون كل تلك المناهج المختلفة المتباينة هي الإسلام.
هنالك فقط منهج واحد هو الإسلام الحقيقي وما عداه من مناهج كلها باطلة ومصيرها نار جهنم.
كلها في النار إلا واحدة فقط هي الفرقة الناجية
مسألة واضحة لا لبس فيها إطلاقاُ ولا ريب.
نحتاج إلى بحث عميق و مقارنة دقيقة ومستفيضة بين هذه المناهج التي منذ ارتحال النبي واستشهاده صلى الله عليه واله بدأ الانحراف فيها كلها عدا منهجا واحدا من بينها هو الذي سلم من الانحراف.
الحقيقة التي يجب أيضا أن نثبتها هي إنّ أول من قاد مسيرة التحريف في الدين وأسسها هم أصحاب رسول الله اللذين كانوا قريبين منه ومتابعين لتحركاته صلى الله عليه واله عن كثب.
الآن يتوجب علينا جميعاأان نبحث في هذه المناهج ونقارن بينه بموضوعية ونستخرج ما بينها من إختلافات لنضعها في ميزان الكتاب والسنة , ونعرف أيّها يسنده ويدعمه الدليل فنميز الحق من الباطل فيها.
وهذا إن شاء الله ما نحن بصدد طرحه وتناوله في المحاضرات المقبلة بإذنه وحوله تعالى, وصل الله على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين.