استأنف سماحة الشيخ ياسر الحبيب «حفظه الله» في الحلقة الرابعة من سلسلة ردوده على ردود الفعل القادمة إزاء احتفاله وكلمته بمناسبة ذكرى هلاك عائشة بنت أبي بكر «لعنة الله عليها»، استأنف رده على ما تفوّه به المدعو راضي حبيب عويس في رده المتهافت لتنزيه عائشة من تهمة الفجور، فانتقل سماحته إلى المسألة الأخيرة التي تبقت في التعليق على كلام عُويْس الذي زعم أن أمير المؤمنين «عليه السلام» كان يكرم عائشة بكل حفاوة وتقدير وتبجيل في ظروف الحرب ضده في واقعة الجمل.
وكان سماحة الشيخ الحبيب قد بيّن في الجلسة السابقة لهذه الجلسة عددًا من الشواهد التي تثبت أن هذا القول من سفاسف الأقوال، وأنه «عليه السلام» تعامل مع عائشة في ظروف الحرب بتوهينها في مواقف عديدة، نقلها المؤرخون من الخاصة والعامة، وفيها إهانة وكسر لعائشة بثلبها وجرحها من قبل جند أمير المؤمنين «عليه السلام» وشيعته، ولم ينهاهم الإمام عن ذلك، مما يدحض هذا التصوّر الباطل.
وعمدَ سماحته إلى تصحيح المفهوم الخاطئ الشائع لدى عامة المسلمين، والقائل: "أن أمير المؤمنين «عليه السلام» أرجع عائشة مكرّمةً إلى المدينة المنورة!" ، وأكّد سماحته ضرورة تصحيح هذا المفهوم المبني على بعثه «عليه السلام» أربعين إمرأة تحوط عائشة بزي الفرسان الرجال لإعادة عائشة إلى المدينة من جديد، متسائلاً سماحته: هل أن هذا الإرجاع كان إكرامًا لعائشة؟ أم أنه كان اعتقالا وإيداعًا لها في الإقامة الجبرية؟
وفنّد سماحته هذا الاعتقاد المغلوط بالتدقيق في ما نقله المؤرخون وأصحاب السير، مشددًا سماحته على أن هذا الإرجاع كان "اعتقالا وإيداعًا في الإقامة الجبرية"، وذلك بمراجعة أخبار معركة الجمل وما تلاها، حيث أمر أمير المؤمنين «عليه السلام» بأن تؤخذ عائشة إلى دار أحد أنصارها المقتولين في داخل البصرة، فمكثت هناك أيامًا، وكانت رغبة عائشة أن لا تعود إلى المدينة فقد كانت تريد أن تبقى في البصرة لأنها كانت تريد أن تمارس المزيد من الشرور والتأليب على أمير المؤمنين «عليه السلام»، لكون أهل البصرة آنذاك موتورين في رجالهم الذين قتِلوا في معركة الجمل وبالتالي كانوا أصحاب ثارات من علي «عليه السلام»، وكانوا عثمانيين موالين لعثمان بن عفان «لعنه الله»، ولم يبق منهم إلا النساء والفتيان والرجال الطلقاء من حرب الجمل، فكانت عائشة تريد أن تعيش في هذا المجتمع لعدة أشهر أو لعدة سنوات حتى تستغل مشاعر الحقد على أمير المؤمنين «عليه السلام» من هؤلاء الموتورين فتألبهم من جديد هذه المرة على الطلب بثاراتهم فلعلها بذلك تشفي غليلها من علي «عليه السلام».
وكان علي «عليه السلام» قد وصف مشاعر عائشة تجاهه كما جاء في (نهج البلاغة) بقوله: ”وضغنٌ غلى في صدرها كمرجل القيْن“ ، والقيْن هو الحدّاد والمرجل هو التنور أو ما أشبه الذي يملأه الحدّاد نارًا حتى يصهر فيه الحديد، والذي يغلي ويشتعل بدرجة حرارة مرتفعة جدًا لدرجة أنها تذيب الحديد.
وحينما بعث أمير المؤمنين «عليه السلام» في المرة الأولى إلى عائشة أن ارجعي إلى المدينة أبت، فبعث لها في ثاني مرة ابنه الحسن «عليه السلام» أن ارجعي إلى المدينة فأبت أيضـًا، فبعث لها في ثالث مرة ابن عباس فأبت أيضـًا، وهكذا إلى أن جائها أمير المؤمنين «عليه السلام» بنفسه وقال لها: ”لترجعين وإلا بعثت لكِ بالكلمات التي تعلمين“، فلما سمعت هذه الكلمة قالت عائشة لابن عباس: ”إذن والله أرجع، فليس من محلٍ أبغض إليّ من مكانٍ تكونون فيه أنتم يا بني هاشم“.
ولمّا سُئِلت عائشة من النساء اللائي كن حولها عن قصده «عليه السلام» من قوله "بالكلمات" وأنه ما هي هذه الكلمات؟ وما سر ارتعابكِ ورجوعكِ للمدينة بعد هذا القول؟ أجابت بقصة جمع رسول الله لنساءه ذات مرة بحضور علي، وقوله لهن أن هذا خليفتي عليكم قبل التفاته إلى علي وتوصيته، دون أن يوقّت ذلك، بما مضمونه إن خرجت إحداهن عليك فطلّقها طلاقًا تبين به من الله ورسوله وأبح لها بالأزواج. (الفتوح لابن الأعثم الكوفي/ج1/ص493ـ494) وقد أقر المخالفون أن علي «صلوات الله عليه» هو خليفة رسول الله على أهله كأحد تفاسيرهم التهربية من الروايات التي تنص على أن علي «صلوات الله عليه» هو وصي رسول الله وخليفته من بعده.
ولا يمكن اعتبار خوف عائشة ها هنا خوفًا من عدم التحاقها برسول الله صلى الله عليه وآله في الآخرة، فعائشة أصلاً لم تكن تعتقد بنبوة رسول الله صلى الله عليه وآله، كيف وهي التي قد تفوّهت في وجهه الجليل ذات مرة بقولها له: ”أنت الذي تزعم أنك نبي الله“ (إحياء علوم الدين/ج2/ص43 للغزالي).
وعلى أية حال لمّا أتت كتيبة النساء اعتقلت عائشة رغمًا عن أنفها ونقلوها من البصرة، التي كانت تريد أن تبقى بها، إلى المدينة التي لم تكن ترغب بالذهاب إليها، وحبسوها هناك في حجرتها خلافًا لإرادتها بعدم الالتزام بقوله تعالى {وقرن في بيوتكن}.
وقد صرّح أمير المؤمنين «صلوات الله عليه» كما ورد في كتاب الاقتصاد للشيخ الطوسي بما يؤكد أن هذا الارجاع كان اعتقالاً لعائشة وإيداعًا لها في الإقامة الجبرية، ففي خضم مفاوضات طويلة بينه وبين عائشة بواسطة ابن عباس اقترح ابن عباس ابقائها في البصرة فعارض اقتراحه أمير المؤمنين «عليه السلام» بشدة قبل أن يضيف ”أنها لا تألو شرا ولكني أردّها إلى بيتها راغمةً“ فالإمام يصرّح ها هنا "راغمةً" لا "مكرمةً" فلو كان يريد إكرامها لأبقاها في البصرة نزولاً عند إرادتها، فعائشة لو سُمِح لها أن تخرج من دارها كما حدث في أواخر عهد عثمان فأنها تقلب الدنيا على علي «صلوات الله عليه» كما قلبتها على عثمان من قبله حتى قتلته، وقد صرّح أمير المؤمنين «صلوات الله عليه» أيضا بما يفيد حقد عائشة الشديد على أهل البيت «عليهم السلام».
وأكد سماحة الشيخ الحبيب أن طلاق عائشة الرسمي، كما روى المسعودي في إثبات الوصية، قد وجّه إليها من الإمام الحسين «صلوات الله عليه» يوم خروجها على البغلة، حيث فوّض رسول الله عليًا في أمر أزواجه، ثم علي «عليه السلام» فوّض الحسن، والحسن فوّض الحسين الذي بعث لعائشة بطلاقها من رسول الله صلى الله عليه وآله.
وبيّن سماحته أن تكليف الإمام «عليه السلام» نساءًا للأحاطة بعائشة لم يكن إكرامًا، وإنما درءًا من أن تأخذ هذه المرأة الخسيسة حجة للتشنيع على أمير المؤمنين إذا بعث معها الرجال، فهذه المرأة لمّا خرجت على أمير المؤمنين «عليه السلام»، كما جاء في تاريخ الطبري، كان الرجال يطوفون عليها ويحيطون بها من كل مكان ويتعاطون ويتكلمون معها ويأتمرون بأوامرها وكانوا يأخذونها قبيل الحرب ويركبونها على الجمل ويطوفون بها في أوساط معسكر طلحة والزبير ويهتفون بهتافات تمجيد وثناء بها ويتبركون بخرء الجمل الذي كانت تركبه!
مؤكدًا سماحته أن افتتان القوم بعائشة كان مثل افتتان بني إسرائيل بالعجل بانشداد قلبي شديد، حيث كان لعائشة ميزات ومقوّمات، فقد كانت إمرأة بليغة كما يتضح من خطبها التي كانت تحرّك العواطف وتجيّش الجيوش، كما كان لها قدرة على التأثير والتحدي والجرأة حتى على الله تعالى، إلى درجة أن أحد أصحاب أمير المؤمنين «عليه السلام» اعترف بأنه لمّا رأى وقوف عائشة في حرب الجمل افتتن وارتاب عند تقابل الجيشان في البصرة وهو مع أمير المؤمنين «عليه السلام» لولا أن ثبّته الله «عز وجل» بعد عودته لأمير المؤمنين «عليه السلام» وتثبيته له قبل أن ينجر إلى عواطفه، وقد افتتن بها زعماء القبائل في البصرة بمن فيهم زعيم قبيلة ضبة القوية والكبيرة العدد والعدة، وقد عبّر عمير بن الأهلب الضبي، أحد أفراد تلك القبيلة وهو طريح ينزف على الأرض في آخر لحظات حياته، عن نفسه بأنه مخدوع المرأة التي أرادت أن تكون أميرة المؤمنين.
وعدّد سماحة الشيخ الحبيب مواقف أخرى كثيرة توضح جاذبية شخصية عائشة الفاتنة وكيفية استخدامها للتعابير البليغة عند مخاطبتها للعواطف، قبل أن ينتقل إلى التسائل القائل بأنه لماذا لم يقتل أو يسبي أمير المؤمنين «عليه السلام» عائشة إن لم يكن يريد إكرامها؟ ولِماذا لم يهدر دمها كما فعلَ رسول الله «صلى الله عليه وآله» بأهداره دم إمرأتين كانتا تهجيانه وتحرضان الناس عليه في مكة قبل الفتح، ألم تكن عائشة مستحقة للقتل أو حتى السبي؟
وأردف سماحته أن الإجابة على هذا التسائل هو أن أمير المؤمنين «صلوات الله عليه» منّ على عائشة وعلى أهل البصرة كما منّ رسول الله «صلى الله عليه وآله» على أهل مكة لمصلحة أولى، منها بقاء الابتلاء الألهي للبشر، وقد وردت روايات كثيرة عن أهل البيت «عليهم السلام» في هذا الشأن تبيّن الحكمة من ذلك، كما نصّ الشيخ الصدوق «رضوان الله عليه» عن الإمام الصادق «عليه السلام»: إنّ عليـًا «عليه السلام» إنما منّ عليهم كما منّ رسول الله «صلى الله عليه وآله» على أهل مكة، وإنما ترك عليٌ «عليه السلام» لأنه كان يعلم أنه سيكون له شيعة وأن دولة الباطل ستظهر عليهم، فأراد أن يقتدى به في شيعته، وقد رأيتم آثار ذلك هو ذا يسار بسيرة علي «عليه السلام»، ولو قتل علي أهل البصرة جميعا وأتخذ أموالهم لكان ذلك له حلالا، لكنه منَّ عليهم ليمنّ على شيعته من بعده. (علل الشرائع للشيخ الصدوق/ج1/ص154/ح1)
ونظرًا لأن جيش أمير المؤمنين «عليه السلام» هو جيش يحمل العقيدة البكرية فأنهم لم يصروا على سبي المقاتلين لهم من النساء والرجال الذين حاربوهم في معركة الجمل، وقد كان الإمام «عليه السلام» يخرسهم بالسؤال عمّن يبتغي أن يأخذ عائشة سبيّة، ولذا فأن منّ الإمام على عائشة ها هنا كمنّ رسول الله «صلى الله عليه وآله» على هند بنت عتبة، فلا يقال أن رسول الله قد أكرم هند بعدم قتلها يوم فتح مكة.
وفي ختام الجلسة عرّف سماحته المدعو "راضي حبيب عويْس" بأنه معمّم جاهل إلى أقصى درجة، يتكلم في أمور هي أكبر من مستواه بكثير، ونعلم أمره من قيامه بالائتمام بالمخالفين وهم يصلون صلاتهم المسماة "صلاة القيام"، وذلك لأول مرة في تاريخ الكويت وتحديدًا في شهر رمضان المنصرم، وهذه الصلاة باطلة عندنا بالاتفاق، فإنّ الصلاة لا تجوز خلف الشيعي غير العادل ناهيك عن الصلاة خلف المخالف، وإذا جازت الصلاة خلف المخالف فتجوز في الصلاة الواجبة التي لا مندوحة من تركها في حالة التقية منهم إذا خيّروا الشيعي بين الالتحاق بالصلاة بهم وبين القتل أو ما أشبه كما كان في الأزمان القديمة، حين كان امتناع الشخص عن صلاة الجماعة والجمعة بالذات دليلاً على أنه شيعي لا يقر بشرعية الإمام المنصوب كإمام جمعة وبالتالي لا يقر بشرعية الدولة، ولذا ذكرت الأحاديث الشريفة أن الصلاة ورائهم – بتقية – كالصلاة وراء رسول الله صلى الله عليه وآله، وبما أن صلاة الجمعة والجماعة لا يلزم على الشيعة في الكويت الالتحاق بها بحمد الله فما الدافع وراء الذهاب للصلاة خلفهم؟ فضلاً عن أن أداء صلاة النافلة في جماعة هو بدعة أصلاً، لذا فأن ما قام به هذا الرجل هو بمنزلة النفاق وهو كاذب مع المخالفين بحقيقة العقيدة الشيعية والمنهج الشيعي، ويبدو أن هذا الرجل لم يدرس شيئـًا يلتفت إليه، فقد كان صاحب مكتبة وتفاجئ به الناس قبل سنة أو سنتين وهو متعمم ويلبس زي رجال الدين، ولكن ما يهوّن الخطب أنه ليس ذا مقام عند أحد.