شهدت الحلقة السابعة من ردود الشيخ ياسر الحبيب على الضجة المفتعلة من أنصار عائشة استعراض سماحته لأولى نماذج ردود الفعل الإيجابية القادمة من أهل الخلاف، والتي تمثلت باستبصار شاب من ليبيا ارسل رسالة للشيخ عبر موقع القطرة، ذكر فيها اسمه الحقيقي إلا أن الشيخ لم يذكر اسمه معللا ذلك بأن ليبيا دولة ديكتاتورية ظالمة، النظام فيها لا يأمن على نفوس وأعراض وأموال الناس، وقد وضّح المرسل الكريم في رسالته مخاوفه التي تكتنفه لكون ليبيا جلّها من المخالفين، طالبًا الاستزادة من منهل علم الشيخ وطرد بعض الشبهات من قلبه، مبديًا استعداده لخدمة سماحة الشيخ الحبيب.
هذا وقد حمد الشيخ في بداية جوابه على الرسالة الله سبحانه وتعالى على هدايته هذا المرسل الكريم إلى المنهج الذي جاء به رسول الله وعترته الطاهرة «صلوات الله عليهم»، قبل أن يوصيه بأن يغتسل غسل التوبة وغسلاً مستحبًا ثم الصلاة ركعتين شكرًا لله تبارك وتعالى والتوجه بحمد الله على هذه النعمة والبدء بتعداد عقائد الإسلام وإشهاد الله على نفسه بالاعتقاد بها، وأن يعتبر نفسه قد وُلِد من جديد، ناصحًا إياه سماحته بقراءة كتب العقائد الشيعية والاستزادة في معرفة أحكام الدين، ومرّحبًا بكافة استفساراته وعوالق شبهاته تجاه التشيّع، ومهنئـًا إياه بهذه النعمة وداعيًا الله تعالى أن يثبّته على هذا الصراط المستقيم وأن يرزقه الجنة بشفاعة النبي وأهل بيته الأطهار «صلوات الله عليهم»، كما أوصى سماحته المرسل الكريم بأن يكون كتومًا لدينه قدر المستطاع وله بذلك أسوة ببعض أنبياء الله وبعض أوصياء رسول الله «صلى الله عليه وآله» وبعض الأصحاب وبمؤمن آل فرعون وبأبي طالب «عليه السلام»، أو أن يصدع بالحق أسوة بعابس بن أبي شبيب الشاكري ويتحمل ما سيأتيه من العواقب، حاثـًا إياه سماحته على أن يسعى من الآن في أن ينقل هذا الخير إلى الآخرين.
أمّا الرسالة الثانية في هذه الحلقة فقد حملت توقيع الأخ محمود، وهو أحد رواد غرفة ”روافض“ في البالتوك، والتي تسلك منهج الشيخ وتسمح بلعن من يستحق اللعن، طالبًا لقاء سماحته لمدة ساعة في هذه الغرفة للتواصل وإيصال صوت محمد وآل محمد، إلا أن الشيخ اعتذر عن تلبية الدعوة مع ثناءه على ما يقوم به الأخوة، بما سماه "الجهاد الزينبي" وهو مواجهة الظالمين إعلاميًا، وتأسف الشيخ لاعتذاره عن تلبية الكثير من هذا النموذج من الدعوات في غرف البالتوك، لتزاحم ذلك مع أولوياته ووقته الضيّق ومشاغله الكثيرة، بينما دعا سماحته لهؤلاء بالتوفيق والنصرة والتسديد والتأييد.
أمّا الرسالة الأخيرة في هذه الحلقة، والتي وصفها الشيخ بأنها رسالة مهمة، فقد كانت مرسلة من قبل الدكتور عصام المحمود وهو أحد العوام من الطائفة البكرية، نقل وقائع الاحتفال المبارك بهلاك سيدة نساء أهل النار عائشة بنت أبي بكر لبعض أصدقائه الشيعة من الأساتذة والأخصائيين فجاءه الرد القاسي منهم ضد سماحة الشيخ، فنقل بدوره نماذج من تلك الرسائل إلى سماحته للاطلاع عليها؛ فعلّق الشيخ من جانبه على الرسالة بالدعاء للمرسل بأن ينير الله دربه ويرفع عن عينيه الغشاوة وأن يبارك الله به، قبل أن يبدأ معه من آخر ما انتهى، بتعريفه بهوية من كتبوا إليه تلك الرسائل، من الذين احتمل سماحته انتمائهم إلى المذهب البتري المتماهي مع الإسلام الشيعي، معرّفـًا المذهب البتري بأنه المذهب الذي يقوم اتباعه بالفعل بالخلط بين ولاية آل محمد عليهم السلام والولاية إلى أعدائهم، واحتمل سماحته أيضا أن هؤلاء المرسلين ممن تأثروا بالثقافة السائدة لهذا المذهب عبر بعض الأحزاب المنحرفة كحزب الدعوة الذي يروّج لمثل هذه الأفكار، أو ممن تربوا في الأجواء البكرية فيصعب عليهم تقبل العقيدة الشيعية النقية كما هي، مبينّا سماحته أن مصطلح ”البترية“ هو مصطلح استخدمه الأئمة الأطهار إزاء هذه العقيدة.
وأخذ سماحته بتعديد ملامح العقيدة البترية، مؤكدًا أن أول ملامحها هو الدعوة إلى السكوت عن ثلب أعداء أهل البيت «عليهم السلام» كأبي بكر وعمر وعائشة ومن أشبه، والاكتفاء بذكر وإبراز فضائل أهل البيت «عليهم السلام»، وثاني سماتها العداء للأصالة العقائدية للتشيّع، لتصادم ذلك مع محاولاتها لإحداث التزاوج مع المذاهب الإسلامية المبتدعة، فهي تعادي مثلا الشعائر الحسينية المجيدة لكونها عنوانا مميزًا ومستفزًا للأطراف الأخرى، وثالث سماتها التأكيد بشكل مفرط على التقيّة بما يخرجها عن كونها مبدئـًا إسلاميًا إلى أن تصبح نوعًا من الذل والخضوع والاستكانة للآخر.
ودعا سماحة الشيخ صاحب الرسالة بما أنه رجل أكاديمي ودكتور، إلى أن يقرأ بشكلٍ مجرد العالم الشيعي وكأنه يعد دراسة عن منهجين أساسيين متصارعين ومتناقضين في بعض المفاصل، وهما المنهج البرائي والمنهج البتري، ليصل بالنهاية إلى أن أي هذين الخطين هو الأقرب إلى صلب التشيّع وروحه، عبر الرجوع إلى المصادر القديمة وتعاليم أئمة أهل البيت «عليهم السلام» وعبر تعلم شيء من علم الرجال وعلم الأصول وعلم الفقه والتاريخ الإسلامي والثقافة الشيعية.
كما دعا سماحته المرسل الكريم إلى مراجعة الحلقات السابقة من سلسلة التعليقات على هذه الضجة المفتعلة ليجد الرد على صلب رسالته، التي كان مؤداها أن أمر حقيقة عائشة ليس مهمًا، والذي أبطله الشيخ سابقـًا بأحاديث وشواهد من سيرة رسول الله صلى الله عليه وآله تبيّن حث رسول الله على الاهتمام بفضح الظالمين والمنافقين المنحرفين، وأردف سماحته بدعوة المرسل إلى قراءة إحدى خطب أمير المؤمنين «عليه السلام» في نهج البلاغة.
وكان المقطع الذي نقله سماحته هو قوله «عليه السلام»:
”واعلموا أنكم لن تعرفوا الرشد حتى تعرفوا الذي تركه، ولن تأخذوا بميثاق الكتاب حتى تعرفوا الذي نقضه، ولن تمسكوا به حتى تعرفوا الذي نبذه، ولن تتلوا الكتاب حق تلاوته حتى تعرفوا الذي حرّفه، ولن تعرفوا الضلالة حتى تعرفوا الهدى، ولن تعرفوا التقوى حتى تعرفوا الذي تعدى“.
وعبّر سماحته عن هذا الحديث لأمير المؤمنين «عليه السلام» بأنه المبدأ الذي يستند عليه في السعي بفضح عائشة بنت أبي بكر، لكونها إمرأة تعدت حدود الله، واختلقت كمًا هائلا من الأكاذيب على ساحة النبوة فجعلت هذا الرسول في معرض الاتهام، وقلبت ديننا رأسًا على عقب، إلى جانب تسببها في ارتكاب مجازر في التاريخ الإسلامي، ومحاربتها أئمة أهل البيت عليهم السلام.
وأكد سماحته أن كون عائشة في مرحلة من المراحل زوجة للنبي لا يشفع لها، حتى لو رحل هذا النبي وهي ما زالت زوجة له، كما لا يشفع ذلك لقتيلة بنت قيس الكندية التي كانت زوجة لرسول الله حتى رحيله أيضا، وقد ورد في كتب التراجم ككتاب "الإصابة في تمييز الصحابة" أنها ارتدت من بعد رسول الله بإيمانها بمسيلمة الكذاب ودعوتها إليه مع قومها ثم نكحت عكرمة بن أبي جهل خلافا لحكم الله تبارك وتعالى في تحريم أزواج النبي من بعده على الرجال، كما لا يشفع ذلك لإمرأة نوح وإمرأة لوط، ولا تغني أبي لهب عم النبي القرابة منه في شيء، كما أن القرابة لم تغن ابن نوح من قبله، فالعبرة بخواتيم الأعمال.
وطلب سماحته من المرسل الكريم أن يبحث فيما يعطيه إياه من إشارات على نفاق عائشة، مؤكدا له أن ما صنعه سماحته في الاحتفال قد جاء بداعي الغيرة على رسول الله «صلى الله عليه وآله» والشفقة على المسلمين، بمن فيهم من ينتحل التشيّع، كأمثال من كتبوا إليه بالرسائل، وذلك من باب الحرص عليهم كيلا يدخلوا النار بسبب مواقفهم من عائشة وافتتانهم بها.
ثم انتقل سماحته إلى نقطة أخرى، وهي التأكيد على أن عائشة الآن ليست زوجة لرسول الله صلى الله عليه وآله لأنها لم تف بشرط التقوى، فقد ارتكبت المجازر وخرجت على إمام الزمان علي بن أبي طالب وتبرجت وكذبت على رسول الله وقامت بتشريع ممارسة إباحية هي رضاع الكبير بالإضافة إلى تشريعها الغناء والرقص وغير ذلك من الأمور التي هي خلاف التقوى.
وأضاف سماحته.. لقد روى المخالفون في مصادرهم حديثا عن رسول الله «صلى الله عليه وآله» يقول فيه لأزواجه: أيتكن اتقت الله ولم تأت بفاحشة مبينة ولزمت ظهر حصيرها فهي زوجتي في الآخرة. (كنز العمال/ج12/ص142) وأردف سماحته أن المخالف إن ناقش في التقوى والفاحشة المبينة فأنه لا يتمكن أن يناقش في أن عائشة لم تلزم ظهر حصيرها، والنتيجة هي أن عائشة ليست زوجة لرسول الله في الآخرة وبالتالي فهي في النار؛ وقد نفى رسول الله صلى الله عليه وآله إيمان عائشة في حديث صحيح يرويه المخالفون في (مسند الشاميين/ج4/ص91) ؛ ما يعني أنها منافقة، والمنافق لا حرمة له باتفاق المسلمين لتحذير الناس منه ومن بدعه.
واسترسل سماحته.. أن الله قد انزل سورة كاملة في إدانة عائشة، هي سورة التحريم والتي هي باجماع العلماء نزلت في ذم عائشة وحفصة، وقد قال الزمخشري في تفسير هذه الآية {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا لِّلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَةَ نُوحٍ وَامْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ}:
”وفي طي هذين التمثيلين تعريض بأميّ المؤمنين – عائشة وحفصة –المذكورتين في أول السورة، وما فرط منهما من التظاهر على رسول الله صلى الله عليه و[آله] وسلم بما كرهه، وتحذير لهما على أغلظ وجه وأشده لما فيه بالتمثيل من ذكر الكفر“.
وعقـّب سماحته.. أن الله بعدما أنزل هذه الآيات القاصمة لظهر عائشة وحفصة لم يُنزل آيات يبرّأ فيها ساحتهما أو يثني عليهما؛ فعائشة مدانة من فوق سبع سماوات، ومن يناقش في الإفك نقول له أنها إكذوبة فعائشة كانت القاذفة لا المقذوفة.
وختم سماحته التعليق على رسالة الدكتور عصام المحمود، بدعوته إلى مواصلة البحث في نفاق عائشة مع الوضع بعين الاعتبار أن هناك احتمالا ضئيلا في أن الشيعة على حق في موقفهم من عائشة وأبي بكر وعمر، مع ضرورة التجرد من الهوى والعصبية قبل الانطلاق، داعيا سماحته للمرسل الكريم بالهداية وأن يجمعه الله وإياه في الجنة على بصيرة وهدى.