اتمامًا لمحور حديث سماحته في إثبات أن عمر بن الخطاب "هو الذي ابن زنا" ردًا على قذف الداعية البكري محمد الزغبي له ومجاراةً له في فحوى استدلاله الملغوط، افتتح سماحة الشيخ ياسر الحبيب الجلسة الثانية عشر من الرد على الضجة المفتعلة من أنصار عائشة بالعودة إلى سياق حديثه.
فانتقل حفظه الله إلى إثبات الصفة الثالثة من صفات عمر (همّاز مشـّاء بنميم) وذلك بناءًا على الروايات الصحيحة الواردة عند أهل الخلاف، ليؤكد سماحته أن عمر بن الخطاب كان يهمز على رسول الله ويبث النميمة في أوساط المسلمين تجاه مواقف وأعمال رسول الله، مستشهدًا كمثال بما صنعه عمر في صلح الحديبية حيث قام بالطعن في رسول الله وعيبه فيما صنع، مما تسبب في تمرّد المسلمين على أوامر رسول الله وإغضابه صلى الله عليه وآله، ناهيك عن طعن عمر الآخر في رسول الله حينما قال: إن الرجل ليهجر.
وأضاف سماحته.. أنه قد ورد في روايات أئمتنا (صلوات الله عليهم) أن هذه الآيات نزلت في عمر، ففي (تفسير القمي/ج2/ص380) جاء: "الحلاف عمر؛ حلفَ لرسول الله صلى الله عليه وآله أنه لا ينكث عهدا؛ همّاز مشـّاء بنميم: كان ينم على رسول الله صلى الله عليه وآله ويهمز بين أصحابه".
موصلا حفظه الله المتابعين الكرام إلى النتيجة الختامية وهي أن عمر ابن زنا، لما ورد عن النسابين، ولما تم تركيبه من استدلالات من طرق المخالفين، ومما ورد عن أهل البيت عليهم السلام.
ثم تطرق حفظه الله إلى اتهام الزغبي له بالنميمة، والذي تضمن السخرية من معتقدات الشيعة بإمامهم المهدي عليه السلام حين عرّفه الزغبي بأنه الموجود في السرداب، فردّ سماحته هذا القول مثبتا عدم صحته قبل أن يؤكد على أن الأكاذيب والمغالطات هي إحدى سمات الملة البكرية التي تستحل الكذب على الأحياء والأموات، مستعرضا سماحته جملة من الأكاذيب التي روّجتها وسائل الإعلام والصحافة البكرية ضدّه والتي تبيّن الانحدار في الطرح.
واستطرد سماحة الشيخ الحبيب حديثه إلى ما أرسله الزغبي في سياق ردّه على سماحته حينما إدّعى أن عبدالله بن مسعود قال عن عائشة "هي أمكم في الدنيا وزوج نبيكم في الآخرة" ، وأن المقداد وعلي بن أبي طالب والحسن بن علي كلهم قالوا هذا الكلام نفسه ومنكر هذا الكلام كافر!
مفندًا سماحته هذا الرد السخيف بأن صاحبه لم يذكر مصدرًا واحدًا لهذه الروايات التي نقلها، فضلا عما يُعرف عن طائفته من التشدد في الأسناد والذي لجأ صاحب الرد إلى لعبته ليردّ فيما بعد رواية الطبري في قول عائشة "اقتلوا نعثلا فقد كفر" حيث طعن في رواة الرواية وقال أنهم ليسوا من الثقاة!
بينما ترجع بعض الروايات التي ارسلها إرسال المسلّمات إلى نفس المصدر وإلى نفس الرواة الذين طعن بهم.
وأجمل سماحته أن لعبة الأسناد هي لعبة سهلة مثل الماء تتشكل في أي وعاء، إذ لا توجد رواية إلا وقد ردّها البعض ولا يوجد رواة مجمع عليهم بالكامل بأنهم ثقاة أي لا يوجد حديث واحد لم يُجرح أحد رواته على الإطلاق من قبل أي أحد.
ثم أن التعامل مع أحاديث الآثار والسيرة والتاريخ والتفسير يختلف لأن الروايات التاريخية جلّها مرسلات بلا أسناد إلا نادرا، كما أن مبنى التصحيح والتضعيف في هذه الروايات يختلف عن مبنى التصحيح والتضعيف في روايات الفقه والعقائد والأحكام، وهذا الأمر يعرفه أبسط مشتغل بالعلم فتلك الروايات يحتاج المتعامل معها إلى أن ينظر إلى المتن والقرائن والشواهد لا إلى السند فقط كي يردّها أو يحكم بصحتها.
وعقـّب الشيخ أنه على فرض أن كل هذه الروايات التي ساقها الزغبي صحيحة ومعتبرة على مبانيهم فأننا نقول له خذ رواياتك هذه كلها وبللها وأشرب مائها، لأنها رواياتكم فلماذا تحتجّ بها علينا وتلزمني بها؟
وعلى فرض أننا قبلنا بهذه الروايات فهنالك ما هو أقوى منها ويعارضها ويسقطها؛ فهذه الروايات مهما تكن هي روايات آثار عن الأصحاب وليست أحاديث مسندة إلى النبي، بينما نحن نمتلك أحاديث أنتم تروونها عن النبي صلى الله عليه وآله تنفي إمكانية التحاق عائشة به في الجنة.
فقد روى المتقي الهندي في (كنز العمال /ج12 / ص142) عن الطبقات الكبرى لابن سعد أن رسول الله صلى الله عليه وآله جمع أزواجه وقال لهن "أيتكن اتقت الله ولم تأت بفاحشة مبينة ولزمت ظهر حصيرها فهي زوجتي في الآخرة" وهذه الشروط لا تنطبق على عائشة ومن يجادل في عدم اتفاق الشرط الأول والثاني عليها فليس له أن يجادل في الثالث.
ثم ساق سماحته جملة كثيرة من الروايات والأحاديث التي تعضد هذه الحديث النبوي الشريف الموافق لقوله تعالى في القرآن الكريم: {وَقـَرْنَ في بُيُوتِكُنَّ} ، خاتما حفظه الله جملة استدلالاته بأن عائشة عصت الله تبارك وتعالى وعصت رسول الله في أمره لأزواجه في حجة الوداع ومن يعصي الله ورسوله ويتعدّ حدوده فأنه يدخل النار مع الداخلين خالدا فيها أبدا.
مبديًا سماحته ثقته التامة بالنفس في التوصل لهذه النتيجة التي يستعد أن يتباهل بها مع الداعية البكري بشبك اليدين بين الطلوعين ليرى العالم كله أن الصاعقة إذا نزلت فإنها ستنزل على من؟
مثبتا بذلك في هذه الجلسة أن عائشة ليست بزوجة لرسول الله في الآخرة، وآخر ما ختم به الجلسة كان الصلاة على محمد وآل محمد.