في الجلسة الرابعة على التوالي من الرد على الداعية البكري محمد عبد الملك الزغبي استهل سماحة الشيخ ياسر الحبيب «حفظه الله» الحلقة الرابعة عشر من سلسلة تعليقاته على «الضجة المفتعلة من أنصار عائشة» ضد «الاحتفال الأول لهيئة خدام المهدي عليه السلام في لندن بذكرى هلاك الحميراء» استهل سماحته الحلقة بالتذكير بسؤال المذيع الذي أجرى المقابلة التلفزيونية مع الزغبي والذي هرب منه الزغبي مولّيًا دبره.
وكان سؤال المذيع.. نحن نقول المبرّأة من فوق سبع سماوات ودليلنا القرآن في آيات الإفك، وهم يقولون المدانة من فوق سبع سماوات فبأيّة آيات؟
وعلّق الشيخ على السؤال الذي تهرّب منه الزغبي بالقول.. أن آيات الإفك لم تنزل في عائشة وليس هناك في هذه الآيات إسم عائشة أصلاً، فالآيات لم تشخّص تلك المرأة المؤمنة التي قذِفت بالزنا فيلزم الرجوع إلى السنة المطهرة، وسنة أهل الخلاف تقول أن عائشة هي المبرأة؛ ورواياتهم لا حجة فيها علينا لا سيما وأنها تنتهي في كل الأحوال إلى عائشة وهذه الروايات بينها الكثير من التباين والتناقض.
أمّا المرأة المبرأة في هذه الآيات عندنا فهي السيدة الجليلة الطاهرة ماريا (رضوان الله عليها) والتي حسدتها عائشة لأنها كانت جميلة وضاءة، وكانت ذات دين وخلق كما وصفها رسول الله صلى الله عليه وآله، وقد تعرضت بسبب ذلك إلى هجمة شرسة من عائشة وحفصة آذت النبي فاضطر إلى أن يُخرجها من بيوت المسجد النبوي الشريف ويخصص لها منزلا بعيدا عن ضرائرها، عُرِفَ فيما بعد بمشربة أم إبراهيم، ولمّا ولدت ابنها إبراهيم (عليه السلام) صرّحت عائشة بأنها حملها الحسد فقالت لرسول الله (صلى الله عليه وآله) ”لا أرى شبهًا بينك وبين هذا الولد“ فانقبض رسول الله.
وقد صحّ عندنا ما رُويَ عن طريق أئمتنا عليهم السلام وثقاتهم أن عائشة كانت هي القاذفة في آيات الإفك واشترك معها كذلك حفصة وأبوبكر وعمر (لعنة الله عليهم) حيث قالوا لمّا رحل إبراهيم وحزنَ والده رسول الله عليه حزنا شديدا ”ما يحزنك عليه إنما هو ابن جريج“؛ وجريج هو خادم قبطي تربطه صلة نسبية بماريا كما في بعض الروايات وفي روايات أخرى أنه كان مجبوبا وقد خصصه رسول الله ليوصل الطعام إليها.
وأكمل الشيخ (حفظه الله) تعليقه على هذا السؤال.. أن جواب الزغبي كان ”بآيات الكفرة هؤلاء، هم عندهم تسعة أنواع من القرآن“ ومن ثم دخل على موضوع آخر هو موضوع الشاة المسمومة التي قدّمتها إمرأة يهودية للنبي! مردفا سماحته أن هؤلاء القوم يستحلون الكذب لأن ليس لهم حجة يجيبون بها، ليجيب سماحته بدوره على سؤال المذيع بآيات أخرى تدين عائشة غير آيات الإفك المختلف على تفسيرها.
فتناول سماحته المصحف الكريم فاتحا إياه على سورة التحريم التي تفضح عائشة وحفصة وتدينهما من فوق سبع سماوات، وأجمعت الأمة على تفسيرها، منوهًا «حفظه الله» أنه لم يشذ مفسّر واحد عن القول بأن هذه السورة نزلت في عائشة وحفصة على أشد ما يكون من الذم.
وطلب الشيخ الحبيب من الداعية الزغبي والمذيع وبقية أهل الخلاف الاستماع إلى سورة التحريم والتأمل في كيفية إدانة الله تعالى لعائشة، داعيا لهم جميعا بالهداية قبل البدء بقراءة الآيات والتوقف على معانيها العظيمة التي تدل على عِظم جريمتهما وإثبات عداوتهما لرسول الله (صلى الله عليه وآله) وأنها في مستوى عداوة إمرأتا نوح ولوط لهذين النبيين العظيمين عليهما السلام، كما تدل على أن في هذه الأمّة نساء خير من عائشة وحفصة فيهن صفات مغايرة لهن، منها الانتماء إلى دين الإسلام، والالتزام بالإيمان، والقنوت، والتوبة، والعبادة، والصيام، كما تتوعد الآيات عائشة وحفصة على خيانتهما لرسول الله بأن مأواهما النار وبئس المصير إن لم تتوبا، وقد عرّضت الآيات بهما في تلميحها إلى نوع الخيانة حينما تحدثت عن مريم بنت عمران.
وهاجم سماحته المهرّج الزغبي مستفسرًا منه عن سبب تفاديه الحديث عن هذه السورة ومراوغته وتهربه عن الجواب على سؤال المذيع، مؤكدا في الوقت نفسه أن هذه هي آيات المسلمين وليست آيات الكفرة كما إدّعى كذبا في حديثه وهو يفر من هذه الحقيقة.
وفي هذه الأثناء أخبرَ أحد الحاضرين الشيخ الحبيب ببشرى تلقي قناة فدك في اليوم الأول لبثها (11 شوال 1431 هجرية) اتصالا من صعيد مصر من أحد المشاهدين البكريين الذي اتصل لكي يبدي تأثره واقتناعه بما يطرحه الشيخ الحبيب في دروسه ومحاضراته، فعلّق الشيخ بعد الصلاة على محمد وآل محمد.. أن هذه الأمّة مقبلة للعودة إلى أهل البيت عليهم السلام ومشايعتهم والتحرر من خديعة عائشة وأبوبكر وعمر وعثمان وغيرهم من شياطين الإنس المضلين الذين وافقوهم وتابعوهم في إبعاد الأمّة عن نور أهل البيت عليهم السلام؛ مشددا على أن الشيعة سيصبحون أكثرية المسلمين خلال سنوات مع تهاوي النسخة المزيفة من الإسلام.
واستطرد سماحته الحديث إلى التعليق على النقطة الجديدة التي حوّل الداعية البكري إليها موضوعه، حينما قال ”انظر إلى هذه النقطة التي أتيت بها إليه.. سأذبح بها!“ قبل أن يطرح هذا السؤال الجديد.. كيف أن النبي عندما دُعيَ إلى بيت زينب بنت الحارث وقدّمت له كتف شاة مسمومة وأخذ منها قطعة ولاكها قال ”أرفعوا أيديكم أن ذراع الشاة تخبرني أنها مسمومة“ بينما تزني عائشة طوال فترة زوجيتها مع رسول الله وثم تضع له السم والنبي لا يقول لها ”أنتِ التي وضعتِ لي السم يا عائشة“ ؟ !
وأبدى سماحة الشيخ الحبيب سخريته الشديد من جهل هذا الداعية البكري من خلال النظر في تركيب صيغة سؤاله المتهافتة، معلّقـًا.. أننا من اليوم فصاعدًا علينا أن نسلّم كرسي التدريس إلى هذا الرجل (أي الزغبي) لاستدلاله العجيب هذا الذي لا يخطر على قلب بشر، ناصحًا سماحته برمي دروس المنطق وعدم تعلّمها من اليونان والذهاب للتعلم من الزغبي دروسًا في كيفية الاستدلالات المنطقية.
قبل أن يصحح «حفظه الله» هذه المغالطة العجيبة بتعديل صيغة السؤال قائلاً.. لكي نجعل هناك على الأقل مماثلة وقياس بين الأمرين فعلينا أن نقول أن السم نفسه هو الذي ينبغي أن يتكلم في الحالة الثانية.. هذا أولا؛ ثانيا نحن لم نقل أن عائشة كانت تزني في زمان النبي وإنما نقول على قدرنا المتيقن إنها قد فعلت ذلك مع طلحة وهي في طريقها إلى البصرة بعد أكثر من خمسة وعشرين عاما من استشهاد النبي.
وأضاف سماحته.. أن الزغبي أضاف احتجاجا آخر أيضا قال فيه ”أن الله سبحانه وتعالى أنبأ نبيه بسر بين زوجتيه فهل يخفى على الله وضع عائشة السم للنبي وخيانتها له وكفرها به طوال هذه المدة؟“
أي أنه يريد أن يقول أنه لا يُعقل أن الله تعالى لا يعلم، مع أننا لم نقل ذلك، وأنه لا يُعقل أن النبي لا يعلم، مع أننا أيضا لم نقل ذلك بل نقول أن النبي (صلى الله عليه وآله) كان يعلم أن عائشة ستسمه وأن هذا الذي لدّ به هو السم بعينه.
وخاطب سماحته هذا الداعية البكري مطالبا إياه بأن يدقق ويتأمل كيف أن طائفته تروي حديث اللدود الذي وضعته عائشة في فم رسول الله صلى الله عليه وآله وهو في حال الإغماء؛ سائلا إياه.. كيف تفترض أن النبي لابد أن يعلم بأن هذا سم فيمتنع عنه وهو في حال الإغماء؟
وفند الشيخ الحبيب الإستدال الثاني للزغبي بعرض اعتقاد طائفته البكرية، حيث أكّد سماحته على أن اعتقاد طائفة الزغبي لا يمانع من القول أن النبي لم يكن يعرف أن هذا سم؛ إذ إنهم يعتقدون أن النبي غير مطلع على الغيب كله فكثيرا من الأشياء باعتقادهم لم يُطلِع الله نبيه عليها، وهم يستدلون لتصويب رأيهم من ظاهر القرآن فيما جاء بسورة التوبة {وممن حولكم من الأعراب منافقون ومن أهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم}.
وأستتبع سماحته.. الآن نحن إذا تنزلنا وسلّمنا باعتقادهم فبإمكاننا أن نقول أن رسول الله – بما أنه ليس مطلع على الغيب كله– فأنه لم يكن يعرف بقضية هذا السم ولم يكن يعرف أن عائشة منافقة، فأين الإشكال في ذلك؟ مبطلا بذلك احتجاج الزغبي في هذه النقطة.
ونبّه الشيخ «حفظه الله» إلى أن رسول الله كان يعلم بالمنافقين جميعا، وأن تأويل هذه الآية في سورة التوبة هو أن رسول الله لا يعلم بالمنافقين إستقلالا من دون الله، بينما يأتي عدم إتيان الله بباقي العبارة لحكمة مجملها أن ذلك كي لا يعرف المنافقون أن رسول الله يعلمهم فيتغير تعاملهم معه ومع المجتمع الإسلامي.
وختم سماحته الجلسة برد الإشكال الذي قد يتوجه إلى الشيعة باعتقادهم أن المعصومين تناولوا السم باختيارهم من يد قتلتهم وهم يعلمون أن هذا سم، مبينا الجواب باختصار كما جاء في الروايات الشريفة أن هذا هو ما كان تكليف رسول الله وبعض أئمة أهل البيت (صلوات الله عليهم) إذ كان يحرم عليهم أن يخالفوا أمر الله كما كان يحرم على إسماعيل ألا يمتثل لأمر الله بأن يذبحه أبوه إبراهيم عليه السلام.
ودون أن ينتهي الرد على محمد عبد الملك الزغبي انتهى وقت الجلسة بالصلاة على محمد وآل محمد ليرجأ الشيخ استكمال الرد على الزغبي إلى الحلقة المقبلة بمشيئة الله تعالى.