أتمّ سماحة الشيخ الحبيب «حفظه الله» مبحثه العلمي الذي تفرّع إليه في الرد على رسالة الأخ أبو مشعل من الكويت في الجلسة السابقة التي سبقت الجلسة التاسعة عشر من الرد على الضجة المفتعلة من أنصار سيّدة نساء أهل النار عائشة.
فاستكمل سماحته في هذه الجلسة تبيانه للأحكام والشبهات المتعلقة بمسألة التقيّة، والتي اُتخِذت حجّة للتشنيع عليه والطعن فيه من قِبل العوام وأنصاف المتعلّمين في الداخل الشيعي، مؤكدًا حفظه الله أنه ليس ضد التقيّة الشرعية وإنما هو ضد الاستخدام المغلوط لمصطلح التقيّة.
وشدد سماحة الشيخ الحبيب على أن موجة التقيّة تسير بين المد والجزر على تفاوت الزمن، وقد وردت أحاديث في مصاديق للتقيّة هي في هذا الزمان غير متحققة، فمنها ما وردَ في إلزام المؤمنين بالصلاة خلف أهل الخلاف من النواصب والمنافقين، ومنها ما حثّ على كتمان أحاديث أهل البيت في أعدائهم، ومنها ما حثّ على عدم التصريح بفضائلهم عليهم السلام، ومنها ما دعا إلى الصوم و الإفطار في شهر رمضان وفي العيد وفق توقيت الدولة البكرية إتقاءا للتشيّع من الضرر.
وأردف سماحته أنه لا يخفى على أحد عدم التزام الشيعة في هذا الزمن بهذه المصاديق إذ أصبح للشيعة مساجدهم الخاصة وصاروا يصرّحون بفضائل أهل البيت على منابرهم، وصار لهم استهلال شهر رمضان المستقل واستهلال العيد المستقل، ولا يقال لمن أسسوا هذه المساجد والمنابر ومن يحضرون مجالس الاستهلال في بيوت المراجع أنهم يخالفون التقيّة ولا دين لهم!
مشددا حفظه الله أيضا أن الحال نفسه ينطبق على الأحاديث التي تنهى عن ثلب رموز القوم من أعداء أهل البيت عليهم اللعنة والعذاب، لأن علّة تلك المصاديق التي تشرّع التقيّة تنطبق على الزمان المتقدّم ولا تنطبق على الزمان المتأخر.
مستدلاً سماحته على صحة حديثه بعدم وقوع أي شيء على التشيّع بسبب نشاط هيئة خدام المهدي عليه السلام التي بدأت بثلب أعداء أهل البيت بدءًا من أبي بكر وإلى آخر ظالم ظلمَ حق محمد وآل محمد، فنشاطها بدأ قبل أكثر من عشر سنوات بمجلة ووصل في نهاية المطاف إلى قناة فضائية ونما إلى شرق الأرض وغربها غازيًا وسائل الإعلام المرئي والمسموع والمقروء ولم يجلب من ضرر للتشيّع إلا اللهم الغليان اللفظي الذي هو ليس من الضرر المعتد به أصلاً.
واسترسل سماحة الشيخ الحبيب.. أن التقيّة هي حكم ثانوي إذ أنها رخصة وتعريفها الفقهي هو "ارتكاب محرّم بالعنوان الأوّلي يصبح مباحًا بالعنوان الثانوي لإمكان الضرر".
الجدير بالذكر أن الضرر المعتد به الذي اتفق عليه الفقهاء هو التعرض للقتل أو قطع عضو من أعضاء الجسد أو شل حاسة من حواس الإنسان.
وبعد هذا التعريف أخذ سماحته في استعراض جملة من الروايات التي تبيّن مد وجزر موجة التقيّة في زمن الأئمة المعصومين عليهم السلام كحديث للإمام الباقر ينهى عن القول بالرجعة (مختصر بصائر الدرجات/ ص24)، وحديث للإمام العسكري ينهى فيه عن التختم باليمين في زمن الغيبة (تحف العقول/ ص488)
وبيّن سماحته من خلال هذه الأحاديث أن الفرق بين الفقيه والعامي الجاهل هو أن الفقيه يتفقه في فقه الأحاديث بينما العامي الجاهل يأخذ الأحاديث على ظاهرها ويمشي عليها، وهو الحال اليوم بين من يقومون بثلب أعداء أهل البيت ومن يناوئهم ممن يصيح وترتفع عقيرته بالترديد كالببغاء (التقيّة ديني ودين آبائي، من لا تقيّة له لا دين له) وهو لا يفقه ماذا يقول؟! ويرتب على فهمه السقيم نتائج عظيمة بإخراج من يثلب أعداء محمد وآل محمد من دين الله تعالى، دون أن يطبّق مبانيه على نفسه في مخالفته مصاديق التقيّة الأخرى الورادة عن الأئمة عليهم السلام.
وأضاف «حفظه الله» أن الأئمة كانوا في حالة شدّة التقيّة يأمرون شيعتهم بتسمية أبناؤهم بأسماء أعداء أهل البيت أو تبديلها إلى أسماء أؤلئك الأعداء، ونوّه الشيخ على أن الزمان قد تغيّر بالكامل مناشدًا كل الشيعة في هذا العالم – الذي هو في الواقع تحت حكم البيت الأبيض– أن يستيقظوا من اعتقادهم بأنهم تحت حكم بني أمية أو حكم بني العباس وأن يسعوا إلى تطوير فكرهم بما يواكبوا به العصر ويتماشوا به مع الواقع والاندكاك الحضاري والتكنولوجيا الحديثة التي سهّلت الاتصالات، مطالبًا إياهم بالتخلص من عقدة الماضي وإستيعاب معادلات الزمان الدولية الجديدة التي تتيح لهم أن يصرّحوا بالحق دون أن يقع عليهم ما وقعَ على أسلاف الشيعة، وأن يعوا أن الحكومات البكرية في هذا الزمان لم يعد بمقدورها تطبيق الاضطهاد كما في العصور السابقة إذ ستقف أمامها منظمات حقوق الإنسان فيما لو فكّرت في ذلك، مما يجعلها لا تجد محيصا من أن تخلص نفسها من شعوبها البكرية إلا بالقول أن هذا تصرف فردي من شخص معتوه ومجنون وتنزه الشيعة من ثلب أعداء أهل البيت وهذا بحد ذاته أمر جيّد.
وقبيل ختام الجلسة وضّح سماحة الشيخ الحبيب أن موضوع التقيّة كان ينحسر في زمن الأئمة إذا تفشى خطر الباطل إلى درجة يضيع فيها الحق إذا استمر العمل بالتقيّة رغم وجود الضرر، مما يوجب تركها، ومثال ذلك أمر الإمام الجواد عليه السلام أصحابه بإفشاء ما كتبه وكتمه مشايخ الشيعة عن الإمامين الباقر والصادق عليهما السلام في الكتب المخطوطة حين قال: حدّثوا بها فأنها حق. (الكافي/ج1/ص53)
وعليه فإن النتيجة هي وجوب ترك التقية إن كان لها موردًا في هذا الزمان حتى لا يضيع الحق بسبب العمائم البترية الفاسدة التي اصبحت تظهر على الفضائيات وتمتدح وتترضى على أعداء وقتلة أهل البيت وتدعوا للكف عن ذكر مثالبهم ومخازيهم والتصريح بها وتلوّث بذلك الدين وتتلاعب به، وهو ما لا يمكن للمؤمن أن يقف تجاهه مكتوف اليدين.