تابع سماحة الشيخ ياسر الحبيب «حفظه الله» سلسلة ردوده الصاعقة على الضجة المفتعلة من أنصار عائشة بنت أبي بكر لعنة الله عليهما، ففي الجلسة الثانية والعشرين من سلسلة حلقات الرد على أنصار المدانة من فوق سبع سماوات واصل سماحته الإجابة على الرسائل المتكدسة على سطح مكتبه والتي بدأ جولة ثانية للرد عليها بعد الجولة الأولى التي بدأها في الجلسة الخامسة من حلقات الرد وما تلاها من جلسات.
الشيخ استقبل رسالة مهمة من الشيخ الجابري في النجف الأشرف والذي ارسل بدوره رسالة بإسم مجموعة من طلبة الحوزات الدينية بالنجف، قدّموا فيها شكرهم وتقديرهم ودعاؤهم الدائم للشيخ الحبيب، فشكرَ سماحته الشيخ المرسل كما وجّه شكره إلى جميع الأخوة من طلبة العلم في الحوزات العلمية الشريفة هناك في النجف الأشرف، سائلاً الله أن يقبل دعاؤهم وأعمالهم وأن يكثر من أمثالهم الذين يضع فيهم سماحته الأمل لحمل راية البراءة في هذا العصر.
أمّا الرسالة الثانية المستعرضة في هذه الجلسة فقد كانت رسالة تطلب الرد على مازن السرساوي (أحد علماء المخالفين)، والذي زعمَ أن ما جاءت به عائشة من إدعاء بأن النبي كان مسحورًا لفترة معيّنة من اليهود كان أمرًا صحيحًا، لكنه أوّل حديث عائشة بأنه يعني أن رسول الله أصيب بمرض في جسده لا في عقله، مستدلاً على قوله بأن الشيطان من الممكن أن يسحر الأنبياء بمرض في أبدانهم أو غير ذلك بآيات من القرآن الكريم، حيث فسّر حسب فهمه السقيم مرض أيوب عليه السلام بأنه كان نتيجة سحر من الشيطان لقوله {أني مسني الشيطان بنصب وعذاب}، كما فسّر قوله تعالى في حكاية آدم وحواء {فأزلهما الشيطان عنها فأخرجهما عما كانا فيه} بأنها تعني تسلط الشيطان على آدم في غير موضع التبليغ، والأدهى أنه فسّر قوله تعالى في قصة موسى {فإذا حبالهم وعصيهم يخيّل إليه من سحرهم أنها تسعى} بأن السحرة قد تمكنوا من سحر موسى، تاليًا خلاصة مبحثه بأن السحرة اليهود قد سحروا موسى فتخيّل أن حبالهم تسعى، وكذلك السحرة اليهود تمكنوا من سحر محمّد «صلى الله عليه وآله وسلم» فخيّل له أنه قد كان أتى نساءه وهو لم يأتهن، ثم جزم المتحدث أنه لا ضرّ ولا قدح في رسول الله محمد ولا في سائر الأنبياء عند القول بأنهم قد سُحروا بسيطرة من الشياطين.
وبهذه الرسالة طلب الأخ المرسل واسمه عبد الله من الشيخ الحبيب إخراس هذا المتعالم الذي أخذ في سياق حديثه تسفيه عقائد الشيعة وتكفيرهم وتفسيقهم والاستهزاء بإلإمام الغائب عن الأنظار «صلوات الله عليه»؛
فردّ سماحته على المرسل سلامه قبل أن يبدأ برد الشبهات التي أثارها الناصب مازن السرساوي، بادئا بإبداء تألمه من شدة انحدار المستوى الإدراكي الهابط لدعاة المخالفين وسيطرة أمثال هذا القصّاص على مقاليد قيادة جمهرة كبيرة من الناس، بتسطيحه آيات القرآن الكريم بطريقته الساذجة وانطلاقا من جهله مع اعتماده على التفاسير المغلوطة التي لا تعود إلى أهل البيت (الذين هم عدل القرآن) لتفسير آيات القرآن الكريم، نتيجة عودة أبناء جلدته إلى أمثال أبي هريرة وكعب الأحبار اليهودي وحسن البصري وسفيان الثوري الذين ضلوا وأضلوا الناس بعدم إيصالهم للمعاني البليغة في كتاب الله العظيم وعدم تدبرهم فيه.
ونقضا لاستدلال السرساوي بما جاء في القرآن الكريم عن قول أيوب: {أني مسني الشيطان بنصب وعذاب}، أفاد الشيخ بأن معنى النصب يختلف عن معنى السحر إذ أنه يعني التعب والألم والأذى بينما السحر هو نوع هيمنة على الإنسان بالتسلط عليه ولو على بدنه وهو المحال أن يقع للأنبياء، أمّا مجرد وقوع الأذى والإرهاق على النبي من الشيطان فهو ليس بالأمر المنفي ومثل هذا الأذى كمن يجرح نبيًا بسيفه فهذا ليس بهيمنة ولا تسلط على النبي وإنما هو عذاب خارجي للنبي لا أكثر ولا أقل.
وشدد سماحته على أن سحر الساحر من الأمور المنفية الوقوع على الأنبياء سواءا على أبدانهم أو على إدراكهم إذ كل ذلك مشمول بقوله تعالى {إن عبادي ليس لك عليهم سلطان}.
وبخصوص ما أصاب النبي أيوب عليه السلام مما أشتكى منه إلى الله تعالى أفاد الشيخ الحبيب أنه لم يكن المرض، فبالرجوع إلى تفاسير علماء شيعة أهل بيت النبي «صلى الله عليه وآله» نعرف إن ما اشتكى منه أيوب هو تجنب الناس منه عندما اشتد مرضه؛ حيث وسوس الشيطان إليهم أن يستقذروه ويخرجوه من بينهم ولا يتركوا إمرأته التي تخدمه أن تدخل عليهم؛ فهذا ما آذى أيوب وآلمه وليس ما آلمه هو المرض الذي ابتلاه الله به ولم يكن من فعل الشيطان، فأيوب الذي هو مضرب المثل في الصبر لم يشتك إلى الله من مرضه بل سلّم أمره إلى الله.
وأضاف الشيخ.. أنه لو أعرضنا عن هذا التفسير، لأنه للخصم ألا يعترف به، فأنه ليس للسرساوي وجه في أن يستدل بهذه الآية، لأنه حسب زعمه أن الشيطان أصاب أيوب بسحر في بدنه بينما ما استدللنا به في قول عائشة الملعونة في رواياتها يفيد بأن النبي قد أصيب بالسحر في عقله وإدراكه لأنه كان يتوهم أشياءا وهو لم يفعلها والناس لا تقول لمن يصنع هذا الصنيع أنه مصاب في بدنه وإنما تقول أنه مصاب في عقله وإدراكه، فهذا ما فهمناه وفهمه جملة من علماء هذا الغبي الجاهل مازن السرساوي.
وفيما يتعلق بالآية الثانية التي استدل بها السرساوي {فأزلهما الشيطان عنها فأخرجهما مما كانا فيه} علّق الشيخ الحبيب بأن تفسيرها كلاميا هنا هو أن فعل آدم كان قد أتى من باب المزاحمة والاضطرار كي تمضي مقادير الله تبارك وتعالى وكان ذلك تكليفا لآدم لتتم سنـّة الله، وفي ذلك بحث كلامي وعقائدي أكبر بكثير من مستوى مازن السرساوي.
وأضاف سماحته.. أن الجنة المقصودة في الآية هي جنة من جنان الدنيا وليست جنة الخلد وكذلك البحث والتفصيل في بيان توضيح الاختلافات طويل، وعلى من شاء الوقوف عليه أن يراجع دروس الكلام حول عصمة الأنبياء الموجودة على موقعنا الرسمي.
وعلى كل حال فأن الآية لا تدل على أكثر من الوسوسة ولا دلالة فيها على أن الشيطان قد سحر آدم وحواء «عليهما السلام» فتسلط عليهما وأجبرهما على أن يأكلا من تلك الشجرة.
وعليه فأن الآية أجنبية تمامًا عن المطلوب لأن آدم «عليه السلام» أكلَ بملء اختياره ومشيئته ولم يأكل بهيمنة من الشيطان.
ثم تطرّق سماحته إلى الآية الأخيرة التي استدل بها السرساوي على إمكانية سيطرة الشيطان على أنبياء الله عن طريق السحر، وهي قوله {فإذا حبالهم وعصيّهم يخيّل إليه من سحرهم أنها تسعى}، فأفاد «حفظه الله» أن الضمير في (إليه) يرجع إلى فرعون لا إلى موسى.
أمّا ما أوجسه موسى من خيفة في نفسه فقد فسره أمير المؤمنين عليه السلام في (نهج البلاغة) حيث قال: ”لم يوجس موسى خيفة على نفسه بل أشفق من غلبة الجهّال ودول الضلّال“، أي أنه خاف على الآخرين أن ينخدعوا بما جاء به السحرة فيعتقدون أن ما أتى به السحرة هو معجزة كمعجزته بتحويل العصا إلى ثعبان.
وفي نهاية الرد على الشبهة الثالثة التي ساقها السرساوي لتزكية أمه عائشة، نوّه الشيخ الحبيب أنه لو أعرضنا عن تفسير أئمة أهل البيت عليهم السلام لهذه الآية وما تلاها وتنزلنا إلى ما ساقه السرساوي الجاهل من أن الضمير في (إليه) يعود إلى موسى، فأن غاية ما هنالك هو أن موسى تخيّل صورة ظاهرية غير كاشفة عن الواقع مع علمه بالحقيقة، سيّما أن الروايات كشفت بالتفصيل أن ما قام به السحرة لم يكن سحرًا أصلاً وإنما غاية ما فعلوه أنهم طلوا الحبال والعصي بالزئبق فلما ضربت الشمس الزئبق اضطرب الزئبق بطبيعته و توهّم الجمع أن حبالهم وعصيهم تسعى بأن دبّت فيها الحياة ولم ينخدع موسى بهذه اللعبة.
والحال يختلف تماما عمّا جاءت به عائشة في رواياتها التي نقلناها في كلمة الاحتفال بُعد السماء عن الأرض، إذ أن روايات عائشة أثبتت الهيمنة السحرية للشيطان على نفس النبي فجعلته يتخيل أنه عملَ أعمالا لم يعملها، أي أنه لم يتوهم توهمًا بصريا كما زُعِم لموسى بل حصل له تخيّل منقدح بالنفس والعياذ بالله.
وفي ختام الرد تمنى سماحة الشيخ الحبيب من المخالفين الذين هم من أهل الوعي والعقل والثقافة أن يفهموا كلامه وشرحه ومعطياته التي تقدم بها وأن يتدبروا فيها.