في مستهل الجلسة الثالثة والعشرون من ردوده على الضجة المفتعلة من أنصار عائشة عرض سماحة الشيخ الحبيب نموذج من رسائل التأييد التي تلقاها من الحوزات العلمية.
وفي معرض رده على الرسالة الإلكترونية المرسلة من حوزة الشهيد الشيخ هشام الصيمري في قم المقدسة، حيّا سماحته مرسل الرسالة السيد حسن الشرفاء والعلماء الذين أثنوا عليه لقيامه بإقامة الاحتفال المبارك بذكرى هلاك عدوة الله عائشة بنت أبي بكر (لعنة الله عليهما)، والذين نعتوه في مجمل كلامهم بلقب "بطل الشيعة" وهنئوه على افتتاح قناة فدك الفضائية.
وامتدح سماحته شجاعة هؤلاء المشايخ الأفاضل على هذا الموقف المشرّف، وقدّر رسالتهم وأعتبرها محلاً للإعتزاز لما تمنحه من الأمل في التعويل على من هم في الحوزات العلمية وهم قادرين على إحداث موجات تغييرية كبرى في العالم تسهم في إعادة صياغة وقولبة الأمّة الإسلامية بحيث تكون فيها الكلمة العليا لشيعة أهل البيت صلوات الله عليهم ويكون فيها شيعة أهل البيت هم الأكثرية، مؤكدًا سماحته على تلقيه عدة رسائل بمثل هذا النفس من عدد لا بأس به من الحوزات العلمية الشريفة الأخرى، والتي تقدّم لنا بارقة الأمل بأن الجيل الصاعد من طلبة العلم لن يبقوا على النفسية القديمة التي كانت تحبس رجل الدين الشيعي عن الإقدام والجرأة وإنما سيتكيّفون مع الواقع المعاصر الذي يتطلب منهم الجهر بالحق، ومن أهم هذا الحق هو الجهر بالبراءة من أعداء وقتلة رسول الله وأهل بيته الطاهرين والتي لا تقل عن الجهر بالولاية لرسول الله وأهل بيته الطاهرين كضرورة عقدية ينبغي الاهتمام بها، خصوصا أن البراءة من أعداء الله هي المتممة لولاية أولياء الله عز وجل كما جاء عن أهل البيت صلوات الله عليهم أجمعين.
واستطرد الشيخ الحبيب أن المشكلة التي تعاني منها الأمّة الشيعية اليوم هي زيادة التركيز في طرح الولاية وإهمال الطرح البرائي على المستوى الإعلامي وبالتالي عدم توازي الكفتين، مع ارتفاع محذور التقيّة في كلاهما بهذا الزمان بعد أن كانت متحققة التزامًا ببعض الأحاديث الواردة عن أهل البيت صلوات الله عليهم، والتي تنهى بعضها عن الجهر بالولاية وبعضها الآخر عن الجهر بالبراءة، كالحديث الوارد في الكافي للنهي عن ذكر فضائل أمير المؤمنين وفاطمة الزهراء عليهما السلام، والحديث القائل أن الله إذا أحب عبدًا عرّفه بهذا الأمر، وأحاديث نهي الأئمة لبعض أصحابهم عن التسمية بأسمائهم أو تغيير أسماء أصحابهم إلى أسماء أعدائهم، وغيرها من الأحاديث المتنوعة الموجودة في المجامع الحديثية وكتب السيرة.
واستنكر الشيخ الحبيب إخراج بعض الجهلة لمثل هذه الروايات عن أهل البيت صلوات الله عليهم والتي تخص النهي عن الجهر بالبراءة من أعدائهم، في حين أنها صادرة بنفس القبيل الظرفي والزمني والموضوعي للنهي عن الجهر بولايتهم، ومن ثمّ تأويلها حسب أهوائهم المريضة لأجل إدانة من يعمل بهذه الوظيفة المقدّسة مستغبين بذلك أنفسهم ومن يتبعهم من الناس بتعميم هذه الروايات على كل الأزمنة والأحوال بناءًا على فهمهم الجاهل، ليعيقوا بذلك القائمين بهذه الخطوة الإصلاحية بمضاعفة المشاكل والقيل والقال في دربهم عبر غرس هذه الأشواك في طريق الإصلاح، ناهيك عن تسميدها بالافتراءات والتهم والأباطيل.
واستكمل سماحة الشيخ حديثه بأن إدانة منهج إظهار مثالب أعداء أهل البيت وإشاعة رواياتهم في التظلم من أمثال عمر وعائشة ومن أشبه، هي إدانة تستلزم الطعن في كل علمائنا الأبرار السابقين كثقة الإسلام الكليني، و الشيخ المفيد، و الشيخ الصدوق، و الشيخ الطوسي، والشريف المرتضى، والشهيد التستري، والمحقق الكركي، والعلامة المجلسي، موضحًا (حفظه الله) على نحو الإجمال ما قام به كل واحد من هؤلاء العلماء الأبرار في جانب إظهار البراءة من أعداء الله من قتلة رسول الله الأعظم وقتلة سيدة نساء العالمين إلى آخر ظلمة وشانئي أهل بيت المصطفى الطاهرين الأخيار، مردفـًا أن هؤلاء العلماء قد تحملوا لأجل ذلك الصعاب كي لا يضيع الحق.
وضرب سماحته مثالاً بمن ضيّعوا جانبا من الحق وهم الفرقة الزيدية التي كان في مصنفات علمائها السابقين كتبًا في النكير على أبي بكر وعمر لأخذهما حق علي «صلوات الله عليه» كما في كتاب (تثبيت الإمامة) لأحد علمائهم السابقين، قبل أن يتغير حالهم اليوم إلى الثناء والمدح على هذين الغاصبين في منابر خطبائهم الحاليين باليمن، حيث جرى في عهود سابقة عقد مصالحة مع الشوافع على طمس هذا الحق.
وشدد الشيخ (حفظه الله) أن الحال سيتكرر مع الشيعة الإثنى عشرية لو سلكوا هذا الطريق ولكن هيهات أن يحدث في ظل استمرار نهج علمائنا السابقين، مقسمًا سماحته بمواصلة الجهر بالبراءة من أعداء أهل البيت عليهم السلام الذين هم في الواقع أصنام الطائفة البكرية، متوعدًا خامنئي وأمثاله بعدم تمرير مؤامرتهم التي تسعى إلى طمس ما وصل إلينا من علماء شيعة أهل البيت الأبرار، السابق ذكرهم، والذين أظهروا روايات البراءة وأحاديث البراءة ودعوا إلى البراءة من أعداء أهل البيت علانيةً بتصنيفهم كتبـًا في ثلب أعداء أهل البيت وجرحهم والقدح فيهم.
وما يجدر ذكره أن منتحل الاجتهاد والمرجعية المدعو علي خامنئي كان قد أصدر فتوى يحرّم فيها النيل من رموز الطائفة البكرية، طار بها أهل الخلاف فرحًا ورقصًا وطربًا إلى حد أن أفردت قناتهم الجزيرة تحليلاً إخباريًا كاملاً حولها وحيّاه عليها مجلس الوزراء الكويتي.
من جانبه قال الشيخ الحبيب أن البراءة سوف تبقى أساسًا في التشيّع، مبديًا استعداده لتقديم رقبته للموت لترسيخ هذا المبدأ، دحرًا للألاعيب والمؤامرات التي تحاك ضد إسلام أهل البيت بدافع المصالح والسياسة القذرة والدنيا بخلط الحق بالباطل وتعطيل مبدأ البراءة، وهو الأمر الذي استهانت به الناس فأدى إلى تمادي سلطات نظام إيران الظالم المتلبّس بالتشيّع إلى أن يقوم بإلقاء القبض على من يقيمون فرحة الزهراء في عمر في التاسع من ربيع الأول وإيداعهم في السجون دون أن يتحدث أحد، إلى جانب منع هذا النظام زيارة مقام أبي لؤلؤة «رضوان الله عليه» ومنعه طباعة كتب المطاعن في أعداء أهل البيت، بالإضافة إلى إزالته اللعن من زيارة عاشوراء في بعض الموارد وكذلك إزالة حديث الكساء من بعض الكتب الشيعية تماشيًا مع رغباته وأهواءه الخبيثة، وغير ذلك من المؤامرات التي يسعى من خلالها لإنشاء الفرقة البترية من جديد داخل التشيّع بسلسلة طويلة من المخازي والمنكرات.
وأضاف سماحته.. نحن حربٌ لمن حارب أهل البيت، ونحذّر المؤمنين من الانخداع بهذا الإعلام الداعي إلى تمييع الخلافات العقائدية وترك بيان حقيقة الشخصيات التي تآمرات على الإسلام من الداخل كأبي بكر وعمر وعائشة وغيرهم من المزابل التاريخية التي لوّثت صدر الإسلام، ونشد أزر المجاهدين في هذا الميدان على مضاعفة جهودهم في ثلب أعداء أهل البيت وكشفهم ولو بمقدار المواجهة اللفظية بإعلان البراءة من رموز الباطل.
منوهًا في الوقت نفسه أن من يتأثرون بالإعلام الداعي إلى ما يسمى بالوحدة الإسلامية، وتناسي الخلافات، والتقريب، والتآلف، وما أشبه من الكلمات اللطيفة المدغدغة للمشاعر ما هم إلا ثلة من المخدوعين من الناس التوّاقين إلى الدعة والراحة والسلامة.
وعقـّب الشيخ في جوابه على الرسالة بثلاث نقاط مهمة موجّهة إلى عوام الناس المؤمنين الذين يعتقدون بعدم جدوى إقامة تنظيم مجالس البراءة:
• الأمر الأول: أن مجالس البراءة مهمة بقدر أهمية مجالس الولاية، وهذا الأمر أكدته السنة المطهرة حيث نصّت بأن تنظيم مجالس البراءة والولاية من أسس التفريق بين الأحياء والأموات في ميزان أهل البيت عليهم السلام، والدليل ما جاء عن الإمام الصادق عليه السلام في مخاطبته لشيعته بقوله: ”تقعدون في المكان فتحدثون وتقولون ما شأتم وتتبرءون ممن شأتم وتولّون من شأتم؟ فقال له إسماعيل البصري: نعم؛ فردّ عليه السلام: وهل العيش إلا هكذا؟“ (الكافي/ ج8/ ص229/ ح292(
• الأمر الثاني: أن مجالس البراءة كما أنها ضرورية فإن اظهارها أيضا مهم بل هو الأصل، وكتمانها هو الاستثناء الذي يأتي في حالة تحقق موضوع ضرري على المحتفلين، تمامًا كاظهار المسلم لإسلامه، فقد يضطر المسلم في حالات شاذة جدا أن يكتم إسلامه، كما لو كان اظهاره له في قرية من قرى الولايات المتحدة الأمريكية قد يودي بحياته.
• الأمر الثالث: أنه لا اعتداد بمن يتأذى من إظهار البراءة، كما أنه لا اعتداد بقول من يقول أن اظهارها ليس من منهج أمير المؤمنين عليه السلام، فذلك من منهج الإمام علي عليه السلام ومن أدلة ذلك أنه عندما دخل الكوفة بعد معركة الجمل وقف خطيبا في الناس فكان مما قال: ألا أنه قد قعد عن نصرتي منكم رجال فأنا عليهم عاتبٌ زارٍ فاهجروهم واسمعوهم ما يكرهون حتى يعتبوا ليُعرف بذلك حزب الله عند الفرقة. (وقعة صفين لنصر بن مزاحم/ص4)
هذا ولم يكن من ذنب لأولئك سوى الخذلان عن نصرته فكيف بمن حاربوه وتوّلوا من حاربه وأشهر السيف في وجهه؟
وعليه فأن إسماعهم ما يكرهون واستفزارهم فيه إفراز للحق عن الباطل، أمّا السب الذي استكرهه الإمام فهو السب الموجّه للمخدوعين من أهل العامة من غير البغاة والظلمة ورؤوس الكفر.
وفي نهاية كلمته دعا سماحة الشيخ الحبيب إلى مضاعفة الجهد لإعادة صياغة المفاهيم والأفكار في الذهنية الشيعية ليعم التقدم بكنس التراكمات والأفكار المريضة من عقول الناس.